لقد بدأ هذا التدهور في العلاقة منذ حرب فيتنام التي يعتبرها حتى الضباط الأقل خبرة كهزيمة لحقت بنا بسبب التدخل المدني في الشؤون العسكرية. إلا أن ما كان سيفعله العسكريون في فيتنام دون تدخل من الجهات المدنية ما زال أمراً يكتنفه الغموض. فالجيش لم يتقدم حينها للحكومة بخطة شاملة وبديلة لتلك التي كان قد تقدم بها \"روبرت ماكنامارا\" و\"ريتشارد نيكسون\" و\"هنري كيسينجر\". ومن المؤكد أنه لم تكن هنالك خطة بديلة، لذا لم يكن بالإمكان الفوز بتلك الحرب. وبمجرد أن وقعت هزيمة فيتنام سرعان ما بدأت فترة \"الجيش الأجوف\" التي اتسمت بظهور قيادة عسكرية غاضبة ومحيدة ومجموعة متنافرة من رجال السياسة، وشعب بدأ يفقد ذاكرته، وتم بناء جيش محترف لا تسنده الخدمة الإلزامية. وأدت هذه الظروف الاجتماعية الجديدة إلى خلق مجموعة من الضباط المحسوبين سياسياً على تيار اليمين. وهو الأمر الذي أشاع المخاوف في أوساط المراقبين الأكاديميين والمدنيين المتعاطفين مع الجيش، بالإضافة إلى كبار الضباط المحترفين بشأن أهمية الدفاع عن التقاليد العسكرية الأميركية في جيش أصبح في طريقه إلى التسييس. \r\n \r\n لقد ازداد تحييد الجيش الاحترافي عن قيادته المدنية مع وصول إدارة \"كلينتون\" الرئيس المتهرب من الخدمة الإلزامية، الذي يحمل أجندة ليبرالية مع وجود سيدة أولى في البيت الأبيض من أشد المدافعين عن حقوق المرأة. ثم جاءت أحداث الصومال وهاييتي ثم البوسنة وكوسوفو بالإضافة إلى الورطة الخاصة بسياسة الأمن القومي، مما حدا ب\"كولن باول\" بوصفه رئيساً لهيئة الأركان أن يتقدم إلى الحكومة المدنية بشروط محددة يمكن من خلالها أن يوافق الجيش على الذهاب إلى الحرب، وهي الشروط الثلاثة التي طالبت \"بتحديد هدف واضح، وتوفير قوة غالبة، ووضع خطة استراتيجية للخروج\". وقد تم تجاهلها بالكامل قبيل الذهاب إلى العراق ثم حدثت الآن نفس النتائج التي كنا نتخوف منها. \r\n \r\n وفي عام 2001 جاء بوش كرئيس جديد متهرب هو الآخر أيضاً من الخدمة الإلزامية. وطفق يتحدث بالطريقة التي تنال إعجاب رجال الجيش. وعلى كل فإن وزير دفاعه \"دونالد رامسفيلد\" رجل غير محبوب ولكنه تعهد بوضع خطة لإصلاح \"البنتاغون\" وإعادة تأسيس السلطة المدنية. وبخطوة غير مدروسة عمد إلى فرض شخصيته فوق الجيش النظامي بطريقة أدت إلى تذمر القادة لاحقاً. وبعد أن أفصح عن أفكاره التي تمثلت في وجود قوة صغيرة الحجم وأكثر خفة ورشاقة، شرع في اتخاذ أكثر الخيارات التكتيكية والتنظيمية سوءاً واحداً بعد الآخر، والتي جاءت بنتائج مدمرة بشكل خاص على الجيش وقواته الاحتياطية والحرس الوطني وقوات \"المارينز\". إذ تم استغلال وإهدار مواردها البشرية بشكل ألحق أضراراً جسيمة بجميع هذه الخدمات العسكرية وأدى إلى تحييد ضباط هذه الخدمة لأجيال عديدة قادمة. \r\n \r\n هذه هي نتائج أخطاء حكومة بوش في سوء تقديرها الكامل للأوضاع في العراق وفي رفضها لتوسعة الجيش النظامي هناك بالإضافة إلى اعتمادها بالكامل على قوات الاحتياطي المتنقلة في مناطق عمليات دائمة التوسع. ومنذ أن تحول العراق إلى مكان غير مرغوب فيه من قبل الضباط والأفراد، عمدت الحكومة إلى رفض ترك العسكريين يذهبون في حال سبيلهم بعد انتهاء عقودهم. وفي هذه الأثناء استمرت عملية التجنيد في قوات الاحتياطي وقوات الحرس الوطني في أسوأ حالاتها على الإطلاق تماماً كما حدث في الجيش النظامي، وفيما يختص بتجنيد الكفاءات العلمية والفنية. وأصدق مثال على ما يحدث من فوضى هو ما قاله أحد الشباب الذي لم يتعد عمره حاجز العشرين ويعمل كجندي نظامي في الجيش وهو عائد للمرة الثانية إلى العراق:\"إن ما بدأ يدركه كل شخص الآن أن هذه الأمور ستستمر في المستقبل المنظور\". \r\n \r\n وهي مقولة أقرب إلى الحقيقة طالما أنه لا أحد في حكومة بوش قادر على تغيير هذا المسار وبدا من الواضح وبشكل متزايد أن السياسة الأميركية فيما يعرف بالشرق الأوسط الكبير، قد أصبحت في طريقها إلى الفشل والتداعي. وإذا ما قدر لهذا الفشل أن يكون مأساوياً فإن النتائج ستأتي أشبه بما حدث بعيد حرب فيتنام. لقد أدت حرب فيتنام إلى تدمير الجيش الأميركي الذي كان نتاجاً لمائتي عام من التقاليد والمبادئ التي ترفض وجود الجيش الدائم وتثمن دور الخدمة العسكرية المؤقتة والحقوق المتساوية في أداء الخدمة العسكرية كواجب وطني. \r\n \r\n وفي فيتنام شهدنا كيف أن جيش الخدمة الإلزامي في نهاية المطاف قد أعرب عن تمرده وتذمره الصامت حيال الأخطاء التي ارتكبتها الحكومة. وعلى كل فإن الواجب يحتم عدم استفزاز الجيش النظامي أيضاً لأن بإمكانه هو الآخر أن يعلن عن الثورة والتمرد. وذلك لأنه مثلما حدث في قوات الخدمة الإلزامية فإن عدم الرضى عادة ما يبدأ من القاعدة حيث يزيد الشعور بالألم والمعاناة. والآن فقد بدأ العراق يدمر جيش المحترفين الذي حشدته الولاياتالمتحدة الأميركية ليحل محل جيوش الاحتياطي والخدمة الإلزامية. وهذا الجيش الجديد قصد منه أن يؤدي الخدمة كآلية لا تجرؤ على الاستفسار أو التساؤل بشأن السياسات التي يضعها القادة السياسيون المنتخبون. \r\n \r\n إن رفض الإدارة لتموين وزيادة القوى البشرية والوسائل الضرورية الأخرى لإنجاح طموحاتها السياسية والعسكرية الهائلة قد بدأ يلقي بآثاره السلبية الواضحة على الجيش هناك. وظهر ذلك جلياً في تخوف الإدارة من الآثار السياسية الناجمة عن التوسع في عمليات التجنيد وفي سياستها القتالية التي تفتقد إلى الرحمة في عملية التناوب بين القوات في العراق وأيضاً في التمديد الإجباري للعمل هناك الذي فرضته سياستها وبشكل أدى إلى إحباط وتدمير الروح المعنوية للأفراد هناك. \r\n \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"لوس أنجلوس تايمز\"