محافظ سوهاج يعتمد المرحلة الثالثة لقبول طلاب الإعدادية بالثانوي    أسيوط تبحث مستقبل التعليم المجتمعي ومواجهة التسرب الدراسي    وزير الري: الاعتماد على نهر النيل لتوفير الاحتياجات المائية بنسبة 98%    محافظ الإسكندرية وسفيرة الولايات المتحدة يبحثان تعزيز التعاون في قطاع النقل البحري    مدبولي: موقف الدولة المصرية ثابت حيال الأوضاع السياسية في المنطقة    محافظ شمال سيناء يفتتح مهرجان الهجن بالعريش    منتخب الناشئات يتوجه إلى غينيا الاستوائية لخوض التصفيات المؤهلة لكأس العالم    ضبط المتهم بقتل زوجته ب«سكين» أمام أطفالهما بالغربية    شاب يلقى مصرعه حرقًا بعد مشادة مع صديقه في الشرقية    أعمال منير مراد ومؤلفات العظماء على المسرح الكبير    قبل عرضه بالسينما أكتوبر المقبل.. تعرف على أحداث فيلم «فيها إيه يعني»    التعليم تعلن تطبيق منهج "كونكت بلس" لرياض الأطفال والابتدائي    ضبط قضايا إتجار بالنقد الأجنبي بقيمة 7 ملايين جنيه خلال 24 ساعة    «التضامن» تقر قيد تعديل 4 جمعيات في محافظة البحيرة    انخفاض أسعار الدواجن اليوم الأربعاء بالأسواق (موقع رسمي)    فيديو - أمين الفتوى: تزييف الصور بالذكاء الاصطناعي ولو بالمزاح حرام شرعًا    الأزهر للفتوى: يجوز للزوجة التصدق من مال زوجها دون علمه في حالة واحدة    عالم أزهري يكشف لماذا تأخر دفن النبي بعد موته وماذا جرى بين الصحابة وقت ذلك    "عليهم أن يكونوا رجالًا".. هاني رمزي يفتح النار على لاعبي الأهلي عقب تراجع النتائج    «جوتيريش»: سيذكر التاريخ أننا كنا في الخطوط الأمامية من أجل الدفاع عن الشعب الفلسطيني    تحرك الشاحنات المحملة بالمواد الإغاثية من معبر رفح البري إلى كرم أبوسالم لتسليمها للجانب الفلسطيني    سياسي ألماني يطالب حكومته بإفساح المجال أمام فرض عقوبات على إسرائيل    وزارة العمل: 3701 فُرصة عمل جديدة في 44 شركة خاصة ب11 محافظة    رسميًا.. موعد نتيجة تنسيق كليات جامعة الأزهر 2025 (رابط)    جامعة القاهرة تحتفي بالراحلين والمتقاعدين والمتميزين في «يوم الوفاء»    ميدو: طبيب الأهلي مسؤول عن إصابة زيزو.. وتصريحات النحاس غير موفقة    "البديل الذهبي" فلاهوفيتش يسرق الأضواء وينقذ يوفنتوس    أبو مسلم يهاجم ترشيح فيتوريا لقيادة الأهلي    آخرها فيروس «A».. تعرف على تاريخ إصابات إمام عاشور مع الأهلي    الإحصاء: 1.5 مليار دولار قيمة التبادل التجاري بين مصر وإسبانيا خلال النصف الأول من 2025    تخفيضات وتذاكر مجانية.. تعرف على تسهيلات السكة الحديد لكبار السن 2025    «ڤاليو» تنفذ أول عملية مرخصة للشراء الآن والدفع لاحقًا عبر منصة «نون»    عبد اللطيف: جميع الكتب موجودة في المدارس وإلغاء الفترة المسائية في هذا الموعد!    بتهمة الابتزاز والتشهير.. قرار بشأن دعوى هالة صدقي ضد خادمتها    24 سبتمبر.. محاكمة متهم في التشاجر مع جاره وإحداث عاهة مستديمة بالأميرية    «التعليم» توضح 11 نقطة حول تفاصيل «البكالوريا» وسداد المصروفات الدراسية    بدء الاجتماع الأسبوعي لمجلس الوزراء برئاسة الدكتور مصطفى مدبولي    أردوغان يفتح النار علي نتنياهو: سيلقي نفس مصير الزعيم النازي "هتلر"    تابلوهات فنية نوبية تستهل احتفالات قصور الثقافة في «اليوم المصري للموسيقى» بأسوان (صور)    تكريم المخرج المنفذ علا فهمي في الدورة الثالثة من مهرجان إيزيس الدولي لمسرح المرأة    الليلة.. أيمن وتار ضيف برنامج "فضفضت أوي" مع معتز التوني    ملكة إسبانيا فى زيارة رسمية لمصر.. أناقة بسيطة تعكس اختياراتها للموضة    إسرائيل تعلن عن ممر آمن لإخلاء سكان غزة جنوبا| لمدة 48 ساعة    عاجل- انقطاع الإنترنت والاتصالات الأرضية في غزة وشمال القطاع بسبب العدوان الإسرائيلي    مصر تطلق قافلة "زاد العزة" ال39 محملة ب1700 طن مساعدات غذائية وإغاثية إلى غزة    مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 17سبتمبر2025 في الشرقية    نائب وزير الصحة تعقد اجتماعًا بمستشفى قنا العام لتطوير مراكز التميز في خدمات ما حول الولادة    «ليه لازم يبقى جزء من اللانش بوكس؟».. تعرفي على فوائد البروكلي للأطفال    صحة المرأة والطفل: الفحص قبل الزواج خطوة لبناء أسرة صحية وسليمة (فيديو)    بتقديم الخدمة ل6144 مواطن.. «صحة الشرقية» تحصد المركز الأول بمبادرة «القضاء على السمنة»    وزير الدفاع السعودي ولاريجاني يبحثان تحقيق الأمن والاستقرار    بتر يد شاب صدمه قطار في أسوان    مسلسل سلمى الحلقة 25 .. خيانة تكشف الأسرار وعودة جلال تقلب الموازين    خطوات إضافة المواليد على بطاقة التموين 2025.. الأوراق المطلوبة والفئات المستحقة    بهدف ذاتي.. توتنام يفتتح مشواره في دوري الأبطال بالفوز على فياريال    توقعات الأبراج حظك اليوم الأربعاء 17 سبتمبر 2025.. الأسد: كلمة منك قد تغير كل شيء    أوقاف الفيوم تنظّم ندوات حول منهج النبي صلى الله عليه وسلم في إعانة الضعفاء.. صور    قافلة طبية مجانية بقرية الروضة بالفيوم تكشف على 300 طفل وتُجري37 عملية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأزمة اللبنانية بين بنية الداخل وتجاذبات الخارج / يوسف مكي
نشر في محيط يوم 22 - 05 - 2008


الأزمة اللبنانية بين بنية الداخل وتجاذبات الخارج
يوسف مكي
لم تكن أحداث لبنان الأخيرة، والتطورات التي صاحبتها، رغم مشهدها الدرامي مفاجئة للذين تابعوا عن قرب ما يحدث بالمشهد السياسي في هذا البلد العزيز، منذ اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري.
فمنذ ذلك الوقت، اختلف اللبنانيون حول الطريقة التي ينبغي التعامل بها تجاه جريمة الاغتيال. وبدا واضحاً أن الخلافات التي طفحت على السطح لم تكن مرتبطة فقط بالجريمة، بل كانت انعكاساً لخلافات جوهرية أخرى حول السياسات التي ينبغي على لبنان انتهاجها تجاه عدد من القضايا الإقليمية.
كما كانت تعبيراً عن اصطفافات إقليمية ودولية لمختلف الفرقاء، المعنيين بالصراع. وجاءت حرب يوليو/تموز عام ،2006 التي بدأت بقيام أعضاء من حزب الله باختطاف عدد من الجنود الصهاينة، لتضاعف من حدة الصراع بين الفرقاء ولتزيد من تعقيدات الأزمة، التي لم تكن بحاجة إلى المزيد من صب الزيت على النار.

انقسم اللبنانيون، إثر اغتيال الحريري إلى موالاة ومعارضة. تتهم الموالاة المعارضة بتنفيذ أجندة للحكومتين السورية والإيرانية في لبنان، وأن حزب الله ليس سوى واجهة وأداة تنفيذ لتلك الأجندة، بينما تتهم المعارضة الموالاة بالخضوع للضغوط الأمريكية والصهيونية، وأن سياسات الحكومة الحالية ليست إلا تماهياً واستجابة لتلك الضغوط.

والواقع أن القراءة الصحيحة لما يجري في لبنان، تشير إلى جملة من الحقائق التي تؤكد أن الخلافات بين الغرماء هي أعمق بكثير مما يتردد حولها، وأن من السذاجة ربطها فقط بحادثة الاغتيال. أهم تلك الحقائق، أن لبنان شهد منذ استقلاله صراعات حادة بين مختلف كتله السياسية، وأن اصطفافات الفرقاء بمختلف اتجاهاتهم، بالتاريخ اللبناني المعاصر، ليست ثابتة، ولا تحكمها مواقف إيديولوجية، بل هي نتاج مواقف براجماتية، تحكمها قوانين المنفعة.
فعدو الأمس، يمكن أن يكون حليف اليوم، والعكس صحيح، فقد حدث أن تحول حليف الأمس إلى عدو شرس فيما بعد. إن هذا الرصد على بساطته يطرح سؤالاً منهجياً ومهماً، له علاقة مباشرة بمحركات اصطفاف الفرقاء في هذا الخندق أو ذاك. بمعنى آخر، لماذا هذا الانتقال السريع لأطراف الصراع، وتبادل المواقف السياسية فيما بينهم؟

الحقيقة الأخرى، وهي ذات صلة بالحربين الأهليتين اللتين اشتعلتا في لبنان بنهاية الخمسينات، ومنتصف السبعينات من القرن المنصرم. فقد ارتبطت الحربان الأهليتان السابقتان، كما هو الحال مع الأحداث الأخيرة، بتدخلات مباشرة وغير مباشرة من قبل قوى إقليمية ودولية، وكانت في ملامحها البارزة تعبيراً عن صراعات، ليس للبنان أو اللبنانيين فيها ناقة أو جمل. لم تكن أسباب تلك الصراعات والاختلافات، تدور حول الشؤون الداخلية للبنان، ولم يكن لها علاقة بالحياة اليومية للبنانيين.

فقد تمحورت أسباب الحرب الأهلية الأولى حول الصراع الدائر آنذاك بين الدول العربية الرافضة لسياسة الأحلاف، وكانت السعودية ومصر وسوريا تتصدر المعارضة لسياسة الأحلاف، التي برز من بينها حلف بغداد الذي ضم العراق والأردن وتركيا وإيران وباكستان، وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية. وكانت السياسات الغربية تسعى جاهدة لربط لبنان بذلك الحلف.

كان الرئيس اللبناني آنذاك، كميل شمعون منسجماً مع سياسة ربط لبنان بذلك الحلف. ولما كانت فترته الرئاسية قد أوشكت على الانتهاء قبل استكمال ضم لبنان لعضوية الحلف المذكور، فقد طرح تمديد فترته الرئاسية لدورة أخرى. ورفضت قيادة المعارضة فكرة التمديد.
واشتعلت حرب أهلية بين المؤيدين للرئيس شمعون والمعارضين له. واتهم الفريق المؤيد للرئيس اللبناني حكومة الرئيس جمال عبد الناصر، التي كانت تقود دولة الوحدة بين مصر وسوريا بدعم المعارضة بالمال والعتاد.
ورفضت حكومة الجمهورية العربية المتحدة تلك الاتهامات، ووصل الأسطول الأمريكي إلى السواحل اللبنانية، وهدد بالتدخل ضد المعارضة. وتدخلت الأمم المتحدة. وانتهت الأزمة باستقالة الرئيس كميل شمعون، وبتسلم قائد الجيش اللبناني، فؤاد شهاب لرئاسة الجمهورية اللبنانية.

والقراءة الموضوعية لأسباب تلك الحرب، لا يمكن أن تغفل دور الحرب الباردة بين القوتين العظميين، الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي السابق. فحلف بغداد كان محاولة غربية لاحتواء التسلل السوفييتي إلى منطقة الشرق الأوسط. كما كان محاولة للحيلولة دون انتشار مد حركة التحرر الوطني المناوئة للهيمنة الغربية لعموم المنطقة العربية. إذن فالحرب الأهلية الأولى في أسبابها المعلنة، هي أحد المظاهر الصريحة للحرب الباردة.

لم يختلف واقع حال الحرب الأهلية الثانية في لبنان، عن الحرب الأهلية الأولى. فقد بدأت مقدمات هذه الحرب بتمركز حركة المقاومة الفلسطينية في بعض مناطق جنوب لبنان، إثر نكسة يونيو/حزيران عام ،1967 لقد نزح آلاف الفلسطينيين إلى لبنان، بعد النكسة أثناء رئاسة شارل الحلو للجمهورية اللبنانية. وآنذاك، عبّرت المؤسسة المسيحية التقليدية اللبنانية عن خشيتها من أن يحدث النزوح الفلسطيني إلى لبنان خللاً في تركيبته الديموغرافية.
وبدأ الصراع بين المقاومة والجيش اللبناني الذي طالب بمنع الفلسطينيين من حمل السلاح. وتوصل الفلسطينيون واللبنانيون، من خلال وساطة مصرية، رعاها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر إلى اتفاقية في عام ،1968 عرفت باتفاقية القاهرة سمحت للفلسطينيين بحمل السلاح داخل مخيماتهم فقط، وأتاحت لهم فرصة الإشراف على الجوانب الأمنية في تلك المخيمات.

لكن تلك الاتفاقية، لم تنه الخلافات بين المقاومة الفلسطينية، والقوى التقليدية المسيحية، التي بدأت في تزويد ميليشياتها بالعتاد والسلاح. وفي عام ،1975 بدأت الحرب الأهلية الثانية بين الفلسطينيين، والقوى اليمينية، وانضمت المعارضة برئاسة زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي، كمال جنبلاط إلى جانب الفلسطينيين. واجتاح الجيش السوري لبنان لمساندة الرئيس اللبناني، سليمان فرنجية. واستمرت الحرب بين كر وفر حتى تم التوصل إلى اتفاق الطائف.
وخلال فترة الحرب تغيرت خارطة التحالفات، وغير الجيش السوري من طبيعة تحالفاته، تارة مع اليمين المسيحي، وتارة أخرى مع الفلسطينيين وما عرف في حينه بالحركة الوطنية اللبنانية التي كان يقودها كمال جنبلاط، زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي والد الزعيم الحالي وليد جنبلاط، الذي يعتبر قطباً رئيسياً في خندق الموالاة الآن.

وبالقدر الذي كانت فيه الصراعات الإقليمية أهم عناصر التحريض في الحرب الأهلية الأولى، كان الصراع العربي- الصهيوني وتعقيداته، والاختلاف حول الوقوف في خندق المقاومة الفلسطينية، أو في الخندق المعادي لها هي أهم أسباب الحرب الأهلية الثانية.

إن هذه القراءة تطرح بحدة سؤالاً منهجياً آخر، هو لماذا يقبل اللبنانيون أن يكونوا مجرد أحجار شطرنج على لوحة ليسوا لاعبيها الرئيسيين؟ ولماذا يتبارى بعضهم لتنفيذ أجندات ليست لها علاقة بمصالح لبنان؟

الإجابة على هذا السؤال ستقودنا مباشرة إلى التركيبة السياسية للبنان. فهذه التركيبة قائمة في الأصل على أسس القسمة الطائفية. بمعنى أن لكل طائفة في لبنان، رغم هشاشة بنيتها، مجالها الحيوي، الذي تمارسه داخل البلاد بشكل مستقل. وهي لكي تثبت حضورها السياسي والمعنوي بحاجة إلى ظهير يقدم لها الحماية والدعم والمساندة، لكي تنال حصة أكبر من القسمة السياسية اللبنانية، أو على الأقل لتحتفظ بنصيبها من الكعكة.
ولأن الفرنسيين حين فرضوا تلك القسمة لم يضعوا في اعتباراتهم مصلحة لبنان، وخلق نظام سياسي، يرجح فيه مفهوم المواطنة، المستند إلى الكفاءة والخبرة والقدرة، والالتزام الوطني، وليس المحاصصة، فقد كان من الضروري أن يستمر الخلل السياسي البنيوي، وأن تتعمق الخلافات بين الفرقاء المعنيين مباشرة بالقسمة. وأن تبقى الخلافات مرشحة دائما لمزيد من التوتر، لتصل حد الاحترابات الأهلية، التي في معظم الأحيان تنتهي من دون غالب أو مغلوب، ويدفع ثمنها لبنان... كل لبنان.

إن خلاصة مناقشتنا، هي أن الأوضاع في لبنان، ورغم التوصل إلى اتفاق في الدوحة بوساطة قطرية، ستبقى مرشحة باستمرار لمزيد من الانهيارات، ما لم تتم إعادة النظر في التركيبة السياسية للحكم، ولمفهوم المحاصصة، وما لم يعمم مفهوم الدولة الدستورية، التي تنتفي فيها القسمة الطائفية، ويغلب مفهوم المواطنة.

وليس أمامنا في هذه اللحظات الحرجة، سوى مناشدة الإخوة اللبنانيين، في مختلف الخنادق والاتجاهات، اللجوء إلى الحكمة وتغليب لغة العقل وحقن الدماء، فحين تشتعل الحروب بين أبناء الوطن الواحد، ليس هناك أحد رابح وآخر خاسر.
إن كل جرح نازف، وكل قذيفة تطلق سيتردد صداها ألماً ووجعاً على عموم اللبنانيين، فعسى أن يتغلب صوت الضمير والعقل، وتعود البسمة والألق والبهجة إلى شجرة الأرز، رمز جمال لبنان وسحره.
عن صحيفة الخليج الاماراتية
22/5/2008


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.