\r\n ففرنسا تريد ان تعيد منطقة النفوذ القديمة التي كانت لها في لبنان طوال المرحلة التي تلت نهاية استعمارها للبلاد, اما الولاياتالمتحدة فانها ترغب في لبنان اكثر مرونة, وفي اضعاف سوريا وفي كسر العلاقة الثلاثية التي تربط لبنان وسوريا وايران, وفي تحقيقي جوار اكثر امنا لاسرائيل, والحصول على نفوذ امريكي اكبر في المنطقة. \r\n \r\n لكن الفشل كان من نصيب القرار المذكور, اذ ان الهدف المباشر منه كان منع سوريا وحلفائها في البرلمان اللبناني من تمديد فترة رئاسة الرئيس اللبناني اميل لحود لمدة ثلاث سنوات اخرى, فقد حصل التمديد للرئيس المتحالف بشدة مع دمشق, وضمنت سوريا لنفسها البقاء في لبنان, وها هي الولاياتالمتحدة تتحدث اليوم عن تصعيد الموقف عن طريق تجميد ارصدة المسؤولين اللبنانيين والسوريين غير المتعاونين لحين انسحاب جميع الجنود الاجانب من لبنان, ويعتقد ان هذا التهديد من قبل الولاياتالمتحدة هو السبب وراء استقالة رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري, الملياردير الذي يتمتع بممتلكات مالية واسعة في الولاياتالمتحدة. \r\n \r\n قد يبدو استعراض العضلات الدبلوماسي هذا امرا مقبولا في اطار المحاولات الرامية الى اخراج سوريا من لبنان, خصوصا عندما يأتي مقنعا برداء مشروع »المزيد من الديمقراطية« لكن مشكلته انه يمكن ان يعود بنتائج لا تختلف في جوهرها عما نواجهه حاليا في العراق, فالعالم العربي كيان معقد ولديه ثقافة عريضة مركبة, واي مشروع يهدف الى اعادة تشكيل جزء منه او كله لا بد ان ينطوي على الخطر بغض النظر عن درجة مثاليته, يضاف لذلك التداخل المشترك لسوريا ولبنان على صعيد التاريخ والجغرافيا والنسيج الاجتماعي والديني, ولا شك ان زعزعة استقرار اي منهما لا بد ان تؤدي الى زعزعة الاخرى. \r\n \r\n لقد اصبحت سوريا قوة مؤثرة في لبنان منذ حوالي ثلاثة عقود. وقد بدأ ذلك بدخول القوات السورية الى لبنان في منتصف سبعينات القرن الماضي اثناء الحرب الاهلية اللبنانية وهي الحرب التي غذتها الطائفية الدينية والاصولية الراديكالية والحضور الفلسطيني الكبير والمؤثر في لبنان وكان غرض سوريا الرئيسي من ارسال قواتها الى لبنان اعادة التوازن الهش بين المسيحيين والمسلمين فيه. وقد احتاجت سوريا الى 14 عاما لاعادة تثبيت السلام في لبنان وهي الان تحتفظ بالاف الجنود فيه. \r\n \r\n واذ تحتدم الحرب التي نشنها في العراق, يبدو من المهم ان نتذكر ان بيروت هي التي كانت قبل بغداد مرادفا للارهاب والوحشية. فعلى امتداد المراحل المختلفة لتلك الحرب التي استمرت 15 عاما, كان لكل جماعة رئيسية من سنة وشيعة ومسيحيين ودروز وفلسطينيين ميليشياتها المتعددة التي تتقاتل في معارك تغير اطرافها باستمرار وتستهدف المدنيين في جميع الاحوال. وقد عانى السكان اللبنانيون من حرب المدن الدائرة حولهم, واعدم دبلوماسيون امريكيون واغتيل رجال دين ومدرسون غربيون, كما اغتيل اثنان من رؤساء الجمهورية اللبنانيين, واختطف امريكيون واوروبيون واحتجزوا كرهائن لمدة سنوات عديدة. والسيارات المفخخة التي تنزل الموت في العراق اليوم كانت قد ولدت في لبنان. وكان من بين ضحاياها السفارة الامريكية وثكنات المارينز والثكنة الفرنسية ومواقع اخرى عديدة في لبنان. كما تظهر اليوم في الساحة العراقية مختلف الاساليب القتالية التي طورت في لبنان ابان الحرب الاهلية. \r\n \r\n انتهت المأساة اللبنانية اخيرا عام 1989 بموجب اتفاق الطائف الذي رعته كل من سوريا والمملكة العربية السعودية وما زالت عملية اعادة الاعمار لم تنجز بعد في لبنان. \r\n \r\n وتتمتع سوريا التي بارك اتفاق الطائف وجودها في لبنان, بنفوذ طاغ في البلاد. وهناك الكثير من الحقيقة في القول بأن السوريين قد استغلوا وجودهم الذي اطالوه كثيرا في لبنان خدمة لمصالحهم الخاصة واولها تعزيز وضعهم في الصراع مع اسرائيل لكن ما من احد يستطيع التكهن بردة الفعل التي سيبديها كل من الشيعة والسنة والمسيحيين وغيرهم من الطوائف اللبنانية في حالة انسحاب سوريا كليا من لبنان, فالعوامل التي زعزت امن لبنان في سبعينات القرن الماضي ما زالت حاضرة بل انها اصبحت في بعض الوجوه, اشد قابلية للاشتعال, ومن بين تلك العوامل ما يلي: \r\n \r\n * الصحوة الاسلامية التي تحولت الان الى ظاهرة عالمية. فقد احجبت التدخلات الاسرائيلية والغربية في لبنان في السبعينات, والتدخلات الامريكية والسوفيتية في افغانستان في الثمانينات, والمواجهات الامريكية المستمرة في العراق منذ السبعينات عناصر تلك الصحوة. وكما نرى في العراق اليوم, فان لبنان كان في الماضي القريب مركز جذب للمتطرفين وهو ما يزال قابلا لان يعود كذلك. \r\n \r\n * الفلسطينيون في لبنان والذين كانوا عاملا في ترجيح كفة المسلمين في الحرب اللبنانية يئسوا اليوم من تحقيق سلام عادل ولم يعد لديهم امل بمغادرة مخيمات اللاجئين في لبنان, كما ان اريئيل شارون, الذي قاد الاجتياح الاسرائيلي للبنان عام 1982 ولعب دورا في المجازر التي ارتكبت في المخيمات الفلسطينية هناك, ما يزال عامل تأجيج للنقمة الفلسطينية. \r\n \r\n * ان المظاهر الديمقراطية في لبنان والتي استخدمت كغطاء لسلطات امراء الحرب ابان الحرب الاهلية قد خضعت لشيء من التعديل, لكن القيم المشتركة ومفاهيم التوافق الضرورية لبناء مؤسسات ديمقراطية قادرة على البقاء ما تزال غائبة. فالاستقطابات الدينية والاقليمية والاقتصادية ما تزال موجودة ومن الصعب قياس عمق كل منها كما ان امراء الحرب ما زالوا موجودين ايضا. \r\n \r\n ويمكن القول بصراحة ان الزعماء اللبنانيين اكثر استعدادا للقبول براع سوري بدلا من العودة الى الحقبة الفرنسية او الدخول في الامبراطورية الامريكية. ففي لبنان , كما هي الحال في جميع الدول الصغيرة في المنطقة, ما تزال الحاجة قائمة الى وجود راع قوي والناس في لبنان, شأنهم شأن سواهم في المنطقة, ينظرون بتشكك كبير الى دوافع واشنطن. وبعد حوالي عقدين من الاقتتال يجد اللبنانيون انهم يفضلون الاستقرار الذي تحقق لهم تحت الاشراف السوري على الوعود الغامضة بمستقبل ديمقراطي. \r\n \r\n قد يأتي زمان لا يواجه فيه لبنان وسواه من دول المنطقة بهذا الاختيار الحاد ما بين الامن والديمقراطية, او ما بين الامن والاصلاح السياسي والتعددية الليبرالية, ولا شك ان المشهد في العراق يكذب فكرة التحول السريع الذي يأتي به الاجانب من الخارج واذا اردنا طريقة لدفع المنطقة كلها الى الامام فان من الافضل العمل على حل مشاكل المنطقة المزمنة وفي مقدمتها تشرد الشعب الفلسطيني, وحالة العداء القائمة بين العرب والاسرائيليين, وتحقيق التنمية الاقتصادية.0 \r\n \r\n عن: »لوس انجلوس تايمز«