إلا أنهما يعانيان كثيراً من أوضاع الفقر والفوضى وفيهما فصائل ومجموعات متمردة مسلحة وقوات تشن مقاومة إلى حد يجعل من الصعوبة والخطورة وجود ديموقراطية نزيهة وحرّة. وعلى أرض البلدين توجد أعداد كبيرة من القوات الأجنبية المسلحة تحتل المدن والقرى وترهب السكان حتى حين تشن غارات ضد رجال المقاومة. كما أن حكومتي البلدين مطالبتان بالاستجابة للسفير الأميركي الموجود في عاصمة كل بلد منهما والموافقة على كل ما يطلبه. وفي ظل مثل هذه الظروف التي يسود فيها العنف والإكراه يدلي الأفغان بأصواتهم في سلسلة عمليات انتخابية فرضتها الولاياتالمتحدة. فلأول مرة منذ أربعين عاماً تجري في أفغانستان مثل هذه الانتخابات ويحاول السكان أو معظمهم إقناع أنفسهم بإمكانية أن تزول بعد هذه العملية الانتخابية المشاكل والمتاعب التي يعانون منها. لكن المخاوف تزداد حول احتمال أن تقود هذه الانتخابات إلى كل ما هو غير ديموقراطي لأن التدخل الأميركي يظهر في كل مؤسسة وصندوق اقتراع. \r\n \r\n \r\n \r\n هل ستزيد الانتخابات قوة ونفوذ حكم قبائل الحرب؟ \r\n \r\n من المعروف أن معظم من كانت تدعمه الولاياتالمتحدة من قادة المجموعات المتحاربة في أفغانستان ما زالوا يحكمون المناطق الريفية وقد لعبوا دوراً كبيراً في الانتخابات. وتقول دراسة أجراها مجلس الدفاع عن أبحاث حقوق الإنسان إن أغلبية الأفغان يقولون إن الانتخابات تؤدي إلى سيطرة قادة المجموعات المسلحة وتمتين قوتهم على الجمهور الأفغاني. وأعلن أحد الأفغان أن القلق الوحيد الذي ينتاب الجمهور هو أن كل من سوف يجري انتخابه سيسيء استخدام السلطة. وعلى الرغم من أن القانون الانتخابي يحظر على كل فرد يقود مجموعة مسلحة خاصة ترشيح نفسه، إلا أن القائمة التي وضعتها لجنة الانتخابات وضمت الحظر على ترشيح 208 من المرشحين قادة المجموعات المسلحة الخاصة لم يحظر منها عملياً أثناء الانتخابات سوى 45 أفغانياً. وتم ترشيح الآخرين الذين كانوا من قادة المجموعات المسلحة الخاصة غير الشرعية في البلاد. وكان في مقدمة قادة المجموعات المسلحة المرشحين عبد الرسول سياف الذي يحمل سجلاً حافلاً بالجرائم لدى معظم منظمات حقوق الإنسان الدولية المحلية، بل إن حزبه يضم عدداً كبيراً من المرشحين للبرلمان. وإلى جانب هذا النوع من المرشحين، هناك مرشحون من منظمة الطالبان نفسها وفي مقدمتهم النائب السابق لوزير الداخلية في عهد حكم الطالبان. وكان من المستغرب أن يدافع حميد قرضاي رئيس أفغانستان المدعوم من واشنطن عن حق رجال العصابات المسلحة الأفغانية غير الشرعية وقادتهم ترشيح أنفسهم لانتخابات البرلمان باسم «المصالحة الوطنية». وبهذه الطريقة كان قرضاي يقدم تنازلات لهؤلاء العصابات مقابل التحالف معه، في حين أنه كان في تشرين أول/ أكتوبر 2004 قد تظاهر حين رشح نفسه لرئاسة أفغانستان وكان مرشح أميركا الوحيد أنه ضد قادة العصابات المسلحة في أفغانستان. وهو من وصف هؤلاء القادة الذين روعوا حياة الأفغان في القرى والمدن بالخطر الأكبر على البلاد بسبب السلب والنهب اللذين كانوا يمارسونهما. وقام قرضاي بمسرحية هزلية حين أعلن أمام الأفغان قبل الانتخابات في ذلك الوقت عن إقالة وزيرين في حكومته الموقتة من بينهما إسماعيل خان حاكم حيرات السابق لأنه من قادة عصابات السلب ثم أعاده وزيراً بعد أن أصبح رئيساً للبلاد وعين عبد الرشيد دوستم وزير الدفاع السابق وهو من أكبر قادة العصابات المسلحة رئيساً للأركان. وكان اثنان يحكمان أفغانستان وهما السفير الأميركي الذي أقام سفارة واشنطن في كابول بعد احتلالها وهو أفغاني يحمل الجنسية الأميركية وكان موظفاً في البنتاغون والسي آي إي واسمه زالماي خاليزاد، وأميركي آخر من أصل أفغاني أيضاً هو قرضاي نفسه. يذكر أن خاليزاد يتولى الآن منصب سفير واشنطن في العراق وكان الاحتلال الأميركي في أفغانستان قد أعلن قبيل احتلال أفغانستان أنه سيصفي البلاد من قادة العصابات المسلحة المختصة بالسلب ومن قادة المقاومة الأفغانية على السواء، لكنه عاد وتراجع عن تصفية المختصين بالسلب بموافقة من واشنطن وممثلها خاليزاد. بل إن حكومة واشنطن وعدت عدداً من قادة طالبان بالعفو عنهم من اتهام بارتكاب جرائم حرب إذا ما تعاونوا مع قرضاي والاحتلال الأجنبي. وبموجب هذا البرنامج الذي طلب من حكومة قراضاي تبنيه أصبح الملا عمر نفسه قابلاً للتمتع بالعفو إذا ما قبل بحكم قرضاي . \r\n \r\n \r\n \r\n \r\n انتشار أعمال العنف والسلب \r\n \r\n بعد استيعاب قادة مجموعات السلب الأفغانية في الدولة واصل رجال من بقايا منظمة الطالبان المخلوعة أعمال العنف والمقاومة إضافة إلى أنصار منظمة القاعدة ومجموعات مقاومة أفغانية أخرى وكان الجيش الأميركي يرد عليها بالعنف أيضاً. وفي ظل هذا الوضع أصبح من الصعوبة بمكان ممارسة الجمهور الأفغاني للعملية الديموقراطية وحقوقها وفي عام 2005 وحده قتل ما يزيد على ألف أفغاني معظمهم من المدنيين وقتل 65 جندياً أميركياً بسبب عمليات المقاومة. وتبين أن المجموعات التي تقاوم الجيش الأميركي تشن حملة اغتيالات وقتل ضد بعض رجال الدين وموظفي الحكومة ونشطاء المساعدات الخارجية. وكان عدد من المواطنين قد قتلوا بسبب استلامهم بطاقات انتخابية مثلما جرت اعتداءات على اللجان الانتخابية الحكومية وعلى النساء اللواتي قررن الإدلاء بأصواتهن وقتل قبل أيام من الانتخابات ستة مرشحين وأربعة موظفين من المختصين بالإشراف على الانتخابات. وعلى الرغم من أن أعمال عنف كثيرة كانت محاولة لعرقلة الانتخابات، إلا أن العسكريين الأميركيين يعزون زيادة عدد القتلى الأفغان في الانتخابات إلى أسباب منها الوجود العسكري الأميركي الاستفزازي. وتشير مجلة «ستارز أند ستريبز» إلى حقيقة أن تصاعد المقاومة الأفغانية لا يعود إلى نشاط قوي لمنظمة القاعدة بقدر ما يعود إلى الوجود المعادي والمستفز للقوات الأميركية. فقد قامت القوات الأميركية بتنفيذ سلسلة عمليات في مناطق هادئة وكان الهدف استفزاز الأفغان من أجل الكشف عن رجال المقاومة ودفعهم إلى الخروج من مخابئهم. واعترف العميد جيمس شامبيون قائلاً: «إننا نبادر إلى شن سلسلة شاملة من العمليات ولا شك أن الإرهابيين الأفغان لن يطلقوا النيران أولاً لو لم نكن في تلك المنطقة التي نشن فيها الهجوم». ولو كانت أفغانستان حقاً ديموقراطية لقامت بعرقلة وجود الجيش الأميركي وكبح عملياته الاستفزازية أو إبعادها عن القرى. ففي تموز/ يوليو الماضي تظاهر ما يزيد على ألف أفغاني أمام قاعدة عسكرية أميركية رئيسة في (باغرام) وطالبوا بالكف عن مداهمة المنازل وشن الاعتقالات واحترام حقوق الإنسان. وتعد هذه أكبر مظاهرة منذ موجة التظاهرات التي اجتاحت مدن أفغانستان ضد الأميركيين وقتل الأميركيون خلالها 16 متظاهراً في أيار/ مايو الماضي. وحين زار قرضاي الولاياتالمتحدة في أيار/ مايو 2005 طلب تقليص عدد الجنود الأميركيين مقابل زيادة عدد الجنود الأفغان الذين يخضعون لحكومته وتسليمه الأسرى الأفغان وإعادتهم إلى وطنهم وإنهاء مداهمات الجيش الأميركي لمنازل الأفغان إلا بإذن مسبق من السلطات الأفغانية ورفض بوش كل هذه الطلبات. وقال بوش لقرضاي في ذلك الاجتماع «من الطبيعي أن لا تستجيب قواتنا الأميركية إلا لقادتها». ويكشف تقرير حديث أعدته لجنة (مشروع العدالة في أفغانستان) عن مخالفات خطيرة في معاملة الجنود الأميركيين للمواطنين الأفغان تذكر الأفغان بمعاملة السوفيات والطالبان. ويقول التقرير إن المخالفات تتضمن استخدام القوات الأميركية لأساليب وحشية شديدة القسوة في التعذيب والاستجواب والقيام بحملة اعتقالات واسعة لا تعترف بها القيادة الأميركية ويختفي خلالها من الوجود أفغان كثيرون. وقبيل إجراء الانتخابات في أفغانستان ذكر التقرير أن القوات الأميركية عرضت للأخطار الفادحة إمكانية النجاح في وضع دستور محترم ومؤسسات مستقرة في أفغانستان وهذا ما تسبب بتعريض أمن الجمهور للتدهور والأضرار وبعدم وجود قوانين تعاقب المنتهكين لحقوق الأفغان وبعدم توفر عملية سياسية يشارك في صنعها الأفغان . \r\n \r\n \r\n \r\n ما الذي سيتغير بعد الانتخابات؟ \r\n \r\n يرى الكثيرون من المحللين في ظل الظروف الراهنة في أفغانستان أن انتخابات 18 أيلول/ سبتمبر لن تحقق نتائجها أي تغيير يذكر. فمن بين 5800 مرشح للبرلمان سينتخب الجمهور 249 عضواً لمجلس الشعب و34 ممثلاً لمجلس الولايات. وكانت القواعد والشروط التي فرضها قرضاي بدعم وموافقة مسبقة من الولاياتالمتحدة تتيح حرية إنشاء الأحزاب لكنها لا تسمح بأن يعلن مرشح ما عن الحزب أو عن أنه يخوض الانتخابات باسم حزب محدد وهكذا يكون ال5800 مرشح مستقلين وليسوا منتمين نظرياً لأي حزب يقال إنه من المتاح تأسيسه. وتتوقع جوانا ناتان من لجنة «مجموعة الأزمات الدولية» أن يكون مجلس النواب الأفغاني ضعيفاً ومشرذماً بل وجسماً مشلولاً. ويرى بارنيت روبين من جامعة نيويورك أن الانتخابات لن ينتج عنها أي تغيير وبانتظار قيام المؤسسات بوظيفتها، وكذلك الاقتصاد الوطني لن يفعل البرلمان الأفغاني شيئاً باستثناء الظهور كدمية على الرصيف. ورغم كل هذه العراقيل أمام ديموقراطية عادية قام نصف الشعب الأفغاني بتسجيل أفراده للتصويت، متوقعاً تحقيق تغيرات هامة من هذه الانتخابات. وكان من المقدر للانتخابات في البلاد أن تصبح أكثر حدث ديموقراطي في تاريخ أفغانستان منذ الستينات والسبعينات. لكن الحقيقة هي عدم وجود احتمال بأن تتولى أغلبية أفغانية مدنية وغير أصولية متطرفة جزءاً من السلطة السياسية. والنساء تمّ تخصيص 68 مقعداً لهن في البرلمان، لكن أحداً لا يضمن طبيعة مفاهيم هذا العدد من النساء. وفي آخر رحلة لنا إلى أفغانستان منذ وقت قريب، قال نورالي لنا في إحدى المقابلات في صحيفة روزغاران إن البرلمان يضم ثلاث مجموعات: الأولى تخضع لقرضاي ورجال التكنوقراط والثانية تخضع للسيد قانوني ودوستم ومحاقق وجميعهم من رؤساء مجموعات السلب والنهب والمجموعة الثالثة تخضع لعدد من المفكرين الذين لا يسعدهم فشل قرضاي وأتباعه. ويرى نوراني أن المجتمع الدولي لا يدعم مجموعة المفكرين الأفغان، ناهيك عن أنهم يخافون من رؤساء المجموعات المسلحة التي اعتادت على النهب والسلب. وبين مجموعة المفكرين السياسيين الأفغان هذه تعمل أحزاب عدة أعدت تنظيمات صغيرة من أجل العمل ضد الأصولية المتشددة ودفاعاً عن العدالة الاجتماعية والديموقراطية. فحزب «التضامن الأفغاني» على سبيل المثال يوجه انتقاداته لقرضاي ولرؤساء العصابات المسلحة التي تمارس السلب. وحين اجتمعنا بأحد قادة هذا الحزب (واساي المهندس) قيل لنا إن هذا الحزب له أعضاء في 25 مقاطعة أفغانية من 35. ويتبنى هذا الحزب حقوق المرأة والدفاع عن قضايا النساء الأفغانيات وعن المجتمع العلماني ونزع السلاح في الريف الأفغاني وحرية الصحافة. وبسبب ذلك أصبحت نسبة الأعضاء النساء فيه ما يزيد على 30% إلى 40% تقريباً. وقد توقع «حزب التضامن» الفوز ب 30 مقعداً في البرلمان وهو ليس الحزب الوحيد الذي يحمل برنامجاً متطوراً لأن هناك 16 حزباً أفغانياً يعارض الأصولية المتشددة في جميع أرجاء البلاد. واجتمعنا في أفغانستان مع مرشحين مستقلين حقاً من بينهم ملالاي جويا وقاسيمي اللذان يمثلان مقاطعة فاراح منذ انتخابات كانون الأول/ ديسمبر عام 2003 وتبين أن الاثنين مهددان بالقتل، بل إن قاسيمي لم يسمح لنا بالتقاط صورة له لأنه يخاف من قوات أمن الحكومة أكثر من المجموعات المسلحة. أما السيدة ملالاي جويا فقد تحولت إلى أكثر مرأة تحوز على الشهرة لأنها نددت برؤساء المجموعات المسلحة حتى حين كانوا يحضرون جلسة البرلمان وقالت أمامهم: «إنكم حولتم البلاد إلى حروب للسلب والنهب، وأنتم أكثر من يعادي ويضطهد المرأة الأفغانية في البلاد». ودعت البرلماني الأفغاني لتقديم رؤساء العصابات المسلحة إلى محكمة دولية أو وطنية لارتكابهم جرائم حرب (لوس أنجلوس تايمز 23/12/2003 جلسة البرلمان الأفغاني). وترتدي السيدة جويا في الوقت الحاضر برقعاً يخفي وجهها لأنها ترغب بأن لا تعرف وهي تنتقل لكي تتجنب الاغتيال أو الاعتداء رغم أن ستة حراس يرافقونها عادة وبشكل خفي. وكان منزلها ومكتبها في كابول قد تعرضا لهجوم مسلح بعد إلقائها ذلك الخطاب الناري في قاعة البرلمان الأفغاني الأول من نوعه. لكن السيدة جويا لا ترغب بالاختفاء والهروب من الحياة العامة، لأنها تعتقد أن نشاطها من شأنه إيقاظ حركة نسوية أفغانية مهمة. والحقيقة الصارخة في أفغانستان هي أن ما تعلنه واشنطن عن دعم للديموقراطية في البلاد لا يتفق مع الأعمال التي تقوم بها وتقوض باسم الديموقراطية من خلالها بناء ديموقراطية صحيحة في أفغانستان. وفي داخل البلاد خيب قرضاي وحكومته الآمال بتأسيس نظام حكم برلماني غير أصولي يوفر للجمهور التمتع بحكم نفسه عن طريق صندوق الاقتراع. ولا شك أن الكثيرين الآن من النشطاء الأفغان يدركون أن تحقيق العدالة في البلاد لن ينتهي عند الانتخابات البرلمانية مهما كانت نتائجها. ومنذ بداية الاعلان عن الاقتراع على البرلمان الجديد في 19/9/2005 حتى 26/9/2005 لم تبلغ نسبة ما أحصي من نتائج سوى 20%. وشارك في هذا الاقتراع 5،12 مليوناً من أصحاب حق الاقتراع لانتخاب 249 عضو برلمان لمدة خمس سنوات ولانتخاب 420 ممثلاً في مجالس المقاطعات من بين 3000 مرشح. ورغم وجود القوات الأميركية وغيرها من القوات الأجنبية لم تتضاءل عمليات العنف والعنف المضاد وما تطلق عليه واشنطن «إرهاباً» في مختلف أنحاء البلاد التي تعقد فيها هذه الانتخابات. وقد اعترف وزير خارجية حكومة كابول عبدالله عبدالله بأن الحرب ضد عمليات المقاومة في أفغانستان ستستمر خلال سنوات كثيرة مقبلة، ومن الجانب الأميركي توقع ستيفين هادلي مستشار الأمن القومي الأميركي أن تستمر عمليات المقاومة ضد القوات الأميركية، والقوات المحلية الأفغانية، ودعا إلى زيادة التعاون بين باكستانوأفغانستانوالولاياتالمتحدة من أجل التغلب على «الإرهاب ». \r\n \r\n \r\n \r\n \r\n