\r\n كانت هذه السيدة وعائلتها من المؤمنين المخلصين بأيديولوجية عائلة \"كيم الحاكمة\" التي تقوم على \"فصل\" كوريا الشمالية عن بقية العالم، وعلى ولاء الشعب الكوري التام لها. كانت \"بارك\" وأبناؤها السبعة يمجدون الزعيم \"كيم أيل سونج\"، وعندما مات الزعيم وعانى الشعب ويلات المجاعة الشاملة لم يصب الهلع بارك وعائلتها، وإنما حافظوا على ولائهم وكتبوا رسالة للرئيس الجديد\" كيم يونج إيل\" نجل الزعيم الراحل يعلنون فيها ولاءهم التام، ويتطوعون فيها بالعمل في المزارع دون مقابل، وهو شرف لا يعادله شرف في كوريا الشمالية. \r\n \r\n أما الآن فإن السيدة \"بارك\" (ليس اسمها الحقيقي) تقيم في كوريا الجنوبية بعد أن انضمت للفارين من بلدها وتمزقت عائلتها وتحطمت مثلها العليا. وكانت \"بارك\" قد حاولت الفرار من قبل من بلدها ولكن قبض عليها وأجبرت على الخدمة في معسكرات العمل الرهيبة. وبعد أن خرجت من تلك التجربة المروعة، ذهبت إلى الصين كي تستطيع إطعام عائلتها ولكن حياتها عندما وصلت إلى هناك انقلبت رأساً على عقب. \r\n \r\n إن أهمية قصة \"بارك\" ترجع إلى أنها قصة نمطية تتكرر كثيراً. ففي العقود القليلة الماضية تحطمت المثل العليا- المفروضة من قبل الحكومة- لدى الكثيرين من الكوريين الشماليين، وأصبح هؤلاء يمثلون طبقة مشكوك فيها من قبل النظام ويقول المحللون إن فقدان الإيمان في أوساط القوى الأساسية التي تشكل جيش المخلصين لعائلة \"كيم\" يمثل تغييراً جديراً بالاهتمام داخل نظام معروف بأنه لا يمكن التنبؤ بتصرفاته. \r\n \r\n وتمر كوريا الشمالية الآن بمفارقة: ففي الوقت الذي نجد فيه أن مستواها المادي آخذ في التحسن- تحول من مستوى بالغ البؤس إلى مستوى بائس فقط- فإن معنوياتها وعقائدها الجماعية الجوهرية آخذة في الاضمحلال. \r\n \r\n يقول باحث في الشؤون الصينية والكورية الشمالية يتخذ من \"سيول\" مقراً له: \"إن الشعور بالعواطف الإيجابية مفقود الآن في كوريا الشمالية... فالناس لم يعودوا ينظرون إلى بعضهم بعضاً على أنهم أبناء شعب واحد، وإنما أصبح ما يهم الجميع هو المال والمال فقط. في الماضي كان الناس ينظرون بإكبار إلى الموظفين الرسميين ورجال الجيش، أما اليوم، فإن هؤلاء أنفسهم لا يتورعون عن قبض الرشاوى\". \r\n \r\n ويقول \"سكوت شنايدر\" الرئيس السابق لمؤسسة \"آسيا فاونديشين\" في سيول، والذي يعمل الآن في جامعة ستانفورد: \r\n \r\n \"لقد تم اختراق كوريا الشمالية فكرياً ومعلوماتياً وثقافياً وتجارياً من الخارج، كما أن قواعد اللعب قد تغيرت ولم تعد هي تلك القواعد القديمة\". \r\n \r\n ولكن المفارقة الكورية الشمالية لا تعني بأي حال من الأحوال أن \"كيم يونج إيل\" لم يعد حاكماً مطلقاً، أو أن نظامه يتأرجح على شفير الهاوية كما يأمل البعض في واشنطن التي دأبت على مدار العقود القليلة الماضية على التنبؤ بنهاية نظامه، والقول بأنه قد وصل إلى حافة الهاوية، وفي كل مرة كان ذلك النظام ينجو من السقوط في تلك الهاوية ويحول نجاته هذه إلى خطوة جديدة في سياسة حافة الهاوية التي كان يتبعها في التعامل مع أميركا. \r\n \r\n ومرور عشر سنوات من المعاناة الكورية الشمالية، وما يحدث في الصين الآن من تطورات تقوم بتغيير قواعد اللعب في القارة الآسيوية قد يجعل \"كيم يونج إيل\" راغباً في لعب دور يقوم على سيناريوهات دراماتيكية شديدة الخطورة كما يحذر الخبراء. من تلك السيناريوهات في الشهور الأخيرة التجارب الصاروخية، واحتمال قيامها بتجربة نووية حسب الإشاعات التي سرت بهذا الخصوص. \r\n \r\n والمفارقة الكورية الشمالية لا تعني كذلك أن المجتمع الكوري الشمالي، قد أضحى على وشك السقوط. فخلال المجاعة التي حدثت غادر مئات الآلاف من المهاجرين عبر الحدود إلى الصين، أما الآن، فإن تلك الحدود مستقرة، حيث لا يزيد عدد من يعبرونها عن 50 ألفاً، كما أن التأشيرات تباع علنا مقابل المال. \r\n \r\n ليس هناك أيضاً دليل على أن كوريا الشمالية تقوم الآن بإغلاق معسكرات العمل الذي يقدر عدد العاملين فيها بما لا يقل عن 200 ألف شخص، كما أن هناك الملايين من الكوريين الشماليين الذين يعيشون تحت أشكال من الاعتقال والحجز في مناطق جغرافية معينة عندما تشك السلطات الكورية الشمالية أن ولائهم ليس كاملاً للنظام. \r\n \r\n إن الصين وكوريا الجنوبية قد تساعدا \"كيم يونج إيل\" على الإحساس بأنه قد أصبح يعيش في \"عصر ما بعد العزلة\" ولكن \"كيم\" أيضاً يواجه الكثير من الحقائق التي تجعله يصحو من الأوهام، ويحاول أن يدخل تحسينات في بعض المجالات. \r\n \r\n ففي غيبة احتمال حدوث تغيير جراء رحيل \"كيم يونج إيل\" وغيابه عن المسرح، فإن الأمل الذي يتبقى في دول آسيا ونخبها السياسية هو أن يقوم النظام الكوري الشمالي بتحسين أحوال بلاده تدريجياً. ومع ذلك فإن بعض الخبراء يرون أن قياس حدوث تحسن حتى لو كان تدريجياً لن يكون ممكناً، إلا من خلال الحصول على معلومات عن الأحوال الحقيقية داخل كوريا الشمالية، وهو ليس بالشيء السهل، وخصوصا أن كوريا الجنوبية تتجنب ما أمكن الحديث عن تلك الأحوال اتقاء لشر نظام لا يبعد عنها سوى بعشرات الأميال إلى الشمال. أما في الصين فلا أحد يتحدث عنها على الإطلاق. \r\n \r\n والخوف كما يقول أحد المحللين هو أن يتهاوى النظام في كوريا الشمالية لسبب من الأسباب، وعندما تدخل منظمات حقوق الإنسان وغيرها من منظمات المجتمع الدولي إلى داخل تلك الدولة، ستجد أن الأمور هناك أسوأ بما لا يقاس مما كان يتخيل أي أحد. \r\n \r\n روبرت ماركواند \r\n \r\n مراسل \"كريستيان ساينس مونيتور\" في سيول \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"كريستيان ساينس مونيتور\" \r\n \r\n