\r\n انني لا اعني بذلك ان العراق على شفا حرب اهلية, رغم ان هذا امر محتمل الحدوث ولايمكن استبعاده بأي حال. ولكن الدولة تبدو على حافة كارثة محققة وفشل تام في اعادة الروابط الوطنية التي تجمع كل العراقيين تحت شعار امة واحدة للجميع. كما ان الجمعية الوطنية الجديدة كلما تحاول التوصل الى اتفاق نهائي على اسس النظام الجديد, كلما ازدادت الخلافات التي تقسم الدولة العراقية الى ثلاث مجموعات فرعية تحاول كل منها الانفصال عن الباقين. \r\n الى الآن لم يتوصل الأطراف الى اتفاق نهائي حول مسألة ان تكون العراق دولة فيدرالية, بغالبية شيعية في الجنوب تتمتع بالحكم الذاتي والاكراد في الشمال, ام انهم يريدونها دولة اكثر التحاما وتوحدا كما يريدها السنة. انهم كذلك لم يتفقوا على الشكل النهائي للدولة الاسلامية وهل سيكون لعلماء الدين الشيعة الكلمة النهائية في اقرار القانون الوطني. ولم يتوصلوا كذلك الى المسألة المتعلقة بشكل المحاكم في المناطق ذات الأغلبية الشيعية ام انها ستخضع للحكم العام في البلاد. وحتى عائدات النفط العراقية لم يتفقوا بشأن تقسيمها بين المجموعات الثلاث. \r\n باختصار, لايمكنهم الاتفاق على اساسيات الشكل النهائي الذي ستكون عليه بلادهم. وكلما جلسوا ليتفقوا كلما زادت الخلافات بينهم وانتهت بدون اتفاق. \r\n كل هذه الاختلافات كانت متوقعة بل كانت مؤكدة من خلال الوضع العام السائد في العراق. قبل بدء الحرب رأى الكثير من المنتقدين لسياسة بوش واندفاعه الى الحرب, بما فيهم عدد من مسؤولي وزارة الخارجية والمخابرات المركزية, انه رغم ان الاطاحة بصدام حسين ستكون امرا سهلا نسبيا, فإن بناء عراق ما بعد صدام حسين ستكون امرا صعبا للغاية. \r\n اما المدافعون عن بوش فرأوا ان العراق كانت دولة علمانية تماما, جمعت بين جنباتها كل الفرق من الشيعة والسنة والاكراد في وئام لدرجة انه كان يتزوج السني بالشيعية والعكس دون اي مشاكل. لم يكونوا مخطئين في ذلك, ولكن هذا الأمر كان ينطبق ايضا على يوغوسلافيا في عهد تيتو قبل ان تنتشر فيها موجة العنف وعمليات الابادة الجماعية للمسلمين. لقد ازيلت من بينهم فكرة العداء والكراهية التي قضى عليها صدام اثناء حكمه, ولكن للأسف عقب الاطاحة به تفجرت هذه الأحقاد والضغائن مرة اخرى. \r\n ما لم يستطع ان يتنبأ به منتقدو بوش ولا المدافعون عنه هو عدم اهتمام ادارته او اغفالها تماما لفكرة اعادة الأمن والاستقرار الى العراق بعد التخلص من حكم صدام. في غياب السلطة المركزية, تبرز كل الأحقاد والضغائن والمشكلات بين الأطراف المتعددة في اي بلد مهما كان. فلو نظرنا الى البصرة التي كانت في يوم من الأيام مدينة علمانية, تسيطر عليها الآن مجموعة من علماء الدين الموالين لايران يرفعون ملصقات لأية الله الخميني التي تنتشر في كل ارجاء المدينة. ومؤخرا تم عزل عمدة بغداد بالقوة من منصبه, ليس عن طريق السلطة الرسمية ولكن بواسطة الميليشيات الشيعية. ومسؤولو الحكومة العراقية يحمون انفسهم من الارهابيين بواسطة حراس يختاروهم من قبائلهم. \r\n واذا اراد الأميركيون بناء جمهورية قومية موحدة في العراق, فإنني اراهن على ان الجيش العراقي الذي استثمرت فيه الولاياتالمتحدة الكثير والكثير سوف يتحول الى مجموعة من الميليشيات المسلحة المتناحرة, كل منها حسب انتماءاته. واذا حدث ذلك, كما يقول هنري كيسينجر مؤخرا: فإن عملية بناء القوات الامنية قد تكون هي بداية الحرب الأهلية في العراق. \r\n وما هو الدور الحقيقي للقوات الأميركية, سواء اكانت هناك حرب اهلية ام لا, في دولة مثل العراق التي انقسمت الى دولة شيعية في الجنوب, واخرى كردية في الشمال, وثالثة سنية في الوسط؟ ما هي مهمتنا هناك؟ والى اي جانب سوف تنحاز قواتنا؟ \r\n في الواقع, يبدو ان منصب الرئيس الاميركي يواجه حاليا حالة من اخطر وافشل واغرب حالات الفشل العسكري والسياسي التي لم تشهد السياسة الأميركية مثلها على مدى تاريخها. لقد فقدنا في فيتنام الكثير بدون ادنى شك, ولكن فيتنام كانت ستؤول الى الشيوعيين سواء تدخلنا ام لم نتدخل. اما حالة التخبط في العراق, اذا استمرت اكثر منذ لك, فهي النتاج المباشر لقرار بوش بالتدخل من طرف واحد وكذلك هي نتاج الاحتلال الذي فرضه في العراق. وهذا التفسخ لايمكن القضاء عليه سياسيا. كما ان نسبة الباحثين عن عمل في العراق تتعدى 50%. والكهرباء لاتعمل في هذا الصيف الشديد في بغداد الا لمدة اربع ساعات يوميا فقط. \r\n من الواضح تماما اننا استبدلنا جحيما قديما بجحيم اشد منه في العراق. قد تتحسن الأمور ولكن اذا اعدنا النظر كليا في ما ارتكبناه ضد هؤلاء العراقيين وحاولنا مساعدتهم بالخروخ تماما من بلادهم. ان وجودنا يزيد من حالة الاضطراب وانتشار الأعمال الارهابية وخلق دولة فرعية موالية لايران. اننا في حاجة الى سياسة جديدة وربما لرئيس جديد. \r\n \r\n \r\n هارولد مايرسون \r\n محرر سياسي في عدد لوس انجلوس تايمز الاسبوعي \r\n خدمة لوس انجلوس تايمز واشنطن بوست - خاص بالوطن