حملة لتوفير أجهزة كمبيوتر.. دعوات لتأهيل المدارس لتعليم التكنولوجيا | تفاصيل    تراجعت على العربات وبالمحال الصغيرة.. مساعٍ حكومية لخفض أسعار سندوتشات الفول والطعمية    وفقا لوزارة التخطيط.. «صيدلة كفر الشيخ» تحصد المركز الأول في التميز الإداري    الجيش الأوكراني: 96 اشتباكا قتاليا ضد القوات الروسية في يوم واحد    طائرات جيش الاحتلال تشن غارات جوية على بلدة الخيام في لبنان    3 ملايين دولار سددها الزمالك غرامات بقضايا.. عضو مجلس الإدارة يوضح|فيديو    كرة سلة - ال11 على التوالي.. الجندي يخطف ل الأهلي التأهل لنهائي الكأس أمام الجزيرة    المقاولون العرب يضمن بقاءه في الدوري الممتاز لكرة القدم النسائية بعد فوزه على سموحة بثلاثية    تصريح مثير للجدل من نجم آرسنال عن ليفربول    السجن 15 سنة لسائق ضبط بحوزته 120 طربة حشيش في الإسكندرية    إصابة أب ونجله سقطا داخل بالوعة صرف صحي بالعياط    خناقة شوارع بين طلاب وبلطجية داخل مدرسة بالهرم في الجيزة |شاهد    برومو حلقة ياسمين عبدالعزيز مع "صاحبة السعادة" تريند رقم واحد على يوتيوب    رئيس وزراء بيلاروسيا يزور متحف الحضارة وأهرامات الجيزة    بفستان سواريه.. زوجة ماجد المصري تستعرض جمالها بإطلالة أنيقة عبر إنستجرام|شاهد    ما حكم الكسب من بيع التدخين؟.. أزهري يجيب    الصحة: فائدة اللقاح ضد كورونا أعلى بكثير من مخاطره |فيديو    نصائح للاستمتاع بتناول الفسيخ والملوحة في شم النسيم    بديل اليمون في الصيف.. طريقة عمل عصير برتقال بالنعناع    سبب غياب طارق مصطفى عن مران البنك الأهلي قبل مواجهة الزمالك    شيحة: مصر قادرة على دفع الأطراف في غزة واسرائيل للوصول إلى هدنة    صحة الشيوخ توصي بتلبية احتياجات المستشفيات الجامعية من المستهلكات والمستلزمات الطبية    رئيس جهاز الشروق يقود حملة مكبرة ويحرر 12 محضر إشغالات    أمين عام الجامعة العربية ينوه بالتكامل الاقتصادي والتاريخي بين المنطقة العربية ودول آسيا الوسطى وأذربيجان    سفيرة مصر بكمبوديا تقدم أوراق اعتمادها للملك نوردوم سيهانوم    مسقط تستضيف الدورة 15 من مهرجان المسرح العربي    فيلم المتنافسون يزيح حرب أهلية من صدارة إيرادات السينما العالمية    إسرائيل تهدد ب«احتلال مناطق واسعة» في جنوب لبنان    «تحيا مصر» يوضح تفاصيل إطلاق القافلة الخامسة لدعم الأشقاء الفلسطينيين في غزة    وزير الرياضة يتابع مستجدات سير الأعمال الجارية لإنشاء استاد بورسعيد الجديد    الاتحاد الأوروبي يحيي الذكرى ال20 للتوسع شرقا مع استمرار حرب أوكرانيا    مقتل 6 أشخاص في هجوم على مسجد غربي أفغانستان    بالفيديو.. خالد الجندي: القرآن الكريم لا تنتهي عجائبه ولا أنواره الساطعات على القلب    دعاء ياسين: أحمد السقا ممثل محترف وطموحاتي في التمثيل لا حدود لها    "بتكلفة بسيطة".. أماكن رائعة للاحتفال بشم النسيم 2024 مع العائلة    القوات المسلحة تحتفل بتخريج الدفعة 165 من كلية الضباط الاحتياط    جامعة طنطا تُناقش أعداد الطلاب المقبولين بالكليات النظرية    الآن داخل المملكة العربية السعودية.. سيارة شانجان (الأسعار والأنواع والمميزات)    وفد سياحي ألماني يزور منطقة آثار بني حسن بالمنيا    هيئة الرقابة النووية والإشعاعية تجتاز المراجعة السنوية الخارجية لشهادة الايزو 9001    مصرع طفل وإصابة آخر سقطا من أعلى شجرة التوت بالسنطة    رئيس غرفة مقدمي الرعاية الصحية: القطاع الخاص لعب دورا فعالا في أزمة كورونا    وزير الأوقاف : 17 سيدة على رأس العمل ما بين وكيل وزارة ومدير عام بالوزارة منهن 4 حاصلات على الدكتوراة    «التنمية المحلية»: فتح باب التصالح في مخالفات البناء الثلاثاء المقبل    19 منظمة حقوقية تطالب بالإفراج عن الحقوقية هدى عبد المنعم    رموه من سطح بناية..الجيش الإسرائيلي يقتل شابا فلسطينيا في الخليل    تقرير حقوقي يرصد الانتهاكات بحق العمال منذ بداية 2023 وحتى فبراير 2024    مجهولون يلقون حقيبة فئران داخل اعتصام دعم غزة بجامعة كاليفورنيا (فيديو)    حملات مكثفة بأحياء الإسكندرية لضبط السلع الفاسدة وإزالة الإشغالات    «الداخلية»: تحرير 495 مخالفة لعدم ارتداء الخوذة وسحب 1433 رخصة خلال 24 ساعة    "بحبها مش عايزة ترجعلي".. رجل يطعن زوجته أمام طفلتهما    استشاري طب وقائي: الصحة العالمية تشيد بإنجازات مصر في اللقاحات    إلغاء رحلات البالون الطائر بالأقصر لسوء الأحوال الجوية    عبدالجليل: سامسون لا يصلح للزمالك.. ووسام أبوعلي أثبت جدارته مع الأهلي    دعاء آخر أسبوع من شوال.. 9 أدعية تجعل لك من كل هم فرجا    مفتي الجمهورية مُهنِّئًا العمال بعيدهم: بجهودكم وسواعدكم نَبنِي بلادنا ونحقق التنمية والتقدم    نجم الزمالك السابق: جوميز مدرب سيء.. وتبديلاته خاطئة    برج القوس.. حظك اليوم الثلاثاء 30 أبريل: يوم رائع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشيشان.. رحلة وعرة إلى قلب الصراع الدموي في القوقاز الحلقة الاولى
نشر في التغيير يوم 30 - 04 - 2005

القارئ هنا على موعد مع صورة متكاملة للقتل الوحشي الذي حوَّله الروس إلى طقس يومي في الشيشان وللنضال الذي يخوضه أبناء أرض التضحيات التي لا تنتهي في سبيل الاستقلال، وذلك من خلال شاهد عيان رأى وسمع وعرف وعاد ليحكي.
\r\n
\r\n
\r\n
المؤلف، أندرو ميير، عمل مراسلاً ل «التايم» في موسكو في الفترة من 1996 إلى 2001، واشتهر بصفة خاصة بكتابه ذائع الصيت «الأرض السوداء.. رحلة في أرجاء روسيا بعد السقوط».
\r\n
\r\n
\r\n
ظلت بلاد الشيشان، على مدار التاريخ، تشكّل شوكة في خاصرة الروس. فهذه الجمهورية التي تقع على الحدود الجبلية الجنوبية لروسيا دأبت على مقاومة الهيمنة السوفييتية ومن قبلها الهيمنة القيصرية عليها، إلى أن تغلب الروس في نهاية الأمر على مقاومة الإمام شامل في 1859، لتضم منطقة القوقاز إلى الامبراطورية الروسية، بعد حملة طويلة ودموية استوحى منها العديد من الأدباء الروس، خلال القرن التاسع عشر، خاصة ليرمونتوف وتولستوي، الكثير من أعمالهم ورواياتهم.
\r\n
\r\n
\r\n
واضطر الشيشان إلى الانتظار أكثر من 60 عاماً للتخلص من الهيمنة الروسية، وذلك وسط الفوضى التي أعقبت الثورة البلشفية. إلا أن فترة الاستقلال تلك كانت قصيرة إذ بحلول عام 1922 تم إجبار الجمهورية على العودة إلى الحظيرة الروسية.
\r\n
\r\n
\r\n
وينقلنا كتاب «الشيشان» لمؤلفه أندرو ميير الصادر حديثاً عن دار نورتون النيويوركية إلى قلب هذا الصراع الدامي، وذلك من خلال قيام الكاتب نفسه بزيارة للجمهورية التي مزقها الصراع الممتد لأكثر من قرنين من الزمان ولا يزال مستمراً حتى الآن.
\r\n
\r\n
\r\n
ويروي المؤلف على امتداد صفحات الكتاب البالغة 130 صفحة جوانب من مأساة هذا الصراع الذي أودى، حتى الآن، بحياة أكثر من مئة ألف شخص.
\r\n
\r\n
\r\n
وهذا الكتاب يمثل في الواقع تقريراً أو تحقيقاً صحافياً كتبه مؤلفه من قلب الحدث، واعتمد فيه على روايات ضحايا الصراع من أبناء بلاد الشيشان الذين قدرت لهم مواصلة هذه الحرب من دون أن يلوح في الأفق أي أمل في انتهائها.
\r\n
\r\n
\r\n
حياة وسط الأنقاض
\r\n
\r\n
\r\n
يقول المؤلف إن الحرب العالمية الثانية والغزو النازي قدما للشيشان بارقة أمل أخرى للتخلص من حكم موسكو. وعندما انتهت الحرب أراد ستالين الانتقام، فاتهم الشيشان بالتآمر مع النازي، وكان العقاب قاسياً، وهو الترحيل الجماعي إلى سيبيريا ووسط آسيا. ولم يتم السماح لهم بالعودة حتى عام 1957، عندما تولى خروشوف السلطة في الكرملين.
\r\n
\r\n
\r\n
وعندما انهار الاتحاد السوفييتي عام 1991 أعلن زوخار دوداييف، الذي كان ضابطاً سابقاً في سلاح الجو السوفييتي، الاستقلال عن روسيا. ورد بوريس يلتسين على ذلك بإرسال قوات تابعة لوزارة الداخلية يبلغ قوامها بضع مئات من الرجال إلى الجمهورية. فتصدى لها المقاتلون الشيشان عند المطار وأعادوهم إلى روسيا في مجموعة حافلات، وهي الواقعة الأولى في سلسلة من اللطمات المماثلة التي تعرضت لها موسكو.
\r\n
\r\n
\r\n
وفي 1994، بعثت موسكو بقوات لشن حملة تفتقر إلى التخطيط الجيد لاستعادة هذه المنطقة وإخضاعها مجدداً لسلطتها بانتصار سريع على المتمردين، التزمت الدعاية الروسية الصمت في مواجهة المقاومة الشيشانية القوية للهجوم الروسي. ووسط تزايد استياء الرأي العام الروسي من تفاقم الخسائر التي تكبدها الجيش الروسي، سحبت موسكو قواتها وفقاً لاتفاقية سلام قام بترتيبها في 1996 الكسندر ليبير مستشار يلتسين لشؤون الأمن القومي. ومنح الاتفاق الشيشان قدراً من الحكم الذاتي، لكنه لم يمنحهم الاستقلال. وتم انتخاب رئيس الأركان الشيشاني الجنرال أصلان مسخادوف رئيساً للجمهورية.
\r\n
\r\n
\r\n
إلا أن ذلك كله لم يقدر له أن يمنع تحوّل جمهورية الشيشان الى أنقاض، ولم تتحرك روسيا لضخ الاستثمارات اللازمة للاعمار واعادة البناء.
\r\n
\r\n
\r\n
وكان شتاء 1999/2000 صعبا بصورة خاصة بالنسبة للشيشان. ففي الوقت الذي كان يحتفل الغرب بالألفية الجديدة، تعرض الشيشان لحملة عسكرية روسية جديدة، بعد الحملة الأولى التي بدأت عشية العام الجديد في 1994 وانتهت في 6 أغسطس 1996 وهو اليوم الذي استعاد فيه المقاتلون الشيشان عاصمتهم غروزني.
\r\n
\r\n
\r\n
لقد حصدت الحرب الأولى أكثر من مئة الف شخص، وتم شنها من جانب الروس لقمع حركة وطنية تطالب بالاستقلال، واستمرت لأسباب مختلفة، منها الحالة المزرية التي كانت عليها القوات المسلحة الروسية في عهد يلتسين، وصمود المقاتلين الشيشان.
\r\n
\r\n
\r\n
وفي صيف 1996 أعيد انتخاب يلتسين وتم تجميد القضية الشيشانية.
\r\n
\r\n
\r\n
الا انه في صباح احد الايام الدافئة من شهر اغسطس 1999 اعيدت المسألة لواجهة الاحداث، عندما فتح اشهر اثنين من مقاتلي الحرب الأولى، وهما شامل باساييف والمقاتل الذي اشتهر باسم «خطاب»، جبهة جديدة، وكان الكرملين قد اعلن ان باسييف هو في مقدمة المطلوبين، بعد ان شن غارة جريئة على أحد المستشفيات بمدينة بوديونوفيسك في جنوب روسيا خلال صيف 1995.
\r\n
\r\n
\r\n
وكان باساييف قد قاد الثوار الشيشان للعودة الى العاصمة غروزني في 6 اغسطس 1996، لكنه واصل النضال بعد الحرب، على الرغم من انه تولي لفترة قصيرة منصب رئيس الوزراء في عهد مسخادوف. الا انه وباعترافه لم يجد نفسه في الشؤون السياسية. اما خطاب فقد انضم لصفوف النضال الشيشاني في عام 1995 بعد ان حارب السوفييت في افغانستان.
\r\n
\r\n
\r\n
يشير المؤلف الى ان باساييف وخطاب قادا مجموعة من المقاتلين عبر جبال جنوب شرق الشيشان اندفعت الى الشرق باتجاه داغستان المجاورة، وهي الجمهورية التي تتكون اغلبيتها من المسلمين، ويشدد اتحاد الجمهوريات الروس قبضته عليها. وتقع هذه الجمهورية على بحر قزوين وتعادل مساحتها بشكل تقريبي مساحة النمسا، ويحكمها مسؤولون نشأوا على المبادئ السوفييتية، ويكنون كل الولاء لموسكو.
\r\n
\r\n
\r\n
وتجاوز المقاتلون، الذين لم يزد عددهم على بضع مئات من الرجال في افضل التقديرات، حدود داغستان في وضح النهار، وهم يحملون قذائف «الآر.بي.جي» ويرتدون زيا مموها جديدا. وعندما استولوا على بعض قرى داغستان عبر الحدود، اعتبرت موسكو ان هذه المحاولة تهدف الى احياء رغبة قديمة في توحيد جمهورية الشيشان وداغستان لاقامة دولة اسلامية تصل حدودها الى بحر قزوين.
\r\n
\r\n
\r\n
كان رئيس وزراء روسيا في ذلك الوقت هو سيرجي شيباشين، الذي حاول معالجة المسألة بحكمة، الا ان ذلك لم يقنع يلتسين، الذي سارع باقالته. وخرج أوليغ سيسوف المتحدث باسم الكرملين ليعلن ان مشكلة شيباشين انه عاطفي و«له قلب» ويلتسين يريد ولاء تاما له، يريد رجلا قويا.
\r\n
\r\n
\r\n
\r\n
واختار يلتسين بعد ذلك بوتين ضابط جهاز المخابرات السوفييتية السابق «الكي جي بي» ليتولي رئاسة الوزارة. وذلك بعد ان اقال في فترة قصيرة لم تزد على عام ونصف العام خمسة رؤساء للوزراء. وعندما جاء بوتين لم يكن شخصية معروفة أو محبوبة. ووصلت نسبة شعبيته وفقا لاستطلاعات الرأي العام اقل من 2%.
\r\n
\r\n
\r\n
الا أن الكسندر اولسون، وهو احد الخبراء الروس في مجال استطلاعات الرأي يقول: «ضع أي شخص في منصب رئيس الوزراء، وستجد أن نسبة شعبيته ستزيد في الحال».
\r\n
\r\n
\r\n
ويقول مؤلف كتابنا: إن شعبية بوتين «تدعمت بصورة أكبر نتيجة لظروف اخرى بخلاف المنصب الجديد. فدخول المقاتلين الشيشان إلى داغستان في أغسطس، وهي العملية التي وصفها التلفزيون الروسي بأنها بمثابة صفعة في وجه الكرملين، منحت بوتين فرصة مثالية لإصلاح أخطاء الماضي، ولإعادة الكرامة إلى روسيا التي تعرضت لصفعات متكررة، أثارت التساؤلات حول إمكانية أن تحافظ على مكانتها كقوة عظمى.
\r\n
\r\n
\r\n
وأرسلت موسكو طائرات هليكوبتر مقاتلة لتدك القرى الفقيرة التي استولى عليها الثوار، لكن باساييف وخطاب ورجالهما كانوا قد فروا. ووعد رئيس الوزراء الجديد بالقيام بعملية قصيرة لتمشيط داغستان من هؤلاء المقاتلين.
\r\n
\r\n
\r\n
يقول المؤلف: إنه خلال فترة عمله القصيرة كمدير للمخابرات الروسية، علق بوتين على جدار مكتبه صورة لبطرس الأكبر. وخلال الأشهر الأولى من توليه رئاسة الوزراء، أبلغ مساعدوه الصحافيين الأجانب بأن بطرس، وهو القيصر الذي فتح أبواب روسيا أمام الغرب، هو النموذج الذي يفضله بوتين. ويذكر التاريخ ان بطرس بدأ هو أيضاً حكمه بغزو ميناء أزوف في 1696، وكان يقع تحت سيطرة العثمانيين، وذلك بعد محاولة فاشلة قبل عام، وفتح هذا الغزو منفذاً لروسيا على البحر الأسود.
\r\n
\r\n
\r\n
لعنة أغسطس
\r\n
\r\n
\r\n
يرى مؤلفنا انه لسنوات طويلة ظل شهر أغسطس بالذات يحمل اللعنة للشؤون السياسية الروسية. فقد حدث انقلاب في 1991 وتحطمت طائرتان فور إقلاعهما في 1998 خلال شهر أغسطس. لكن أغسطس 1999 أصاب يلتسين في مقتل. قد تدهورت صحته وأصبحت حالته موضع تندر في أوساط موسكو الثقافية، ولكن الأسوأ كان نشر سلسلة من الفضائح على جبهات عدة تتعلق بغسيل أموال ورشاو.
\r\n
\r\n
\r\n
فقد ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية في عدد 19 أغسطس 1999 أن زعماء الجريمة الروسية، قاموا بالتواطؤ مع مسؤولين روس بغسل نحو عشرة مليارات دولار عبر قنوات النظام المصرفي الأميركي. وتم الكشف عن هذه الفضيحة، في الوقت الذي كانت القوات الروسية تقوم بقصف القرى الفقيرة في داغستان. وفي 25 أغسطس نشرت صحيفة «كوريير ديلا سيرا» أن أفراداً من أسرة يلتسين، متورطون بشكل مباشر في هذه الفضيحة.
\r\n
\r\n
\r\n
بعد ذلك بستة أيام بدأ موسم التفجيرات، فبعد أيام من انسحاب المقاتلين من داغستان، هزت سلسلة من التفجيرات موسكو. ففي 31 أغسطس انفجرت قنبلة في مركز تجاري كبير بالقرب من الكرملين، وأصيب من جراء الانفجار 41 شخصاً، توفي اثنان منهم في وقت لاحق.
\r\n
\r\n
\r\n
وفي 4 سبتمبر 1999 تعرضت بناية يقيم فيها ضباط روس وعائلاتهم ببلدة بيوناكسك في داغستان لانفجار أثناء الليل، مما أدى إلى مقتل 62 شخصاً. وفي موسكو تعرضت بنايات سكنية لانفجارات خلال النصف الأول من شهر سبتمبر. وبحلول ذلك الوقت كان نحو 300 شخص قد قتلوا أثناء نومهم، ولم يفعل يلتسين شيئاً سوى إدانة هذه الأحداث.
\r\n
\r\n
\r\n
يقول المؤلف انه لم يتقدم أحد، بطبيعة الحال، ليعلن مسؤوليته عن هذه التفجيرات، إلا ان أصابع الاتهام توجهت إلى الشيشان. لكن صحيفة «روسيسكايا جازتا» الرسمية الروسية أشارت إلى مجموعة من المستفيدين، وهم المقاتلون الشيشان الذين يريدون إقامة دولة كبرى في منطقة القوقاز، وأثرياء النفط العالميون الذين يريدون إعادة رسم خريطة المنطقة الغنية بالنفط لتحقيق مصالحهم، وأعداء روسيا الذين يريدون لها أن تغرق في صراعات محلية تبعدها عن الساحة السياسية العالمية.
\r\n
\r\n
\r\n
بل ان فيكتور اليوخين رئيس لجنة الأمن في الدوما رأى ان التفجيرات هي حملة من جانب الكرملين لإسقاط عمدة موسكو لوجيكوف. كما تردد ان المخابرات الروسية وراء وضع القنابل، إلا أنه لم يتم العثور على أي دليل يثبت تورط المقاتلين الشيشان في هذه التفجيرات.
\r\n
\r\n
\r\n
وظلت التساؤلات تتردد حول الأسباب وراء اختيار الأهداف، وهي أحياء الطبقة العاملة، والتوقيت وهو عندما تبدو الأمور هادئة، كما ركز البعض على حقيقة ان مقاتلي الشيشان لم يفجروا قنبلة واحدة في موسكو خلال حرب الشيشان الأولى.
\r\n
\r\n
\r\n
وفي ليلة 22 سبتمبر 1999 أي بعد ستة أيام من آخر تفجيرات وقعت في موسكو، اتصل سكان بناية تضم 12 طابقاً بالشرطة، بعد أن رأوا سائق حافلة يحمل شيئاً إلى أسفل البناية وخشوا أن يكون قنبلة. واكتشفت الشرطة وجود ثلاثة أكياس مرتبطة بأسلاك وجهاز تفجير معد للانفجار عند الفجر. قامت الشرطة بإخلاء البناية، واستدعت الفرقة الهندسية لوقف جهاز التفجير. وفي اليوم التالي أعلن بوتين أن يقظة رجال الأمن قد أحبطت محاولة إرهابية.
\r\n
\r\n
\r\n
وفي 24 سبتمبر 1999 وأمام عدسات كاميرات قنوات التلفزيون اعتذر الرئيس الجديد لجهاز الأمن الروسي نيكولاي باتروشيف، وهو رجل اختاره بوتين بنفسه. وقال باتروشيف إن جهاز الأمن هو الذي وضع بنفسه هذه الأكياس في إطار مناورة تدريبية، وأصر على أنها كانت مملوءة بالسكر.
\r\n
\r\n
\r\n
المفرمة
\r\n
\r\n
\r\n
يقول المؤلف إنه بصورة عامة فإن التفجيرات، التي ترافقت مع عملية داغستان، أدت إلى توحيد الصفوف الروسية ضد الشيشان. ومع انتهاء شهر سبتمبر بدأ بوتين الحرب وعادت القوات الروسية إلى جمهورية الشيشان، ولكن بأعداد كبيرة هذه المرة، إذ بلغ قوامها نحو مئة ألف جندي.
\r\n
\r\n
\r\n
وأقسم رئيس الوزراء الجديد أن هذه الحرب ستكون مختلفة عن سابقتها قائلا ان موسكو ستستعيد النظام في هذه المنطقة الخارجة عن القانون. وكانت الجمهورية قد تمتعت باستقلال وفقا للأمر الواقع منذ أن طرد المقاتلون الشيشان القوات الروسية بعد حرب 1994 1996. وكانت الحملة الأولى مهينة للروس نتيجة للتردد السياسي والعقم العسكري. أما الجولة الثانية فقد وعد أحد كبار مخططيها وهو الجنرال تروشيف ان تكون معركة لا هوادة فيها ستستخدم فيها موسكو كل أسلحتها، ولن تتخلى عن قدم مربع واحد من أراضي الجمهورية.
\r\n
\r\n
\r\n
يقول المؤلف ان الرأي العام الروسي راح يتابع عبر شاشات التلفزيون بفخر ممزوج بالدهشة تقدم القوات الروسية بسهولة واجتيازه للحدود الى داخل جمهورية الشيشان وسقوط القرى الواحدة تلو الأخرى من دون اطلاق رصاصة واحدة. وعندما سقطت مدينة «جوديرمز» تصورت موسكو ان الحرب قد انتهت بانتصارها.
\r\n
\r\n
\r\n
وأعلن سيرجي ياسترجيمبسكي المتحدث الحربي باسم بوتين انه «لم يتبق سوى تمشيط الجمهورية بحثاً عن أية جيوب صغيرة للمتمردين». بعد ذلك راح هذا المتحدث يعقد مؤتمرات صحفية يومية ليؤكد للصحافيين أن الحملة الجديدة هي بمثابة «عملية ضد الارهاب» وليست حرباً. ومع اقتراب عام 1999 الجديد وعد المتحدث بانتهاء هذه العملية في غضون أيام.
\r\n
\r\n
\r\n
وخلال الحرب الأولى تمتعت وسائل الاعلام الخاصة بقدر من الاستقلالية. ولكن هذه المرة رسمت الدولة خطاً جديداً: ان اعداد تقارير اخبارية من الجانب الشيشاني يعني دعم العدو. وأذعنت أجهزة الاعلام المحلية بصورة عامة لهذه التعليمات وغضت البصر عن المذابح التي كانت ترتكب ضد المدنيين والمقاومة الشيشانية.
\r\n
\r\n
\r\n
وفي موسكو قلل السياسيون والجنرالات من أهمية العاصمة غروزني بعد الدرس الذي تعلموه من الحرب الأولى حيث اشتهرت العاصمة الشيشانية بين الجنود الروس باسم «المغرمة». فقد تفنن المقاتلون الشيشان في تنفيذ أساليب حرب العصابات، وكانوا يستخدمون السراديب والبنايات الحصينة لمحاصرة الدبابات الروسية وتدميرها.
\r\n
\r\n
\r\n
وعندما تزايدت تساؤلات الاعلاميين حول الكيفية التي سينتصر بها الروس في الحرب من دون دخول العاصمة، جاء الرد البسيط والقاسي على لسان الكسندر جيلين وهو طيار ميج سابق وأحد أبرز الصحافيين العسكريين في موسكو: سننتصر في الحرب بقصف غروزني من الجو بشكل مكثف وعلى مدار اليوم، ولن يقتحم الجنود المدنية إلا بعد أن يتم تدمير كل شيء».
\r\n
\r\n
\r\n
وكانت التقديرات تشير إلى أن الخسائر بين الجنود الروس ستكون محدودة بينما ستكون هائلة بين الشيشان، سواء، كانوا مسلحين أو مدنيين، وفي الحال أحس الشيشان باختلاف هذه الحرب عن سابقتها. فاضطروا إلى الفرار. وهرب ما يزيد على 300 الف شخص من الجمهورية في وقت واحد. وبينما توجه معظم الفارين إلى انجوشيا، توجه البعض إلى الجنوب سيراً على الأقدام وعبر الجبال إلى جورجيا.
\r\n
\r\n
\r\n
يقول المؤلف انه شاهد بأحد المستشفيات المهجورة في قرية «دويسي» على الحدود في جورجيا في اكتوبر 1999 المئات من اللاجئين الشيشان. لقد مشوا لأيام وسط الثلوج وتحت القصف الروسي في طريق ضيق تنتشر على امتداده الالغام الارضية».
\r\n
\r\n
\r\n
وقال بعضهم للمؤلف انهم من بين الذين حالفهم الحظ وبقوا على قيد الحياة، بينما لقي العشرات مصرعهم على طول الطريق.
\r\n
\r\n
\r\n
ويروي التاريخ أنه خلال الحرب العالمية الثانية فر سكان ليننجراد الذين تعرضوا لحصار النازي مستخدمين طريقاً جليدياً فوق بحيرة لادوجا. وقد أطلق السوفييت على هذا الطريق بعد ذلك اسم «طريق الحياة» لكن الشيشان اطلقوا على الطريق من غرزوني إلى بلدة بانكيسي جورج الحدودية الجورجية اسم «طريق الموت».
\r\n
\r\n
\r\n
وأدرك اللاجئون الشيشان التكتيكات الجديدة التي يطبقها الكريملين في الحرب. وتقول صبية تبلغ من العمر تسع سنوات: «خلال الحرب الاولى، كنا نجلس داخل المخبأ، ونحصي عدد القنابل التي تسقطها الطائرات، ولكن في الحرب الجديدة كانت القنابل تتهاطل كالمطر، فلم نستطع احصاءها».
\r\n
\r\n
\r\n
يقول المؤلف ان المستشفى المهجور الذي كان يقيم فيه هؤلاء اللاجئون لم يكن به نظام تدفئة. وكانت الملاءات البلاستيكية معلقة على النوافذ المهشمة. ويتحدث رجل مسن عن مستوى جديد من الوحشية، ويقول : «لم أتصور مطلقاً انني سأشعر بالحنين لأيام يلتسين. ولم اتصور مطلقاً اننا يمكن ان نشهد حرباً أكثر سوءاً من الحرب الاولى. لكن هذه ليست حربا، وإنما هي عملية قتل على مستوى الدولة، عملية قتل جماعي».
\r\n
\r\n
\r\n
وعلى الرغم من تأكيدات الجنرال، فإن القليلين في موسكو تشككوا في أن يضطر الروس إلى اقتحام غروزني، إلا أن مسؤولي الكرملين شعروا بالثقة هذه المرة في أن المدينة سوف تسقط بسهولة، خاصة وانه لم يعد بالمدينة سوى القليل من المرافق الاساسية، كما ان الهروب الجماعي للاجئين ادى إلى بقاء القليل من المدنيين الذين لم يتمكن ان يحتمي بهم المقاتلون.
\r\n
\r\n
\r\n
وبحلول نوفمبر 1999 بدأت القوات الروسية حصارها للعاصمة وقطعت خطوط الامداد التي يستفيد منها المقاتلون الشيشان. وتحولت إلى المنازل الصغيرة المكونة من طابق واحد والتي انتشرت بالمدينة منذ سنوات حكم غورباتشوف إلى كتل سوداء محترقة، بينما كانت البنايات السكنية الشاهقة المنتشرة بالشوارع الرئيسية في العاصمة بمثابة محاجر عيون سوداء في جمجمة المدينة.
\r\n
\r\n
\r\n
اما وسط المدينة، الذي سوي بالأرض خلال الحرب الاولى، فقد كان يلفه الصمت. كان هناك القليل من المدنيين، سواء من الشيشان او الروس، يقيمون في غروزني لا أحد يعرف عدد الذين بقوا على وجه الدقة، البعض يقول ان عددهم يصل إلى 20 الفا، الا انهم كانوا مثل الاشباح ويتزاحمون خلال الليل والنهار داخل المخابيء، المظلمة والمنتشرة تحت الانقاض.
\r\n
\r\n
\r\n
يقول المؤلف ان الحصار استمر 102 يوم. وفي 31 يناير، بعد اسبوعين من اعنف قتال دموي بالحرب الثانية، سقطت ساحة مينوتكا التي كانت بمثابة اهم نقطة التقاء للعاصمة غروزني وكان بعض المقاتلين الشيشان قد تقهقروا قبل السقوط نحو ملجئهم التقليدي في كهوف الجبال جنوبي غروزني. وفي الايام الاخيرة من يناير عام 2000 بدأت آخر مجموعة من المقاتلين في المدينة، والبالغ عددهم نحو ثلاثة آلاف مقاتل، في الانسحاب. وخرجوا تحت جنح الليل في صفين عبر ممر بالجانب الجنوبي الغربي من المدينة.
\r\n
\r\n
\r\n
السير فوق الجثث
\r\n
\r\n
\r\n
روى المقاتلون الذين بقوا على قيد الحياة لمؤلف الكتاب تفاصيل عبورهم الطرق المغطاة بالثلوج والالغام الارضية. ونظراً لادراكهم بوجود ألغام، فقد كانوا يتقدمون الواحد تلو الآخر وتتناهى لأولئك الذين يسيرون في الخلف أصوات الانفجارات وصرخات من في المقدمة وهم يتعثرون في الكثير من هذه الألغام. وقال أحد الشبان الشيشان «ان الطريقة الوحيدة لاجتياز هذا الممر كان بالسير فوق الجثث».
\r\n
\r\n
\r\n
وأدى هذا الخروج الى خسائر فادحة في صفوف المقاتلين الشيشان حيث قتل العديد من القادة الكبار، وفقد باسييف قدمه اليمنى بعد ان داس على لغم. وكان من بين القتلى ليشا دوداييف عمدة جروزني وابن أخ الزعيم السابق الراحل دوداييف.
\r\n
\r\n
\r\n
وكانت كل قرية يصل اليها المقاتلون هدفاً لقصف روسي عنيف. وعلى الرغم من سيطرة الروس على مدينة غوديرمز الحيوية، الا ان الجنود الروس كانوا يتحركون في مجموعات وبحرص شديد. واختار بوتين أحمد قديروف الذي كان من قبل المفتي الأكبر للجمهورية ليحكم المدينة. وعلى الرغم من ان قديروف كان يقيم في غوديرمز، الا ان احداً لم يشاهده.
\r\n
\r\n
\r\n
وكان أهلها يعرفون انه جاء على متن طائرة هيلكوبتر روسية في الصباح وغادر في المساء، وكان الشيشان يلقبونه ب «المفتي الخفي».
\r\n
\r\n
\r\n
يقول المؤلف انه وصل الى غوديرمز التي تعد ثاني أكبر مدينة بجمهورية الشيشان قبل غروب الشمس بقليل، وقبل سريان حظر التجول. وقد استغرقت رحلة المؤلف من مدينة نازارة الى غوديرمز يوماً بكامله على الرغم من أنها في الأوقات العادية لا تستغرق أكثر من ساعتين، وذلك نظرا لانتشار نقاط التفتيش الروسية وطوابير العربات والدبابات والشاحنات الروسية على الطريق الرئيسي الذي يربط بين المدينتين.
\r\n
\r\n
\r\n
وعلى الرغم من عدم الأهمية الكبيرة لمدينة عوديرمز، الا ان الروس، في محاولة منهم لتعزيز مغامرتهم العسكرية واثبات نجاحها، اختاروا هذه المدينة لتكون عاصمة مؤقتة للجمهورية حتى يتمكنوا من السيطرة تماماً على العاصمة غروزني، التي لم تكن في حال يسمح لها باستقبال الضباط والمسؤولين الكبار الآتين من موسكو لتفقد الأوضاع في أعقاب الحملة العسكرية.
\r\n
\r\n
\r\n
كان المؤلف قد مر قبل وصوله الى غوديرمز بالعاصمة غروزني التي وجدها عبارة عن انقاض. ويقول انه كان قد رأى كابول خلال صيف 1996 قبيل استيلاء طالبان عليها. كانت المدينة بدون اية معالم حضارية سوى بعض بقايا البنايات السكنية القديمة خلال فترة الاحتلال السوفييتي وهي الشيء الوحيد الذي يميزها عن العصر الحجري. ومع ذلك فإن غروزني كانت أكثر سوءاً.
\r\n
\r\n
\r\n
لقد كانت غروزني عندما انهار الاتحاد السوفييتي مدينة عصرية، تنتشر بها البنايات ذات التصاميم المعمارية الروسية والأوروبية وتنتشر بها الحدائق التي تفوح منها روائح الياسمين، كما كانت العاصمة الشيشانية مقراً لاحدى اكبر مصافي البترول في الاتحاد السوفييتي بالاضافة الى مصانع عدة للكيماويات والاسمنت.
\r\n
\r\n
\r\n
كما كانت غروزني مركزاً تعليمياً مرموقاً، اذ كانت تضم جامعة ومعهداً فنياً وست مدارس، بالاضافة الى عدد من المتاحف ومركز ثقافي ومسرح للدمى وقاعة موسيقية.
\r\n
\r\n
\r\n
وكان يقيم في غروزني، قبل الحرب الاولى، نحو نصف مليون نسمة، الا ان كل تلك الصورة أصبحت من الماضي ولم يتبق أي معلم من هذه المعالم، بعد الحربين اللتين حولتا العاصمة الشيشانية الى أطلال، وبعد أن أدى القصف الجوي العنيف والمتواصل إلى تسوية مناطق عديدة فيها بالأرض.
\r\n
\r\n
\r\n


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.