تقرير: محمد شعبان دخلت فرنسا خلال العام الماضي 2005 وبدايات العام الحالي مرحلة مضطربة من المطبات السياسية مرشحة لإحداث زلزال سياسي علي رأس هرم السلطة الفرنسية، اثر الكشف عن فضيحة "كلير ستريم" التي تقاطعت فيها السياسة مع الاقتصاد ممثلا هذه المرة في مزاعم عن وجود حسابات لسياسيين بارزين وعلي رأسهم الرئيس جاك شيراك ووزير داخليته نيكولا ساركوزي ببنوك في لوكسمبورج واليابان. واخذت وسائل الاعلام الفرنسية تتحدث عن "ووترجيت" فرنسية. في اشارة الي فضيحة التجسس الداخلي التي اطاحت بالرئيس الامريكي الاسبق ريتشارد نيكسون في عام 1974 اثر التنصت علي الحزب الجمهوري آنذاك. وقد لا يعلم الكثيرون ان شركة "كلير ستريم انترناشيونال" في لوكسمبورج التي تحمل القضية التي تهز فرنسا حاليا اسمها تشكل حلقة اساسية لكنها مثيرة للجدل في القطاع المالي العالمي. فالشركة التي تديرها منذ ست سنوات مجموعة "دويتشه بورسه" الالمانية وسيط تتبادل عن طريقه اكثر من 2500 مؤسسة مالية في جميع انحاء العالم الأسهم والسندات. وكانت هذه المصارف مضطرة في الماضي لارسال الأسهم التي تشتريها أو تبيعها بالبريد في عملية بطيئة ومكلفة وغير آمنة. لكنها اليوم تلجأ الي "كليرستريم" التي تقوم بتخزين وتبادل هذه الاسهم بالطرق المعلوماتية. ويفيد موقع الشركة علي شبكة الانترنت ان اكثر من 250 ألف عملية "تسوية أو تسليم" من هذا النوع تجري يوميا بمبالغ خيالية. وغداة اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر 2001 علي نيويورك وواشنطن دعت جهات عدة لادانة الغموض الذي يلف عمليات مشبوهة قد تكون شبكات ارهابية قامت بها عن طريق هذه الشركة التي يتهمها محللون فرنسيون بالقيام بمهام غسيل للاموال القذرة. ويدللون علي ذلك بوجود حسابات مجهولة فتحها أفراد وليس مؤسسات مالية. إلا ان "كلير ستريم" تنفي التهم المنسوبة اليها، وتؤكد ان ما يجري في فرنسا قضية دولة ولا علاقة لها به اطلاقا، وقررت في ابريل الماضي رفع دعوي قضائية ضد عملية تشويه سمعتها. وتعود بدايات فضيحة "كلير ستريم" الي اواخر العام 2003 وبدايات 2004 عندما ظهرت قائمة مزورة منسوبة الي شركة "كلير ستريم" المالية المسجلة في لوكسمبورج تتضمن اسماء شخصيات سياسية وصناعية وعسكرية فرنسية تمتلك حسابات مالية سرية تمت تغذيتها من عمولات دفعت بمناسبة بيع فرقاطات لتايوان. وتبين لاحقا ان هذه القائمة مزيفة. ومن بين ابرز الاسماء التي كانت موجودة فيها نيكولا ساركوزي وزير الداخلية الحالي والمرشح المعلن لخلافة شيراك ودومينيك شتر وسخان وزير الاقتصاد الاشتراكي السابق. وكانت فرنسا باعت قبل 15 عاما ست فرقاطات للبحرية التايوانية مقابل 2.3 مليار دولار وقيل ان عمولة الصفقة بلغت قرابة 20% من المبلغ تم تبييض جزء منها عبر كليرستريم، وهو ما ينفيه المصرف. ووضعت المسألة تحت الضوء مجددا عندما نشرت صحيفة "لوموند" المسائية مطلع هذا الشهر مقتطفات واسعة من اقوال الجنرال المتقاعد فيليب روندو احد ابرز وجوه المخابرات الفرنسية الخارجية لاحد قضاة التحقيق حول اجتماع استدعي اليه في وزارة الخارجية في 9 يناير عام 2004 حينما كان رئيس الوزراء الحالي دومينيك دو فيلبان وزيرا للخارجية وطلب منه ان يحقق في هذه القائمة. وكان الجنرال روندو قد قطع الشك باليقين وقتها، واكد لدوفيلبان ان قائمة "كلير ستريم" مؤامرة وعارية من الصحة تماما، غير ان دوفيلبان عندما تسلم حقيبة الداخلية في صيف 2004 اعطي امرا بتعميق التحقيق في القائمة الوهمية لكليرستريم. كما نشرت الصحيفة مقتطفات من ملاحظات شخصية دونها روندو وعثر عليها في منزله وكلها تؤكد وتظهر ان دو فيلبان طلب منه، في الاجتماع التحقيق في حالة ساركوزي بناء علي تعليمات تلقاها من الرئيس شيراك. وجاءت الورطة التي ادخل فيها دو فيلبان اثر الزج باسم ساركوزي في هذه اللائحة المزورة، وهو ما فسره المراقبون بأن الهدف من ذلك زعزعة ساركوزي وازاحته كخصم سياسي قوي يملك حظوظا للفوز بالانتخابات الرئاسية المقبلة في 2007. وامام هذه الورطة سعي دو فيلبان لبناء خط دفاعي وحرض علي توجيه مجموعة رسائل أولاها انه فور اطلاعه علي مسألة الحسابات المصرفية الخيالية التي تتهم مباشرة شخصيات سياسية واقتصادية بتعاطي الرشوة والاختلاس، طلب من مدير مصلحة مراقبة الاقليم المعروفة اختصارا ب: دي.اس.تي" (أحد اجهزة المخابرات المركزية الفرنسية) بأن يبلغ الجهات القضائية بالخلاصات المتوافرة لديه. والرسالة الثانية انه لن يقدم استقالته ولن يتخلي عن المهمة التي كلفه بها رئيس الجمهورية. والثالثة تتمثل في تأكيده ان شيراك ليس علي علاقة لا من قريب ولا من بعيد بمسألة كليرستريم مايمكن ان يفهم علي انه محاولة منه لحماية رئيس الجمهورية من تداعيات هذه الفضيحة لكنه بالمقابل اكد انه كان يعمل بتوجيهات الرئيس عندما كان وزيرا للخارجية و