\r\n وكما كان متوقعاً، يوضح التقرير أيضاً أن نواقص الاستخبارات لن يتأتى حلها بمجرد تغيير مديري ال\"سي آي إيه\". فبحسب التقرير، أخفقت دوائرنا الاستخباراتية في أداء مهمتها كاملةً بخصوص مراقبة برامج الأسلحة العراقية، وقلّلت من أهمية الأدلّة التي تحدّت الافتراضات السائدة حول كون تلك البرامج ناشطة. ولم يقيّم المحللون على نحو حاسم مصادر معلوماتهم، بل حشدوا الأدلة لرسم الصورة التي أراد صنّاع السياسة أن يروها. \r\n \r\n فكيف يرد الرئيس \"بوش\" وإدارته على هذه النتائج؟ من غير المرجح أنه وإدارته سيفعلان الشيء الكثير. فعلى رغم كل شيء، اعترفت كل هيئة مستقلة تفحصت المعلومات الاستخباراتية في فترة ما بعد الحرب- بما فيها لجنة الرئيس \"بوش\" التي يرأسها \"برينت سكوكروفت\"- بضرورة إحداث تغييرات بنيوية جوهرية في دوائرنا الاستخباراتية. لكن البيت الأبيض بقي على سلبيته وعزف عن التطرق إلى المشكلات الحساسة. وتحجج الموالون للإدارة مراراً وتكراراً بأن التغيير البنيوي ليس ضرورياً لتحسين أداء الوسط الاستخباراتي، وهو ما يوفّر مبرراً مريحاً لإحجام البيت الأبيض عن التحرك. \r\n \r\n نظرياً، ربما تبدو الحجة المضادة للإصلاح الجذري معقولة. فمدير ال\"سي آي إيه\" لديه اليوم صلاحيات كافية على الورق ليتطرق إلى المسائل الكثيرة التي حدد التقرير ماهيتها، ومنها تقصير جامعي المعلومات والمحللين عن الاشتراك مع بعضهم بعضاً في المعلومات حول المصادر. \r\n \r\n لكن \"سي آي إيه\" من الناحية العملية واجهت صعوبةً في التحرر من ثقافة الاعتدال والوسطية. ففي سنوات عملي في الحكومة لدى \"سي آي إيه\" وغيرها، كان يقال لي مراراً وتكراراً إن المشكلات، التي تم الآن تحديد ماهيتها علناً في تقرير مجلس الشيوخ، سيتم حلها. وأتذكر الآن سنوات من المناقشات حول الرغبة في تكليف محللين \"يشتركون في تحديد المصادر\" وضباط عمليات للعمل على تحقيق الهدف نفسه- حرصاً على منحهم إمكانيات متكافئة للوصول إلى المعلومات حول المصادر. لكن في نهاية المطاف، لم يتم فعل شيء لتغيير الطرق القديمة في أداء العمل الأمر، الذي مهّد لحدوث الإخفاق بشأن العراق. \r\n \r\n والقصة على ما يبدو لم تتغير كثيراً. في فبراير الماضي مثلاً، قالت \"جامي ميسيك\" نائبة مدير \"سي آي إيه\" للمحللين، إن مشكلات التشارك في المعلومات سيتم تصحيحها في 30 يوماً. وها نحن الآن في يوليو ولم يحدث شيء. \r\n \r\n ومن الواضح أن من الضروري أن يتجاوز الإصلاح البنيوي نطاق خلق \"قيصر\" استخباراتي مستقل يشرف على شبكة التجسس الأميركية برمتها. فنحن نحتاج إلى وضع نموذج ل\"التشارك\" في الوسط الاستخباراتي، ونظائر لما حققه قانون \"غولدووتر- نيكولز\" بشأن الجيش الموحد منذ 18 عاماً، حيث جعل رئيس هيئة الأركان المشتركة المستشار العسكري الرئيسي للرئيس الأميركي، كما انتدب مختلف القيادات لتكون سلاسل القيادة العملياتية للقوات العسكرية الأميركية. \r\n \r\n وأحدث هذا التغيير تحسيناً حقيقياً في الأداء العسكري. فقبل صدور القانون، تميزت مهمات عسكرية حديثة وكثيرة بأنها ذات نتائج كارثية، ومنها مثلاً محاولة إنقاذ الرهائن في إيران، وقصف ثكنات المارينز في لبنان، والمشكلات العملياتية التي أصابت غزو غرينادا. \r\n \r\n وباعتبار أن قانون \"غولدووتر- نيكولز\" قضى بضرورة التعاون بين مختلف صنوف الأسلحة، شهدنا تحقيق نجاحات في بنما وعملية عاصفة الصحراء، وأداءً ميدانياً متميزاً لقواتنا في أفغانستان والعراق. \r\n \r\n وينبغي تطبيق هذا النموذج على الاستخبارات، وهو ما يعني الابتعاد عن البنية التنظيمية الراهنة المعرّفة في المقام الأول وفقاً لاتجاهات انضباطية وداخلية خاصة بالوكالة. (إدارة الاستخبارات في \"سي آي إيه\" مسؤولة عن تحليل كل المصادر؛ إدارة العمليات مسؤولة عن جمع المعلومات الاستخباراتية من خلال العناصر البشرية؛ وكالة الأمن القومي مسؤولة عن الاستخبارات الخاصة بالاتصالات. أي أن مجال الاختصاص والعمل شيء مقدس). \r\n \r\n لكن بدلاً من ذلك علينا تنظيم ونشر مصادرنا وفقاً للأهداف ذات الأولوية العليا بما فيها الإرهاب، وأسلحة التدمير الشامل، والصين والدول ذات الإشكالية في الشرق الأوسط. وبتركيزها على هدف معين، ستعتمد كل مجموعة على أشخاص ومصادر من كافة أنحاء الوسط الاستخباراتي. ومن شأن هذه المراكز الجديدة المستندة إلى المصادر أن ترفع تقاريرها إلى مدير جديد للاستخبارات القومية وليس إلى رؤساء الوكالات كلاً على حدة. وستعمل الوكالات الحالية في المقام الأول كمصادر توفّر الموارد والأفراد، أي على غرار عمل كل واحد من صنوف الأسلحة في الجيش بالنسبة إلى القيادات القتالية. \r\n \r\n ومن المؤكد أنه كانت هنالك بعض الخطوات نحو التعاون، ومنها أن مركز مكافحة الإرهاب، واستخبارات أسلحة التدمير الشامل، ومركز الحد من انتشار الأسلحة والانتشار النووي، وكلها مسؤولة أمام ال\"سي آي إيه\"، تظهر شيئاً من منطق تعاون كهذا. وعلى رغم أن مركز مكافحة الإرهاب لم يكن مشتملاً إلى حد كاف على تجميع المعلومات التي كانت ربما كفيلة بمنع وقوع هجمات 11 سبتمبر، فإن محلليه وعناصره العملياتيين كانوا على الأقل يركّزون انتباههم، وبطريقة متكاملة، على هدفهم. \r\n \r\n وعلى رغم ذلك، من الواضح أن وكالات الاستخبارات لا يمكنها التحرك نحو الشراكة من تلقاء نفسها. فهناك المعارك التي دارت بعد 11 سبتمبر بين مركز مكافحة الإرهاب، مركز تكامل التهديد الإرهابي، \"إف بي آي\" ووزارة الأمن الداخلي حول الأسبقية في تقييم التهديد الإرهابي، وهو ما يوحي بأننا تراجعنا في سعينا إلى التكامل. ومن جهته، لم يكن مركز الحد من انتشار الأسلحة مستقلاً عن آراء\"سي آي إيه\" إلى حد كفيل بتجنبه الانسياق إلى إجراء تحليل منقوص لترسانة الأسلحة العراقية. \r\n \r\n وسيتطلب إنجاز إصلاح حقيقي وجود قيادة قوية من الرئاسة والكونغرس. وهناك أعضاء مهتمون من كلا الجناحين في مجلس النواب و\"الكونغرس\" ويعملون على مقترحات الإصلاح الجدي، على رغم عدم وجود أحد يشجعهم على استنباط قانون على غرار قانون \"غولدووتر- نيكولز\" من أجل وكالاتنا الاستخباراتية. وفي هذا السياق، يكون افتقار إدارة \"بوش\" إلى روح المبادرة أمراً غير معقول ويتعذر تفسيره. \r\n \r\n وهناك أيضاً من يتحججون بأن الإصلاح الاستخباراتي ينبغي ألاّ يتم تبنيه في أثناء الموسم السياسي. لكنهم مخطئون، لأن هذا النوع من الإصلاح لا يمكن أن يحدث إلاّ في لحظة سياسية مشحونة. فنحن نحتاج إلى مناقشة شاملة وكاملة للمسألة في سياق حملة الانتخابات الرئاسية الراهنة بحيث يكون لدى الرئيس المقبل، كائناً من كان، تفويض بتحطيم البنية التنظيمية بغية إنقاذ حياة الأميركيين. \r\n \r\n فلينت ليفريت \r\n \r\n المدير الأعلى السابق لدائرة شؤون الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي الأميركي 2002-2003 \r\n \r\n يُنشر بترتيب خاص مع خدمة \"نيويورك تايمز\" \r\n \r\n