لقد كانت العلاقة بين الجيش والشعب هي المسؤولة في المقام الأول عن الانسحاب الأميركي من فيتنام. فالجيش \"كان\" آنذاك جيش الشعب، لأن الخدمة فيه كانت إلزامية، هذا على رغم أنه كان- خلافاً لحاله في الحرب العالمية الثانية وفي كوريا- تجنيداً إلزامياً فاسداً. وفيه خدم الفقراء، ووجد أشخاصٌ أن لديهم \"أولويات أخرى\"، على حد قول \"ديك تشيني\" نائب الرئيس ذات يوم. \r\n \r\n والطبقة السياسية لم تتمكن من إنهاء حرب فيتنام، حتى بعد أن اتضحت عبثيتها، وذلك لأنها تعرضت للابتزاز المعنوي من جهة مؤيدي الحرب الذين قالوا إن الانسحاب من شأنه أن يُظهر الولاياتالمتحدة في صورة \"عملاق يثير الشفقة وبلا حول ولا قوة\"، وأن يشجع \"الاستبداد والفوضى\" في كل أنحاء العالم (وأنا أستشهد هنا بكلام ريتشارد نيكسون). \r\n \r\n وتقترب الولاياتالمتحدة اليوم من حالة إعاقة مماثلة في ما يتعلق بالعراق. وهذه حالة موجودة يتضح على نحو متزايد أنها لا تمت بصلة إلى تفسيرات الإدارة وتوقعاتها ووعودها. ويقول مؤيدوها على رغم ذلك إن سياسة فك الاشتباك من شأنها أن تعني \"رحيلاً مستعجلاً\". وباتت المعارضة الديمقراطية (نسبة إلى الحزب الديمقراطي) مرغمة على إنكار أنها ستتبع تلك السياسة ذات يوم، فتقلّّصت إلى زعم أنها ستواصل منهج خوض الحرب، لكنها ستفعل ذلك على نحو أفضل. وفي فيتنام، تم إنهاء حالة الإعاقة السياسية بفعل ما حدث في داخل الجيش الذي كان يدفع ثمن الإخفاق السياسي، فبدأ يتفكك. \r\n \r\n واستنتج الجنود، كأفراد، أن عقدهم المعنوي مع الحكومة قد نُقض فرجعوا إلى ديارهم ليعارضوا الحرب، على حد قول \"جون كيري\". \r\n \r\n وعبّر عدد كبير من الجنود عن غضبهم أو يأسهم بالتغيب عن الخدمة دون إذن وعلى نحو صامت بفعل تعاطي المخدرات، وأحياناً بممارسة أعمال العصيان- وحدثت جرائم قتل بالمتفجرات استهدفت قادة الوحدات الصغيرة الذين أرغموا رجالهم على مواصلة القتال، كما وقعت حوادث انتحار (هناك مسح أُجري عام 1979 وتوصّل إلى نتيجة مفادها أن عدد قدامى المحاربين المشاركين في حرب فيتنام الذين انتحروا يفوق عدد من لقوا مصرعهم في المعارك). \r\n \r\n وكان المقصود من تحويل الجيش إلى الخدمة الاحترافية بعد عام 1973 هو تحريره من القيود المفروضة على أعماله ومن الانضباط المفروض عليه بفعل تسلّم الجنود-المدنيين والضباط المؤقتين لزمام الأمور. وهكذا كان مقدّراً أن تصل العلاقة الحميمة بين الجيش والشعب إلى نهايتها. \r\n \r\n لكن القوة العسكرية الاحترافية الجديدة لم تكن شيئاً ممكناً ومجدياً إلا بتوفير قوة كبيرة من الجنود الاحتياط المتطوعين والحرس الوطني بغية دعم جيش احترافي تم نشره. ولم يدرك مخططو عملية التحويل في عام 1973 أن هذا الاتكال على القوات الاحتياطية من شأنه أن يخلق علاقة بين الجيش والمجتمع المدني أكثر توتراً، وإن تكن أضيق، ممّا كانت في المنهج القديم للتجنيد بالقرعة. \r\n \r\n لقد سلّم هؤلاء جدلاً بأن الحروب الأميركية المستقبلية ستكون قصيرة وتتكلّل بانتصارات. وهكذا تُستخدم القوات الاحتياطية لفترات قصيرة في حين يمكن للجيش المحترف أن يخوض حربين أو ثلاث في وقت واحد ليكسبها كلها. \r\n \r\n والولاياتالمتحدة الآن في السنة الثانية من حربين اثنتين لم تتكلّل أي منهما بنصر، وفي كلتيهما ما يُبشّر باستمرارها لسنوات قادمة. والجنود الاحتياطيون وأفراد الحرس الوطني، تعاقدوا في الأصل بحيث يحصلون على عطلة أسبوعية واحدة كل شهر وعلى عطلة لمدة أسبوعين في الصيف، لكنهم يجدون أنفسهم اليوم محبوسين في خدمة فعلية باتت في كثير من الحالات في عامها الثاني. أما الجنود النظاميون فوجدوا أن فترات خدمتهم قد تم تمديدها. \r\n \r\n لقد ترك هؤلاء وراءهم حياةً زوجية وأعمالاً أو حياة مهنية باتت تحت ضغط اقتصادي هائل أو انهارت بالفعل. وعلى رغم ذلك، يعوّل مخططو الجيش على الحرس الوطني فقط لتوفير نسبة قدرها 43% من القوات التي من الضروري تواجدها في العراق في السنة المقبلة. \r\n \r\n ومرة أخرى، هناك شعور متزايد بالاستغلال وبوجود عقود معنوية منقوضة، وذلك بسبب حرب ما يزال الغموض يكتنف دوافعها ومصالحها وغاياتها. وتعود إلى الظهور من جديد مشاعر الاستياء والصدوع التي تعتري تماسك وانضباط الجيش. \r\n \r\n ويتهم المنتقدون المخرج السينمائي الليبرالي \"مايكل مور\" بأنه يثير \"حرباً طبقية\" لأن فيلمه \"فهرنهايت 9-11\" يزعم أن النخبة الأميركية تستغل الجنود المتطوعين المحبين لوطنهم، والذين تم تجنيدهم من بين أفقر الجماعات السكانية في المجتمع الأميركي، والذين تعاقدوا مع الجيش ليتعلموا المهارات وليكسبوا المال لمتابعة دراستهم، والذين هربوا من البطالة في المدن التي تحتضر. \r\n \r\n وهؤلاء الجنود هم من السود، ونسبتهم في الجيش تعادل ضعف نسبة الأميركيين من أصل أفريقي بين مجموع السكان. ويقال إنها ليست حرباً بين الطبقات. بل إن في هذا حقيقة تهملها الحكومة إهمالاً يعرضها للخطر. وكانت فيتنام حرباً اضطر إلى خوضها أولئك الذين وقع عليهم الاختيار. والعراق شأنٌ يعتمد الآن على الأشخاص الذين تطوعوا في الأصل من تلقاء أنفسهم لكنهم الآن مرغمون على الخدمة لفترات خدمة متعددة تمتد كل واحدة منها إلى 12 شهراً، لتكون خدمة تصل إلى حد التحول إلى تجنيد إلزامي بحكم الأمر الواقع. \r\n \r\n وكنتيجة لذلك، تنخفض أعداد من يتم تجنيدهم للمرة الثانية، ومن المتوقع أن تكون أعداد من يتم تجنيدهم للسنة المالية 2005 (التي تبدأ في أكتوبر) أقل بمقدار 10% من إجمالي الأعداد المطلوبة. وإذا كانت الولاياتالمتحدة تقصد الاحتفاظ ب140 ألف جندي في العراق على مدى السنوات الخمس القادمة، فلن يكون هناك خيار بديل عن إعادة تشريع التجنيد الإلزامي بعد خطاب تولي الرئاسة في شهر يناير المقبل. \r\n \r\n وبذلك، من الممكن أن يقوم الأميركيون- مهما كثرت مرات تحذيرهم من \"الشمولية والفوضى\" الوشيكتين- بإنهاء حالة الشلل السياسي وأن يقولوا \"لا\" بكل بساطة. ومن الممكن أن يستعيدوا الجيش الأميركي- وهو جيشهم- من حالة إساءة استخدامه من جهة ما استنتجوا أنها زعامة مصابة بالإفلاس. \r\n \r\n \r\n \r\n يُنشر بترتيب خاص مع خدمة \"لوس أنجلوس تايمز\"