\r\n لو سئلت عما يريده شعبي اليوم لقلت: السلام اي نهاية الارهاب - ويريد العمل ايضاً. زميلتي الراحلة «جوديت سكالر» اعدت قبل رحيلها بقليل دراسة متأملة عن الهوية الاميركية . وليس من قبيل الصدفة ان هي اقامت هذه الهوية على دعامتين اساسيتين: الحق في الانتخاب والحق في العمل فالامريكيون لا يبخلون باستثمارتهم المهنية ولذلك فان اغلبيتهم تحبذ الاستفادة من نظام للتأمين الاجتماعي يغنيهم عن اللجوء الى شركات التأمين الخاصة عالية الكلفة. \r\n * ما هي الاولويات الاخرى التي يستمسك بها الاميركيون؟ \r\n - ليس من تطلعات اغلى عند الاميركيين من ان يتمكنوا يوماً من تسجيل اطفالهم في مدارس جيدة. ومن ان يروهم وهم يتسلقون درجات السلم الاجتماعي. قبل اسبوعين فقط رأيت بجامعة هارفارد اثناء توزيع جوائز نهاية السنة بعض طلابي مع آبائهم. \r\n ومعظم هولاء الآباء ينتمون الى الطبقة البرجوازية المتوسطة ذات الاصل الاجنبي. وكثيراً ما يتحدثون مع اطفالهم بلغة بلادهم الاصلية. \r\n غير انه على عكس ما يجري في انجلترا فلا احد يفكر في التعامل معهم كاطفال من اصل اجنبي او ينظر اليهم من الناحية الاجتماعية كاعضاء للنخبة الاميركية المستقبلية. \r\n * الصدمة القومية التي اعقبت الحادي عشر من ايلول هل اعادت في رأيك اللحمة الى المجتمع الاميركي الذي كان «وعاء الخلطة» فيه يعاني من ازمة حتى تلك اللحظة؟ \r\n - بالفعل كان «وعاء الخلطة» في اميركا يعاني بعض الشيء. ففي الولاياتالمتحدة كان اندماج الاقليات لا يخلو دوماً من الصدامات ومن الدموع! لكن هذا الاندماج كان يحدث في النهاية على اي حال. \r\n ففي بلادنا المتميزة بنظام لا مركزي قوي استطاعت الكثير من الولايات بحكم صلاحياتها الواسعة ان تنجز الكثير من العمل الجيد الثمين. \r\n فالارضية مهيأة اذن منذ فترة طويلة. وهكذا فمن بين كافة المشاكل التي تعاني منها الولاياتالمتحدة فان مشكلة العلاقات ما بين الطوائف هي اقلها تعقيداً منذ عهدة بيل كلنتون الاولى. \r\n صحيح ان السوء ما يزالون يواجهون العديد من الصعاب. ففيما يتعلق بالرفاه المادي والمالي فهم لا يزالون اقل حظاً من الطوائف الاخرى لكن هناك مؤشرات مشجعة حتى في قلب اكثر تجمعاتهم عوزاً وحرماناً! فالولاياتالمتحدة تشهد تشكلا تدريجياً لبرجوازية سوداء الى جانب ظهور برجوازية لاتينو اميركية ايضاً. ناهيك عن ان جزءاً كبيراً من السود ومن اللاتينو اميركيين في طريقهم نحو اندماج ناجح في المجتمع الاميركي على خلاف ما تراه اكثر التقديرات تشاؤماً! \r\n * هل ترفض كل تشاؤم؟ \r\n - كنت دوماً اكثر تفاؤلاً من زميلي صامويل هونتنغتون في ما يتصل بالهوية الاميركية. \r\n وانا اكثر تفاؤلاً منه ايضاً في ما يتعلق بمستقبل بوتقته المتعددة الاعراق. ربما يأتي تصوري هذا من اصولي النمساوية ومن تربيتي الفرنسية. من مقومات اميركا القوية ان كل اقلية من اقلياتها المتعددة تحس بشخصيتها الاميركية احساساً كاملاً مع احتفاظها بصلة مميزة مع بلادها وثقافتها الاصلية، اني ارى من المضحك والسخيف ان ندعو اليوم لعودة الاميركيين الى اصولهم الانجلو سكسونية الخالصة. فاميركا امة متعددة الاجناس منذ زمن طويل ولم تعد انجلو سكسونية كما كانت في عهد الآباء المؤسسين \r\n * الكثير من الفرنسيين ينظرون الى الولاياتالمتحدة كتراكم لمجتمعات منغلقة على نفسها. \r\n هذه فكرة خاطئة! فكم حاول اللاتينيون ان يعلنوا مواقفهم في بعض القضايا «كوبا مثلا» بموجب اصولهم اللاتينو اميركية لكن هذا لا يساوي على الاطلاق اي نزعة سياسية انضمامية «الى الوطن الاصل» بقدر ما هي تعبير عن تعاطف كالذي يحس به الاميركيون من اصل ايرلندي تجاه قضية ايرلندا الشمالية. وفضلاً عن ذلك فلم تتوان هذه الجماعات الاثنية (العرقية) عن المبادرة بمساهمتها في التعبئة الوطنية ضد مخاطر الارهاب بعد الحادي عشر من ايلول واثناء الحرب على العراق. فهل من دليل انصع واسطع من انتماء هذه الشعوب الى اميركا؟ \r\n * ما هو اكبر شرخ في المجتمع الاميركي؟ \r\n - لعله الانقسام الحالي العميق جداً ما بين الجمهوريين والديمقراطيين والذي يهدد بتحويل الانتخابات الرئاسية الى استفتاء على جورج بوش وعلى سياسته الخارجية. \r\n فالاغلبية من الديمقراطيين تنتخب الدبلوماسية التي نادى بها في «مذكراته» مستشار الرئيس الاسبق جيمي كارتر للامن القومي زبنييف بريجنسكي في «الخيار الهيمنة او الزعامة». \r\n لكن هناك شروخاً ايضاً ما بين اليمين واليسار حول قضايا السياسية الداخلية. فعلى الرغم من ان الخلافات حول القضايا الاقتصادية ما بين اليمين واليسار تبدو وقد تلاشت ا حياناً فان وجهات نظر الجمهوريين في مجال السياسة الداخلية متباينة كل التباين مع وجهات نظر الديمقراطيين. فالجمهوريون متمسكون بالسياسة الامنية التي يقوم جزء كبير منها على استثمار هوس المخاطر الدولية. فهم لا يترددون عند الاقتضاء في تقليص الحريات العامة. اما الديمقراطيون فلا هوس عندهم غير انحطاط وتدهور الخدمات العامة ومصير الاربعين مليوناً من مواطنيهم المحرومين من الغطاء الاجتماعي. \r\n اما خارج هذا الشرخ ما بين اليمين واليسار فإني ارى الحفرة العميقة التي ما فتئت تتسخ وتفصل ما بين نخب واشنطن القيادية وما بين الرأي العام الاميركي. \r\n * هل لك ان توضح لنا ذلك؟ \r\n - ان قطاعاً واسعاً من الجمهور الاميركي يتابع عن كثب نشرات الاخبار التي تقدمها قناة غاية في الشوفينية الا وهي «فوكس نيوز» التي لا تسهل فك رموز الرهانات الكبرى في السياسة الخارجية. \r\n ولذلك فإن التمسك التلقائي للعديد من الاميركيين بحظوة القلم الاميركي يناقضه تحفظهم في تأييد بلادهم على الدخول في حروب تكلفة للدفاع عن الديمقراطية في اركان الدنيا. \r\n فالشعب الاميركي مرتاب جداً. في حظوظ نجاح الديمقراطية في العالم العربي في المدى المنظور على الاقل ان جزءا من نخب واشنطن من الديمقراطيين على طريقة كيري يريد ويفضل الاستمرار في استثمار كافة الوسائل من اجل الحفاظ على دور اميركا كقوة عظمى بلا جدال حتى وان اقتضى ذلك كما اشار اليه بريجنسكي الرجوع الى عهد التحالفات كما كان الشأن ما بين 1945 وحرب الفيتنام. \r\n وحتى وان اقتضى ذلك ايضاً التراجع عن الحرب الوقائية . غير ان مفهوم الزعامة هذه حتى وان كان مختلفاً عن تصور بوش لهذه الزعامة فانه يشاطره قناعته الاساسية في كون ان «اميركا تظل الامة الضرورية لحل مشاكل العالم». \r\n * الاميركيون كما يعتقد العديد من المثقفين الفرنسيين شعب تحركة خلفية من الاصولية الدينية . هل هو وهم في الرؤية؟ \r\n - الطوائف المسيحية والانجيليون الخ الذين ما فتئ وزنهم ينمو بالفعل في المجتمع الاميركي لا يملكون اي التزام خاص في مجال السياسة الخارجية باستثناء اقلية قليلة ذات النزعة الدينية الاخروية «اي الغيبية» المؤمنة ب «اسرائيل الكبرى». \r\n اذن لا بد من رفض نظرة الصحافة الفرنسية الغيبية التي تقرن هذه الحركات الطائفية والكاريزماتية بفلسفة المحافظين الجدد التي ليست في جوهرها سوى حركة تطوعية سياسية علمانية يحكمها «تناذر ويلسن» وصليبية العالمية من اجل الديمقراطية. \r\n فالطوائف الدينية المسيحية المتشددة والغامضة ليست في رأيي سوى تعبير عن ثورة ضد الموروث الثقافي الذي كان سائداً في الستينات من القرن الماضي. فحماستهم تتجلى بوضوح في ما يصنعونه من دعاية ضخمة للعودة الى العادات التقليدية وادانة الاجهاض والجنوسة او ايضاً الكفاح من اجل هيمنة الدين على السياسة. \r\n \r\n