وبالتالي ستكون خلفاً لجاك شيراك الذي تنتهي ولايته الرئاسية التي استمرت لاثني عشر عاماً، في ظل تصاعد التطلعات وتنامي الرغبة الشعبية في تغيير السياسات الفرنسية. \r\n ويحلو للبعض أن يصف الكيفية التي ستتمكن بها فرنسا من إجراء إصلاحات جوهرية على دولة \"النمط الاجتماعي\" الذي واصل تقديم الدعم الحكومي لكافة أوجه الحياة الفرنسية تقريباً على امتداد عدة عقود، بأنها ستكون لحظة انعطاف تاريخي حاد وبالغ الأهمية. والسبب هو أن ذلك النمط لم يعد ممكناً تمويل تكلفته المالية، وأنه بدأ بالتداعي عملياً. \r\n وتكتسب الانتخابات الرئاسية الفرنسية، التي يفترض أن تنتهي وتعلن نتائجها في نهاية شهر مايو المقبل بعد انتهاء جولتيها، أهمية كبيرة وحاسمة بالنسبة للقارة الأوروبية بأسرها، وليس لفرنسا وحدها. ذلك أن نتائج هذه الانتخابات هي التي ستقرر المدى والكيفية اللتين يمكن بهما للقارة أن تحقق تكاملها السياسي، معبراً عنه في سياسات خارجية وأمنية موحدة، فضلاً عن وحدة سياساتها في مجال الطاقة والبيئة، وتحديد طبيعة ومدى العلاقة بين أوروبا والولايات المتحدة الأميركية. وكما قال \"بيري هاسكي\"، المحرر السابق لصحيفة \"ليبراسيون\" اليومية، الذي ينشغل الآن بإنشاء موقع إلكتروني له مختص بالعلاقات الخارجية الأطلسية: \"فلا حديث يمكن إجراؤه حول القارة الأوروبية قبل الإعلان عن نتائج الانتخابات الفرنسية\". \r\n هذا وقد حددت \"رويال\" شكل المعركة الانتخابية المرتقبة من جانبها في نهاية الأسبوع الماضي، وذلك بإعلانها عن أجندة انتخابية تتألف من 100 نقطة، تضمنت بين ما تضمنت: الأمن الوظيفي، الحد الأدنى للأجور، والفوائد الاجتماعية. وبتلك الأجندة، فقد حددت \"رويال\" موقعها \"اليساري\" الواضح في هذه الحملة. أما حديثها المتواصل لمدة ساعتين -دون الاستعانة بأية ملاحظات أو نقاط مكتوبة للحديث- أمام جمع غفير من الحاضرين، بلغ حوالى 15 ألفاً، فيشير هو الآخر إلى أن هذه المعركة الانتخابية لا تدور حول مكان وموقع فرنسا المستقبلي من السياسات الدولية فحسب، وإنما على جدية وسخونة القضايا الداخلية المطروحة أيضاً. أما صحيفة \"لوموند\" ذائعة الصيت، فقد وصفت هذه القضايا الداخلية بأنها تمثل \"كارثة اجتماعية\" سواء ما تعلق منها بالوظائف أم الرعاية الصحية أم التعليم والإسكان، أم الأمن والنظام. \r\n وفي الجانب الآخر من المعركة، هناك المرشح \"اليميني\" ووزير الداخلية الحالي، نيكولا ساركوزي، وهو يعبر عن \"يمين الوسط\"، متمثلاً في \"الاتحاد من أجل الحركة الشعبية\". وكان قد بدأ صعوده السياسي، بانتخابه عمدة لإحدى ضواحي باريس، عندما كان يبلغ من العمر 28 عاماً. وهو يخوض الآن معركته الانتخابية على أساس أجندة جمهورية. وعلى رغم كونه على رأس وزارة تشمل الشرطة والعدل والاستخبارات، وعلى رغم كونها الوزارة الأكثر تدخلاً في كل شيء، فإنه دعا خلال حملته هذه، إلى النزعة الفردية للسوق الحرة. ومهما يكن، فإن ساركوزي يعد مرشحاً مثيراً لمخاوف الكثير من الفرنسيين، خاصة \"اليساريين\" منهم. وليس أدل على ذلك من الشعارات التي ظل يرفعها دائماً مثل: \"تكسب أكثر كلما عملت أكثر\"، الذي عده الكثيرون مؤشراً على تحول كبير سيحدث، في حال فوزه، في نمط العمل والرعاية الاجتماعية اللذين اتسم بهما \"النموذج الفرنسي\". كما يتوسل \"ساركوزي\"، ويسعى لكسب عقول وقلوب \"اليمينيين\" الفرنسيين بعبارات وشعارات، تجد لها صدى خاصاً لديهم مثل: \"من لا يحب فرنسا فله أن يغادرها وقتما شاء\". وتشير تلك العبارة إلى نبرة تشدد واضحة في سياسات تطبيق القانون والنظام، خاصة في الضواحي الفرنسية المكتظة بالمهاجرين. \r\n لكن على رغم تكريس الإعلام الفرنسي كل اهتمامه على ساركوزي وسيجولين رويال، فإن هناك اثني عشر مرشحاً للمنصب الرئاسي، بمن في ذلك ساركوزي ورويال. على أن هذا الرقم سيتقلص إلى اثنين فحسب، في جولة 22 أبريل المقبل، وهي الجولة التي يسعى فيها المرشحون للحصول على دعم القواعد الانتخابية الرئيسية للأحزاب والحركات السياسية. ثم يلي تلك الجولة، التنافس السابق للاقتراع النهائي، حيث يتعين على المرشحين إبراز عضلاتهم وقدراتهم على جذب القواعد الأعرض من الناخبين، استعداداً للمعركة النهائية الفاصلة. \r\n وقد صعد بين المرشحين الآخرين إلى حد ما، نجم \"فرانسوا بايرو\"، عن حزب \"الاتحاد من أجل الديمقراطية الفرنسية\" وهو حزب من \"يمين الوسط\". والمعلوم أن فرنسا تصوت بوجه عام وتقريبي، بنسبة 60 في المئة لصالح المرشحين \"اليمينيين\"، مقابل 40 في المئة لصالح المرشحين \"اليساريين\". بيد أن المشكلة أن \"اليمين\" الفرنسي يبدو منقسماً جداً على نفسه هذه المرة، بسبب حصول \"جان ماري لوبان\" المعروف بنزعته \"اليمينية المتطرفة\"، على نسبة تتراوح ما بين 10 إلى 15 في المئة من التأييد الشعبي، حسب ما أظهرت آخر استطلاعات الرأي الانتخابي التي أجريت. ولاشك أن تلك نسبة تخصم لغير صالح \"اليمين\"، لكونها تهدد بتخفيض النسبة النهائية التي يحصل عليها من أصوات الناخبين، إلى 45 في المئة. وفيما لو حدث ذلك، فسيكون على المرشحين \"اليمينيين\"، المخاطرة بخوض معركة انتخابية مع منافستهم \"اليسارية\"، لا يزيد هامشها الانتخابي على 5 في المئة فحسب. \r\n إلى ذلك فإنه تجدر الإشارة إلى أن الوساوس والشكوك تساور الكثير من سكان باريس بصفة خاصة، بشأن ما ستسفر عنه المعركة الانتخابية المرتقبة. وقد بدت هذه المشاعر واضحة، بين العشرات الذين أجرت معهم صحيفة \"كريستيان ساينس مونيتور\" لقاءات هنا في باريس. وبسبب الشكوك نفسها، فإن معظمهم لم يقرر موقفه الانتخابي بعد. وعليه فإن تبديد الشكوك ومشاعر اليأس والإحباط هذه، يعد أهم عنصر في نجاح المعركة الانتخابية المرتقبة. وليس هناك ما هو أسوأ من ألا يشعر الكثير من الفرنسيين، بأن طبيعة بلادهم نفسها قد تغيرت فحسب، بل إن تلك الحياة الرغدة في الأيام الخوالي، قد ذهبت دون عودة! وذلك هو التحدي الرئيسي الذي يواجهه المرشحون. \r\n \r\n روبرت ماركواند \r\n مراسل صحيفة \"كريستيان ساينس مونيتور\" في باريس \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"كريستيان ساينس مونيتور\" \r\n \r\n