هذه المفاهيم مغلوطة بنفس درجة شيوعها وانتشارها. فالولاياتالمتحدة يمكن أن تكون، بل كانت تاريخيا، قوة تعمل من أجل الخير في كل العالم، وبالطبع في أوروبا على وجه التحديد. ولكن أوروبا نفسها لعبت دورها في جعل العالم أكثر رخاء واستقرارا. وينبغي أن تظل أوروبا راغبة في تحمل كل أعبائها في حفظ السلام ومنع النزاعات في كل العالم، كما أثبتت التجارب أنها راغبة في ذلك وقادرة عليه. وربما لهذا السبب أو ذاك، لم تصل هذا الآراء، والتي يؤمن بها كل الأوروبيين تقريبا، الى الجانب الآخر من الأطلسي، ولم يستوعبها الناس هناك. \r\n \r\n ويمكن القول على وجه الخصوص أن الأوروبيين لا يقللون من شأن الحرب ضد الإرهاب. بل على العكس من ذلك، نحن لا نعتقد فقط أنها واحدة من أخطر التحديات أمام مجتمعاتنا، بل لدينا تجربة طويلة في التعامل معه في مجتمعاتنا. ولكن كثيرا من الأوروبيين يعتقدون أن غزو العراق يجعل هزيمة الإرهاب أكثر صعوبة حتى مع إيمانهم بأن صدام حسين من أبشع الطغاة في العالم. \r\n \r\n ولا شك أن الجدل حول الأسباب التي أوصلتنا إلى هذا الوضع ستشغل المؤرخين وعلماء السياسة لعدة سنوات مقبلة. ولكن الوضع في العراق وما ينطوي عليه من احتمالات يطرح علينا السؤال التالي: ما العمل الآن؟ \r\n وقد برزت حاليا ثلاث قضايا جوهرية. \r\n الأولى، هي كيف تمارس القوة «العظمى الوحيدة» دورها القيادي في العالم وكيف يتصرف الآخرون إزاء هذا الدور؟ \r\n الثانية، كيف نعزز الجهود، التي بدأت بعد 11 سبتمبر (أيلول) 2001، لتحقيق وفاق عالمي حول طريقة التعامل مع الأخطار الجديدة: أسلحة الدمار الشامل، الخروقات الفادحة لحقوق الإنسان والإرهاب؟ \r\n والثالثة: كيف يمكن أن نعد الأممالمتحدة، وفي إطار معالجة القضيتين السابق ذكرهما، للتعامل مع هذه القضايا بصورة ملائمة وفعالة، بما في ذلك الاتفاق، على سبيل المثال، حول ما إذا كانت هناك تبريرات قانونية للاستخدام الاستباقي للقوة، وماهية هذه التبريرات وكيفية هذا التدخل. \r\n \r\n وبالطبع فإننا لن نسمح للجدل حول هذه القضايا ليستمر بلا نهاية، بل ننتظر تقرير اللجنة الرفيعة المستوى التي كونها كوفي أنان لهذا الغرض والتي ينتظر أن ترفع تقريرها بنهاية هذا العام للمساهمة في حلها. ومع ذلك فإن الوضع في العراق لا يسمح لنا بأن نكتفي بانتظار هذا التقرير وما يرد فيه من اقتراحات. فالوفاق العالمي الواضح شرط ضروري لإنجاح الفترة الانتقالية في هذه البلاد المضطربة أحوالها. \r\n ومن الضروري هنا أن تعمل أوروبا والولاياتالمتحدة في تعاون كامل مع بعضهما بعضا لضمان تمخض الوضع العراقي عن نتائج مرضية للجميع. وإذا فشلنا في ذلك فإن الضرر الفادح سيكون من نصيبنا جميعا. \r\n المخاطر هنا كبيرة بحق. فالفشل ربما يقود إلى تفكك العراق. وأحد التطورات التي يمكن التنبؤ بها هنا هي اغتيال كل القيادات المعتدلة في كل الطوائف والمنظمات العراقية لتمهيد الجو لحرب أهلية شاملة وتمزيق البنيات الضعيفة التي تقوم عليها الوحدة الهشة في هذه البلاد، مع كل ما يتمخض عنه ذلك من أبعاد إقليمية. وإذا تدهورت الأوضاع في العراق إلى هذه الدرجة فإنه سيتحول إلى «مفرخة» للإرهاب العالمي. وقد بدأنا نشاهد العلامات المبكرة لهذه الظاهرة في بعض دول الجوار. والثمن الإنساني فادح وقاهر. والمصلحة الذاتية تدفعنا دفعا إلى حساب الكلفة الاقتصادية المحتملة لتدهور الأوضاع وانتشار عدم الاستقرار في بلدان نفطية. ومن الناحية السياسية فإن الفشل يعني اتساع الشروخ بين اوروبا والولاياتالمتحدة. \r\n \r\n إن تفادي مثل هذه السيناريوهات المرعبة، هو على وجه التحديد، ما حدا باللجنة الأوروبية أن تعمل منذ البداية لخلق وفاق أوروبي وعالمي حول منهج التعامل مع العراق. وقد عملنا منذ أن أجمع القادة الأوروبيون، في مارس (آذار) الماضي، على دعم قيام الأممالمتحدة بدور حيوي في عراق ما بعد الانتقال، على خلق مظلة دولية تضطلع بأعباء إعادة التعمير، مما يفتح الباب أمام الدول التي لا تؤيد الاحتلال بأن تساهم رغما عن ذلك في جهود إعادة البناء أثناء الفترة الانتقالية. وليست بعيدة عن هذا الجهد مساهمات كل من روسيا وإيران وتركيا وغيرها من الدول. وقد دعمنا هذه السياسة بموارد مالية ضخمة. \r\n \r\n وقدمنا خلال هذا الشهر مقترحات لرسم استراتيجية متوسطة المدى لإعادة بناء العراق، وبحثنا كيفية تعامل الاتحاد الأوروبي مع بلد لم يسبق له أن أقام أية علاقات رسمية معه. ونحن حريصون على العمل بجدية مع إدارة عراقية جديدة تملك سلطات حقيقية، حتى نتمكن من تطوير خطط حقيقية للمستقبل. وبالتوازي مع ذلك نحن واعون تماما لأهمية العمل مع منظمات المجتمع المدني العراقي الناشئة، وذلك من أجل توسيع الارتباط بذلك المجتمع. \r\n وفي ضوء الوضع الحالي، بكل ما ينطوي عليه من غموض، فإننا لا نتوقع المعجزات. بل نسعى، وفي حدود ما يسمح به الواقع، أن نقيم علاقات بعيدة المدى مع العراق، على غرار العلاقات القائمة حاليا بيننا وبين العالم العربي، واضعين في الاعتبار أن الاتحاد الأوروبي، هو أكبر شريك تجاري، وأكبر مصدر للعون التنموي، بالنسبة لكل أقطار هذه المنطقة تقريبا. \r\n وبناء على كل ذلك، فإننا نأمل أن يكون الاجتماع الذي عقدناه مع الرئيس بوش، وهو أول لقاء بين قادة الاتحاد الذي ارتفعت عضويته إلى 25 دولة وبين الولاياتالمتحدة، أن يكون فرصة لتأكيد أنه مهما كانت خلافاتنا السابقة، فإننا موحدون برغبتنا في العمل سويا، وجنبا إلى جنب، كشركاء حقيقيين، من أجل بروز عراق ديمقراطي تعددي، في سلام مع ذاته وجيرانه، ويلعب دوره كاملا في المجتمع الدولي. \r\n \r\n * برودي رئيس المفوضية الأوروبية \r\n * وباتن مسؤول الشؤون الخارجية فيها \r\n خدمة واشنطن بوست \r\n خاص ب«الشرق الأوسط»