\r\n \r\n \r\n \r\n إن القوى الاقتصادية والسياسية التي اجتذبت الولاياتالمتحدة إلى العراق، والمختلفة كل الاختلاف عن تلك التي ساقها بوش لتبرير غزوه لهذا البلد لا تزال قوية وفاعلة حتى لحظتنا هذه، بل وتمارس قوة ضغط سيكون من الصعب مقاومتها. النفط بالطبع يأتي على رأس هذه القوى. ولكن هناك أيضاً قوى أو عوامل أخرى تتمثل في المهددات والتوترات المرتبطة بالنفط ومنها التنافس بين الولاياتالمتحدةوإيران الذي يرجع لعقود، والأخطار المتنامية المتعلقة بانتشار أسلحة الدمار الشامل، والخوف من تطور الأمور في الشرق الأوسط إلى حرب إقليمية أوسع نطاقاً. \r\n ويجب علينا أن نعرف أن محاولاتنا لاستنقاذ أنفسنا من مأزق العراق ليست سوى الفصل الأخير في تاريخ الانغماس الأميركي في شؤون المنطقة. فنحن قد نستنقدذ أنفسنا من مستنقع العراق، ولكننا لن نستطيع أن ننتزع أنفسنا من الشرق الأوسط برمته، وحتى إذا ما خرجنا منه اليوم فسنعود إليه بالتأكيد مرة ثانية. \r\n إن اهتمام الولاياتالمتحدة بالشرق الأوسط يعود إلى أيام ما بعد الحرب العالمية الأولى، عندما قامت بريطانيا بإعادة رسم خريطة المنطقة. \r\n وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية اتخذ الاهتمام الأميركي بالمنطقة أبعاداً جديدة، وذلك عندما خرجت الولاياتالمتحدة المتعطشة للنفط منتصرة من تلك الحرب، وأخذت على عاتقها صياغة نظام عالمي جديد كان الشرق الأوسط يمثل أولوية مركزية فيه. وفي إطار النظام الجديد خاضت الولاياتالمتحدة حرباً أخرى باردة مع الاتحاد السوفييتي الذي كان متعطشاً هو الآخر لمصادر الطاقة في المنطقة. \r\n وعلى الرغم من أن الولاياتالمتحدة قد أنشأت علاقات متميزة مع نظام شاه إيران، فإن سقوط هذا النظام على يد الثورة الإسلامية في إيران مثل هزيمة جيوبوليتيكية كبرى لأميركا. وقد استجابت الولاياتالمتحدة لتلك الهزيمة بطريقتين: دعم المجاهدين في أفغانستان لصد الغزو السوفييتي، ومحاولة موازنة النفوذ الإيراني من خلال تأييد صدام حسين. ثم جاء بعد ذلك سقوط الاتحاد السوفييتي، واحتلال صدام حسين للكويت، ثم تدخل الولاياتالمتحدة والتحالف الدولي لطرده من هناك، وامتناع جورج بوش الأب عن التقدم إلى بغداد لإطاحته من الحكم خوفاً من اختلال ميزان القوى الإقليمي لمصلحة إيران. \r\n واليوم فإننا نجد أن المنطقة تترنح على حواف ثلاث حروب أهلية، واحدة في العراق والثانية في لبنان والثالثة في فلسطين، وكل حرب من تلك الحروب الثلاث تتضمن -بشكل ما- تدخلات للولايات المتحدةوإيران أو وكلتيهما. \r\n وفي الوقت الراهن تواجه الولاياتالمتحدة المتورطة في المستنقع العراقي قائمة من المهددات الإضافية منها: حصول إيران على تقنية إنتاج الأسلحة النووية.. عودة قوات \"طالبان\" للعمل مجددا في أفغانستان.. وتنامي النزعات الراديكالية المعادية لأميركا في العالم الإسلامي. ولكن ما هي السيناريوهات المحتملة، أو بالأحرى السيناريوهان، اللذان يمكن أن يجرا الولاياتالمتحدة المنهكة من الحرب إلى خوض حرب ثالثة في الشرق الأوسط؟ \r\n السيناريو الأول: المواجهة مع إيران حول سياساتها الإقليمية ودعمها للإرهابيين، ورغبتها في الحصول على أسلحة نووية، وهذا السيناريو يأتي على رأس القائمة. \r\n السيناريو الثاني: حدوث تطورات معينة في الشرق الأوسط تدفع الولاياتالمتحدة للقيام برد فعل عسكري مثل وقوع دولة من الدول الرئيسية الحليفة للولايات المتحدة في المنطقة في أيدي المتطرفين، وقيام هؤلاء بتعريض القواعد الأميركية في المنطقة للخطر. ومثل قيام إيران بغزو العراق، أو قيام الإرهابيين بشن هجوم آخر على الأراضي الأميركية. \r\n في الوقت الذي تدخل فيه حرب العراق مرحلة جديدة فإن حرب فيتنام تقدم لنا بعض الدروس التي يمكن الاستفادة منها، وأولها أن الخروج من دولة ما غالباً ما يكون أكثر تعقيداً من دخولها. \r\n وإذا ما تناولنا المشكلات الحالية في العراق وتلك التي ستترتب على خروج أميركا من هذا البلد، فإن ما يمكننا قوله هو أن العراقيين -وليس غيرهم- هم الذين يستطيعون أن يحلوا المشكلات السياسية والعنف الطائفي الذي تعاني منه بلادهم في الوقت الراهن. أما المساعدة التي يمكن للولايات المتحدة أن تقدمها لهم فتتمثل في تدريب قوات الجيش وقوات الأمن وإمدادها بمعدات معينة مثل عربات النقل المدرعة وأدوات التحكم والسيطرة على حركة الجماهير، وتقنية المعلومات، وكل ما تحتاجه تلك القوات لتولي مسؤولية أكبر في مجال حفظ الأمن خلال الشهور القادمة. \r\n هناك نهج معقول يمكن اتباعه على المدى الطويل في الشرق الأوسط هو نهج \"الاحتواء المزدوج\" الذي تعمل الولاياتالمتحدة من خلاله على احتواء المهددات التي تواجهها في المنطقة، مع القيام في نفس الوقت بتقليص مصالحها الحيوية هناك، من خلال تقليص اعتمادنا على الطاقة في الشرق الأوسط وتعزيز قدراتنا في مجال ابتكار مصادر جديدة من الطاقة في الوطن، مع اتباع إجراءات فعالة للمحافظة على المتاح منها في الوقت الراهن. \r\n \r\n ديفيد روثكوف \r\n باحث زائر في مؤسسة كارنيجي \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست \r\n \r\n