\r\n إن جميع الانتقادات التي رافقت الانتخابات الرئاسية في زيمبابوى في شهر آذار/مارس تجد ما يبررها. فقبل حلول موعد الاقتراع كان السيد روبرت موغابي وحزبه \"الجبهة الوطنية\" قد أعادا النظر في اللوائح الانتخابية وابعدا عنها \"الأجانب\" الذين لم يتخلوا صراحة عن جنسيتهم الثانية. وقد طاول هذا التدبير المقيمين من اصل أوروبي وخصوصا العمال الزراعيين البالغ عددهم 300 ألف والقادمين من مالاوي وموزمبيق وزامبيا وهم من المعارضين للنظام منذ فقدوا أعمالهم بسبب إعادة توزيع الأراضي التي استهدفت المزارعين البيض. أضف الى ذلك، فإن مناضلين المعارضة منعوا من الوصول الى المناطق الريفية فكان من المتوقع أن يعترض الغربيين بالإجماع على نتيجة الانتخاب الذي شهد فوز السيد موغابي في 11 آذار/مارس بنسبة 2،65 في المائة مقابل 41 في المائة من الأصوات لمنافسه السيد مورغان تسفانجيراي، زعيم حركة التغيير الديمقراطي. \r\n \r\n في المقابل، فإن ممثلي رؤساء الدول الأعضاء في المجموعة الاقتصادية لأفريقيا الجنوبية بدوا كأنهم يراقبون الاقتراع في بلد آخر إذ أكدوا بالرغم من استنكارهم الحوادث أن الانتخابات كانت في مجملها \"حرة وديموقراطية\". وقد دعوا وفي مقدّمهم بريتوريا الى إجراء \"مصالحة\" وتشكيل حكومة وحدة وطنية. وإذا ما رضخ في النهاية كل من الرئيسين الجنوب الأفريقي والنيجيري تابو مبكي واولوسيغون اوبسونغو الى تعليق عضوية زيمبابوى في الكومنولث لمدة سنة فإن ذلك تم بناء على ضغوط البريطانيين الذين وضعوا في الميزان مشروع التنمية الاقتصادية لأفريقيا والذي تقدم به الرئيسان إضافة الى زميلهما السنغالي ابدولاي وأيد. \r\n \r\n وكما حصل في مؤتمر دوربان في آب/أغسطس 1998، فقد بيّنت هذه الانتخابات عمق الهوة المتزايد بين الغربيين والأفارقة [2] . ويستنكر هؤلاء وخصوصا دول جنوب القارة سياسة الكيل بمكيالين. وفي الواقع فإن الشكوك التي أحاطت بانتخابات زيمبابوى لم تكن بقدر ما تميزت به انتخابات أخرى من تجاوزات كما حصل أخيراً في زامبيا أو مدغشقر [3] أو الكونغو برازافيل حيث أعيد انتخاب الرئيس دنيس ساسو نغويسو من دون مرشح منافس له يوم 13 آذار/مارس 2002. أما دول خط الجبهة التي يترأسها قدامى حروب التحرير (السيد سام نوجوما في ناميبيا والسيد يواكيم شيسانو وجبهة تحرير فريليمو في موزمبيق والسيد ادواردو دوس سانتوس في انغولا) فإنها لم تنسَ التساهل الذي كانت تستفيد منه روديسيا الانفصالية في عهد السيد ايان سميث ونظام التمييز العنصري فيها حتى العام 1990. \r\n \r\n إضافة الى ذلك يخشى جيران زيمبابوى حصول تفاعل متتالٍ عبر هجمة ضد الأنظمة الناشئة من حروب التحرير وإضعاف اقتصاديات المنطقة وكانت زيمبابوى إحدى محركات هذا الاقتصاد وتعميم إعادة النظر في التوزيع غير العادل للأراضي [4] . ويعتبر العديد من الأفارقة أن \"الجريمة\" الفعلية للسيد موغابي هي قراره احتلال المزارع التجارية التي يملكها 4000 مزارع ابيض بفعل الاستعمار قبل قرن من الزمن إضافة الى إعادة امتلاك الاقتصاد على أيدي أهل البلاد الأصليين. \r\n \r\n عام 1980 عندما أنهى الاستقلال 14 عاما من النضال المسلح ضد نظام السيد ايان سميث، نصت اتفاقيات لانكستر هاوس على تأجيل حل هذه المسألة الرئيسية مدة عشر سنين. بعد مرور عشرين عاما ما زال الظلم بارزا للعيان، فعلى طول عشرات الكيلومترات تخترق الطرق المستقيمة مزارع مصورة بعناية ينتج فيها المزارعون البيض التبغ (يمثل 40 في المائة من عائدات التصدير) والذرة وأيضا الزهور والبابريكا كما أقاموا \"محميات\" مخصصة لاجتذاب السياح الأجانب. وتعطي مناطق المزارع التجارية هذه انطباعا بالفراغ لا سيما إن عددا من الحقول في حالة إهمال. ففي العام 1980 كان هناك 6 آلاف مزارع ابيض (4 آلاف في العام 2002) يملكون 15،5 ملايين هكتار منها 45 في المائة من الأراضي الأكثر إنتاجية. وعند الخروج فقط من الطرق الرئيسية والوصول الى آخر الطرق الرملية يمكن الوصول الى \"الأراضي المشاع\" أو المحميات السابقة حيث تعيش 000 700 عائلة من المزارعين الأفارقة فوق أراض مقطعة وجرداء مليئة بالحجارة. \r\n \r\n وبعدما فرضت اتفاقيات لانكستر هاوس التعويض على المزارعين الذين تنزع ملكيتهم، لم تقم الحكومة بعد مرور عشر سنين على الاستقلال سوى بإعادة توطين 000 71 عائلة من اصل 000 162 ووزعت 3،5 مليون هكتار لا غير. وفي سبيل تسريع الوتيرة تقدمت السلطات في العام 1991 بقانون حول تملك الأراضي، وكانت الأراضي المستهدفة هي تلك \"البيضاء\" غير المستغلة كفاية والتي يكون أصحابها غائبين (من بينهم أفراد من الأريستقراطية البريطانية الممثلة في مجلس اللوردات) ويملكون مزارع عدة أو أراضي مجاورة للمشاعات. لكن وبالرغم من التعهدات الواردة في اتفاقيات لانكستر هاوس رفضت حكومتا السيدة تاتشر والسيد رونالد ريغان تمويل صندوق التعويضات بحجة أن النظام يوزع الأراضي في صورة غير شفافة على أصدقائه السياسيين وليس على المزارعين السود الأكثر كفاءة. \r\n \r\n وإذا كان الرئيس موغابي وحزبه قد شددا في مطلع التسعينات على إعادة توزيع الأراضي فإن ذلك كان يهدف الى احتواء الاستياء المتصاعد في صفوف السكان بسبب سياسة إعادة الهيكلة التي اعتمدت عام 1991. قبل ذلك كانت الحكومة قد أطلقت سياسة اجتماعية لافتة لتزويد المناطق الريفية الطرق وشبكات الماء والكهرباء مع مضاعفة المدارس والمستشفيات وصولا الى نسبة تعليم تبلغ 91 في المائة. في تلك الحقبة حاز السيد موغابي وبسبب نجاحاته هذه وعلاقته الجيدة بالأقلية البيضاء، رضا المجموعة الدولية التي سكتت عمليا عن قمع تمرد ماتابيليلاند الذي أوقع 10 آلاف قتيل. \r\n \r\n لكن الحكومة اضطرت من اجل وضع سياستها التقدمية موضع التنفيذ الى الاستدانة من سوق الرساميل وفي العام 1998 بلغ دين البلاد الخارجي 2،6 مليار دولار، فاضطرت زيمبابوى للموافقة على خطة إعادة الهيكلة البنيوية في رغبة منها باجتذاب استثمارات جديدة تخلق فرص عمل للشباب الوافدين على سوق العمل وتحت ضغط الدائنين الذين طالبوا بالضوء الأخضر من صندوق النقد الدولي. فتم تحرير الرواتب وخصخصة المؤسسات العامة وصرف موظفيها وخفض موازنة الدولة وإلغاء مجانية الطبابة والتعليم. وفي العام 1999، انخفضت نسبة الملتحقين بالمدارس 20 في المائة فيما ازدادت نفقات الصحة بنسبة 150 في المائة (في بلد يحمل فيه بالغ من اصل أربعة فيروس السيدا) وتراجع القطاع الصناعي بوتيرة متسارعة مع فتح الحدود والتعرض للمنافسة القاسية على يد جنوب أفريقيا. \r\n \r\n كانت تلك نهاية الاكتفاء الذاتي النسبي في زيمبابوى. لكن الاستثمارات المنتظرة لم تصل وانخفض النمو الى 1 في المائة بعدما وصل في الثمانينات الى 5 في المائة. فمع وصول 000 300 شاب سنويا الى سوق العمل سلك عشرات الألوف من حملة الشهادات الطريق الى جنوب أفريقيا الجنوبية وبريطانيا أو انضموا الى صفوف المستائين الذين تعبر عن مطالبهم النقابات التي كان يتزعمها السيد مورغان تسفانجيراي. وفي كانون الأول/ديسمبر 1997، اندلعت في زيمبابوى أولى انتفاضات الجوع بينما اعتبر مناضلوا حرب التحرير السابقون أنهم لم يحصلوا على شيء فأعطي كل فرد منهم 50 ألف دولار زيمبابوي من خارج الموازنة مما فأقم الأزمة المالية وبرهن على تراجع شعبية النظام. \r\n \r\n فحاولت الحكومة عندها مواجهة مسألة الأراضي وتم في تشرين الثاني/نوفمبر تعيين مجموعة أولى من 9400 عائلة ضمن برنامج نزع الملكية. وقد شكل التدخل العسكري في جمهورية الكونغو الديموقراطية هروبا آخر الى الأمام. وكانت زيمبابوى تحرص على ضمان سيادة الكونغو فوق أراضيه وتأمل أيضا على المدى الأبعد في إيجاد حيز للتعاون الاقتصادي الجنوبي الجنوبي هناك وسوق لتصدير صناعتها وخبراتها في حقل المناجم. لكن التدخل العسكري كان طويلا ومكلفا وقد تم تمويل الفرقة العسكرية المؤلفة من 11 ألف رجل من الشركات المتعاونة في مجال الألماس والخشب وقد تبين أن العملية كانت أكثر فائدة لمموليها هؤلاء منها لاقتصاد البلد [5] . وبينما استفادت كل من رواندا وأوغندا من بعض التساهل فإن مؤتمر المانحين الرئيسيين رفض في أيلول/سبتمبر 1998 إعطاء زيمبابوى القروض الضرورية للإصلاح الزراعي ولم يحصل سوى على مليون واحد من اصل أل 357 مليون التي طالب بها. \r\n \r\n منذ ذلك التاريخ وبعدما كان يشار إليها كمضرب مثل، باتت زيمبابوى عاجزة عن إيفاء التزاماتها حيال الدائنين الخارجيين. فحرم البلد اي قروض خارجية وشحت فيه العملات الأجنبية فيما تجاوزت نسبة التضخم 100 في المائة. ولم يستأنف التزود بالوقود إلا أخيرا وبفضل المساعدة الليبية (مقابل مشاركة ليبيا في الشركات المحلية وشراء الأراضي). وقد جاء فشل الاستفتاء الدستوري في شباط/فبراير 2000 ونجاح حركة التغيير الديموقراطي في الانتخابات النيابية (57 مقعدا مقابل 62 للجبهة الوطنية بزعامة موغابي) لتؤكد التوق الى التغيير. مرة أخرى كانت ردة فعل النظام في إطلاق \"إصلاح زراعي\" متسارع الخطى يقوم على إعادة توزيع مجمل المزارع التجارية اي 8،3 مليون هكتار من اصل 11 مليون. بيد أن المستفيدين لم يكونوا المزارعين ممن يحتاجون الى أراض زراعية بل كانوا مناضلين حرب التحرير السابقين أو الذين ادعوا ذلك وقد بدوا كأنهم بنادق يحركهم الحزب الحاكم أو مناضلون في سبيل النظام. وقد تعرض العديد من المزارعين البيض لهجمات عنيفة كما اكتفى القادمون الجدد وبسبب النقص في الإمكانات بزراعة بدائية في المزارع التجارية الخصبة حيث تكاثرت إراحة الأراضي. \r\n \r\n بالرغم من الآلية العشوائية والهدف السياسي الواضح من ورائها، فإن إعادة توزيع الأراضي تبقى إحدى أوراق النظام الرابحة فيما تعجز حركة التغيير الديموقراطي عن إعلان موقف واضح من المسألة خصوصا أنها تلقى الدعم من المزارعين البيض. وقد كشفت المعركة الانتخابية عام 2002 عن تناقضان حركة المعارضة والطبيعة المتنافرة إن لم تكن المشبوهة لتحالفاتها، فمؤسسة وستمنستر تدعمها ماليا من لندن وكذلك اليمين في جنوب أفريقيا بزعامة السيد انطوني ليون الى جانب مجموعة من المنظمات غير الحكومية في زيمبابوى. ويجري تمويل قسم من هذه المنظمات الحديثة العهد من أوروبا أو الولاياتالمتحدة وهي تسعى عن حق ولكن من طرف واحد الى استنكار انتهاكات النظام لحقوق الإنسان. \r\n \r\n وإذ تخشى دول المنطقة الانسياق في الانحراف الاقتصادي في زيمبابوى حيث تطال المجاعة الناشئة 550 ألف شخص، فإنها تخاف أيضا من عدوى الإصلاح الزراعي: فحتى لو انه يمكن إعادة التفاوض حول العملية وقد تقدم برنامج الأممالمتحدة للتنمية من اجل الوساطة فإن مبدأ إعادة التوزيع يبدو غير قابل للنقض. إن هذا الوضع يثير الطموحات في ناميبيا حيث ما زال 4 آلاف مزارع ابيض يسيطرون على القطاع التجاري وخصوصا في جنوب أفريقيا حيث لا يزال ثلثا الأراضي بين أيدي 60 ألف ابيض من دون أن تتغير ظروف حياة 14 مليون من صغار المزارعين السود... \r\n