وبشكل تقليدي فإن معظم الأميركيين ظلوا يدعمون الأممالمتحدة وبخاصة بفضل إنجازاتها الهائلة في مجالات الصحة العالمية، ومساعدة الأطفال، وإغاثة الجوعى، وإنقاذ ملايين اللاجئين. لذا فإن ما يطالب به بعض غلاة المتشددين بانسحاب الولاياتالمتحدة الآن من منظمة الأممالمتحدة سيؤدي إلى انهيارها بالكامل. بل، إن الأمر سيلحق أضراراً جسيمة بالولاياتالمتحدة نفسها في وقت تحاول فيه إدارة بوش إظهار عزمها للتعاون مع المجتمع الدولي. وفي الحقيقة فقد اتضح أن الأممالمتحدة يمكن أن تصبح مكاناً تعيث فيه فوضى \"البيروقراطية\" كما حدث في الحالة العراقية من عقم سياسي مدمر للذات. وقد تجلى ذلك بوضوح في ما كشف عنه مؤخراً من فساد وسوء إدارة في برنامج النفط مقابل الغذاء، الذي ساعد صدام حسين على نهب مليارات الدولارات لكي ينفقها على القصور وشراء الأسلحة. مما أدى بالسيناتور الأميركي الجمهوري \"نورم كولمان\" إلى مطالبة الأمين العام \"كوفي عنان\" المتحصن داخل أروقة الأممالمتحدة بتقديم استقالته. \r\n \r\n وخلال الفترة التي كنت أعمل فيها في المنظمة كان \"عنان\" قد برهن على مميزات قيادية جيدة لقوات حفظ السلام واسعة الانتشار. وعلى الرغم من أنه أبدى بعض الملاحظات غير المناسبة حول الدور الأميركي في العراق، وواجه بعض الحرج بسبب الارتباطات المشبوهة لابنه بإحدى الشركات المتعاقدة مع الأممالمتحدة، إلا أن \"عنان\" يستحق تأجيل الحكم عليه إلى أن \"تتضح الحقائق بالكامل\" بشأن الفضيحة النفطية كما طالب بذلك الرئيس بوش. وبرغم أن الاتهامات قد أحاطت بأحد كبار المسؤولين في الأممالمتحدة، إلا أن الدلائل تشير بشكل رئيسي إلى مسؤولين آخرين في فرنسا وروسيا. \r\n \r\n وهذا الأمر إنما يفسر سوء الفهم الذي ظل يحيط بالمنظمة في كثير من الأحيان، وبأنها مجرد ملتقى لدول العالم التي ظل بعضها يمارس أفضل درجات الانضباط والتمسك بالمبادئ الأخلاقية، بينما ظل البعض الآخر يضع مصالحه الذاتية فوق واجباته في تقديم المساعدات أو مراعاة السلوك الأخلاقي، حيث درج بعضها على الكذب، بينما لجأ البعض الآخر إلى الخداع. ولكن الجهود المشتركة كانت بناءة بصورة عامة في حسم المشاكل الإنسانية. وكذلك فيما يختص بالحروب والسلام فقد تمكنت الأممالمتحدة من إقناع بعض الدول بالتخلي عن فكرة الحرب، وحافظت على السلام لاحقاً بين العديد من الدول المتحاربة. وفي معظم هذه الحالات كانت الولاياتالمتحدة هي المستفيد حيث عملت القوات المتعددة الجنسيات على توفير مليارات الدولارات في العمليات العسكرية الأميركية الأحادية من خلال عمليات حفظ السلام الدولية. \r\n \r\n وإلى ذلك فقد ظل \"عنان\" يؤمن بعدم قدرة الأممالمتحدة على مواجهة المتغيرات العالمية، ولجأ في العام الماضي إلى تشكيل لجنة من أفضل القيادات لكي توصي بالإصلاحات اللازمة. وفي الأسبوع الماضي تقدمت اللجنة بأفكار ومقترحات قد تساعد على تعزيز دور الأممالمتحدة. وتطرقت هذه المقترحات إلى الجدل الدائر حول الضربات الاستباقية التي تعتبرها إدارة بوش محور سياساتها الخارجية في محاربة \"الإرهاب\" وتنظيم \"القاعدة\". وأشار تقرير اللجنة إلى أن وثيقة الأممالمتحدة \"المادة 51\" تنص على \"الأعراف المرعية للقانون الدولي\" الخاص بالدفاع عن النفس \"والذي يجعل من الواضح أن بإمكان الدول اللجوء إلى القوة العسكرية طالما أصبحت التهديدات محدقة بها\" ولا يوجد سبيل آخر لتفادي هذه التهديدات. وعلى الرغم من أن اللجنة لم تعمد إلى تغيير هذه الصيغة ولكنها ذكرت بأنه عند \"وجود تهديد غير وشيك\" يجب أن \"يرفع الأمر إلى مجلس الأمن الذي يمكنه الموافقة على اللجوء إلى القوة العسكرية إذا ما اختار ذلك\". \r\n \r\n إذن فإن اللجنة فيما يبدو قد وقفت إلى جانب تعزيز مبدأ الضربات الاستباقية، ولكنها عرضت بعض المحاذير الخاصة بالشروط التي يمكن من خلالها توجيه وإطلاق هذه الضربات. وقد أشارت اللجنة أيضاً إلى أن الأممالمتحدة قد توانت في مسألة محاربة \"الإرهاب\"، كما وجهت انتقادات للعديد من مختلف هيئات ووكالات الأممالمتحدة وتقدمت بمقترحات لتفعيل وتنشيط البيروقراطية داخل أروقة المنظمة، بالإضافة إلى تقديم مجموعة من الاستراتيجيات الهادفة لكبح انتشار الأسلحة النووية البيولوجية والكيميائية التي تلاقي اهتماماً ملحوظاً من المنظمة. على أن إحدى أهم التوصيات التي خرجت بها اللجنة هي ذلك المقترح الخاص بوجوب إعادة هيكلة مجلس الأمن بعد أن اعتبرت عضويته الحالية مفتقدة إلى التمثيل المناسب والفعالية المرجوة. وقد عرضت اللجنة خيارين لتوسعة عضوية مجلس الأمن بحيث يصل العدد إلى 25 عضواً. ولكن أياً من هذين الخيارين لن ينجح فيما يبدو في تهدئة الخلافات السياسية والسباق المحتدم لتبوؤ هذه المقاعد حيث سارعت دول مثل اليابان والهند والبرازيل وإيطاليا للتقدم بمطالبها. ولكن اتخاذ قرار نهائي بهذا الشأن ما زال يتطلب الانتظار إلى حلول موعد اجتماع رؤساء الدول المزمع في سبتمبر القادم أثناء الدورة القادمة للجمعية العامة. وفي هذه الأثناء يتعين على الولاياتالمتحدة الأميركية الانهماك بنشاط في تعزيز هذه الإصلاحات في داخل منظمة الأممالمتحدة بحيث تصبح أكثر ملاءمة واتساقاً مع المصالح الأميركية. \r\n \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"كريستيان ساينس مونيتور\"