\r\n منذ عقود من الزمن والجدل يدور في الولاياتالمتحدة حول القيمة الاستراتيجية لاسرائيل. وقد كانت هناك لحظات حاسمة من الماضي اظهرت فيها اسرائيل تلك القيمة. ففي عام 1970 انقذت التحركات العسكرية الاسرائيلية ضد سورية الحكومات المعتدلة الصديقة لامريكا في المنطقة. وفي عام 1982 اشتبكت الطائرات المقاتلة الاسرائيلية امريكية الصنع بطائرات القوة الجوية السورية وتمكنت من اسقاط 86 طائرة سورية من طراز ميغ خلال اسبوع واحد من دون ان تتكبد القوة الجوية الاسرائيلية اية خسارة, وقد اظهر ذلك للمسؤولين العسكريين الامريكيين التخلف التكنولوجي المذهل للاتحاد السوفييتي الامر الذي سدد ضربة ماحقة لمكانة السوفييت بين الدول ولثقتهم بانفسهم في الداخل (وكان من بين الذين تزعزعت ثقتهم بقيادتهم اثر تلك الضربات ميخائيل غورباتشوف الذي كان يومها عضوا في المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفييتي.) \r\n \r\n \r\n لكن ذلك كان منذ زمن مضى. والسؤال الذي يطرح على الدوام هو: ما الذي فعلته من اجلي مؤخرا? وهناك نقاش محتدم داخل الولاياتالمتحدة في الوقت الراهن حول ما اذا كانت اسرائيل في عالم ما بعد الحادي عشر من ايلول تعتبر رصيدا للولايات المتحدة ام عبئا عليها. وقد وفر الهجوم الذي شنه حزب الله يوم 12 تموز الماضي فرصة استثنائية لاسرائيل لكي تظهر مدى فائدتها للولايات المتحدة عن طريق المشاركة على نحو فعال في حرب امريكا ضد الارهاب. \r\n \r\n ان الضوء الاخضر الذي منحته امريكا لاسرائيل لكي تدافع عن نفسها قد بدا للكثيرين بمثابة محاباة لاسرائيل, لكن هذا ليس سوى تحليل مبتسر ومضلل ومنحاز. فالضوء الاخضر الذي اعطته امريكا لاسرائيل, لا بل التشجيع الذي قدمته لها, لم يكن في الواقع الا خدمة للمصلحة الذاتية الامريكية. فامريكا تريد, والاصح ان نقول ان امريكا تحتاج هزيمة نكراء تلحق بحزب الله. \r\n \r\n ان حزب الله, بخلاف الكثير من المنظمات الارهابية الاخرى في الشرق الاوسط, هو العدو الخطير للولايات المتحدة فقد قام في عام 1983 بقتل 241 جنديا امريكيا في هجوم واحد. واذا استثنينا القاعدة, فان حزب الله قد قتل من الامريكيين اعدادا تفوق ما قتلته اية منظمة ارهابية اخرى. \r\n \r\n والاهم من ذلك ان حزب الله قد اصبح اليوم رأس الحربة لايران العدوانية المتعطشة للحصول على الاسلحة النووية. فهو تابع لايران مملوك لها بشكل كامل. ومهمته هي توسيع نفوذ الثورة الاسلامية ليشمل لبنان وفلسطين, ويزعزع استقرار اي سلام يبرم بين العرب واسرائيل, ويدفع قدما بالصعود الشيعي عبر المشرق كله وهو الصعود الذي تقوده ايران وتوجهه. \r\n \r\n تجد امريكا نفسها في حرب مع الاسلام الراديكالي وهو غول برأسين: القاعدة السنية التي تجد نفسها اليوم في موضع تنافس مع ايران الشيعية على موقع الصدارة في المواجهة الملحمية مع الغرب الكافر. ومع تدهور مكانة القاعدة يرتفع نجم ايران. فهي تتدخل في العالم العربي عبر وكلاء يشنون لها حربها بالنيابة وهم حزب الله في لبنان, وحماس في فلسطين, وجيش المهدي التابع لمقتدى الصدر في العراق, والغرض هو تقويض الحكومات العربية ذات التوجه الغربي والتحديثي, ووضع تلك الدول والمناطق تحت الهيمنة الايرانية. ومن شأن طموحات ايران النووية في ميزان القوى مع العرب, كما تزودها برادع كامل ضد اية تحركات مضادة يمكن ان تقوم بها الولاياتالمتحدة او اسرائيل او اية قوة منافسة اخرى. \r\n \r\n تدرك الحكومات العربية المعتدلة والموالية للغرب هذه الحقائق خير ادراك. ولهذا السبب تجدها متحاملة على حزب الله في العلن بينما تقوم في السر بحث الولاياتالمتحدة على ان تسمح لاسرائيل بتدمير الحزب. فهذه الحكومات تعلم علم اليقين ان حزب الله يخوض بالنيابة عن ايران الحرب الايرانية ليس ضد اسرائيل فحسب انما ضد الانظمة العربية المعتدلة وضد الولاياتالمتحدة والغرب بشكل عام. \r\n \r\n ومن هنا تأتي الفرصة النادرة لاسرائيل لكي تظهر ما بمقدورها ان تفعله لراعيتها العظمى امريكا. ان هزيمة حزب الله ستشكل خسارة كبرى لايران على الصعيدين الاستراتيجي والنفسي. فايران ستخسر بتلك الهزيمة موطىء قدمها في لبنان. وسوف تخسر وسيلتها الرئيسية في زعزعة الاوضاع في الشرق الاوسط والتسلل الى موضع القلب منه. وسوف يظهر خطأها في المبالغة في طموحاتها الساعية الى فرض نفسها كقوة اقليمية عظمى. \r\n \r\n لقد ذهبت الولاياتالمتحدة بعيدا في التهيئة لانتصار اسرائيل الذي سيحقق جميع الاهداف المذكورة سلفا. وقد اعتمدت على قدرة اسرائيل على الاضطلاع بهذه المهمة لكن املها قد خاب. فقد اثبت رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت بان زعامته ليست سوى زعامة مهزوزة وغير واثقة بنفسها. فقد اتخذ القرار الاحمق بالاعتماد على القوة الجوية حاجبا عن جنرالاته فرصة الهجوم البري الذي ارادوه. ثم ما لبث ان ناقض نفسه لاحقا. كما سمح لاجتماعات مجلس وزرائه الحربي بان تجري على ألسنة العموم من خلال التسريبات التي لم يسبق لاي زعيم جاد في فترة حرب ان واجه مثلها, حيث تبث الى جميع انحاء العالم الانشقاقات في الرأي داخل مجلس الوزراء. وليس اقلها احباطا للجمهور تذمر اولمرت نفسه الذي نقلته صحيفة هاآرتس الاسرائيلية في عدد يوم 28 تموز والذي قال فيه »انا متعب فانا لم انم بالامس مطلقا«. ولا شك ان كلاما من هذا النوع لا يزرع في نفوس الجماهير الثقة بزعمائها الذين يقودون الحرب. \r\n \r\n ان تطلع اولمرت الى احراز نصر رخيص لم يعرض للخطر العملية العسكرية الاسرائيلية في لبنان وحدها انما عرض لخطر ايضا ثقة امريكا باسرائيل. ان تلك الثقة, والعلاقة التي تدعمها, توازي في اهميتها بالنسبة لبقاء اسرائيل اهمية الجيش الاسرائيلي نفسه. لكن اولمرت الرعديد يبدو كمن اضاع دليله. \r\n