إلا ان كلا من الولاياتالمتحدة والاتحاد الاوروبي يميلان الى ربط تقديم الدعم المالي بما يمكن لحركة حماس ان تتبناه من تغييرات جوهرية . وكان الرئيس الامريكي جورج بوش قد أجمل تلك التغييرات المطلوبة في خطاب حالة الاتحاد الذي القاه في الحادي والثلاثين من الشهر الماضي حين قال : \" على قادة حماس أن يعترفوا باسرائيل, وان يتخلوا عن سلاحهم, وأن ينبذوا الارهاب, وأن يعملوا من أجل سلام دائم .\" \r\n تبدو هذه الشروط معقولة الى حد ما. لكنها يجب أن تترافق مع الحسابات المتأنية لطريقة قياس درجات الاستجابة والتقدم. إذ ان طرح الشروط على حماس يمكن ان يرغمها على اتخاذ اختيارات صعبة, في حين ان تسليط الضغوط بطريقة عشوائية يمكن ان يؤدي الى ردود فعل عكسية. والاسوأ من ذلك هو انجرار الولاياتالمتحدة واوروبا إلى الانحشار في موقف يمكن ان تجدا لاحقاً صعوبة في الخروج منه. \r\n إن قطع التمويل بشكل كامل سيكون اختيارا سيئاً لأنه قد يؤدي الى انهيار اقتصادي وكارثة انسانية في الضفة الغربية وقطاع غزة. كما ان انهيار السلطة الفلسطينية الذي يمكن ان ينجم عن ذلك يعني ظهور مجتمع من دون قيادة مشتبك مع اسرائيل في حالة دائمة من الحرب المحدودة. يضاف الى ذلك أن الاسلاميين الذين وقفوا الى جانب التغيير الديمقراطي في المنطقة سيجدون المبرر الكافي لتثبيت شكوكهم في ان الاسرة الدولية لن تتقبل ابدا فكرة استلام الاحزاب الاسلامية للسلطة. \r\n هناك احتمال بان تتمكن حماس من تفادي الانهيار المالي عن طريق الحصول على التمويل اللازم من ايران والمملكة العربية السعودية. وعندها سينشأ اصطفاف جديد لا يخدم المصالح الامريكية ولا الاسرائيلية. \r\n ان استيعاب حكومة تقودها حماس واستمرار المساعدة المالية الدولية بالتدفق يمكن ان يشكل اختياراً أكثر فاعلية, إنما بشرط ان يأتي ذلك على النحو الذي يخدم هدف التوصل الى السلام على المدى البعيد. فهل هناك امكانية لتحقيق ذلك? أم أن أجندة حماس أكثر تطرفاً مما يمكن التعامل معه ? وعلينا ان نتذكر ان حماس ترفض حل الدولتين وتدعي حقها بالمقاومة في الوقت الذي تندرج فيه الهجمات القاتلة ضد الاهداف المدنية ضمن تعريفها لتلك المقاومة. \r\n ولهذا, فإن وضع الشروط على المساعدة المالية سوف يشكل موقفاً سليماً. لكن طرح المطالب الداعية الى التغيير بشروط مباشرة وفظة قد لا يثير سوى المزيد من المقاومة. فحماس حركة تبني مجدها على مبادئها, ومن غير المتوقع ان تتخلى بسهولة عن تلك المبادىء. وحتى في حالة وجود من يرغب في تغيير المواقف بين زعمائها, فإن طريقتها المركبة في اتخاذ القرارات ستجعل من الصعوبة بمكان تبني ذلك التغيير تحت الضغوط الموجهة من الخارج. ولذا فإن أي تغيير منتظر من حماس لا بد ان يكون تدريجياً. \r\n على الغرب ان يسمح بأن تأتي الضغوط على حماس من داخل العالمين العربي والاسلامي. ومن المهم هنا ان يدرك الغرب ان الفلسطينيين انفسهم قد يطالبون بمواقف أكثر اعتدالا ازاء اسرائيل . إن حماس تتحسس بشدة مواقف الرأي العام الفلسطيني, وتدرك ان غالبية الناخبين كانت تفضل الاطراف التي تؤيد حل الدولتين . ولا بد من الاشارة هنا الى ان حماس تفادت اثناء حملتها الانتخابية أية اشارة الى موقفها المتشدد من اسرائيل. وليس من المتوقع ان تقوم الحركات الاسلامية الرئيسية الاخرى في المنطقة بانتقاد أي موقف معتدل يمكن ان تتبناه حماس. ذلك لأن تلك الحركات تنظر الى الوضع في الاراضي الفلسطينية بمثابة حالة اختبار خصوصا إذا اثبت ذلك الوضع قدرة الاسلاميين على ادارة الحكم بفاعلية . \r\n أما اذا لم تغير حماس موقفها من اسرائيل ومن الارهاب على نحو فوري, فما هي المقاييس التي سوف تعتمد للحكم على درجة اعتدالها ? وأي نوع من الخطوات يمكن ان يطمئن اسرائيل الى ان العملية التفاوضية ممكنة وقابلة للاستمرار رغم فوز حماس في الانتخابات? \r\n ان مطالبة حماس بالاعتراف باسرائيل يمكن ان توضع في صيغ مختلفة سبق لقادة حماس ان ألمحوا الى امكانية القبول ببعضها. ومن هذه الصيغ, على سبيل المثال, امكانية ان تسمح حماس لرئيس السلطة الفلسطينية المعتدل محمود عباس بالتفاوض مع اسرائيل بالطريقة التي يقررها شرط اخضاع اية نتيجة يتوصل الى الاتفاق عليها للاستفتاء الشعبي العام. أو انها قد تختار السماح لمنظمة التحرير الفلسطينية, وهي الشريك الرسمي في المفاضات مع اسرائيل, باجراء المفاوضات شرط ان تخضع الاتفاقية النهائية التي تتوصل اليها لموافقة المجلس الوطني الفلسطيني. إن مثل هذه الآليات من شأنها ان تسمح لحماس بالاحتفاظ بمواقفها في الوقت الذي تنحني فيه لضرورات الحقائق السياسية. \r\n لا يمكن لأي من هذه الحلول المقترحة ان يضمن النجاح, وتظل احتمالات الفشل كبيرة في جميع الحالات. ولكن سيكون هناك الكثير من الوقت للتعامل مع عواقب الاخفاق. والمهم هو ان تتجنب جميع الاطراف حشر نفسها في مواقف يمكن ان تندم عليها فيما بعد . وإذا كان للديمقراطية العربية, والحركات السياسية الاسلامية, والسلام الاسرائيلي-العربي أن تواصل مسيرتها مع فوز حماس في الانتخابات فإن الافكار البناءة, وليس الشعارات المتصلبة, هي التي يجب ان تقود المسيرة .