اما اليابان, فأنها تشعر بنوع من عدم الاطمئنان ازاء صعود الصين, والتسلح النووي لكوريا الشمالية, وزيادة التوتر في تايوان. وقد دفعها ذلك الى توقيع اتفاقية تطوير منظومة صواريخ دفاعية مع الولاياتالمتحدة وهي تنظر حالياً في تخفيف القيود التي يفرضها دستورها على تطوير قواتها العسكرية ونشرها. \r\n \r\n ولا شك ان هذه التحركات تثير قلق جيران اليابان, خصوصاً اذا ما فقدت اليابان ثقتها بالضمانات الامنية الامريكية وقررت التوجه لبناء رادعها النووي بنفسها, اما امريكا فأنها تخشى من احتمال ان تسعى اليابان والصين الى اقامة تحالف استراتيجي بينهما بدلاً من اقامة علاقات فردية متوازية مع الولاياتالمتحدة. ومن اجل الحيلولة دون وقوع ذلك, ينبغي لواشنطن ان تتجنب, في جميع مناوراتها مع الصين والكوريتين, بذر بذور الشك لدى اليابان حول التزاماتها في المنطقة. \r\n \r\n الا ان اليابان, بمشاكلها الاقتصادية والسكانية المستمرة, غير قادرة لان تصبح مركزاً لاي نوع من ترتيبات النفوذ في آسيا. فهذا الدور مرصود للصين ومن بعدها الهند, ولهذا, فان العلاقة مع هذين العملاقين ضرورية لاية ترتيبات مستقبلية, ولا بد من الانخراط بشدة في تلك العلاقة رغم قناعة عدد من مسؤولي ادارة بوش بأن العلاقة لا بد ان تصبح, في النهاية, تنافسية بين الصين وامريكا. \r\n \r\n على الصعيد العسكري, تضع الولاياتالمتحدة كل رهانها على اكبر عملية لاعادة توزيع قواتها منذ نصف قرن, وكجزء من هذه العملية, تقوم الولاياتالمتحدة بفتح جبهة ثانية في آسيا. اذ ان التواجد العسكري الامريكي لم يعد مقتصراً على مجموعة القواعد الكبرى على الساحل الآسيوي للمحيط الهادي, انما قفزت باتجاه القلب الآسيوي عن طريق اقامة شبكة من قواعد صغرى للانطلاق في آسيا الوسطى, ظاهريا, تقول الولاياتالمتحدة ان الغرض من هذه القواعد هو خدمة الحرب ضد الارهاب, لكن المحللين الصينيين يشتبهون ان يكون الهدف غير المعلن وراء هذه القواعد هو احتواء الصين. \r\n \r\n من جانبها, تقوم الصين بتحديث قواتها العسكرية لتحسين فرصها في كسب النزاع مع تايوان ولبناء رادع ضد اي اعتداء امريكي. وتتركز الجهود العسكرية الصينية اليوم على مجابهة القدرات التقنية الامريكية العالية في مجالات شبكات المعلومات, وطائرات الشبح, وصواريخ كروز, والقنابل الموجهة. اما الامريكيون فيفسرون ضخامة الميزانية العسكرية الصينية بأنها دليل على عزم الصين على ازاحة الوجود الامريكي عن شرق آسيا. ومن هنا تركز واشنطن على استخدام الهند, المصممة على متابعة النمو الاقتصادي والعسكري, كمعادل للصين اضافة الى كونها واحدة من كبريات الدول الديمقراطية, ومن اجل اداء الدور الذي تريده منها امريكا, تحتاج الهند الى تسريع خطى الاصلاح الاقتصادي وتفادي التعصب القومي الهندوسي الذي يرعاه حزب بهاراتيا جاناتا الذي تعرض لهزيمة مذهلة في الانتخابات البرلمانية الاخيرة وقد تعهد مسؤولو حزب المؤتمر الفائز بمواصلة الاصلاح الاقتصادي وتلبية احتياجات الفقراء في المناطق الريفية. كما وعد مسؤولو حزب المؤتمر وهم في نشوة الفوز ان يزيدوا نسبة النمو الاقتصادي في الهند من ثمانية الى عشرة بالمئة. \r\n \r\n واذا لم يواصل حزب المؤتمر تقاليده العلمانية في الحكم, فانه لن يكون ذا فائدة للمخططات الامريكية الرامية الى مواجهة تأثير الاصوليين الاسلاميين, ومن الجدير بالذكر ان الايديولوجية الدينية التي تعارض جميع انواع الحكومات العلمانية لم تجتذب الا قطاعات محدودة من السكان المسلمين في الهند والدول الآسيوية المجاورة فقد جاءت نتائج الانتخابات البرلمانية في كل من اندونيسيا وماليزيا, على سبيل المثال, بحصيلة متدنية للاحزاب الاسلامية, لكن هذا لا يعني ان الاسلام الاصولي لم يعد يشكل خطراً على المنطقة فالحكومات الضعيفة والفساد المستشري يوفران الارضية الصالحة لنشوء الارهابيين وتدريبهم. وهناك ما يشير الى وجود شبكة مرنة من الجماعات الارهابية المختلفة في جنوب شرق اسيا تساعد احداها الاخرى في جمع الاموال وتنفيذ العمليات. \r\n \r\n وتشير استطلاعات الرأي الاخيرة الى زيادة التعاطف مع موقف الاصوليين الاسلاميين المعادي للامريكيين بسبب ما تقوم به الولاياتالمتحدة في العراق والدعم الذي تقدمه لحكومة اريئيل شارون في اسرائىل. ورغم ان كامل الاثر الذي تركته اساءة معاملة الامريكيين لسجناء »ابو غريب« لم يظهر بعد, الا ان الجاليات الاسلامية حول العالم غاضبة من تجاهل ادارة بوش لمصالح الفلسطينيين ومن المعلوم ان تسوية النزاع الفلسطيني - الاسرائيلي لن تضع نهاية للارهاب, لكن بوسع الولاياتالمتحدة ان تعزز مواقع المعتدلين في العالم الاسلامي عن طريق مزيج من التغيير في سياستها واتباع دبلوماسية فعالة, اذ لا يكفي الولاياتالمتحدة لكي تنشر اراء بديلة حول نواياها في الشرق الاوسط ان تقيم محطات الاذاعة والتلفزة في المنطقة, فمع وجود الاعداد الكبيرة من المسلمين المعتدلين في آسيا, ينبغي للولايات المتحدة ان تساهم بنشاط في ايجاد بدائل جذابة للاسلام الاصولي. \r\n \r\n ومن اجل مواجهة التحول العظيم في القوى الآسيوية تحتاج الولاياتالمتحدة الى استعداد كبير على مستوى الجهاز التنفيذي والكونغرس, اذ ينبغي للولايات المتحدة توفير الزعامات القادرة على وضع وتنفيذ الترتيبات الامنية الاقليمية على غرار الاتفاقية التي عقدت مع سنغافورة والتي توسع دائرة التعاون في مجال محاربة الارهاب وانتشار اسلحة الدمار الشامل, كما ان عليها ان تتبنى الاقتصادات المفتوحة والا كان عليها ان تواجه خطر العزل في الترتيبات التجارية المستقبلية. كما ان عليها ان لا تفرض سلفاً ان التنافس الاستراتيجي مع الصين امر حتمي لا مفر منه. \r\n \r\n على المستوى الدولي, يجب اعطاء القوى الآسيوية الصاعدة حجماً اكبر من التمثيل في المؤسسات المهمة ابتداء من مجلس الامن الدولي, اذ ينبغي لهذا المجلس ان يعكس الصيغة الجديدة للقوة العالمية وان لا يتوقف عند الدول التي انتصرت في الحرب العالمية الثانية, ويمكن قول الشيء نفسه عن غيره من المؤسسات الدولية. فقد تبنى رئيس الوزراء الكندي, على سبيل المثال, فكرة توسيع مجموعة الدول الثماني الصناعية الكبرى لتصبح مجموع الدول العشرين ولتضم عشر دول صناعية كبرى وعشر دول صاعدة على طريق اقتصاد السوق, ومن شأن هذا ان يدمج في مجموعة القرار الاقتصادي العالمية دولاً ذات كثافة سكانية كبيرة واقتصادات صاعدة. \r\n \r\n ان مصداقية وفاعلية الكيانات الدولية والعالمية تعتمد على مثل هذه التغييرات, فبدونها لن تكون قادرة على المساهمة في احلال اسلام بين الدول.0 \r\n \r\n عن مجلة »فورن افيرز« الامريكية