واليوم يعرف الجميع أن أصحاب تلك الرؤية قد جانبهم الصواب وها هي الصين على الرغم من زيادة عدد سكانها بحوالي مليار نسمة عما كانت عليه قبل أربعين عاما وزيادة حجم اعتمادها على الموارد القادمة من الخارج غير أنها قد حققت نجاحا مدويا وصل بها إلى درجة بث حالة من الخوف عند عرضها لشراء شركة يونوكال الأميركية. \r\n ومما يؤسف له أن طموحات مئات الملايين من الأفراد ممن تغيرت بهم الأحوال وطووا صفحة ماض مدقع في الفقر ليقضوا اليوم مضجع الكثير ومنهم الديمقراطيون في الكونغرس الأميركي الذين يدعون بأن معاييرالعدل الاجتماعي هي التي تحرك تلك المشاعر في مكنون صدورهم . كما أن كثيرا من الجمهوريين ممن يهللون للقيم التي تمثلها التجارة الحرة - ولا يقصدون بذلك سوى بسط الاقتصاد الأميركي هيمنته على الأسواق العالمية - نجدهم بالمثل يرفعون أعلام الدعوة إلى حماية المنتجات الوطنية أمام الطموحات الصينية لتملك شركة نفط متوسطة الحجم مقرها الأراضي الأميركية . \r\n والواقع أن الإشارات التي نبعث بها إلى الصينيين يشوبها تناقض يثير الاستغراب : فلتلعبوا في ملاعب الرأسمالية ولكن ليس إلى الدرجة التي تصبحون بها نجوما بارزين. وهي رسالة أفضل ما تفسر به أنها نوع من جنون الارتياب ولكن الأسوأ أن تكون قائمة على نزعة عنصرية . \r\n وقد شهد الأسبوع الماضي مثالا صارخا على تناقض السياسة الأميركية عندما قامت الصين بإلغاء ربط عملتها بالدولار . وقد رحب المهتمون بمسألة العجز التجاري بين الولاياتالمتحدة والصين برفع قيمة اليوان وفي الوقت نفسه سرت حالة من التخوف أن الصين ربما لا تواصل استثماراتها في السندات المالية لوزارة الخزانة الأميركية بالصورة الجيدة التي هي عليها الآن \r\n وبالقطع إذا ما أخذنا بالكلام الذي يردده الداعون إلى حماية المنتجات الوطنية فالعجز التجاري بين الولاياتالمتحدة والصين ليس انعكاسا للعمل الجاد الدؤوب من قبل الصينيين ولكنه جاء نتيجة مخادعة القادة الصينيين . ومثل تلك الأقوال التي لا نجد لها تفسيرا معقولا تجد آذانا صاغية ودعما واسعا من أعضاء الحزبين في الكونغرس. فقد صوت مجلس النواب الأميركي ب 398 مقابل 15 لرفض بيع يونوكال للصين بحجة أن تلك الصفقة تضر بالأمن الوطني للولايات المتحدة. \r\n وفي معرض كلامه ذكر السيناتور الديمقراطي بيرون دورغان أن التجارة تعني تحقيق المنفعة المتبادلة ولكن بالقطع ليس مع الصين . \r\n فأين ذلك من المستهلك الأميركي الذي لا يجد ضالته سوى في البضائع الصينية منخفضة الثمن أو الملايين الذين استفادوا من الرهون العقارية منخفضة الفوائد والتي أتاحتها المساعدات المالية الصينية للعجز الهائل في الميزانية الأميركية في ظل إدارة الرئيس بوش. \r\n ولماذا لا يكون سعي الصين محمودا في محاولتها تملك يونوكال للحصول على الغاز الطبيعي النظيف لتستعيض به عن الفحم ومن ثم تساهم في الحد من أخطار الاحتباس الحراري وزيادة حرارة الأرض ؟ \r\n ومن المؤكد أن دعاة التوجس والتخوف يثيرون التشككات لدى الآسيويين الذين أرهقهم تشدق الغرب لقرنين من الزمان بالحديث عن مزايا التجارة الحرة ، فالأميركيون على سبيل المثال لا يعتقدون أن الآسيويين يجب أن يشعروا بأي نوع من التهديد لتملك يونوكال الحقول النفطية الموجودة في قارتهم فهذا هو نوع من أنشطة السوق . \r\n والحقيقة أن الدعوة التي تربط بالحديث بين الأمن الوطني الأميركي وتملك الصين ليونوكال هي نوع من السخف ، فالوصول إلى النفط يحدده سوق عالمي والدولة الوحيدة التي تمتلك من القوة العسكرية ما يمكنها من تطبيق أو منع حصار دولي سواء على النفط أو على أي مورد حيوي آخر هي الولاياتالمتحدة . \r\n ولنتأمل النفاق : فمجلس الشيوخ الذي أجاز توجيه ضربات استباقية للدولة التي تمتلك ثاني أكبر احتياطي للنفط في العالم يأتي الآن ليتحدى حق الصين في استخدام الدولارات التي اكتسبتها عن طريق التصدير المشروع لمنتجاتها بغرض شراء شركة متعددة الجنسيات مقرها الولاياتالمتحدة . \r\n وأعتقد أن دعاة حماية المنتجات الوطنية سيمنون بالهزيمة ، ويجب أن تظل السياسة الأميركية متجذرة في تربة الحكمة التي قالها ريتشارد نيكسون بأن ازدهار الصين سيعود بالخير على الجميع . \r\n \r\n روبرت سكيير \r\n كاتب عمود أسبوعي في صحيفة لوس انجلوس تايمز \r\n خدمة (لوس انجلوس تايمز) خاص بالوطن