ولا شك أن عبدالله أثّر كثيراً في النهج الذي اتخذته السياسات السعودية خلال العقد الفائت، غير أن صيغة الحكم في بلاده جعلته مقيداً، إلى حد ما، بحدود السياسة التي اختطها الملك فهد، ولكن بعد أن صار ملكاً، فإن عبدالله بوسعه الآن أن يرسم مساراً سياسياً يتوافق مع رؤاه الخاصة وأولوياته. \r\n \r\n كثيرون يرون عبدالله أكثر محافظة من فهد، وأكثر ميلاً إلى المواقف العربية التقليدية في معظم المسائل التي تخص السياسة الخارجية. ومن المرجح أن تتغلغل هذه الصفات والميول في نسيج السياسة السعودية إبان فترة الحكم الرسمي للملك عبدالله بدرجة أكبر مما كانت عليه أثناء العقد المنصرم. ومن المرجح أنه سيتخذ المواقف التي من شأنها أولاً، وقبل كل شيء، خدمة المصالح الوطنية السعودية والقومية العربية، حتى ولو كانت مثل هذه المواقف غير مرضية دائماً لواشنطن. \r\n \r\n من القضايا التي ربما تتغير فيها السياسة السعودية قضية الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، إذ يسود اعتقاد واسع بأن عبدالله له آراء شخصية قوية أكثر انسجاماً مع الموقف العربي التقليدي. ويبدو أن هذا التوجه قد ينعكس على الخط السياسي للمملكة، استناداً إلى ما تردد سابقاً عن خطاب أرسله إلى الرئيس بوش قبل شهر واحد من هجمات سبتمبر/أيلول ضد الولاياتالمتحدة. فقد أشارت تقارير إلى أن \"الأمير\" عبدالله آنذاك أبلغ الرئيس بوش في ذلك الخطاب أن وجهتي النظر الأمريكية والسعودية تختلفان اختلافاً جذرياً حول نشأة وأسباب الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، وأن سياسة الولاياتالمتحدة مرهونة بالتأثير القوي لرئيس الوزراء الإسرائيلي آرييل شارون، وأنه \"ربما يجب أن تمضي الولاياتالمتحدة والمملكة العربية السعودية كل في سبيل\" بسبب هذا الاختلاف الكبير في رؤيتهما للقضية. وقد أمكن تفادي أزمة محتملة في العلاقات بتجديد بوش التزامه بأن الولاياتالمتحدة ستقوم بدور الوسيط النزيه بين الإسرائيليين والفلسطينيين. ولكن كيفما كان الأمر، فإن الرئيس الأمريكي لم يقدم عرضاً، كما لم يعمل لاحقاً لإنهاء سياسة الولاياتالمتحدة الخاصة بعزل الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات. \r\n \r\n في فترة حكم فهد، كان النهج السياسي للمملكة يحتم العمل مع إدارة بوش بشأن القضية الفلسطينية-الإسرائيلية. ففي مارس/آذار عام 2002، طرح عبدالله مبادرة أعلن فيها أن العالم العربي مستعد لتطبيع علاقاته مع إسرائيل إذا انسحب الإسرائيليون إلى حدود ما قبل عام 1967. ومع أن مبادرة عبدالله لم تكن جديدة المحتوى، ولم يتم التنسيق بشأنها مع الإدارة الأمريكية، فإن الكثيرين اعتبروها جهداً مخلصاً لإعطاء دفعة قوية لعملية السلام المحتضرة، حتى ولو كان ذلك سيؤدي في الوقت نفسه إلى تحسين العلاقات مع واشنطن. غير أن المتشككين رأوا فيها محاولة سعودية مموهة لإزالة السحابة التي علقت في سماء العلاقات السعودية-الأمريكية بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول، نتيجة للصدمة التي حلّت بالشعب الأمريكي حين اتضح أن 15 من أصل 19 مختطفاً في تلك الأحداث كانوا مواطنين سعوديين. \r\n \r\n أما الآن، وبعد رحيل فهد، فمن المحتمل أن تعكس السياسة السعودية بشأن هذه القضية بوتيرة متصاعدة رؤى عبدالله الشخصية حول الصراع. خاصة وأنه قد يشعر الآن بحرية أكثر في تبني واتخاذ المواقف القوية بشأن هذه القضية. ومن المحتمل أن يتخذ مبادرات مشابهة لاقتراح مارس/آذار 2002، وأن ينتقد ما يراه انحيازاً متأصلاً في الولاياتالمتحدة ضد الفلسطينيين، أو يكثف ضغوطه على واشنطن إذا لم يسفر الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة عن استئناف المفاوضات حول المسائل الكبرى المتبقية. \r\n \r\n فيما يخص العراق، فإن التقاليد المتجذرة في عبدالله ربما تدفعه لمحاولة التأثير في الأحداث في تلك الدولة دون أن يتخطى واشنطن علناً. وهو، مثل الكثيرين من الزعماء السعوديين، قلق من إمكانية تسلل الإسلاميين المقاتلين في أرض المعركة بالعراق إلى المملكة، وتسببهم في تفاقم العنف المؤيد للقاعدة فيها. كما يبدو أن عبدالله شديد القلق حيال تبدد سلطة المسلمين السنة في العراق، وإمساك الأحزاب الإسلامية الشيعية الممالئة لإيران، إضافة إلى الأكراد، بزمام الأمور في هذا البلد. \r\n \r\n ومن جانب آخر، يرى عبدالله أن الاستقطابات الجديدة في العراق أفادت المنافس الأكبر إيران على حساب المملكة العربية السعودية وغيرها من الدول المجاورة التي يسودها السنة، بالإضافة إلى أنها أضعفت الهوية العربية للعراق. وتعبيراً عن عدم رضاها عن سيطرة الشيعة والأكراد في العراق، لم تف المملكة العربية السعودية إلا بنسبة ضئيلة من المبلغ الذي تعهدت به للعراق وهو حوالي 500 مليون دولار، كما أنها لم تعلن عن عزمها إرسال سفير لها إلى بغداد. ومن المحتمل أن يستمر الملك عبدالله في إضفاء نهجه الخاص على السياسات النفطية، وأغلب الظن أنه سيستمر في دعم تحول غير معلن نحو اتباع خط متشدد في تسعير النفط، بعيدا عن الافتراض السابق بأن أسعار النفط بحاجة للسيطرة عليها حتى لا تستفز الجهود الغربية للبحث عن تقنيات جديدة أو تضعف الاقتصادات الغربية. ففي عام 1998، طرح عبدالله مبادرة بدعوة كبرى الشركات الأمريكية للاستثمار في قطاع الطاقة السعودي، غير أنه لم يوقف جهود المختصين في شركة \"أرامكو\" في فرض شروط اعتبرتها الشركات الأمريكية غير مقبولة، مما تسبب في إفساد الصفقة. \r\n \r\n ومن المرجح أن يستمر الملك عبدالله في طريق الإصلاح الداخلي، وربما يكون ذلك بخطوات أسرع الآن بعد توليه الحكم. ولتلك الإصلاحات، رغم اتصافها بالحذر والبطء، أثر إيجابي في استقرار المملكة وحشد التأييد والدعم للحكومة مقابل جهاديي القاعدة. وفيما مضى قاد عبدالله جهود توسيع صلاحيات مجلس الشورى، وإجراء انتخابات البلديات الأولى من نوعها في تاريخ المملكة، وساند إقامة لقاءات \"الحوار الوطني\" حول قضايا مثل حقوق المرأة، إضافة إلى أنه يمثل القوة الدافعة وراء جهود الحكومة لإعادة تأهيل المواطنين السعوديين لشغل الوظائف التي تهيمن عليها العمالة الوافدة. ورغم أن جهوده قد لا تكون شاملة بالقدر الذي ربما يرجوه بعض الخبراء الغربيين، فإنها تهيئ المملكة للتعايش مع انخفاضات مستقبلية محتملة في أسعار النفط، ببناء قاعدة اقتصادية مستدامة وأقل اعتماداً على صادراته. \r\n \r\n