لكن وعلى رغم كل هذه الانتقادات، إلا أننا نعتقد أن خدمة المصالح الأميركية بعيدة المدى في المنطقة، تبرر بقوة صحة هذا القرار ببيع باكستان طاقم مقاتلاتنا الجوية من طراز F-16 وتبدأ هذه المصالح بموقع باكستان الجغرافي السياسي الاستراتيجي، فضلاً عما تتسم به من أهمية سياسية إقليمية. فهي ثاني أكبر دولة إسلامية على المستوى العالمي، فضلاً عن قربها من الهند، ومجاورتها لأفغانستان، علاوة على كونها بوابة لمنطقة آسيا الوسطى برمتها. \r\n \r\n وعلى رغم استمرار شعورنا بالإحباط وخيبة الأمل إزاء ما اعترى مسيرة التقدم الديمقراطي هناك من عقبات وعراقيل، إلا أننا ندرك أن باكستان قد سبق لها أن جربت الديمقراطية من قبل، وأنه لا يزال بوسعها إعادة تلك التجربة مجدداً، خلافاً للكثير من دول منطقة الشرق الأوسط، التي ستخوض هذه التجربة لأول مرة في تاريخها على الإطلاق. وبالنظر إلى استقرارها السياسي، باعتبارها دولة ديمقراطية إسلامية، يبلغ تعداد سكانها 150 مليون نسمة، فسيكون في مقدورها أن تقدم نموذجاً سياسياً يحتذى في دول العالم الإسلامي. بيد أن الوصول إلى الديمقراطية الكاملة الحقة، يتطلب التوجه أكثر فأكثر، صوب مفهوم \"المجتمع المدني الحديث\"، علاوة على ما يتطلبه من اعتدال واستنارة في الرأي، من ذلك النوع الذي لطالما ظل يدعو إليه الرئيس الباكستاني برويز مشرف باستمرار. وفي سبيل تحقيق هذا الهدف، فإنه لاشك بحاجة ماسة إلى دعم وتعاون الولاياتالمتحدة الأميركية، سواء في مجال التنمية الاجتماعية وتحسين مستوى الخدمات التعليمية والصحية، أم على الصعيد السياسي، المتمثل في التغلب على تطرف الأحزاب الدينية، الساعية للإطاحة ببرويز مشرف، بسبب اعتداله وتعاونه مع الولاياتالمتحدة في حربها على الإرهاب الدولي. ومما لا شك فيه أن باكستان الديمقراطية المعتدلة والحديثة معاً، ستكون خير جار، وحليفاًَ إقليمياً للهند، لكونها ستكون قادرة على تحويل ذلك العداء التاريخي اللدود بينهما – فيما لو رغبت الهند طبعاً في تحول كهذا- إلى علاقات ودية بناءة متبادلة بين الجارتين. \r\n \r\n هنا يتساءل النقاد اللحوحون أيضاً: أليس في وسعنا تحقيق كافة الأهداف المذكورة، دون أن نبيع باكستان طائراتنا من طراز F-16 المقاتلة؟ كلا... هي الإجابة الأرجح، آخذين في الاعتبار تاريخ العلاقات الأميركية- الباكستانية. وأكثر ما يميز هذه العلاقة، الشكوك العميقة التي ظلت تساور الباكستانيين فيما يتصل بمدى رغبة وجدية واشنطن في الحفاظ على علاقات وطيدة وراسخة مع إسلام أباد. ولهذا السبب بالذات، فإن صفقة بيع طائراتنا من طراز F-16 هذه، ستكون محكاًَ عملياً تحكم من خلاله باكستان على مدى جديتنا، ونحكم نحن من خلاله، على مدى حرصنا على صيانة مصالحنا القومية هناك. \r\n \r\n وليس ذلك فحسب، بل إن هذه الصفقة ستحسن كثيراً من الصورة التي رسمناها لباكستان عن أنفسنا في عقد التسعينيات، يوم أن استلمنا الأموال الباكستانية مقابل بيعها طائرات F-16 نفسها، دون أن نسلمها البضاعة! يا لها من تجارة سيئة السمعة، أن تقبض دولة بحجم الولاياتالمتحدة الأميركية الثمن، ثم تتوانى في تسليم البضاعة. وليست التجارة وحدها هي سيئة السمعة، بل علاقاتنا الدبلوماسية نفسها. ولا يبرر لنا تلك الفعلة، أخذنا على باكستان، تطويرها للسلاح النووي –الذي تعتقد دول عديدة، منها الهند وباكستان، أنه من حقها أن تطور الأسلحة ذاتها التي طورناها نحن هنا في الولاياتالمتحدة-. فذاك سلوك أعرج لا يستقيم، مهما كانت الذرائع والمبررات التي أقمناها له. ومما زاد الطين بلة، أن الولاياتالمتحدة لم تسترد لباكستان الأموال التي دفعتها مقابل إبرام تلك الصفقة إلا في عام 1998. وحتى حين دفعنا، فإننا لم نسدد لباكستان سوى 324.6 مليون دولار، من أصل 463.7 مليون دولار دفعتها باكستان مقدماً! بل حاولت واشنطن التحايل على ما تبقى من أموال مستحقة عليها لباكستان، بمنحها هبات ومساعدات عينية مثل القمح وما إليه. \r\n \r\n وهناك فائدة ثانية لبيع هذه الطائرات، تتمثل في زيادة تأثير ونفوذ واشنطن على الرئيس برويز مشرف واتجاه حكمه المعتدل على المدى البعيد. كما تؤكد هذه الصفقة للجيش وللشعب الباكستاني معاً، أن تعاون بلادهما مع أميركا، يؤتي أكله وثماره. وبين ما تؤكده هذه الصفقة من معان، أن واشنطن تضع من جانبها اعتباراً للمصالح القومية الباكستانية، ولهواجسها الأمنية. وهذا بدوره، يعزز مشاعر الثقة المتبادلة، ويخفف من حدة مشاعر العداء لأميركا هناك. وفي كل هذا مؤشر على أن الولاياتالمتحدة قد تعلمت درس تجاهلها للمصالح الحيوية الباكستانية في عام 1990، وأنها تبدي اليوم رغبة وحماساً لبناء علاقات بعيدة المدى مع إسلام أباد. هذه ليست صفقة تجارية فحسب مع باكستان، بقدر ما هي صفقة سياسية استراتيجية في الأساس. \r\n \r\n \r\n ويليام بي. ميلام \r\n \r\n سفير أميركي سابق لدى باكستان 1998-2001 \r\n \r\n سارميلا بوس \r\n \r\n أستاذ مشارك زائر للدراسات الآسيوية والشؤون الدولية بجامعة جورج واشنطن \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"كريستيان ساينس مونيتور\"