وعندها سيعلن بوش تحقيق النصر – على غرار ما ذهب إليه أحد أعضاء مجلس الشيوخ أيام إدارة الرئيس ليندون جونسون خلال حرب فيتنام- ومن ثم يأمر حينها بعودة القوات الأميركية بأسرع وقت ممكن إلى الوطن! وبالطبع ستكون حجته كما يلي: لقد انتخبت حكومة ديمقراطية وطنية هناك, وها نحن نخرج من العراق. \r\n \r\n ولكن إياكم وتصديق مثل هذه الأوهام. فحتى الآن ليست لإدارة بوش خطة لاستعادة الجنود من تلك الحرب الطائشة الضالة لهدفها. وغني عن القول إنها خلفت وراءها عدداً مخيفاً من القتلى والإصابات, في ذات الوقت الذي أنهكت فيه الجيش الأميركي, وأسهمت على نحو غير مسبوق في تشويه سمعة الولاياتالمتحدة الأميركية في الخارج, إلى جانب تحويلها ميزانية العراق كلها, إلى عبء مالي ينهض به دافع الضريبة الأميركي. ليس ذلك فحسب, بل تحولت هذه الحرب غير المبررة, إلى أفضل وسيلة لتجنيد ورص صفوف الإرهابيين ضدنا في العراق وبقية مدن وعواصم العالم كله. \r\n \r\n وبالطبع فإن المفترض في أي قائد سياسي حكيم, أن يشرع فوراً في الحد من هذه الخسائر الكبيرة. بيد أن الدافع الرئيسي وراء شن الحرب فيما يبدو, هو الحفاظ على وجود عسكري طويل الأمد في العراق, بغية ضمان سيطرة الولاياتالمتحدة على منطقة الشرق الأوسط الغنية بالاحتياطيات النفطية, التي برع الكاتب \"دانييل يرجين\" في وصفها بأنها \"الجائزة الأثمن على مدى التاريخ كله\". ولك أن تقلب في ذهنك كافة الاحتمالات والدوافع الأخرى المعلنة لهذه الحرب: القضاء على أسلحة الدمار الشامل العراقية, التي لم يتم العثور عليها إلى اليوم, ناهيك عن تدميرها! وإزالة نظام صدام حسين القمعي الشرير - مع العلم أننا نحن الذين أعناه على هذا الشر يوماً وألبناه على الآخرين-, وشن الحرب على صدام بسبب ثبوت وجود علاقة تربط بين نظامه وتنظيم القاعدة – في حين أنه لم يتوفر دليل واحد يؤيد صحة هذا الزعم-، ثم هناك أخيراً القول المأثور المحبب دائماً للرئيس بوش: إن علينا أن نخوض الحرب ضد الإرهابيين خارج حدود بلادنا, كي لا نضطر إلى مواجهتهم في عقر دارنا. بيد أن كافة هذه الذرائع والتبريرات تتواضع ولا تساوي ذرة تراب واحدة أمام \"الجائزة الكبرى\" كما أسماها المؤلف \"يرجين\" في كتابه الأخير الذي يحمل عنوان \"الجائزة\" الذي فاز بجائزة \"بوليتزر\" لأفضل الكتب والمؤلفات الصحفية. \r\n \r\n يجدر بالذكر أنه فات على الكثيرين في طاقم إدارة الرئيس بوش, أن الحلقة المفقودة في الحوار الدائر عن الإرهاب وأسلحة الدمار الشامل -وما إليها من ذرائع بررت شن الحرب- أن الرغبة في غزو العراق, كانت سابقة لهجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001. بل إن هذه الرغبة كانت سابقة لإدارة بوش نفسها! والحقيقة التي نكشف عنها هنا, أن معسكر المحافظين الجدد قد شرع بقرع طبول هذه الحرب, منذ وقت متأخر من عقد التسعينيات. وكان المفترض وفقاً لذلك المخطط, أن يكون العراق الخطوة الأولى التمهيدية, في حين كانت إيران محط اهتمام المحافظين الجدد ومخططاتهم. ووفقاً لهذه الرؤية, فإن المأمول أن تبسط الولاياتالمتحدة الأميركية نفوذها على منطقة الشرق الأوسط ومواردها الغنية بالنفط, كي تتبعها خطوة أخرى تتمثل في تحقيق حلمهم الذهبي, بإعلان الإمبراطورية الأميركية! وبما أن هذا الكلام يبدو أقرب إلى الجنون, فإن هذا هو عين السبب الذي كان يستدعي الانتباه إليه منذ وقت مبكر. \r\n \r\n يذكر أن هذا الجنون كان قد اتخذ منحى غريباً في صيف عام 2002, عندما تلقى مجلس استشاري رفيع تابع للبنتاجون, استشارة دعا فيها أحد مستشاري ومحللي \"مؤسسة راند\" الولاياتالمتحدة الأميركية, إلى التفكير الجاد في مصادرة الأصول المالية والموارد النفطية للمملكة العربية السعودية, في حال عدم كف الأخيرة عن دعم الإرهاب وتمويله. ذلك هو ما نشرته صحيفة \"واشنطن بوست\" في سبق صحفي لها! لكن ولحسن الحظ, فإن تلك الاستشارة لم تخط خطوة واحدة إلى الأمام, وعلق عليها وزير الدفاع دونالد رامسفيلد قائلاً إنها لا تمثل وجهة النظر \"السائدة\" في صفوف الإدارة. \r\n \r\n لكن وعلى العموم, فإن الذي يستنتج الآن أن غزو العراق جاء في إطار سياسة أوسع نطاقاً وبعيدة المدى, تستهدف فرض الولاياتالمتحدة لإرادتها ووجودها العسكري, على امتداد منطقة الشرق الأوسط وما وراءها, متى ما دعت الضرورة. ولما كانت الحرب قد اتخذت مساراً سيئاً, فقد تضافر ذلك مع سوء وضراوة التمرد هناك, مما صب ماءً على نار إدارة بوش ورغبتها الجامحة, في توجيه ضربات استباقية أخرى في المنطقة نفسها أو أي مكان آخر. ولكن هل يعني ذلك أن جذوة حلم الإمبراطورية قد انطفأت؟ صحيح أن الحرب على العراق اتخذت منحى مخيباً لآمال المحافظين الجدد وتوقعاتهم. غير أن ذلك لا ينفي حقيقة أن ثاني أغنى دولة في الاحتياطيات والموارد النفطية, لا يزال مصيرها في خطر عظيم. ومن هنا يرجح استمرار الوجود العسكري الأميركي في العراق إلى مدة أدناها خمس سنوات -وربما تمتد إلى عشر سنوات- على حد تكهنات المراقبين والمحللين. ولنذكر هنا أن الرئيس الأسبق جونسون, لم يعلن عن تحقيق النصر في حرب فيتنام عام 1969. لكن الذي حدث أن حرب فيتنام استمرت بعد ذلك, إلى ما يقارب العقد الكامل من الزمان!. \r\n \r\n بوب هيربرت \r\n \r\n كاتب ومحلل سياسي أميركي \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"نيويورك تايمز\" \r\n