ب أماكن لكبار السن وذوى الهمم.. الإسكندرية ترفع درجة الاستعداد لاستقبال الناخبين للتصويت في انتخابات مجلس النواب    عاطف إمام عن شطبه من نقابة المهن الموسيقية: مصطفى كامل ظلمني    الثوم ب 100 جنيه.. أسعار الخضروات والفواكة في شمال سيناء    حكاية قرار أرعب إسرائيل 16 عامًا وقاتلت لإلغائه    الدفاع الجوي الروسية تسقط 71 طائرة أوكرانية مسيرة    بالرقم القومي.. 3 طرق للاستعلام عن لجنتك في انتخابات مجلس النواب 2025    ارتفاع أسعار النفط مدعومًا بتفاؤل بإعادة فتح الحكومة الأمريكية    مجلس الشيوخ الأمريكي يقر مشروع قانون تمويل الحكومة لإنهاء الإغلاق الحكومى    خبير أمريكي يتوقع التخلص من زيلينسكي قبل عيد الميلاد    أمريكا: اختبارات تكشف الجرثومة المسببة لتسمم حليب باي هارت    وزير الاستثمار: 16 مليار دولار حجم التجارة مع الصين.. ولدينا 46 شركة تعمل في مصر    واشنطن تضغط على إسرائيل لبدء المرحلة الثانية من خطة ترامب    الرئيس اللبنانى يؤكد ضرورة الضغط على إسرائيل لوقف اعتداءاتها المستمرة على البلاد    هاني رمزي: تجاهل زيزو لمصافحة نائب رئيس نادي الزمالك «لقطة ملهاش لازمة»    لجنة المرأة بنقابة الصحفيين تصدر دليلًا إرشاديًا لتغطية الانتخابات البرلمانية    «طلعوا الشتوى».. تحذير شديد بشأن حالة الطقس: استعدوا ل منخفض جوى بارد    نقل محمد صبحي للعناية المركزة بعد إغماء مفاجئ.. والفنان يستعيد وعيه تدريجيًا    وزير المالية: بعثة صندوق النقد تصل قريبًا ومؤشراتنا مطمئنة    الزراعة: تحصينات الحمي القلاعية تحقق نجاحًا بنسبة 100%    «محدش كان يعرفك وعملنالك سعر».. قناة الزمالك تفتح النار على زيزو بعد تصرفه مع هشام نصر    السوبرانو فاطمة سعيد: حفل افتتاح المتحف الكبير حدث تاريخي لن يتكرر.. وردود الفعل كانت إيجابية جدًا    «لاعب مهمل».. حازم إمام يشن هجومًا ناريًا على نجم الزمالك    شيري عادل: «بتكسف لما بتفرج على نفسي في أي مسلسل»    الأهلى بطلا لكأس السوبر المصرى للمرة ال16.. فى كاريكاتير اليوم السابع    عدسة نانوية ثورية ابتكار روسي بديل للأشعة السينية في الطب    السقا والرداد وأيتن عامر.. نجوم الفن في عزاء والد محمد رمضان | صور    اليوم.. العرض الخاص لفيلم «السلم والثعبان 2» بحضور أبطال العمل    «الكهرباء»: تركيب 2 مليون عداد كودي لمواجهة سرقة التيار وتحسين جودة الخدمة    مواجهات بين الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلى شمال القدس المحتلة    حركة القطارات| 90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد».. الاثنين 10 نوفمبر    مساعد وزير الصحة: نستهدف توفير 3 أسرة لكل 1000 نسمة وفق المعايير العالمية    طوابير بالتنقيط وصور بالذكاء الاصطناعي.. المشهد الأبرز في تصويت المصريين بالخارج يكشف هزلية "انتخابات" النواب    ترامب يتهم "بي بي سي" بالتلاعب بخطابه ومحاولة التأثير على الانتخابات الأمريكية    رئيس لجنة كورونا يوضح أعراض الفيروس الجديد ويحذر الفئات الأكثر عرضة    الطالبان المتهمان في حادث دهس الشيخ زايد: «والدنا خبط الضحايا بالعربية وجرى»    وفاة العقيد عمرو حسن من قوات تأمين الانتخابات شمال المنيا    «مش بيلعب وبينضم».. شيكابالا ينتقد تواجد مصطفى شوبير مع منتخب مصر    معسكر منتخب مصر المشارك في كأس العرب ينطلق اليوم استعدادا لمواجهتي الجزائر    مي عمر أمام أحمد السقا في فيلم «هيروشيما»    باريس سان جيرمان يسترجع صدارة الدوري بفوز على ليون في ال +90    «لا تقاوم».. طريقة عمل الملوخية خطوة بخطوة    «لاعيبة لا تستحق قميص الزمالك».. ميدو يفتح النار على مسؤولي القلعة البيضاء    نشأت أبو الخير يكتب: القديس مارمرقس كاروز الديار المصرية    أمواج تسونامي خفيفة تصل شمال شرق اليابان بعد زلزال بقوة 6.9 درجة    محافظ قنا يشارك في احتفالات موسم الشهيد مارجرجس بدير المحروسة    مساعد وزير الصحة لنظم المعلومات: التحول الرقمي محور المؤتمر العالمي الثالث للسكان والصحة    3 أبراج «مستحيل يقولوا بحبك في الأول».. يخافون من الرفض ولا يعترفون بمشاعرهم بسهولة    ميشيل مساك لصاحبة السعادة: أغنية الحلوة تصدرت الترند مرتين    3 سيارات إطفاء تسيطر على حريق مخبز بالبدرشين    تطورات الحالة الصحية للمطرب إسماعيل الليثى بعد تعرضه لحادث أليم    كشف ملابسات فيديو صفع سيدة بالشرقية بسبب خلافات على تهوية الخبز    أداة «غير مضمونة» للتخلص من الشيب.. موضة حقن الشعر الرمادي تثير جدلا    ON SPORT تعرض ملخص لمسات زيزو فى السوبر المحلى أمام الزمالك    هل يجوز الحلف ب«وحياتك» أو «ورحمة أمك»؟.. أمين الفتوى يُجيب    هل يجوز أن تكتب الأم ذهبها كله لابنتها؟.. عضو مركز الأزهر تجيب    هل يذهب من مسه السحر للمعالجين بالقرآن؟.. أمين الفتوى يجيب    خالد الجندي: الاستخارة ليست منامًا ولا 3 أيام فقط بل تيسير أو صرف من الله    تعرف على مواقيت الصلاة بمطروح اليوم وأذكار الصباح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أوربا المسيحية.. هل تواجه العالم الإسلامي عسكريا؟
نشر في المصريون يوم 12 - 03 - 2006

ثمة حاجة أوروبية ملحة أيضا لإبراز عدو مشترك تتجمع في مجابهته وتلتقي عند عداوته الإرادات الحكومية والشعبية، وذلك بعد تردى المارد الشيوعي وزوال خطره. والنزعة المسيحية وحدها في حقيقة الأمر لا يمكنها حمل أوروبا على تحقيق حلمها في الوحدة، ومن هنا برز الإسلام، أو اتخذ بمعنى أدق، كعدو مشترك، وهو ما اصطلح على تسميته بظاهرة (الاسلامفوبيا)، ليزيد من حمية الاتحاد الذي يعاني من صعوبات جمة ليس أقلها النفور الشعبي المتمثل في رفض الدستور الموحد. حدثان بارزن على الساحة الدولية ما كانا لهما أن يمرا دون وقفة تأمل واستيعاب لما يمكن أن يكون عليه الوضع المستقبلي، الذي يحكم علاقة العالم الأوروبي المتحد تحت مظلة واحدة في كفة والعالمين العربي والإسلامي في كفة أخرى. فلم يكن حدثا عاديا أن يتوجه الرئيس الفرنسي جاك شيراك إلى قاعدة الغواصات العسكرية في جزيرة "لونغ" في 19 يناير الماضي ليلقي خطابا من هناك استعرض خلاله العقيدة العسكرية الفرنسية، حول الردع النووي، وقد سعى من وراء ذلك بلا شك إلى التأكيد على بعض المبادئ وإعلان بعض التوجهات المستقبلية لفرنسا. ومما أعلنه شيراك في ذلك الخطاب أن بلاده تحتفظ بحق الرد بوسائل "غير تقليدية" ومنها نووية، ضد أية دولة ترعى هجوما إرهابيا على الأراضي الفرنسية. وصرح خلال زيارته أن فرنسا كيفت قواتها النووية بشكل يسمح لها بالرد بمرونة، واعتبر أن الإمدادات الإستراتيجية والدفاع عن الحلفاء يشكلان مصالح يمكن اعتبارها "حيوية" وتبرر بالتالي اللجوء إلى قوة الردع النووية. وأكد أن "رؤساء الدول الذين يستخدمون وسائل إرهابية ضدنا، وكذلك أولئك الذين يفكرون، بطريقة أو بأخرى، في استخدام وسائل الدمار الشامل، يجب أن يفهموا أنهم سيعرضون أنفسهم لاستجابة صارمة من جانبنا، وهي استجابة يمكن أن تكون تقليدية كما أنها يمكن أن تكون من نوع آخر". وأشار كذلك في خطابه إلى مسألتي حماية الدول الحليفة وتأمين التموين الاستراتيجي باعتبارهما جزءا من المصالح الحيوية الفرنسية. الحدث الثاني الذي جاء متسقا مع هذا التوجه الفرنسي، ما جرى مناقشته في اللجنة الفرعية للأمن والعدل في البرلمان الأوروبي في 25 فبراير 2006 حول إمكانية وضع قواعد تشريعية تجيز للاتحاد الأوروبي اللجوء إلى القوة بدون الرجوع إلى مجلس الأمن الدولي في إدارة الأزمات الدولية. وكانت اللجنة قد نظمت جلسة استماع شارك فيها برلمانيون وخبراء من جامعات ومراكز دراسات أوروبية مختلفة؛ بهدف "تشريع اللجوء إلى القوة في السياسة الأوروبية الخارجية". وأشار بيان اللجنة إلى "إمكانية توفير الغطاء القانوني للجوء الاتحاد للقوة والقيام بمهمات وقائية عبر العالم دون الرجوع إلى مجلس الأمن القومي". وقد صرح فرانك سيد، ممثل الرئاسة النمساوية للاتحاد إلى أن "الأمم المتحدة وضعت تشريعاتها الحالية قبل 60 عاما في إطار سياسي مختلف تماما عما نعيشه اليوم". ودعا إلى تعديل هذه التشريعات، وقال: "على أوروبا أن تتمكن من القيام بعمل عسكري وقائي دون اللجوء إلى مجلس الأمن الدولي". أما رئيس اللجنة، كارل فون واغو، فقد أكد أن البرلمانيين سيتابعون نقاشهم حول الموضوع خلال جلسة علنية في شهر مارس القادم، مشيرا إلى أهمية "البعد السياسي" لمثل هذا التشريع الذي "لا يشكل أي انتهاك للقيم الأوروبية الأساسية". هذا التوجه الأوروبي، ليس وليد اللحظة الراهنة، وإنما هو رغبة كامنة ضاربة الجذور، فالدول الأعضاء في الاتحاد تناقش منذ أمد إنشاء "قوة عسكرية أوروبية مشتركة" للتدخل السريع عند الضرورة والتي من المتوقع أن تصبح جاهزة للعمليات الحربية المشتركة خلال الفترة 2011 و2012 على أبعد تقدير، وذلك لتدعيم مهمات الاتحاد الأوروبي في مناطق النزاع حول العالم. وفكرة إنشاء "القوة العسكرية الأوروبية المشتركة" جاءت في سياق مبادرة قدمتها كل من ألمانيا وبريطانيا وفرنسا في بداية العام 2004، وهي تعتبر جزءا لا يتجزأ من خطة عسكرية طموحة وطويلة الأجل للاتحاد الأوروبي، بحيث تشكل نواة لخطة "قوة التدخل السريع" أو ما يطلق عليها "القوة الضاربة" على أن يتم رفع عددها إلى 60 ألف جندي في المستقبل. ولا يمكن أن نغفل في هذا المضمار انضواء العديد من الدول الأوروبية تحت اللواء الأمريكي لحرب العراق، والانتشار المزمع لقواتها في أفغانستان، فقد تعهدت الحكومة البريطانية بنشر 3300 جنديا في أفغانستان؛ لتحل محل القوات الأمريكية التي تتولى مهام الأمن في إقليم هلمند بجنوب البلاد، ومن المقرر أيضا نشر أكثر من ألف جندي هولندي، في المناطق الجنوبية خلال الأشهر القليلة القادمة. ولا يمكن بحال فهم تلك التوجهات الاستراتيجية الأوروبية التي قد تشكل، كما سبق وذكرنا، خطا وبعدا رئيسا في العلاقة مع العالمين العربي والإسلامي، إلا في ضوء رزمة من المحددات والمفاهيم، لعل من أهمها ما يأتي: أولا: نمو النزعة المسيحية الأوروبية، وهذا ليس وليد اليوم في حقيقة الحال، ولا يقتصر على رجال الكنيسة بل تعدي إلى رجال السياسية والحكم. فقد سبق وطرحه البابا الراحل يوحنا بولس الثاني عام عندما صرح في إحدى مواعظه بأن "أوروبا بدأت تعي وحدتها الروحية وتستند إلى القيم المسيحية". وظهر ذاك الطرح مرة أخرى مع تولى بندكتس السادس عشر منصب البابوية، حيث يولي موضوع "الجذور المسيحية لأوروبا" اهتماما خاصا في أجندته. ففي محاضرة ألقاها في 27 فبراير الماضي، أثناء لقائه في الفاتيكان بمجموعة من الكهنة الأرثوذكس اليونان صرح بندكتس بقوله"علينا أن نواجه التحديات التي تهدد الإيمان، وننشر السماد الروحاني الذي غذى لقرون أوروبا، بإعادة التأكيد على القيم المسيحية، ودعم السلام والتلاقي حتى في الظروف الأكثر صعوبة، وتعميق العناصر المستمدة من الإيمان والحياة الكنسية التي من شأنها أن تؤدي إلى غاية الاتحاد الكامل في الحقيقة والمحبة". وأشار البابا إلى أن "الحوار اللاهوتي الرسمي بين الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة الأرثوذكسية في مجمله أخذ يستعيد مسيرته بهمة ونشاط"، ودعا إلى العمل المشترك بين مسيحيي الشرق والغرب "حتى تكون شهادتنا أكثر مصداقية وفعالية في عالم اليوم". وكان البابا قد شدد في وقت سابق على "الجذور المسيحية" لأوروبا خلال "صلاة التبشير" التي أقيمت في فالي دوستا شمال ايطاليا، وقال "يبدو من الطبيعي التوقف عند ما قدمته المسيحية وما زالت تقدمه من مساهمات لبناء أوروبا". وصدر ذلك الطرح سياسيا أيضا من قيادة حزب الإتحاد الديمقراطي المسيحي المحافظ في ألمانيا، حيث أعادت التأكيد قبيل تولى أنجيلا ميركيل منصب المستشارية، على أن أولوية سياسته الحكومية الخارجية ستركز على "العلاقة الخاصة" مع الولايات المتحدة الأمريكية وتنشيط آليات التعاون مع الحليف الأطلسي الأكبر، بالإضافة إلى تحديد هوية وماهية الإتحاد الأوروبي التي تقوم على الجذور والإرث المسيحي لأوروبا. كما كرر برنامج الحزب المسيحي المحافظ رفضه القاطع لانضمام تركيا للإتحاد الأوروبي وتقديمه عرضاً بديلا للحكومة التركية أطلق عليه اسم "الشراكة المميزة"، حيث ترفض ميركيل عضويتها الكاملة رفضا قاطعا، مشيرة إلا أن انضمامها إلى الإتحاد الأوروبي سيغير من "هوية أوروبا القائمة على الإرث المسيحي". فأوروبا إذن بدأت تستعيد علاقاتها التصادمية مع الإسلام، وتعيد صياغة نفسها من خلال إبراز هويتها المسيحية في مواجهة العالمين العربي والإسلامي بهويتهما المعروفة. ثانيا: البحث عن عدو مشترك لمواجهة تحديات الوحدة، ثمة حاجة أوروبية ملحة أيضا لإبراز عدو مشترك تتجمع في مجابهته وتلتقي عند عداوته الإرادات الحكومية والشعبية، وذلك بعد تردى المارد الشيوعي وزوال خطره. والنزعة المسيحية وحدها في حقيقة الأمر لا يمكنها حمل أوروبا إلى تحقيق حلمها في الوحدة، ومن هنا برز الإسلام، أو اتخذ بمعنى أدق، كعدو مشترك، وهو ما اصطلح على تسميته بظاهرة (الاسلامفوبيا)، ليزيد من حمية الاتحاد الذي يعاني من صعوبات جمة ليس أقلها النفور الشعبي المتمثل في رفض الدستور الموحد. فالشعوب الأوروبية في حقيقة الأمر ليس لديها نفس قدر حماسة الحكومات بالنسبة للحلم الأوروبي، ومن ثم فهي حتى اللحظة مترددة في قبول الكيان الأوروبي الموحد، الذي تذوب فيه الهويات وتتلاشي إلى حد كبير. فقد جاء الرفض الفرنسي والهولندي للدستور وما تلاه من توقف لمسيرة التصديق على مسودته وتأجيل عدد من الدول لتصديق عليه وفي مقدمتهم بريطانيا، ليشكل هاجسا لقادة الدول الأوروبية وإنذارا بإمكانية تقويض حلم الإمبراطورية. ففي فرنسا على سبيل المثال تجاوزت الخلافات حول الدستور الأوروبي مستوى التنافس التقليدي بين اليمين واليسار، فداخل أحزاب اليسار يعتبر معارضو الدستور أوروبا الليبرالية التي يرسخها الدستور الجديد ويطالبون بأوروبا تعطي أولوية أكثر للمسألة الاجتماعية. وأحزاب أقصى اليمين تعارض هذا الدستور كذلك من زاوية أخرى، حيث ترى فيه ذوبانا للهوية الوطنية الفرنسية، واندثارا لثقافتها، ثم يضيف هذا التيار نقطة مهمة أخرى تتعلق بالانعكاسات الممكنة لتبني هذا الدستور، أي إمكانية دخول تركيا ذات الأغلبية المسلمة للحظيرة الأوروبية. والهولنديون بدورهم يرجع رفضهم للدستور بالدرجة الأولى إلى مبررات وطنية وقومية، فهم يخشون كأمة صغيرة أن يفقدوا هويتهم وخصوصيتهم في اتحاد آخذ في التوسع، وهو ذات الموقف الذي تتخذه بولندا وأسبانيا وغيرهما من الدول قليلة الحجم والنفوذ. أضف إلى ذلك تعارض المصالح والمواقف الأوروبية في كثير من القضايا المفصلية، منها على سبيل المثال، مدى القرب من القطب الأمريكي والبعد عنه، وهو ما ظهر واضحا إبان الحرب على العراق، حيث جاء تصريح وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد بوصف الدول المعارضة للحرب بأنها تشكل أوروبا العجوز، لفصلها عن تلك الفاتنة الشابة التي وقفت بجوار أمريكا في حربها الإجرامية. هذه الفسيفساء السياسية و"الموزاييك" الثقافي، الذي يفتقد إلى لُحمة تجمعه قدر افتقاده إلى ثوابت مرجعية تحده، ربما يجد في الإسلام بغيته ليصبح العدو الظاهر الذي تجتمع القلوب والأبدان لمجابهته قبل أن يغزو الديار ويرفع فوقها رايته. وليس ذلك في حقيقة الأمر تخيلا أو أوهاما ذهنية، بل هي رؤية خالطت مشاعر وتصورات بعض الكتاب والمفكرين، فقد حققت رواية "مسجد نوتردام باريس" للكاتبة الروسية "إيلينا شودينوفا"، أعلى المبيعات في روسيا، حيث تصور الكاتبة في مؤلفها فرنسا في سنة 2040 تحت قبضة الإسلام، وقد أصبح أتباعه أغلبية وأعلنوه دين الدولة، مع تطبيق الشريعة، فانطلقت مجموعة من المسيحيين في المقاومة المسلحة!! ثالثا: الهاجس الديموغرافي، هذا التصور الذي رأته الكاتبة مسهبا في الخيال، ليس كذلك في حقيقته، فالدول الأوروبية على اختلافها تشكل لها الجالية المسلمة هاجسا ديموغرافيا مقلقا. فقد ظلت تعول أوروبا طيلة عقود من الزمن على قوة جاذبيتها وقدرتها على صهر الوافدين الجدد في بوتقتها البراقة، ولكنها تجلت خيبة آمالها، حينما اكتشفت أن جهدها وتصوراتها هباء منثورا، بعد أتضح لها أن المحرك الأساس لهؤلاء الوافدون هويتهم الدينية وثقافتهم المرجعية وليست الثقافة الوافدة التي حاولت أوروبا أن تصبغهم وتطليهم بها. وقد فسر "أوليفيي روي" في كتابه" "الإسلام المعولم" تلك الظاهرة بقوله: "من بين 379 مليون نسمة يعيشون في أوروبا، هناك اثني عشر مليونا قادمون من دول ذات ثقافة إسلامية(...)، ولقد ظنت الدول الأوروبية طيلة عقود أن نماذج كل واحدة منها سوف تسمح لهذه الجاليات الجديدة أن تجد داخلها مكانا مراهِنة في ذلك على القوة الإدماجية لبعض الأقطار التي تنعم بتهدئة وبنظام حياة قار؛ وذلك عن طريق السوق والمبادرة الفردية، أما اليوم فإن أغلب الدول الأوروبية أصبحت تعيد النظر في هذه النظرة التفاؤلية". ويفسر تلك الظاهرة بقوله: "إن الفجوة بين المجتمعات المعلمنة والجاليات التي يبقى الديني بالنسبة لها دليل سلطة وقوة أصبحت مصدر إشكال فالمتدينون الملتزمون يعتبرون القرآن مصدر تشريع يتجاوز الهويات الوطنية". وعبر عن ذلك المغزى بحث أجرته مؤسسة "صوفر" بفرنسا، أظهر أنه "في الوقت الذي كان فيه 71% من الأطفال من أصول مغاربية سنة 1993 يشعرون بأنهم أقرب إلى أسلوب الحياة وإلى الثقافة الفرنسية من أسلوب حياة عائلاتهم، تراجعت النسبة إلى
45% في عام 2003، وأدركت ألمانيا أخيرا أن 21% من المسلمين الذين يعيشون على أرضها يعتبرون الدستور الألماني غير متفق مع القرآن. والمتأمل لمجريات الأحداث أوروبيا خلال الشهور الأخيرة، يخرج بانطباع بأن الإسلام؛ إذا لم يكن عدوا مشتركا، فهو على الأقل إشكالية مشتركة وصداعا مزمنا في قلب القارة الأوروبية. وما نشرته أسبوعية "شارلي ابدو" الفرنسية الساخرة أوضح برهانا على ذلك، فقد نشرت الصحيفة بيانا يحمل توقيع 12 كاتبا بعنوان "معا ضد التوتاليتارية الجديدة: النزعة الإسلامية"، بعد عدة أسابيع من نشر الرسوم الكاريكاتورية للنبي محمد صلى الله عليه وسلم والتي نشرتها صحيفة يلاندس بوستن الدنماركية. وجاء في البيان: "بعد التغلب على الفاشية والنازية والستالينية يواجه العالم تهديدا شاملا جديدا من النوع التوتاليتاري: النزعة الإسلامية. ونحن كتاب وصحافيون ومثقفون ندعو إلى التصدي للتوتاليتارية الدينية والى إعلاء قيم الحرية ومساواة الفرص والعلمانية للجميع". وكتب الموقعون مشيرين إلى قضية الرسوم الكاريكاتورية للنبي محمد "لقد اظهر ذلك ضرورة النضال من اجل هذه القيم العالمية لا بالسلاح وإنما بالأفكار". واعتبروا أن الأمر "ليس صدام حضارات أو عداء بين الغرب والشرق وإنما معركة شاملة يتواجه فيها الديموقراطيون مع الثيوقراطيين". ومن بين الموقعين على البيان ايان هرسي علي النائبة الهولندية الصومالية الأصل وكاتبة سيناريو فيلم "خضوع"، والفيلسوف الفرنسي برتران هنري ليفي وتسليمة نسرين الطبيبة والروائية البنغالية وسلمان رشدي صاحب كتاب الآيات الشيطانية". فالحرب على الإسلام من قبل مؤسسات غربية، مستمرة، وإن اتخذت مظهرا مختلفا وأشكالا متعددة. فمن الدنمارك تأتي الإساءة للنبي الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم، وبلجيكا تُخضع منذ يناير الماضي المرشحين للحصول على الجنسية لثلاثين سؤالا عن المساواة بين الجنسين، وعن حقوق الإنسان وعن جرائم الشرف لكشف "الإرهابيين" مبكرا. وهولندا تستعد لتفرض على الأئمة دروسا لتدريبهم في نفس الوقت على اللغة الهولندية وعلى مزايا الزواج المثلي. وفرنسا طردت في الأيام الأخيرة إمامين مسلمين أعربا عن أراء وصفتها السلطات بأنها مثيرة للعنف، كما حظرت باريس ارتداء الحجاب في المدارس الحكومية. فالحرب على الإسلام ضروس، وهي إن كانت حتى الآن في إطارها الحضاري والثقافي، فإن النزعة العسكرية الأوروبية المشوبة بروح المسيحية قد تنذر بخطر المواجهة المباشرة. المصدر: العصر

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.