\r\n بل وربما توفر أقوى مبرر لغزو العراق، سيما إثر النجاح الكبير الذي حققته الانتخابات العراقية التي جرت في شهر يناير المنصرم. وعند النظر إلى مثل هذه المزاعم، فإنني أجد نفسي في موقف من يرد عليها بالإيجاب مرة، وبالسلب مرة أخرى. دعوني أقول أولاً إنني كنت قد أيدت الرئيس بوش بشدة، عندما أعلن في خطابه عن \"حال الاتحاد\" الذي ألقاه في الثاني من فبراير الماضي، وقوفه مع حلفاء وأنصار الحرية، بهدف دعم الحركات الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط وما وراءها. كما أيدته عندما مضى مستطرداً في القول \"إن هدفنا هو بناء مجتمعات حرة، تتألف من أمم مستقلة، ذات حكومات تلبي مطالب مواطنيها، وقادرة على عكس ثقافاتها الخاصة بها.\" ولا زلت عند رأيي أن هذه فكرة رائعة، تجسد رؤية وهدفاً مستقبلياً، من شأنهما تصحيح أخطاء عقود بكاملها من مؤازرة ودعم واشنطن للكثير من الأنظمة والحكومات الديكتاتورية في المنطقة. \r\n \r\n ثم تلا ذلك في منتصف فبراير الماضي، مصرع رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، الذي أعطى دفعة قوية للحركة اللبنانية المناهضة للتدخل السوري في شؤون لبنان الداخلية، سيما وأن أصابع الاتهام قد وجهت إلى دمشق، فيما يتصل بتدبير وتنفيذ جريمة الاغتيال تلك، على الرغم من عدم توفر أية أدلة دامغة على التورط السوري في عملية الاغتيال. ومع تنامي مد الحركة الشعبية المناهضة لسوريا في العاصمة بيروت، تنبأ الرئيس بوش ومؤيدوه، بأن تفلح هذه الحركة في طرد نحو 14 ألف جندي سوري من الأراضي اللبنانية، بعد مدة طويلة من الإقامة هناك. بل تنبأ بعض الأميركيين، من منتقدي الرئيس السوري بشار الأسد، بأن يفضي تنامي الغضب الشعبي عليه، إلى زعزعة وخلخلة نظامه الحالي في دمشق نفسها. \r\n \r\n بيد أن الوضع ازداد تعقيداً داخل لبنان نفسها. ففي الثامن من شهر مارس الجاري، نظم \"حزب الله\" مظاهرات شعبية عارمة، وفاءً وعرفاناً لما فعلته سوريا في لبنان. كما أعلن \"حزب الله\" أيضاً عدم استعداده للرضوخ لمطالب كل من الولاياتالمتحدة الأميركية والأمم المتحدة، القاضية بأن يجرد الحزب ميليشياته البالغ عدد أفرادها نحو 5 آلاف مقاتل في الجنوب اللبناني. \r\n \r\n والحقيقة التي لا مراء فيها، هي أن ل\"حزب الله\" حضوراً كثيفاً ومؤثراً على الساحة السياسية اللبنانية. فتأثيره السياسي واسع جداً على الطائفة الشيعية، التي تمثل ما يقارب نصف السكان اللبنانيين. وعلى إثر المظاهرة الشعبية الكبيرة التي نظمها \"حزب الله\"، عبرت واشنطن عن قلقها من نفوذ \"حزب الله\"، إلا أنها دفعت ببعض مسؤوليها الذين لم يفصح عن أسمائهم، للتصريح لصحيفة \"نيويورك تايمز\" عن رغبتها في رؤية \"حزب الله\"، وهو ينخرط في العملية السياسية، في أقرب وقت ممكن. \r\n \r\n وإذا ما كانت الولاياتالمتحدة الأميركية أم الغرب عموماً، يتطلعان حقاً إلى ترسيخ الديمقراطية الفعلية في منطقة الشرق الأوسط بأسرها، فإن عليهما أن يدركا أن آخر ما يمكن لهما فعله، هو محاولة التدخل في الانتخابات التي ستجرى في لبنان خلال شهر مايو المقبل. ذلك أن جوهر الممارسة الديمقراطية، إنما هو احترام الخلاف في الرأي والمواقف، والعمل على حله عبر الحوار والأخذ والرد، وليس عن طريق \"الطباخة\" والعمل من وراء الكواليس، أو عن طريق استخدام القوة. \r\n \r\n إلى هنا، أعود مرة أخرى إلى العراق، حيث جرت الانتخابات العامة فيه، تحت فوهة البندقية وفي ظل تأثيرها الكثيف، في شهر يناير من العام الجاري. وعلى الرغم من مراسم افتتاح الجمعية الوطنية، التي جرت هناك يوم الأربعاء الماضي، إلا أن السلطة لم تؤول بعد إلى الفائزين في الانتخابات، كما أنهم لم يتمكنوا حتى الآن من تشكيل الحكومة العراقية الجديدة. وفي لبنان، فإن علينا ألا نكرر هذه التجربة، وألا نثير في اللبنانيين مشاعر الإحباط، كما فعلنا في أوساط العراقيين، الذين بدؤوا يتساءلون حول مدى جدية واشنطن في نقل السلطة للعراقيين، ومغادرة بلادهم ذات يوم. \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"كريستيان ساينس مونيتور\" \r\n