\r\n واذا كان الاختطاف بحد ذاته عملية ليست بالجديدة, فان الجديد في السلاح الذي جاءت به جماعة الزرقاوي هو الاختطاف الدعائي. فصور الرهائن المغلوبين على امرهم وهم يتوسلون الى مختطفيهم الرحمة تثير تغطية عالمية وتثير مشاعر واسعة من التعاطف مع اسر الضحايا المتضرعين. وفي بعض الاحيان تنتهي قصص الاختطاف بمشاهد سادية يظهر فيها احد اتباع الزرقاوي وهو يقطع على مهل رأس احد الضحايا. \r\n \r\n هذا النوع من السلاح لا يتحمل الخسارة وبالتالي فهو مكسب كبير لجميع من يريد ممارسة الحرب النفسية. فاذا تم دفع الفدية من قبل شركة خاصة او مقاول مدني, فان المال سوف ينفق في شراء الصواريخ ومدافع الهاون, واذا كان دافع الفدية جهة حكومية تحقق مطلب الخاطفين بالاعلان عن سحب جنودها من العراق, فان المكسب يكون اكبر بالنسبة للخاطفين الذين سيحققون, في تلك الحالة, نصرا دبلوماسيا يؤثر سلبيا على معنويات بقية الدول المشاركة في التحالف. اما اذا امتنع الطرف المعني عن دفع الفدية. فان مشهد قطع رأس الرهينة كفيل بان يبث الرعب في قلوب المشاهدين المأخوذين. \r\n \r\n لا ينجح سلاح الاختطاف في تحقيق الدعاية التي يريدها الخاطفون في جميع الحالات. فقد تحدث الصحفي البريطاني جون بيرنز الذي يعمل مراسلا لصحيفة التايمز اللندنية, من بغداد عن مشاعر الاستنكار والتقزز العميقة التي يقابل بها العراقيون المتحضرون مشاهد القتل. فهذه المشاهد بالاضافة الى بشاعتها الذاتية, تذكر المواطن العراقي بممارسات قطع الايدي او قطع الالسن التي كان النظام العراقي السابق يمارسها ضد الخارجين عن اوامره. \r\n \r\n لكن هذه ليست نتيجة عرضية لهذا السلاح. فالخاطفون يريدون ايضا زرع الرعب في قلوب العراقيين انفسهم. كما ان مشاهد القتل وقطع الرؤوس تفعل فعلها في ارهاب الملايين في الخارج من الذين تحتاج اليهم عمليات اعادة العراق والقضاء على الارهاب المستشري فيه. \r\n \r\n من المسلم به ان من غير المجدي تقييد المراسلين والصحفيين والطلب اليهم »تخفيف« آثار عمليات تثير اهتمام الملايين بسبب كونها تنطوي على القسوة او العنف او الموت. كما لا ينبغي لاجهزة الاعلام الامتناع عن ايراد ارقام الضحايا والخسائر. فالحرب تعني التضحية. \r\n \r\n ولكن على الصحفيين المسؤولين ان يمعنوا النظر في الحكمة المتوخاة من السماح للارهابيين المتعطشين الى الدعاية بان يتلاعبوا بالصحافة والصحفيين كما يلعب الموسيقي البارع على اوتار الكمان. \r\n \r\n لا شك ان الاثارة عامل اساسي في عملية تسويق التغطيات الاخبارية, وفي عالم التلفزيون هناك شعار يقول: »اعط الاولوية للمشاهد الدامية« كما ان الجمهور ينجذب, في العادة, الى اللقاءات المشحونة التي تجرى مع اسر الرهائن واطفالهم. والمصورون يحققون »سبقا صحفيا« كلما تمكنوا من التقاط ابشع الصور من اقرب الزوايا. وتتصاعد سخونة التغطية الاعلامية مع تصاعد مشاعر المشاهدين في عملية حلب مبرمج لعواطف الجمهور. حيث تأتي اولا التقارير التي تبلغ عن حدوث عملية اختطاف ثم تتبعها مشاهد الرهائن البؤساء. بعدها تتوالى تغطية المسيرات والاعتصامات التي تطالب بدفع الفدية وتحرير الرهائن, واخيرا وبمعدل حالة واحدة من كل اربع حالات, تعرض على الجمهور صور الاجساد المقطعة. \r\n \r\n وبالسؤال الآن: هل يتوجب علينا ان نصبح شركاء في هذه الفصول الدامية? لا شك ان من واجبنا تغطية هذه الاحداث. لكننا لا نحتاج الى ان نتحول الى جزء من العملية الدعائية الارهابية الرامية الى استخلاص اقصى درجات الترهيب من هذه العمليات. \r\n \r\n اننا ندرك ان الغرض الاساسي من استخدام سلاح الاختطاف هو اخراج قوات التحالف من العراق والحيلولة دون اجراء انتخابات عامة. \r\n \r\n وندرك ايضا ان سلاح الاختطاف يستهدف, فيما يستهدف الانتخابات الامريكية. لكن ما لم ندركه بعد هو المدى الذي تصل اليه السكينة داخل الجسم الامريكي. فهل سيأتي رد فعل الامريكيين على هيأة اشمئزاز تام من ما تنطوي عليه العملية من وحشية وبالتالي سوف يترجم هذا الاشمئزاز الى تحول الناخبين لصالح المرشح الرئاسي الاكثر تصميما على محق المتوحشين? اما ان تكرار هذه العمليات سيبلغ بمستوى الاشمئزاز الامريكي حد القناعة بعدم جدوى التعامل مع شعب بهذه الدرجة من الوحشية, وبالتالي يدفع الناخبين الى تأييد المرشح الرئاسي الذي يعد باخراج الامريكيين من ذلك البلد باسرع وقت ممكن? \r\n \r\n لقد سعى المرشح الديمقراطي جون كيري, الذي يريد ان يلعب دور المناهض للحرب الامريكية في العراق, الى تضخيم اثر سلاح الاختطاف الذي يشهره الارهابيون. ففي اعلان دعائي بث في الاسبوع الماضي يظهر جون كيري وهو يتهم جورج بوش بعدم امتلاك اية خطة للخروج من العراق, ثم يتصرف بطريقة توحي بأنه لم يقدر رسالة الزرقاوي حق قدرها حين يقول: »ان الامريكيين في العراق يختطفون, ويؤخذون رهائن, وتقطع رؤوسهم«. \r\n \r\n ومع الاقرار بصدق ما قاله كيري, فان هذا الترويج للذعر لا يمكن الا ان يعتبر هفوة شنيعة من جانب المرشح لرئاسة الولاياتالمتحدة, فهذا النوع من الاستجابة لتحدي الخاطفين لا يختلف كثيرا عن استجابة رئيسة الفلبين غلوريا ارورو التي سحبت 51 جنديا من العراق هم مجموع قواتها هناك فأذعنت بذلك لمطالب الخاطفين وشجعتهم على اقتناص المزيد من الرهائن. \r\n \r\n ليس محمودا لبعض الاجهزة الاعلامية غير الممحصة ان تتحول الى مكبرات صوت لنداءات الدعاية الترهيبية. لكن ما هو اسوأ من ذلك ان ينبري المرشح الرئاسي للاتكاء على تلك الدعاية من اجل تدعيم مواقفه المناوئة للحرب. \r\n \r\n اننا نواجه اليوم اقسى الاسلحة الدعائية التي اخترعها العقل الشرير, وهو سلاح تحاول الحكومات القوية ان تقابله برفضها دفع الفدية النقدية او السياسية. وعلى اجهزة الاعلام ان تتوخى الحذر في تغطيتها لحالات الاختطاف وقتل الرهائن من اجل ان لا تسمح لنفسها بالتحول الى اداة في تحقيق غاية الخاطفين, في الوقت الذي يتوجب عليها ان لا تغفل الاشارة الى حالة الامتعاض من هذه الاعمال التي تعم العراق والعالم الاسلامي برمته.0 \r\n \r\n عن »نيويورك تايمز«