فمن انتخب أوباما هم المواطنون الأمريكيون.. البيض قبل السود.. البورجوازيون قبل الفقراء. الذين انتخبوا أوباما هم من اكتووا بنار سياسات سابقة العنصرية والدموية.. أسود بالبيت الأبيض.. الأسود رئيساً.. لأول مرة رئيس أسود للولايات المتحدة.. فوز المرشح الأسود.. الأمريكيون يختارون أسود رئيساً.. الأسود في البيت الأبيض.. السود من العبودية إلي البيت الأبيض.. هذه بعض عناوين المقالات والأعمدة والتغطيات الصحفية بعد فوز باراك أوباما برئاسة الولاياتالمتحدة.. وهي تدل كما نري أن الذهنية العنصرية ليست في مجتمع مثل الولاياتالمتحدة الذي يمثل السود فيه 13% من مجموع الهيئة الانتخابية، ولكن في مجتمع مثل مصر نتحدث ليل نهار عن المواطنة والمساواة والشعارات الكبري.. إن فوز باراك أوباما يمثل بحق التقدير الواجب للديمقراطية التي ترمي إلي معاملة الناس جميعاً علي قدم المساواة.. فقد كتب المنظر القانوني الإنجليزي جيرمي بنتهام "يجب أن يعد كل فرد علي أنه واحد ولا أحد علي أنه أكثر من واحد".. وذلك في مهاجمته للرأي الارستقراطي القائل بأن حياة بعض الناس أكثر قيمة في جوهرها من حياة الآخرين".. إن مبدأ المساواة لا يقتضي فحسب أن تراعي سياسة الحكومة مصالح الناس علي قدم المساواة، بل يجب أن تؤخذ آراؤهم واختياراتهم أيضاً في الحسبان علي قدم المساواة.. فلنتذكر أحد أهالي أثينا في إحدي مسرحيات أوربيدس حينما قال "إننا لا نعطي سلطة خاصة للثراء، فصوت الفقير له نفس السلطان".. فنجاح باراك أوباما.. هو نجاح لحلم الدفاع عن الحقوق المدنية والسياسية لكل المواطنين الأمريكيين بكل الأصول والأعراق والألوان، بل والانتماءات التي أغرقنا أنفسنا بها.. فهذا يميني وهذا يساري وهذا يمين الوسط وذاك يسار الوسط وآخر وسط الوسط.. الخ.. إنها الأكذوبة الكبري التي كشفها نجاح أوباما الأمريكي الذي قال "لن أكون رئيساً يتسم بالكمال ولكنني أستطيع أن أعدكم بأنني سأكون صادقاً وأقول ما أفكر به".. هذا الأوباما لم يكن وليد اليوم أو الأمس بل وليد نصف قرن من تمتع الملونين بالحقوق المدنية والسياسية.. إن ما حدث في أمريكا لا يمثل ثورة كما يدعي البعض، ولا يمثل نقلة في تاريخ أمريكا، بل إنه يجسد العافية التي يتمتع بها أي مواطن في مجتمع ديمقراطي لا تعلو فوق صوت حصانته الفردية واختياراته أية أصوات.. ومثلما قال أوباما نفسه.. "لا توجد ولايات حمراء وزرقاء فأمريكا موحدة" وذلك تعليقاً علي تغير الناخبين بألوانهم من اللون الأحمر في إشارة للجمهوريين إلي اللون الأزرق للديمقراطيين بعد الظفر بولايات كانت تعد من الحصون الرئيسية للجمهوريين ومضمونة انتخابياً.. ولنقرأ معاً هذه العبارات.. تقول سيترا دبوي زميلة أوباما بالمدرسة الابتدائية باندونيسيا.. "إنني لم أتخيل يوماً أن يتحول أوباما الذي كان يجلس بجانبي في المدرسة إلي زعيم الدولة العظمي في العالم".. وتضيف.. "كان أوباما طفلاً عادياً كأقرانه من الاندونيسيين في المدرسة الابتدائية". هذه هي دلالات المجتمع الديمقراطي القادر علي تصحيح أخطائه دون وصاية أو شعارات بل بالضمير الجمعي للأمة التي تتحرك بدوافع إنسانية محضة من أجل التطوير والتقدم وليس بشعارات بوش الكاذبة من أجل مكافحة الإرهاب ونشر الديمقراطية والذي تبني فيها فلسفة الشعارات الكاذبة والجوفاء التي تخصص فيها الشرق عبر عقود طويلة ونجح في تصديرها للزعيم جورج دبليو بوش.. الذي ارتدي طوال الثماني سنوات أقنعة الكذب الديكتاتوري عربية الصنع.. فمن انتخب أوباما هم المواطنون الأمريكيون.. البيض قبل السود.. البورجوازيون قبل الفقراء. الذين انتخبوا أوباما هم من اكتووا بنار سياسات سابقة العنصرية والدموية.. من انتخبوا أوباما من عانوا عملياً من آثار سياسات سابقة.. فحسب القول المأثور الذي شاع في أثينا.. "الإسكافي هو الذي يصنع الحذاء.. ولكن لابس الحذاء هو وحده الذي يستطيع أن يدل علي الموضع الذي يعض فيه علي قدمه" وعامة الناس هم من يعانون آثار السياسات وهم أيضاً القادرون علي تجاوزها باختيارات أخري عبر قنوات فعالة ومتساوية التأثير والضغط.. حتي تجيء لحظة الانتخاب والتي اختار فيها الأمريكيون أوباما.. لم يكن اختياراً له علاقة بأسود أو أبيض.. فمن قبل ذلك نجح أوباما وتجاوز منافسيه في الحزب الديمقراطي من البيض واختاروه مرشحاً عنهم، انطلاقاً من مبدأ لا فرق بين أبيض أو أسود.. فأوباما الذي قال في خطابه الأخير والأثير في مدينة شيكاغو".. أنا لست رئيس الديمقراطيين فقط.. أنا رئيس الديمقراطيين والجمهوريين.. السود والبيض.. والهسيانو والشواذ والمعاقين.. إن أمريكا تقول للعالم لسنا مجرد مجموعة من الأفراد والأخلاط.. لكننا الولاياتالمتحدةالأمريكية".. هو نفسه الذي قال.. "ما فعلناه اليوم قد أتي لأمريكا بالتغيير.. ويوجه خطابه للمواطنين الأمريكيين.. لن أنسي من الذي حقق هذا النصر.. إنه أنتم".. هكذا كانت رحلة فوز باراك أوباما للفوز بمنصب رئيس الولاياتالمتحدةالأمريكية.. هكذا جسد أوباما ومجتمعه ومواطنوه فلسفة المواطنة والمجتمع المفتوح دون مزايدة أو شعارات جوفاء أو خطب عصماء أو تحليلات من استراتيجيين ومحللين مثل الذين يملأون صحفنا وإذاعاتنا وتليفزيوناتنا علي طول المحيط والخليج.. إنه فقط نجح بالمواطنين البسطاء الذين قاوموا العنجهية والعنصرية وراحوا يبحثون عن بلاد الإخاء والمساواة التي كتبت في دستورهم وتربوا عليها في بيوتهم ومدارسهم ونقاباتهم ونواديهم وجمعياتهم دون دروس عصماء من ذوي الياقات البيضاء.. فهل وعينا الدرس.. وهل أدركنا الفرق.. وهل سنحلم بالتغيير.. .. وأخيراً.. فلنتذكر هذا الشاب شارلز ذا السبعة عشر عاماً.. الذي سئل.. لماذا ترتدي تي شيرت يحمل صورة مارتن لوثر كينج الليلة؟.. فرد.. أنا أشجع باراك أوباما.. وقد كان لكينج حلم ولأوباما حلم أيضاً.. إنه نفس الحلم.. أنا أشجع الحلم".. فهل سنظل نحن نشجع الحلم.. أم فقط نصدر مانشتات مثل تلك التي تصدرت المقال.. فهل الأسود رئيساً أم صاحب الحلم..