وفي أثناء الفترة الانتقالية، جرى إطلاع فريق الأمن القومي، الذي يضطلع الرئيس باختيار أعضائه، بمساعي إدارة كلينتون في التعامل مع \"القاعدة\". وقد كانت خطورة التهديد مفهومة جيداً لدى الرئيس وأعضاء فريق الأمن القومي. وفي معرض ردّه على طلبي بشأن مبادرة رئاسية، قام فريق مكافحة الإرهاب، الذي اضطلعنا بالمسؤولية عنه بعد إدارة كلينتون، باقتراح أفكار عديدة كان بعضها مطروحاً سلفاً منذ حوالي عام 1998 دون أن يتم تبنيه. غير أن الإدارة الجديدة لم تتسلم أية خطة معنية بمنظمة \"القاعدة\". \r\n وقد تبنّينا العديد من تلك الأفكار المقترحة، فقمنا برصد المزيد من الأموال للجهود الاستخباراتية وللجهود المعنية بمكافحة الإرهاب، وقمنا أيضاً بزيادة الجهود المعنية بتعقب أموال ومصادر تمويل \"القاعدة\"، إضافة إلى زيادة حجم الدعم الأميركي للنشاطات المعنية بمكافحة الإرهاب في جمهورية أوزبكستان. \r\n \r\n وقد بذلنا جهوداً حثيثة لتسليح الطائرة بريديتور التي تعمل دون طيار، وذلك لنتمكن من استهداف الإرهابيين بدقة أكبر. غير أن الطائرة بريديتور كانت مصممة في الأصل للقيام بمهمات المراقبة وليس لحمل الأسلحة. ولذلك شكّل تسليح هذه الطائرة تحديات تقنية كثيرة وتطلّب إجراء اختبارات موسّعة. واعترف مسؤولو الجيش والاستخبارات بأن الطائرة بريديتور المسلّحة لم تكن جاهزة للاستخدام قبل خريف عام 2001. وفي أية حال، لم تكن تلك الطائرة حلاً سحرياً قادراً على تدمير منظمة \"القاعدة\" أو على الحيلولة دون وقوع هجمات 11 سبتمبر. \r\n \r\n وقد أخذنا أيضاً بعين الاعتبار أن نحقق في ربيع عام 2001 زيادة متواضعة في حجم التمويل المرصود للتحالف الشمالي الأفغاني. ففي ذلك الحين، كان من الواضح أن التحالف الشمالي لن يكتسح أنحاء أفغانستان ليتخلص من \"القاعدة، ذلك باعتبار أنه تعرّض آنذاك لسلسلة من الهزائم الشديدة فلم يسيطر إلاّ على 10% من أراضي البلاد. \r\n \r\n وما كان للتحالف الشمالي أن تتاح له إمكانية تحقيق تقدمه العسكري التاريخي في أواخر عام 2001 دون إضافة القوة الجوية الأميركية ودون وجود القوات الخاصة الأميركية وعناصر الاستخبارات على الأرض. وقد قمنا بدمج هذه الفكرة في استراتيجيتنا الأوسع التي اقتضت تسليح القبائل في كل أنحاء أفغانستان بغية إلحاق الهزيمة بنظام \"طالبان\". \r\n \r\n ولنكن واضحين هنا. فحتى أشد المدافعين عن هذه الأفكار تحمّساً لم يؤكّدوا أنها ستكون قادرة على تدمير\"القاعدة\". ولذلك ارتأينا أن مجموعة الأفكار المقدّمة إلينا لم تكن كافية ولا وافية في ما يتعلق بالاستراتيجية التي سعى الرئيس بوش إليها. ذلك أن الرئيس أراد ما هو أكثر من قائمة طويلة من الأفكار المصممة لاحتواء \"القاعدة\" أو لتحقيق نهاية للتهديد. وسرعان ما بدأنا، فور تولينا مناصبنا الرسمية، بصياغة استراتيجية جديدة وشاملة تهدف إلى التخلص من منظمة \"القاعدة\". ذلك لأن الرئيس بوش أراد ما هو أكثر من ضربات انتقامية وعَرَضية بصواريخ كروز، بل إنه قال لي ذات يوم إنه \"تعب من توجيه الضربات إلى الذباب\". \r\n \r\n وقام فريق الأمن القومي طوال فصلي الربيع والصيف في عام 2001 بوضع استراتيجية للقضاء على منظمة \"القاعدة\"، وهي استراتيجية كان من المتوقع أن يستغرق تنفيذها سنوات عديدة. وقد حشدت استراتيجيتنا كافة عناصر القوة القومية بهدف هدم هذه المنظمة، وليس فقط بهدف الرد على هجمات بعينها باتباع إجراءات تطبيق القانون. وقد دعت خطتنا تلك إلى تبني الخيارات العسكرية لشن هجمات على قيادة \"القاعدة\" و\"طالبان\"، وعلى القوات البرية والأهداف الأخرى، ليتم بذلك نقل أعمال القتال إلى أرض العدو وفي عقر داره. وركّزت الخطة على الارتباط الحاسم بين \"القاعدة\" ونظام \"طالبان\". لقد أردنا أن نرغم نظام \"طالبان\" على التوقف عن تقديم المأوى لمنظمة \"القاعدة\". ورأينا أنه في حال رفض نظام \"طالبان\" التوقف عن ذلك، ستكون لدينا خيارات عسكرية كافية للتخلص منه. وقد ركّزت الاستراتيجية على الدور الرئيسي الذي تلعبه باكستان في سياق هذا المسعى، وعلى الحاجة إلى جعل باكستان تتخلى عن دعمها لنظام \"طالبان\". وقد تحول ذلك إلى الوثيقة الرئيسية الأولى في جملة وثائق السياسة الخارجية لدى إدارة بوش- أي أن التركيز لم يكن على العراق ولا على المعاهدة الخاصة بالحد من انتشار الصواريخ الباليستية، بل على التخلص من \"القاعدة\". \r\n \r\n قبل 11 سبتمبر، كنا نرصد عن كثب تلك التهديدات التي تحدق بأمتنا. وقد أحيا الرئيس بوش عادة الاجتماع بمدير وكالة الاستخبارات المركزية \"سي آي إيه\" كل يوم، وذلك في لقاءات كنت أحضرها. وكنت ألتقي شخصياً بجورج تينيت على نحو منتظم، كما كنت أقوم على نحو متكرر بمراجعة جوانب المساعي المعنية بمكافحة الإرهاب. \r\n \r\n وكادت \"الثرثرة\" الاستخباراتية المتزايدة طوال الصيف تتركز حصرياً على هجمات محتملة في الخارج. وعلى رغم ذلك، طلبنا تزويدنا بأية مؤشرات إلى وجود تهديدات داخلية وقمنا بتوجيه فريق مكافحة الإرهاب نحو التنسيق مع الوكالات المحلية بغية تبني الإجراءات الوقائية. وقام مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI وإدارة الطيران الفيدرالية بتنبيه شركات الطيران والمطارات والسلطات المحلية، مع التحذير من وقوع هجمات محتملة على الأميركيين. \r\n \r\n وعلى رغم ما أوحى به البعض، لم نتلق معلومات استخباراتية تفيد بأن الإرهابيين كانوا يستعدون لمهاجمة الأراضي الأميركية باستخدام الطائرات كصواريخ، هذا على رغم أن بعض المحللين فكّروا في احتمال قيام الإرهابيين باختطاف طائرات في محاولة لتحرير الإرهابيين الذين تحتجزهم الولاياتالمتحدة. لا بل إن إدارة الطيران الفيدرالية أصدرت تحذيراً إلى شركات الطيران وطواقم أمن الطيران وقالت فيه:\"إن احتمال وقوع عملية إرهابية، كاختطاف طائرة لتحرير إرهابيين محتجزين في الولاياتالمتحدة، يبقى مصدر قلق\". \r\n \r\n ونعلم الآن أن التهديد الحقيقي كان في الولاياتالمتحدة منذ عام 1999 على الأقل، إذ جرى تدبير مؤامرة مهاجمة نيويورك وواشنطن على مدى عامين. وبحسب مكتب التحقيقات الفيدرالي، كان 16 من أصل 19 من المختطفين موجودين داخل البلاد في يونيو 2001. فحتى لو عرفنا بالضبط مكان أسامة بن لادن، وحتى لو كانت الطائرة بريديتور جاهزة لضربه، لبقي في حكم المؤكّد أن المختطفين سينفذون خطتهم على رغم ذلك. وهكذا، لو أن التحالف الشمالي أيضاً أفلح نوعاً ما في الإطاحة بطالبان، فإن المختطفين كانوا موجودين هنا في أميركا وليس في أفغانستان. \r\n \r\n وقد تصرف الرئيس بوش بسرعة خاطفة لتوحيد وتنسيق جهودنا الرامية إلى تأمين الأراضي الأميركية، فقام بتحويل ال \"إف بي آي\" إلى وكالة مكرسة للقبض على الإرهابيين ومنع حدوث هجمات مستقبلية. وقام الرئيس والكونغرس، من خلال القانون الوطني، بهدم الجدران البيروقراطية التي أعاقت، قبل 11 سبتمبر، الوكالات الاستخباراتية ووكالات تطبيق القانون ومنعتها من جمع المعلومات الحيوية عن التهديد ومن التشارك فيها. ولذلك يدعونا من يطالبون الآن بإلغاء تغييرات القانون الوطني إلى تناسي الدروس التي تعلمناها يوم 11 سبتمبر. \r\n \r\n وفي أعقاب تلك الهجمات أراد الرئيس، ككل الأميركيين، أن يعرف هوية المسؤول. ولكان هناك ما يعبر عن غياب حس المسؤولية لو أنه لم يسأل عن كل الارتباطات الممكنة بما فيها العراق الذي دعم الإرهاب وحاول قتل الرئيس جورج بوش الأب. فعندما تم إبلاغه بعدم وجود دليل على مسؤولية العراق عن 11 سبتمبر، أبلغ الرئيس بوش مجلس الأمن القومي يوم 17 سبتمبر بأن العراق ليس على الأجندة وبأن الرد الأميركي الأوّلي على 11 سبتمبر سيقتضي استهداف \"القاعدة\" و\"طالبان\" في أفغانستان. \r\n \r\n وبسبب رؤية بوش وقيادته، باتت أمتنا الآن أكثر أماناً. لقد كسبنا معارك في الحرب على الإرهاب، لكن الحرب ما تزال أبعد ما تكون عن النهاية. وفي أية حال، مهما طالت تلك الحرب، فإن الغلبة ستكون لأمتنا العظيمة.