وفي الوقت الذي يتصاعد فيه الضغط الدولي والعربي على سوريا لدفعها للانسحاب من لبنان، فإن حزب الله تحول كي يصبح هو المتراس الأخير للنظام السوري هناك. وهذا الوضع ليس هو الوضع الذي يجب أن يرحب به الحزب.. لماذا؟ لأنه على الرغم من حقيقة أن الحزب يخشى أن يكون هو الهدف التالي للأمم المتحدة، بمجرد انسحاب سوريا من لبنان (خصوصا إذا ما أخذنا في الاعتبار أن قرار مجلس الأمن الدولي الذي تمت الموافقة عليه الصيف الماضي، يطالب ليس فقط بانسحاب القوات السورية، ولكن أيضاً بنزع أسلحة المليشيات الموجودة في لبنان)، إلا أنه لن يربح شيئا عندما يسيء إلى سمعته لدى الطوائف اللبنانية الأخرى، بسبب الأولويات السورية. \r\n \r\n إن جوهر المشكلة التي يعاني منها حزب الله، هو إخفاقه في اتخاذ قرار بشأن مصيره. فتحت الحكم السوري في لبنان، كان الحزب قادرا على أن يلعب دورين في وقت واحد: فمن ناحية، عمل الحزب على دمج نفسه في البنية السياسية للدولة اللبنانية، من خلال المشاركة الناجحة في الانتخابات، ومن ناحية أخرى سعى الحزب إلى استغلال نجاحه في تحرير لبنان من الاحتلال الإسرائيلي في مايو 2000، كنقطة انطلاق لكفاح إقليمي ضد الولاياتالمتحدة وإسرائيل. \r\n \r\n وهذه الازدواجية، هي نتاج للتغيرات التي تعرضت لها الطائفة الشيعية اللبنانية. ففي أواخر السبعينيات من القرن الماضي، وتحت قيادة رجل الدين الكاريزمي الإمام موسى الصدر، بدأ الشيعة في تنظيم أنفسهم للمطالبة بالمكانة التي يستحقونها في الدولة اللبنانية. فعلى الرغم من تزايد تعدادهم باطراد، إلا أن الشيعة كانوا مخنوقين دائما بسبب عدة عوامل منها: تهميشهم النسبي وسط الصفوة السياسية، وهيمنة زعمائهم الإقطاعيين على الطائفة، وتواجد الحركات الفلسطينية في الجنوب الشيعي في غالبيته، أو في الضواحي الشيعية في بيروت، وقيامها بفرض إملاءاتها، وتخلفهم على تلك المناطق. \r\n \r\n وكان العامل المساعد على التغيير هو حدوث الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982. فعقب الغزو، تم طرد الفلسطينيين، مما سمح ببروز قيادة شيعية جديدة قامت بالإطاحة ببعض القادة التقليدين واختيار قادة جدد. وفي نفس الوقت دخل الحرس الثوري الإيراني منطقة وادي البقاع اللبناني، وبدأ في تنظيم مجموعات من المليشيات الشيعية، التي استخدمتها إيران وسوريا فيما بعد ضد الولاياتالمتحدة، ونجحت من خلالها في إجبار القوات الأميركية، وغيرها من القوات الأجنبية على الخروج من لبنان عام 1984. \r\n \r\n وخلف الستار كان هناك صراع يدور على مستقبل الشيعة اللبنانيين بين فريقين. فمن ناحية، كان هناك فريق حركة \"أمل\" التي يرأسها الرجل الذي أصبح يشغل منصب رئيس مجلس النواب الآن، نبيه بري. وفي الناحية الأخرى، كانت هناك الجماعات التي ستتحد في الثمانينيات بمساعدة إيران وتقوم بتشكيل \"حزب الله\". وفي البداية كان نبيه بري، هو بطل الإدماج الناجح للشيعة في جسم الدولة اللبنانية، وفيما بعد جاء حزب الله ليجسد الطموح القتالي للطائفة عقب الانسحاب الإسرائيلي عام 2000. وبفضل الرعاية السورية، ونوعية قيادته، وشبكته الخاصة بالخدمات الاجتماعية، وبراعته العسكرية، برز حزب الله باعتباره الحزب الشيعي الأكثر فعالية، مكتسحا أمامه أهداف حركة \"أمل\" الأكثر تواضعاً وضيقة النظرة. \r\n \r\n ومن المقومات الجوهرية التي اعتمد عليها حزب الله في مقاومته لإسرائيل قيامه بتصوير نفسه بأنه حزب تتجاوز أهدافه الاعتبارات الطائفية. ونظرا لأن جميع اللبنانيين كانوا يعارضون الاحتلال- هكذا كانت تذهب حجة الحزب- فإن المقاومة بالتالي كانت تمثل الإجماع الوطني. وهذا الوضع أتاح لحزب الله أن يحتفظ بروابط مع كل الجماعات، بل وبدا أيضا حزبا لا غنى عنه بالنسبة لسوريا، التي سرها أن تستغل عمليات الحزب، كقوة ضاغطة في مفاوضاتها مع إسرائيل حول هضبة الجولان المحتلة. \r\n \r\n أما الآن، فإن الحزب بقيامه بدعم سوريا، لم يعد بمقدوره الادعاء بأنه فوق الخلافات بين الطوائف والأحزاب... كما أن رغبته في مواصلة المقاومة ستصطدم حتماً برفض معظم الطوائف والجماعات الدينية، بل وبرفض الكثيرين من الشيعة ذاتهم، رؤية لبنان وهو يعاني تداعيات الانتقام الإسرائيلي، بل وربما الأميركي كذلك. \r\n \r\n باختصار فإن حزب الله يواجه مأزقاً في الوقت الراهن: فلكي يتمكن من الدفاع عن طموحاته الإقليمية، فإنه يجب أن يحافظ على النظام اللبناني الذي تهيمن عليه سوريا (وسوريا تعمل على فرض نظام ما قبل أن تغادر)، حتى لو كان قيامه بذلك سيؤدي إلى تنفير الأغلبية العظمى من اللبنانيين، الذي يؤمنون بأن سوريا يجب أن تغادر، أو أن يقوم بدلا من ذلك بالاصطفاف مع تلك الأغلبية، وهو ما يعني عملياً التخلي عن سوريا وأهدافها الإقليمية. \r\n \r\n ليس هناك من يستطيع إنكار أن الحزب يمكن أن يقوم بحشد العديد من المؤيدين، كما فعل قبل يومين، ولكنه في الحقيقة أساء إلى سمعته كثيراً عندما قام بالدفاع بفعالية عن الهيمنة السورية على لبنان. فالحزب لم يعد قادرا الآن على أن يلعب دورين كما اعتاد، ولذلك فهو مطالب بأن يتخذ قراراً، بشأن ما إذا كان يتعين عليه أن يستفيد من الفرص المتاحة له كحزب وطني لبناني متحرر من السيادة السورية، أو أن يقوم بالمغامرة بفقدان كل ما بناه، من خلال قيامه بالدور غير المرحب به، والذي يتمثل في تقوية الموقف السوري. \r\n \r\n \r\n مايكل يونج \r\n \r\n كاتب في صحيفة \"ديلي ستار\" اللبنانية ومحرر مشارك في مجلة \"ريزون\" \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"نيويورك تايمز\"