استقرار نسبي بأسعار اللحوم في أسوان صباح 22 نوفمبر 2025    أسوان – أسعار الحديد تسجّل تراجعًا جزئيًا صباح 22 نوفمبر 2025    أمريكا تسجل أول حالة وفاة بسبب سلالة نادرة من إنفلونزا الطيور    دميترييف: خطة واشنطن للسلام تهدف لوقف خسائر أوكرانيا    منافسات قوية في دوري المدارس    ليفربول في ورطة.. عقد صلاح يقترب من نهايته والعروض السعودية تضغط بقوة!    اليوم.. محاكمة 6 متهمين بقضية "خلية مصر الجديدة"    محاكمة رمضان صبحى فى قضية تزوير محررات رسمية.. اليوم    تحذير من الأرصاد: شبورة كثيفة تصل لحد الضباب وتخفض الرؤية على الطرق الرئيسية    تخفي وراءها أمراضا قاتلة، خبراء أعصاب يحذرون من مخاطر نوبات الضحك غير الطبيعية    استقرار مؤقت ل أسعار الذهب اليوم 22 نوفمبر في سوق الصاغة.. تفاصيل    عمرو أديب: هو إحنا مانعرفش نعمل انتخابات بما يرضى الله.. اجعلوها شريفة عفيفة    دافع عن خطيبته من متحرش.. فشوه المتهم وجهه وجسده بساطور    تعريفة ثابتة ولون موحد للمركبات البديلة للتوك توك قريبًا.. تفاصيل    حين صدحت مصر بصوتها.. حكاية «دولة التلاوة» كما رواها الناس    انخفاض كبير بأسعار الفراخ إلى 56 جنيهًا للكيلو ومنتجي الدواجن يطالبون بوقف استيراد المجمد    سارة الشامي بفستان كلاسيكي أنيق في ختام مهرجان القاهرة السينمائي    الكشف الطبي على 5 أطفال في واقعة التعدي عليهم داخل مدرسة دولية بالسلام    ضباب وشبورة كثيفة.. «الأرصاد» تحذر من الساعات المقبلة    الاتحاد الأوروبى يدعو طرفى القتال فى السودان لاستئناف المفاوضات    «يوميات ونيس».. العمل الذي صنع ذاكرة جيل ورسّخ قيم الأسرة في الدراما المصرية    بعد تصديق الرئيس.. تعديلات قانون الإجراءات الجنائية نقلة حقيقية في ملف حقوق الإنسان    برنامج «دولة التلاوة» يعيد لمة العيلة المصرية على شاشة واحدة    فلسطين.. جيش الاحتلال يقتحم حي الضاحية في نابلس شمال الضفة الغربية    بيسكوف: مستوى اتصالات التسوية بين موسكو وواشنطن لم يحدد بعد    المرأة العاملة| اختيارها يحمي الأسرة أم يرهقها؟.. استشاري أسري يوضح    رئيس المدينة اكتشفه بالصدفة، هبوط أرضي مفاجئ أمام مستشفى ميت سلسيل بالدقهلية (صور)    صافي الأرباح يقفز 33%| بنك البركة – مصر يثبت قوته المالية    محمد التاجي: لولا تدخل السيسي ل"طبل" الجميع للانتخابات وينتهي الأمر دون كشف التجاوزات    حدد الموعد، رئيس الاتحاد الفرنسي يتحدث عن اقتراب زيدان لتدريب منتخب الديوك    أبرزها وظائف بالمترو براتب 8000 جنيه.. «العمل» توفر 100 فرصة للشباب    تطورات مثيرة في قضية سرقة عصام صاصا للحن أغنية شيرين    التوقعات السامة| خبيرة أسرية توضح كيف تحول الزواج لعبء على المرأة    استشارية: خروج المرأة للعمل لا يعفي الرجل من مسؤولية الإنفاق أبدًا    عضو "الشؤون الإسلامية" يوضح حكم التعامل مع الدجالين والمشعوذين    محمد موسى يهاجم الجولاني: سيطرتك بلا دور.. والسيادة السورية تنهار    شيكو بانزا يوضح سبب تأخر عودته للزمالك    مداهمة مفاجئة تكشف الإهمال.. جمعية زراعية مغلقة وقرارات حاسمة من وكيل الوزارة    الصورة الأولى لعروس المنوفية التي لقيت مصرعها داخل سيارة سيارة الزفاف    اتحاد الكرة يعلن حكام مباريات الأحد في الدوري الممتاز    مارسيليا يتصدر الدوري الفرنسي مؤقتا بفوز ساحق على نيس    ترامب: نعمل مع لبنان لتحقيق السلام في الشرق الأوسط ونمارس ضغوطًا لنزع سلاح حماس    مصطفى حجاج يكشف حقيقة الخلاف بينه وبين هاني محروس    محمد أبو سعدة ل العاشرة: تجميل الطريق الدائري يرتقى بجودة حياة السكان    صلاح بيصار ل العاشرة: أحمد مرسي علامة كبرى في الفن والأدب السريالي    أحمد حسن يكشف أسباب عدم ضم حجازى والسعيد للمنتخب الثانى بكأس العرب    محلل أداء الأهلى السابق: الفريق استقبل أهدافا كثيرة بسبب طريقة لعب ريبيرو    أخبار × 24 ساعة.. السياحة: 1.5 مليون سائح ألمانى زاروا مصر منذ بداية 2025    مسئول إسرائيلى: سنحصل على الشرعية لنزع سلاح حماس إذا لم ينجح الأمريكيون    11727 مستفيدًا في أسبوع سلامة الدواء بالمنوفية    رئيس جامعة المنيا يناقش إعداد الخطة الاستراتيجية للجامعة 2026–2030    نصر عبده: إعادة الانتخابات تصحح الصورة الدولية.. ومصر تأتي ببرلمان يريده الشعب    جعجع: لبنان يعيش لحظة خطيرة والبلاد تقف على مفترق طرق    عالم بالأوقاف: الإمام الحسين هو النور المكتمل بين الإمامة والنبوة    البابا تواضروس الثاني يلتقي مقرري اللجان المجمعية    شوقي علام حول التعاملات البنكية: الفتوى الصحيحة تبدأ بفهم الواقع قبل الحكم    «الزراعة» تواصل حملاتها لحماية الثروة الداجنة    جامعة بنها ومؤسسة حياة كريمة ينظمان قافلة بيطرية بمنشاة القناطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الولايات المتحدة أقل بياضًا
نشر في الشروق الجديد يوم 19 - 08 - 2010

مزاج أمريكا ليس فى أفضل أحواله. لن تختلف آراء كثيرة حول هذا التقويم لحال أمريكا الآن. المقصود بشكل عام هو الميل الواضح والمتزايد بين الجمهور الأمريكى للتشاؤم واهتزاز الثقة بالمستقبل وكلاهما من الظواهر الجديدة فى أمريكا. والمقصود بشكل خاص هو الميل الواضح والمتزايد أيضا بين المنتمين إلى ما يسمى بتيارات الوسط فى أمريكا، وبخاصة يمين الوسط نحو يمين أشد تطرفا.
ينعكس هذا الميل فى أشكال أهمها، ولعله أخطرها، انتعاش الأفكار والممارسات العنصرية. ليس هذا حكما يردد أصداء الحملة ضد إقامة مركز إسلامى فى مكان قريب من موقع بنايتى مركز التجارة العالمية اللتين دمرتا فى 11 سبتمبر 2001، ولكنه حصيلة متابعة لتصرفات أعداد متزايدة من المواطنين الأمريكيين تجاه الأجانب عموما والمهاجرين خصوصا.
نستطيع بسهولة أن نجد أسبابا، ولا أقول مبررات، للتحول الجارى فى المزاج الأمريكى، أعرض منها على سبيل المثال وبإيجاز خمسة:
أولا: تركت الأزمة المالية والاقتصادية العنيفة آثارا مهمة فى الاقتصاد الأمريكى، وآثارا خطيرة على «النفس الأمريكية» والعلاقات داخل المجتمع. يكفى كنموذج الأثر المترتب عن اكتشاف الأمريكيين هشاشة نظامهم المصرفى وخيبة أملهم فى حكمة النخبة السياسية الحاكمة وفى عبقرية المسئولين عن الاقتصاد من أكاديميين وأباطرة المال والأعمال.
ثانيا: فى الوقت نفسه، كان الأمريكيون يكتشفون حقيقة أذهلتهم وهى أن إمكاناتهم وثرواتهم ليست لا نهائية، وبالتالى فإن الوضع الجيوستراتيجى الذى تمتعت به الولايات المتحدة لم يعد استثنائيا، وأن حلم المستوطنين الأوروبيين عن «المدينة فوق التل» تحققه الآن شعوب عديدة. تعددت فى وقت قصير جدا المؤشرات التى تؤكد هذه الاكتشافات وتدفع الرأى العام الأمريكى نحو الاقتناع بأن أمريكا «المثالية والمعجزة والاستثنائية» تتطور أو تنحدر إلى مكانة «الدولة الكبيرة العادية».
ثالثا: «لم يتصور الأمريكيون يوما أن حربا يقررون شنها أو الدخول فيها تبقى مشتعلة وغير محسوم مصيرها عقدا كاملا. لا مغزى للوضع الذى تجد أمريكا نفسها فيه فى أفغانستان سوى أن هذه الدولة «الأعظم والفائقة القدرات المادية» ليست قادرة على فرض الهزيمة العسكرية على «عدو من عامة الأمم» ولم تعد قادرة على إنهاء حرب بطرق أخرى. وعلى صعيد آخر، يوجد من يفسر تردد أو ارتباك الرئيس أوباما فى التعامل مع إيران، بأنه يخفى عجزا أمريكيا واضحا فى الاستخدام الأمثل لعناصر القوة الرخوة لإجبار إيران على التراجع عن سياساتها النووية أو تغيير الحكم فيها، وأنه بذلك السلوك المرتبك تتشجع إسرائيل وتوابعها من المحافظين الجدد على حشد الرأى العام لشن حرب ضد إيران.
رابعا: شعور متزايد لدى الجماعة الأمريكية ذات الأصول الأنجلو سكسونية بأن أمريكا تغير لونها وبسرعة مخيفة. هذه الجماعة، أو تيارات مؤثرة فيها، كانت فيما مضى تخاف من الزيادة الطبيعية فى مواليد السود الأمريكيين قبل أن يتبين لها أن هذه الزيادة لن تغير جذريا لون أمريكا. اطمأنت الجماعة الأنجلو سكسونية وقتها إلى أن لغة البيض ستبقى اللغة السائدة وكذلك عقائدهم الدينية وريادتهم الاجتماعية والسياسية.
دعم هذا الاطمئنان أن سباقات القوة والمنافسات الدولية كانت تجرى غالبا بين بيض وبيض، حتى الحروب الأعظم وآخرها الحرب الباردة دارت بين البيض. اختلف الأمر واختل اطمئنان الرجل الأبيض بعد أن تجاوز الصعود الآسيوى كل التوقعات وبخاصة حين فقد الغرب حق الانفراد بتسيير دفة الاقتصاد العالمى واستغلال مواقع الثروة والمواد الخام فى أفريقيا وأمريكا اللاتينية. واختل اطمئنانه مرة أخرى حين أدرك أن اللغة الإسبانية أزاحت اللغة الإنجليزية فى عدد من الولايات الأمريكية.
خامسا: أدى حصول باراك حسين أوباما على منصب رئيس الجمهورية إلى انكشاف أركان «العنصرية» الكامنة فى أيديولوجية وسلوكيات فئات مهيمنة فى الولايات المتحدة. رجل ملون فى منصب مخصص عرفا للرجل الأبيض. الآن أصبح الكابوس واقعا ملموسا وتكراره جائز، والأهم هو أنه فتح الباب أمام فيض من الملونين الطموحين والراغبين فى الوصول إلى قمة الطبقة الحاكمة بعد أن زودت نفسها بالمال والعلم، وكلاهما كانا فى صدارة مسوغات الرجل الأبيض ليهيمن ويحكم.
لفت انتباهنا فى الآونة الأخيرة مقالات تنشرها صحف أمريكية ومحاضرات تلقى فى مؤتمرات واجتماعات معبأة بشعارات تدعو للعودة إلى «أمريكا: وطن الرجل الأبيض». يبدو أن أصحاب هذه المقالات والمحاضرات انتهزوا المزاج الجديد فى أمريكا ليصنعوا تيارا عاما يجذب إليه قطاعا من المحافظين وبخاصة من داخل الحزب الجمهورى. ويغرس انقساما داخل الحزب الديمقراطى.
هؤلاء ينتظمون تحت لواء حركة «حفلة الشاى» وهى الحركة التى بدأت متواضعة ومحدودة الأثر وانتهت قوة مؤثرة فى الحياة السياسية. بدأ هؤلاء يركزون على إحصائيات تثبت أن الأمريكيين من أصول إسبانية لاتينية، وأغلبهم قادمون كمهاجرين شرعيين وغير شرعيين من أمريكا الجنوبية، صاروا يشكلون أقلية كبيرة فى المجتمع الأمريكى. كانوا حتى وقت قريب أغلبية فى أربع ولايات، والآن هم الأغلبية فى 10 أو12 ولاية. وتقرر معظم الدراسات المتخصصة أن الأمريكيين من أصول أنجلو سكسونية، أى الأمريكيون البيض، سيصبحون أقلية لا تزيد على 30% من سكان الولايات المتحدة بحلول عام 2040، أى خلال ثلاثين عاما فقط.
ذكرت أن عديدا من المؤشرات تشير إلى أن المتشددين الأمريكيين من أصول بيضاء متأثرون بالمزاج الأمريكى الراهن، بالإضافة إلى أن بعضهم مقتنع بأن مؤامرات دولية، دينية وعرقية وسياسية، تحاك ضد الولايات المتحدة. هذه المؤشرات وغيرها تضغط الآن بشدة على حكومة واشنطن وحكومات الولايات لاستصدار التشريعات اللازمة لمنع تفاقم الزيادة فى نسبة الملونين على حساب نسبة المنحدرين من أصول أوروبية، فكان أن أصدرت حكومة ولاية أريزونا قانونا يقضى بطرد المهاجرين غير الشرعيين ويشجع على التحرش بالمهاجرين كافة، وأصدرت حكومة واشنطن تشريعات تزيد أحكام الرقابة على حدود أمريكا مع المكسيك والسعى لعدم تسجيل مواليد الزوار والسياح والمهاجرين غير الشرعيين كمواطنين أمريكيين.
لا أرى نهاية قريبة لحملة المتشددين البيض ضد المهاجرين من أصول لاتينية بل أراها مرشحة للتوسع والتطرف والتمدد لتشمل المهاجرين من بلاد إسلامية ومن الشرق الأوسط باستثناء إسرائيل. صعب أن نقتنع بأن اللغة العنصرية المتطرفة التى صيغت بها الحملة ضد إقامة مركز ثقافى إسلامى فى نيويورك بعيدة عن التصعيد العنصرى ضد المهاجرين اللاتينيين من الجنوب. صعب أيضا أن نناقش الحملتين وأهدافهما بعيدا عن التصعيد الهائل فى أنشطة الجماعات الموالية لإسرائيل والاستعدادات فى أجهزة إعلام الحزب الجمهورى لتحطيم صورة أوباما قبل حلول موعد انتخابات النصف.
هناك من يغرس فى عقل الرجل الأبيض فى أمريكا أن المسلمين يزحفون من الشرق واللاتينيين يزحفون من الجنوب وأنه فى القرن الثانى والعشرين ستتوحد الأمريكتان فى كيان لاتينى واحد، بينما يكون للأوروبيين المنحدرين من أصول إسلامية حق المشاركة فى صنع ثقافة جديدة لأوروبا.
سعة خيال أم تخوف من مؤشرات على أرض الواقع أم محاولة لمنع تكرار ظاهرة أوباما.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.