\r\n بحيث يتم تبني أي قرار اذا وافق عليه نصف الدول التي يمثل عدد سكانها 60% من مجموع عدد السكان. لكن مثل هذه الآلية كانت ستؤدي الى فقدان اسبانيا وبولندا مكانتهما كدول شبه كبيرة، لذلك فإنهما رفضا الدستور الاوروبي القائم على اساس الاتفاقية الاوروبية وانتهت قمة بروكسل دون التوصل الى اقرار دستور، وايضا تحديد اي جدول زمني قادم للبحث فيه. \r\n \r\n لكن لم يعد من المجدي اليوم تحديد المسئولين عن ذلك الفشل، فهم كثيرون، وليس أقلهم مسئولية عدم فعالية الرئاسة الايطالية وغطرسة هؤلاء واولئك. مع هذا كانت الازمة شبه ضرورية اذ كان تبني اية مصالحة من دون نقاش معمق يعني سلوك طريق لا مستقبل له. لقد كانت ازمة عميقة لم تعرفها اوروبا الموحّدة منذ عام 1965 عندما اصطدمت فرنسا مع الدول الاعضاء الخمس الاخرى حول اوروبا الزراعية» أي حول السياسة الزراعية للبلدان الاوروبية. \r\n \r\n وما يؤكده مؤلف هذا الكتاب هو ان الاوروبيين لم يعودوا متأكدين تماماً بانهم يريدون ان يعيشوا معاً في الوقت الذي يتسع اطار الاتحاد الأوروبي كي يضم خمساً وعشرين دولة أوروبية، بل إن درجة الشقاق لا سابق لها. واوروبا تدخل المغامرة الجديدة وهي غير مزودة بآليات قرار فعّالة وديمقراطية ودون جدول زمني محدد وأفق واضح. فهل يمكن لهذه الازمة ان تؤدي الى بّر الامان وان تكون بمثابة دفة انقاذ؟ \r\n \r\n إجابة مؤلف هذا الكتاب هي نعم، ولكن شريطة ان يكون رؤساء الدول والحكومات قادرين على القيام بانتفاضة سياسية وان يشيدوا الاساس الدستوري الذي تحتاجه اوروبا. \r\n \r\n وهذا يتطلب تجنّب خطأين فادحين، الاول هو صرف الاول النظر بشكل كامل عن عمل اللجنة التحضيرية لصياغة الدستور، والخطأ الثاني هو عدم الاستفادة من الوقت من أجل تحسين المشروع الدستوري الحالي. \r\n \r\n تجربة فريدة \r\n \r\n يشير مؤلف هذا الكتاب الى انه كان المفاوض الفرنسي الرئيسي اثناء قمة نيس بوصفه كان وزيراً للشئون الاوروبية آنذاك، ثم قام بتمثيل فرنسا في اطار اللجنة التحضيرية لصياغة الدستور الاوروبي منذ شهر فبراير وحتى شهر نوفمبر 2002 حيث حل مكانه فيليب دو فيلبان بعد فوز الرئيس جاك شيراك في الانتخابات الرئاسية ووجود غالبية يمينية في الجمعية الوطنية الفرنسية. \r\n \r\n ولا يتردد مؤلف هذا الكتاب في الاعلان بأنه كان اثناء سنوات تمثيله لبلاده في مختلف المؤسسات الاوروبية بمثابة عنصر فاعل ولكن كان شاهداً أيضاً على أن اوروبا قادرة على أن تقوم بأفضل الاعمال وبأسوأ التصرفات ايضا. هكذا يتم التأكيد على أن طريقة العمل الحكومية العمل الحكومي المشترك تنقصها الشفافية كما بدا من خلال العديد من المواقف. اما اللجنة التحضيرية الاوروبية لصياغة الدستور فإنها كانت النموذج الاكثر ديمقراطية والاكثر انفتاحاً لتحضير دستور في تاريخ البناء الاوروبي كله. \r\n \r\n انها صححت جميع عيوب العمل الحكومي المشترك، او تقريباً جميعها، فحيث كان هذا العمل يجري في اطار السرية فإنها تحرّكت في وضح النهار فنقاشاتها تحت قبة البرلمان الاوروبي كانت مفتوحة للجمهور كما ان الصحافة وغيرها من وسائل الاعلام قد تابعتها بل وتم نشر مداخلات اعضائها عبر شبكة «الانترنت» كذلك في الوقت الذي لا يعبر فيه العمل الحكومي سوى عن رؤية واحدة اذ المشاركون فيه يمثلون «في التعريفه، دولهم، فان اللجنة تتسم بالتعددية. \r\n \r\n تضم اللجنة التحضيرية لصياغة الدستور الاوروبي 102 اعضاء العدد نفسه من الاحتياطيين، الذين ينوبون عنهم في حال غيابهم. وهم من اعضاء البرلمان الاوروبي أو البرلمانات الوطنية أو من المفوضية الاوروبية وبالطبع من ممثلي الحكومات. ومن الملفت للانتباه ان سلوك هؤلاء الاعضاء في اطار اللجنة يختلف عن سلوكهم داخل مؤسساتهم الاصلية لانهم يتمتعون فيها بهامش حرية أكبر. وقد توصلت اللجنة إلى نوع من الاتفاق العام بينما انتج العمل الحكومي عدة مجابهات.. ذلك لأنها امتلكت ارادة ابداعية مشتركة. \r\n \r\n بالطبع كانت هناك خلافات في الآراء بين الاعضاء.. الامر الذي يعكس واقع ان اوروبا نفسها هي عملية توليف بين مجموعة من الرؤى المتناقصة جزئياً والتي امكن الجمع بينها على قاعدة الارادة المشتركة. ولكل مؤسسة منطقها ولكل أمة تقاليدها ولكل اسرة سياسية قيمها واولوياتها وافكارها. وبالتالي ليس ممكناً تجاهل واقع ان لكل طرف التزاماته ولذلك لا يمكن ابداً تجاهل منطق المصالحة السائدة في اطار البناء الاوروبي الذي لا يعود حصراً لأية مؤسسة أو لأية أمة.. \r\n \r\n واوروبا بالتعريف ليست المانية أو فرنسية أو بريطانية أو ايطالية وانما هي هذا كله وغيره ايضا. ولا تعود ايضا لتيار فكري بعينه.. وليست ليبرالية أو محافظة كما يريدها اليمين أو اجتماعية كما حلم بها اليسار، لاسيما وانها قامت اصلاً بفضل تحالف «تاريخي» بين اليمين واليسار. وأوروبا الموحدة ايضاً ليست فيدرالية حصراً أو مجرد تحالف بين الحكومات وانما هي نموذج فريد غير «النماذج» المعروفة في ميدان العلوم السياسية. \r\n \r\n بهذا المعنى شكّلت اللجنة المكلفة بصياغة الدستور بما فيها من عيوب وعلى الرغم من محدوديتها، تجربة فريدة من نوعها. وفي الوقت نفسه هي الأكثر قرباً من شروط ولادة الفضاء الاوروبي العام، الذي ساهم بقيامه أرباب العمل والنقابات معاً. كما انها، اي اللجنة، تشكل البرهان الحي على أن اوروبا بدأت بالوجود سياسياً؟ \r\n \r\n هذا فضلاً عن انها تعكس، بطبيعة تشكلها ونوعية اعضائها المعينين اصلاً من قبل دولهم أو من قبل المؤسسات الاوروبية، تنوع اوروبا لهذه الاسباب كلها لا يمكن تجاهل اعمال هذه اللجنة، بل ومن العبث ايضا ان يتمّ، كما يشير البعض، تشكيل لجنة جديدة تبدأ اعمالها من الصفر متناسية كل ما قامت به هذه اللجنة من اعمال وبحث خلال عامين تقريباً من الزمن. وبالتالي قد يكون السبيل الأكثر عملياً و«علمياتية» هو القيام بقراءة نقدية للنتائج التي توصلت الى اللجنة التحضيرية لصياغة الدستور الاوروبي وتبني كل ما هو ايجابي. \r\n \r\n الوفاق التدريجي \r\n \r\n لابد من تجنب عدد من المغالطات والافكار التبسيطية التي عرضها معسكر اليمين ومعسكر اليسار في اوروبا، والقول بقوة ان المعاهدة الدستورية (الدستور) التي صاغتها اللجنة التحضيرية المكلفة باعدادها هي غير كاملة، فأي عمل انساني، ولكنها مثلت في الواقع وفاقاً تدريجياً مصالحة تدريجية أمكن الوصول اليه عبر النقاش بين الاعضاء. وينبغي هنا عدم الحديث عن «دستور جيسكار» والمقصود فاليري جيسكار ديستان الرئيس الفرنسي الاسبق. \r\n \r\n ان جيسكار ومجلس رئاسته لعبوا بدون شك دوراً مركزياً اذ أداروا النقاشات واستخرجوا منها الخطوط العريضة المتفق عليها ثم اقترحوا صياغة للمعاهدة الاوروبية اي للدستور الاوروبي . إن جيسكار ليس الشخص الوحيد الذي صاغ الدستور وانما شاركه فيه كثيرون من أمثال «يوشكا فيشر» وزير الخارجية الالماني وروبير بادنتر وزير العدل الفرنسي الأسبق وغيليانو اماتو رئيس الوزراء الايطالي السابق. \r\n \r\n ويرفض مؤلف هذا الكتاب ايضا تقديم مشروع الدستور الأوروبي على أنه مشروع ليبرالي متطرف بجوهره، وبانه يعرض نموذجاً نهائياً، ذلك ان هذا المشروع يكتفي في واقع الامر بكونه نصاً دستورياً واساسياً وفي الوقت نفسه بكونه تعزيزاً للاتفاقيات الاوروبية الموجودة حيث اعيدت صياغة الاجراءات التي نصت عليها معاهدات روما وماستريخت وامستردام. بل ان النقد الذي وجهه العديدون للمشروع بانه يؤكد على المنافسة الحرّة أي أنه مفرط في ليبراليته. \r\n \r\n انما هو نقد لا يصمد امام واقع ان معاهدة روما نفسها والتي تأسست اوروبا نتيجة لها تنص على مثل هذه «المناقشة الحرّة»، ولا شك ان هذه المنافسة ستبقى احدى قواعد عمل البناء الاوروبي وحتى في حالة غياب اي دستور، وبالتالي هي ليست من اختراع اللجنة التحضيرية لصياغة الدستور الاوروبي. ثم ان المشروع نفسه يؤكد على ضرورة ايجاد فرص العمل وتعزيز خطط التنمية المستمرة. \r\n \r\n ان الوصول الى مثل هذه المصالحة يسمح بتحقيق تقدم أكيد، وذلك ابتداء من التزود بدستور أوروبي. لكن هذا لن يكون سهلاً ولن يمر بدون مصاعب، وذلك ان الكثيرين وعلى رأسهم البريطانيون لا يريدون التكريس السياسي لاوروبا. وفضلاً عن تأكيد الدستور الاوروبي على الحرية والمساواة والمواطنة والعدالة والكرامة الانسانية، فانه يمكن ان يساعد ايضاً، بل وان يكون خطوة حاسمة من اجل صياغة سياسة أوروبية خارجية موحّدة وايضاً مفهوم دفاعي اوروبي موحّد. \r\n \r\n ويمكن للدستور الاوروبي ايضا ان يؤدي الى انشاء وزارة خارجية اوروبية حقيقية اذا دعت الضرورة الى ذلك من اجل تنسيق تدريجي للمواقف على الصعيد الخارجي مع منظور ايجاد قيادة عامة من اجل دفاع اوروبي معزز. وفي المحصلة يمثل مشروع الدستور الذي اعدته اللجنة المكلفة بذلك هو مشروع لاوروبا السياسية التي تدافع عن قيم قوية والقادرة على اسماع صوتها في العالم والعيش في كنف الامن والحرية وانه لمن الحماقة، بل الاجرام التفريط بمثل هذه المكاسب. \r\n \r\n عمل ينبغي استكماله \r\n \r\n ان مشروع المعاهدة الدستورية الاوروبية الدستور الاوروبي يحتوي بدون شك على نقاط ضعف وعلى اخطاء. فإذا لم يكن ممكناً رفضه جملة وتفصيلاً فانه ليس ممكنا بالمقابل آخذه بكل ما فيه، المطلوب هو الاستفادة من فشل المجلس الحكومي ومن الزمن الذي يتيحه هذا الفشل ربما سنة من اجل تحسين العمل الذي قامت به اللجنة التحضيرية لصياغة الدستور. ويمكن تحديد ثلاثة عيوب رئيسية في مشروع الدستور، يكمن العيب الاول في هشاشة التقدم على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي. \r\n \r\n ان هذا المشروع يجعل في الواقع من المجموعة الاوروبية، التي يقول بها، والتي لاتزال حتى الان غير رسمية، مؤسسة شبه رسمية، لكنها لاتزال حتى الان ذات مكانة ثانوية ادنى من البنك المركزي الاوروبي. مع هذا يمكن ايضاً ل «المجموعة الاوروبية» المعنية ان تصبح بمثابة «السلطة الاقتصادية المنتظرة للاتحاد الاوروبي، بالاضافة الى انها تحتل شيئاً فشيئاً موقع الممثل الخارجي الوحيد لمنطقة «اليورو» لدى مؤسسات مالية دولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، ولعلّه يمكنها ان تلعب في المدى المنظور دور الوزن المقابل لنفوذ الولاياتالمتحدةالامريكية. \r\n \r\n لكن بالمقابل وتحت ضغوط الحكومات الاكثر ليبرالية رفضت اللجنة المكلفة بصياغة الدستور الاوروبي تحديد سلطة اوروبية مسئولة في مجال النمو الاقتصادي وسياسة ايجاد فرص العمل. كذلك وتحت ضغط البريطانيين تحديداً حافظت على قاعدة الاجماع وتجنبت الانتقال الى قاعدة الاغلبية في المجال الاجتماعي والضرائبي مما منع عمليا اي تنسيق اوروبي فعلي في مثل هذه المجالين الحاسمين. \r\n \r\n ولم تسمح اعمال اللجنة التحضيرية لصياغة الدستور قيام اوروبا بقفزة سياسية نحو تبني النظام الفيدرالي.. الذي كان يفترض ان يؤدي الى توحيد السلطة التنفيذية عبر ايجاد حكومة أوروبية مسئولة امام البرلمان الاوروبي. ان الاوضاع في اوروبا لم تكن قد نضجت لتبني مثل هذه المنظومة ذات الطبيعة البرلمانية وتم الاحتفاظ بوجود ثلاث مؤسسات أوروبية تتمثل في المفوضية الاوروبية والمجلس والبرلمان الاوروبي وحيث اضيف لها فيما بعد المجلس الاوروبي (قمة رؤساء الدول والحكومات) الذي أخذ في مشروع الدستور الاوروبي الجديد مكانة قانونية محددة ورئيسة.. \r\n \r\n وتم ايضا اصلاح المجلس الحكومي (على مستوى الوزراء) عبر ايجاد مجلس للعلاقات الخارجية يترأسه احد وزراء خارجية الاتحاد الاوروبي. وينص مشروع الدستور الاوروبي الجديد ايضا على اعادة النظر في توزيع الاصوات وتقليص صيغة المفوضية واقرار ميثاق الحقوق الاساسية لكن دون اعطائه صفة قانونية، الامر الذي لا يمنع العمل به عملياً. \r\n \r\n ان تحقيق مثل هذه الاصلاحات ليس امراً يمكن تجاهله ولكنه ليس كافيا، لاسيما وان عدم امكانية الانتقال الى تبني الاقتراع على اساس الأغلبية في ميدان السياسة الخارجية الاوروبية المشتركة ادى الى صعوبة اتخاذ اية قرارات حاسمة في مثل هذا الميدان الحساس. \r\n \r\n وهناك نقطة ضعف اخرى وهي ان القواعد التي تسمح باعادة النظر في الدستور محدودة جدا، في الوقت الذي يمثل اي دستور نصاً حياً ينبغي ان يعاد النظر فيه على ضوء التطورات الاجتماعية والسياسية. هكذا مثلاً أعيد النظر بدستور الجمهورية الفرنسية الخامسة عشرات المرّات. والجمهورية الخامسة هذه تأسست عام 1958 من قبل الجنرال شارل ديغول الذي زوّد فرنسا بدستور جديد اعطى لرئيس الجمهورية صلاحيات كبرى على حساب سلطات البرلمان. \r\n \r\n وكانت التعديلات التي جرت عليه تخص مسائل مهمة جداً مثل تعديل 1962 الخاص بانتخاب رئيس الجمهورية وحتى تعديل 2001 الخاص يجعل المدة الرئاسية لخمس سنوات فقط بدلاً من سبع سنوات كما كانت سابقاً. ان الدستور الفرنسي يحدد هو نفسه شروط امكانيات تعديله مثل إقرار ذلك من قبل اجتماع مشترك بين اعضاء الجمعية الوطنية الفرنسية ومجلس الشيوخ اللذين يشكلان «البرلمان» وطلب ثلاثة اخماس المجتمعين اجراء التعديل.. \r\n \r\n ويمكن ايضا القيام بذلك عبر الاعتماد على استفتاء شعبي عام يقرّه.. ان مثل هذه المرونة ضرورية بل وحيوية، لكن الدستور الاوروبي المقترح لا يمتلكها لانه لا يمكن تعديله الا عبر الاجماع على ذلك. اي يمكن تعطيل ذلك اذا رفضت دولة واحدة فقط من دول الاتحاد الموافقة عليه مما يؤدي الى تعطيل أي تطور.. ولا شك سيكون من السهل باستمرار ايجاد دولة لا يروقها التعديل المقترح. هذا يعني ان تبني مشروع هذا الدستور يكون بمثابة تكريسه كما هو لسنوات طويلة قادمة، حلم الرئيسي الفرنسي السابق جيسكار ديستان، مقرر اللجنة التحضيرية المكلفة بصياغته، بأن لا يتم المساس به قبل خمسين عاماً. \r\n \r\n فلنتابع المعركة! \r\n \r\n المطلوب، اذن، هو عدم القبول بالفشل، ولكن ايضا عدم القبول ب «أبدية» الدستور، واذا كان مؤكداً، ان اوروبا قلقة وان الدستور المقترح ليس كاملاً بل ويعد مخيباً للآمال في الوقت نفسه، لكن لا يمكن التوقف مكتوفي الايدي امام هذه الحالة، اذ يمكن لكل ازمة ان تكون خلاّقة. \r\n \r\n وهذا يستدعي التوقف لحظة والتأمل بعمق لما قد يسمح ببروز مشروع دستور آخر أكثر اكتمالاً واكثر طموحاً «مشروع فدرالي واجتماعي» من اجل تحقيق «أوروبا التي نريدها» لا شك بأن مثل هذا الحلم لا يبدو مقنعاً لانه يتجاهل البناء الاوروبي كله بما جلبه من سلام وحرية وتنمية لجميع الأمم الاوروبية.. وما حققه من مكانة لاوروبا في عالم العولمة.، وبالتالي ان رفض اوروبا القائمة باسم اوروبا المثالية يبدو بمثابة ضرب من التضليل. \r\n \r\n لكن الازمة الاوروبية الراهنة اذا استمرت لن تكون مبدعة وانما بالاحرى مدمّرة. ومع توسيع اطار الاتحاد الاوروبي ليضم خمسة وعشرين بلداً لم تفقد القوى الداعية لنبذ الوحدة الاوروبية من قدرتها بل انها على العكس تعززت اكثر فأكثر في اطار اوروبا «العاجزة» ان اوروبا هذه لم تستفد بل اضاعت، كل الحسنات السياسية لمشروع الدستور الاوروبي الجديد من حقوق جديدة وحريات جديدة كي تحتفظ بما هو الأكثر سوءاً في المعاهدات والاتفاقيات السارية المفعول حاليا. \r\n \r\n والاكثر سوءاً المقصود يتمثل في عدم امكانية القرار في المسائل الجوهرية والضعف على صعيد السياسة الخارجية وخطر الافراط في التوجه الليبرالي، ان اكثر ما يثير الخشية هو ان تتقدم نزعة الشك بأوروبا مقنعة بشعارات ملتهبة لا تخفي وراءها نوايا حسنة وانما أهداف بعيدة عن أية اوروبا فيدرالية او اجتماعية. \r\n \r\n من هو المستفيد من لعبة الاقنعة هذه؟ \r\n \r\n ان مؤلف هذا الكتاب يحدده في الادارة الاميركية الحالية في ظل رئاسة جورج دبليو بوش، والتي تريد اقصاء أي منظور لقيام أوروبا لها وجودها القوي في العالم. اوروبا قوية، تبدو مهددة لمشروع الهيمنة الاميركية، لاسيما اذا كانت اوروبا هذه تحمل رؤية مختلفة للعلاقات الدولية عما تراه اميركا، ثم هناك ايضا دعاة تعزيز السيادات الوطنية الذين يعملون من اجل انهاء «الكابوس» الذي يؤرقهم والمتمثل في قيام اوروبا السياسية ذات الصوت الموحّد على مختلف الاصعدة. \r\n \r\n . اما الخاسر الفعلي من جراء لعبة الاقنعة فانه يكمن في اوروبا التي يراد ان يتم اختزالها، كما هي الان، الى مجرد منطقة للتبادل التجاري الحر.. واذا كان هذا ليس سيئاً بحد ذاته إلا انه يلغي اي طموح سياسي أوروبي موحّد. \r\n \r\n وفي المحصلة، يطالب مؤلف هذا الكتاب فيما يخص الميدان الأوروبي بالقيام بعملية اصلاح جذرية. وذلك انطلاقاً من الواقع الراهن من اجل الوصول الى ما هو مثالي، وضمن هذا المنظور يبدو مشروع الدستور الاوروبي الذي صاغته اللجنة التحضيرية بمثابة «المصالح» الاكثر اكتمالاً التي يمكن الوصول لها في الجانب الدستوري.. \r\n \r\n وبالتالي تنبغي المحافظة على هذا الجانب ورفض اي تراجع فيه بل المطالبة بالتقدم فيه بقدر الامكان من اجل صياغة سياسة اوروبية خارجية مشتركة على اساس الاغلبية وليس الاجماع والمرونة على صعيد الدفاع. فأوروبا هي ايضا بحاجة غداً للتزود بحكومة اقتصادية وبوجود ضريبة اوروبية موحدة وسياسة تنموية أوروبية. وبالاعتماد على هذا كله يؤكد المؤلف بأن الدستور الاوروبي ليس ميتاً، انه ليس سوى بداية ف «لنتابع المعركة». \r\n \r\n