\r\n اللافت حقاً أن قضية \"كليرستريم\" التي وصفت بأنها \"ووترجيت\" فرنسية، لم تثر حفيظة الناخبين الفرنسيين كما كان متوقعاً. وقد تشكل الأسباب التي يمكن بها تفسير عدم اكتراث الشارع الفرنسي بأنها إما أن تكون بارقة أمل تدل على عافية الديمقراطية الفرنسية، أو أنها تعبير عن الخلل الذي بات يعتريها. فمن ناحية كشفت استطلاعات الرأي التي أجريت على خلفية الفضيحة أن معظم الناس يفضلون لو توقف السياسيون عن شغل أنفسهم بالفضيحة والتركيز بدلاً من ذلك على القضايا الجوهرية التي تهم المجتمع الفرنسي مثل التراجع الاقتصادي، والبطالة، فضلاً عن مكانة فرنسا العالمية. وحسب \"فيليب مانيير\"، مدير أحد مراكز الدراسات في باريس يشكل هذا المنطق \"الجانب المشرق للفضيحة\". غير أنه من ناحية أخرى فسر عدم اكتراث الشارع الفرنسي بالفضيحة على أنه \"انعدام للثقة في السياسيين\". \r\n فبالنسبة ل\"مانيير\"، لم يعد الفرنسيون يلقون بالاً للتهم والادعاءات التي تلاحق الحكومة، لأنها لا تخرج عن نطاق ما هو معروف سلفاً عن السياسيين. وبالرجوع إلى جذور الفضيحة نجد أنها تستمد اسمها من إحدى المؤسسات المالية التي تدعى \"كليرستريم\" وتتخذ من لوكسمبورغ مقراً لها. وفي عام 2004 قامت جهة سرية بوضع لائحة أمام القضاء تضم حسابات مالية سرية استخدمها سياسيون فرنسيون لإخفاء عمولات غير قانونية ترجع إلى 1991 عندما باعت فرنسا فرقاطات إلى تايوان، وهي الصفقة التي كانت رهن التحقيق لعدة سنوات. الأهم من ذلك أن القائمة ضمت اسم \"نيكولا ساركوزي\"، وزير الداخلية وغريم \"دوفيلبان\" القديم، المرشح المفضل للرئيس شيراك لخلافته في الانتخابات الرئاسية المقرر عقدها في شهر أبريل 2007. \r\n غير أن التحقيقات القضائية التي بحثت في القائمة أظهرت أنها مزورة ليبرز السؤال الملح حول من قام بعملية التلفيق، ولماذا قام بذلك؟ التحقيقات كشفت أيضاً أن الجهة السرية التي قدمت اللائحة إلى القضاء لم تكن سوى \"جون لوي جيرجورين\"، نائب رئيس شركة فرنسية لصنع الأسلحة وصديق قديم ل\"دوفيلبان\". \r\n والأكثر من ذلك أظهرت الأدلة التي قدمت إلى قاضي التحقيق وتسربت إلى الصحافة أنه في يناير 2004، طلب دوفيلبان الذي كان وزيراً للخارجية وقتها من الجنرال \"فيليب روندو\"، الضابط البارز في الاستخبارات الفرنسية، فتح تحقيق حول ما إذا كان \"ساركوزي\" يملك حساباً بنكياً سرياً في الخارج. وتشير ملاحظات \"روندو\" التي دونها خلال اجتماعه مع \"دوفيلبان\" إلى أن طلب رئيس الحكومة كان بموافقة من الرئيس جاك شيراك نفسه. ومع أن تحقيقات \"روندو\"، فضلاً عن تحقيقات لاحقة أجرتها أجهزة الاستخبارات الفرنسية، خلصت إلى أن اللائحة غير حقيقية، فضل \"دوفيلبان\" عدم إطلاع ساركوزي على نتائج التحقيق التي تبرئ ذمته إلا بعد مرور خمسة عشر شهراً على ظهورها. وبالطبع تكشف تلك التداعيات أن \"دوفيلبان\" حاول، بمعرفة من شيراك، تلطيخ سمعة \"ساركوزي\" من خلال جمع معلومات تضر به، لكن مع التزام الصمت عندما ثبتت عدم صحة تلك المعلومات. ومن جهته قام \"ساركوزي\" منذ ذلك الحين برفع دعوى ضد الأطراف المحتملة التي اختلقت لائحة \"كليرستريم\". \r\n وإلى حد الآن مازال القضاة يجرون تحقيقهم للتعرف على أصل اللائحة، فضلاً عن قيام الحكومة بفتح تحقيق حول التسريبات التي نشرتها الصحافة مؤخراً وكان مصدرها الجنرال \"رودنو\". يشار إلى أن تصريحات \"روندو\" حول القضية التي نشرتها صحيفة \"لوموند\"، ساهمت بقدر كبير في تسليط الضوء على الفضيحة وكشف أبعادها المتشابكة. تلك الأبعاد التي وصلت مداها عندما تقدم زعيم الحزب الاشتراكي \"فرانسوا هولاند\" بمقترح إلى البرلمان الفرنسي في الأسبوع الماضي يطلب فيه سحب الثقة من رئيس الحكومة. ورغم فشل المقترح في إسقاط حكومة \"دوفيلبان\"، إلا أنه أبرز العزلة التي باتت تطوقه، لاسيما وأن أكثر من 200 نائب من أعضاء حزبه لم يحضروا جلسة البرلمان التي ألقى فيها دوفيلبان خطابه. وفي ظل هذا الوضع تراجعت كثيراً حظوظ رئيس الحكومة في نيل ثقة حزب شيراك \"اتحاد الحركة الشعبية\" لخوض الانتخابات الرئاسية في العام المقبل. بيد أنه ليس الوحيد الذي تضررت سمعته جراء فضيحة \"كليرستريم\"، بل امتد الضرر إلى جميع مكونات الطبقة السياسية، خصوصاً الذين يوجدون في السلطة. وبالنسبة للرأي العام الفرنسي شكلت الفضيحة حسب \"جون لوك بارودي\"، أستاذ العلوم السياسية في معهد الدراسات السياسية بباريس \"شعوراً مبهماً بأن أشياء سيئة كانت تحدث طيلة الفترة السابقة دون أن يعرفوا من المسؤول عن الخلل\"، مضيفاً بأن ذلك \"ليس في صالح ممثلي السلطة، أو الذين يشتغلون بالسياسة\". \r\n وفي هذا السياق أظهر استطلاع للرأي نُشرت نتائجه الأسبوع الماضي أن 69% من الفرنسيين فقدوا ثقتهم في قدرة الساسة الفرنسيين على قيادة البلد سواء كانوا من \"اليمين\"، أم من \"اليسار\". وهو ما أثار مخاوف الطبقة السياسية الفرنسية من أن تؤدي الأزمة السياسية إلى استفادة من هم على هامش السياسة الفرنسية، لاسيما زعيم \"اليمين\" المتطرف \"جان ماري لوبان\". وقد ألمح الرئيس جاك شيراك إلى خطورة الوضع عندما أدان في خطابه ما أسماه ب\"ديكتاتورية الإشاعة\"، محذراً مما يقود إليه ذلك أي إلى \"يأس الناخبين من السياسة\". ومن جانبه يؤكد \"بول جوت\"، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأميركية في باريس هذا الطرح بقوله: \"ينتقد لوبان عادة جميع السياسيين بأنهم فاسدون، وهو ما نراه فعلاً الآن يجري على أرض الواقع\". \r\n \r\n بيتر فورد \r\n مراسل \"كريستيان ساينس مونيتور\" في باريس \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"كريستيان ساينس مونيتور\" \r\n \r\n \r\n