وهو يتنقل بصحبة حكومته المصغرة التي تتكون من: مسؤول كبير من وزارة الخارجية لإدارة الشؤون الدبلوماسية‚ وضابط سي آي أيه رفيع للإشراف على الشؤون الاستخباراتية‚ وحاشية من الجنرالات والأدميرالات للإشراف على العمليات واللوجستيات‚ فإذا كانت هناك امبراطورية أميركية معاصرة‚ فإن أبي زيد هو المارشال المسؤول عنها‚ \r\n \r\n لقد رافقت خلال شهر ديسمبر أبي زيد في زياراته للعراق ومناطق أخرى في نطاق قيادته‚ وعلى مدار أيام عديدة سمعته يتحدث عن استراتيجيته حول ما يسميه بالحرب الطويلة لاحتواء التطرف الإسلامي في مسرح عمليات القيادة المركزية الأشبه بالبحر الهائج‚ وقد تحدثنا عن الجبهة الحالية في العراق‚ والعملية طويلة الأمد لإحداث التغيير في العالم الإسلامي التي يعتبرها أبي زيد التحدي الاستراتيجي النهائي‚ \r\n \r\n وبرغم كل ما أوتيت أميركا من قوة‚ إلا أن الحرب الطويلة التي بدأت في الشرق الأوسط تطرح أسئلة استراتيجية صعبة‚ ما هي طبيعة العدو؟ وإذا كانت الولاياتالمتحدة بهذه القوة‚ لماذا تواجه هذه الصعوبة في العراق؟ كيف سيكون شكل النصر‚ في العراق وأماكن أخرى في العالم الإسلامي؟ وكم سيستغرق الصراع؟ \r\n \r\n إن تكلفة الحرب برزت للأميركيين بشكل واضح فقد اتفق الرئيس بوش مع القائلين إن المقاومين العراقيين لهم تأثير‚ وان الجهود الأميركية لتدريب قوات الأمن العراقية لم تحقق سوى نجاح مختلط‚ وقد دمر هجوم انتحاري قاعة طعام في الموصل في أسوأ الهجمات فتكا بالقوات الأميركية منذ بدء الحرب قبل 21 شهرا‚ وحاول وزير الدفاع دونالد رامسفيلد الدفاع عن نفسه ضد النداءات المطالبة باستقالته بسبب الانتكاسات في العراق‚ \r\n \r\n لقد ركز هذا الأسبوع الأنظار على قضايا شائكة تذكرنا بحرب فيتنام: لماذا نحن في العراق؟ ما نوع الصراع الذي نخوضه هناك؟ كيف نفوز به؟ يقدم أبي زيد إجابات عن هذه الأسئلة أفضل مما سمعته من أي مسؤول حكومي أميركي‚ فبالإضافة إلى كونه أعلى قيادة في الجيش في الشرق الأوسط‚ فإن لديه إحساسا عقليا وعاطفيا بالمنطقة‚ فهو من أصل عربي -حيث هاجر جاء أسلافه إلى الولاياتالمتحدة قادمين من لبنان في سبعينيات القرن التاسع عشر- وتعلم العربية خلال قيامه بمهمة في الأردن قبل 25 عاما‚ وهو رجل مثقف يحلل القضايا المعاصرة في ضوء الخلفية التاريخية‚ \r\n \r\n يعتقد أبي زيد أن الحرب الطويلة ما زالت في مراحلها الأولى‚ ويقول ان النصر سيكون من الصعب قياسه لأن العدو لن يرفع علما أبيض ويستسلم في يوم واحد‚ وان النجاح‚ عوضا عن ذلك‚ سيكون عملية تحديث تراكمية للعالم الإسلامي الذي سوف يجد بالتدريج طريقه إلى التكيف مع الاقتصاد العالمي والأنظمة السياسية المفتوحة‚ \r\n \r\n ويرى أبي زيد أن أعداء أميركا في هذه الحرب الطويلة هم من يصفهم ب (السلفيين الجهاديين) الذين يلجأون للعنف في محاولة لإعادة إنشاء ما يتخيلون أنها الحكومة الإسلامية النقية والتامة لحقبة النبي محمد (احيانا تسمى السلف)‚ وأسامة بن لادن هو أشهر متطرف سلفي‚ لكن أبي زيد يقول ان الحركة أعرض وأغزر من تنظيم القاعدة ؛ إنها شبكة فضفاضة من الأفراد ذوي الميول من نفس المشارب ممن يستخدمون تقنيات القرن الحادي والعشرين لنشر رؤيتهم لجنة تعود للقرن السابع‚ \r\n \r\n وعاظ السلفيين يرون أنفسهم جزءا من طليعة حركة مهمتها دفع المسلمين الآخرين نحو تبني الأفكار الراديكالية للإطاحة بحكامهم‚ ويشبه أبي زيد هؤلاء بلنين وتروتسكي وزعماء البلاشفة الآخرين‚ وخلال تجمع لخبراء في السياسة الخارجية بواشنطن‚ طرح أبي زيد سؤالا وجيها: ماذا كنتم فاعلين عام 1890 لو كنتم تعلمون مدى الدمار الذي ستجلبه تلك الطليعة البلشفية؟ وحث مستمعيه على التفكير في العالم الإسلامي اليوم‚ الذي يموج بالعنف‚ بشكل مماثل لأوروبا في عام 1849 الثوري‚ ونوبات الفوضى والإرهاب التي تجتاح أنحاء العالم العربي جزء من تغير اجتماعي‚ حيث ينهار نظام جديد فيما يصارع نظام جديد من أجل الظهور‚ \r\n \r\n تشبيهات أبي زيد التاريخية مفيدة من حيث أنها توسع مدارك تفكيرنا ؛ والناس يميلون للنظر للمشاكل الحالية على أنها فريدة من نوعها وغالبة‚ وهو الواقع في أميركا في السنوات المؤلمة منذ الحادي عشر من سبتمبر 2001 لكن بالنظر من خلال عدسات التاريخ الطويل‚ تبرز المشاكل المعاصرة بشكل أكثر وضوحا‚ فأسامة بن لادن‚ الجهادي السعودي الثري‚ يبدو أشبه بالأمير الفوضوي بيتر كروبوتكين في القرن التاسع عشر‚ الذي أراد‚ بالمثل‚ استغلال العنف الثوري لتطهير ما اعتبره نظاما فاسدا‚ في النسيج العريض لهذا التغير التاريخي‚ لا يتم حساب الأفق الزمني بالسنوات ولكن بعشرات السنين‚ \r\n \r\n لم يستق أبي زيد دروسا بعينها من التاريخ‚ ولكن ثمة نتائج عديدة لا تخطئها العين المراقبة: فالولاياتالمتحدة تحارب حركة أيديولوجية تشبه حركة البلاشفة -لن يستسلم قادتها أو يتفاوضوا- ومن ثم عليها أن تعتقلهم أو تقتلهم‚ هذا يشي بنشوب صراع قذر أطول من اللازم كل طرف فيه يختبر إرادة الآخر وقدرته على الاحتمال‚ وهذا نوع من الحرب لم تتعود الديمقراطيات على خوضه ؛ لكن فيما بين مستشاري أبي زيد‚ تسمع عبارة واحدة تتكرر من آن لآخر: هناك أشرار كثيرون يجب أن يموتوا‚ \r\n \r\n مع ذلك‚ وبسبب أن ميدان المعركة هو المجتمع نفسه‚ لا تستطيع الولاياتالمتحدة التفكير في الصراع بلغة عسكرية صرفة‚ وقد يكون الألف جندي الذين يحفرون الآبار ويقومون بأعباء إعمار أخرى في القرن الإفريقي نموذجا للنجاح أفضل من ال150 ألف جندي المستقرين في العراق‚ وحيث ان هذه الحرب تدور حول التغيير‚ مقارنة بعملية المائة عام من التحديث في أوروبا في القرن التاسع عشر‚ يتعين على الولاياتالمتحدة التحلي بالصبر قبل أي شيء‚ \r\n \r\n يقول أبي زيد إن هذا العدو خطير على نحو خاص لأنه خلط أيديولوجية سلفية رجعية بأحدث أدوات التكنولوجيا‚ ويعتقد أن الجهاديين ماهرون في استغلال الإعلام العالمي -لنشر رسالتهم بين أتباعهم وتخويف خصومهم‚ والحق أن الإعلام هو أفضل أسلحتهم‚ تسعى الطليعة السلفية لتحقيق النصر عبر ما يسميه أبي زيد بأسلحة التأثير الشامل -مثل هجمات 11 سبتمبر والتفجيرات الانتحارية في بغداد والإعدامات المخيفة في الفلوجة- سعيا لتقويض استقرار الولاياتالمتحدة وحلفائها عبر الإعلام‚ \r\n \r\n يعتقد أبي زيد أن الاستراتيجية الفائزة في العراق وفي أنحاء العالم الإسلامي هي عزل الطليعة السلفية عن المسلمين العاديين الذين يرغبون في حياة أفضل وأكثر حرية تأتي عن طريق الرخاء والاتصال ؛ وهذا يعني جسر الهوة بين الدول الغنية والدول الفقيرة‚ ومنع العدو من إقامة قواعد عمليات كما فعل بن لادن في أفغانستان‚ \r\n \r\n ويلخص ديفيد نيكولز‚ نائب الأدميرال وأحد كبار معاوني أبي زيد وقائد الأسطول الخامس‚ طبيعة التهديد الأصولي فيؤكد أن العدو يصعد هجوما ماديا وثقافيا في آن‚ ويجادل بأن هذا العدو يعتبر صدام الحضارات المبدأ المنظم للحياة قائلين للمسلمين إن هنالك فسطاطين‚ وأن التعايش السلمي غير ممكن‚ ويقول إن هدف أميركا وحلفائها يجب أن يتمحور حول إقناع المسلم العادي بأن الجهاديين على خطأ‚ المسألة ليست (نحن) ضد (هم)‚ بل عالم متصل يفوز فيه الجميع بعزل وتدمير الجماعات المتطرفة‚ \r\n \r\n هذه الاستراتيجية المتبعة في عزل المتشددين الإسلاميين انتهجتها حكومة رئيس الوزراء الانتقالي اياد علاوي لدرجة انهم اتصلوا بالبعثيين من اتباع صدام السابقين والذين يقفون الآن في صفوف المقاومة المتشددة‚ كما ان هذا يعكس حكم علاوي على ان البعثيين سوف يسوون اوضاعهم مع اميركا والعالم الحديث على المدى البعيد‚ وعلى النقيض من ذلك لن يقوم المتشددون الإسلاميون بهذا الأمر‚ \r\n \r\n انتهت زياراتي مع ابي زيد بالتوقف في الموصل في نفس المعسكر الذي شهد انفجاراً من جراء سيارة مفخخة الأسبوع الماضي‚ ان الموصل تعد حالة لدراسة ما تواجهه اميركا في العراق وفي حربها الطويلة‚ وعلى مدار العام الماضي تحولت المدينة من نموذج دال على الاستقرار الى فلوجة جديدة‚ حيث استخدمت المقاومة تكتيكات جديدة لوقف التعاون مع القوات الأميركية‚ ان مقياس النجاح هنا هو اعادة الحياة الى مجراها الطبيعي‚ \r\n