«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أوربا المسيحية.. هل تواجه العالم الإسلامي عسكريا؟
نشر في المصريون يوم 12 - 03 - 2006

ثمة حاجة أوروبية ملحة أيضا لإبراز عدو مشترك تتجمع في مجابهته وتلتقي عند عداوته الإرادات الحكومية والشعبية، وذلك بعد تردى المارد الشيوعي وزوال خطره. والنزعة المسيحية وحدها في حقيقة الأمر لا يمكنها حمل أوروبا على تحقيق حلمها في الوحدة، ومن هنا برز الإسلام، أو اتخذ بمعنى أدق، كعدو مشترك، وهو ما اصطلح على تسميته بظاهرة (الاسلامفوبيا)، ليزيد من حمية الاتحاد الذي يعاني من صعوبات جمة ليس أقلها النفور الشعبي المتمثل في رفض الدستور الموحد. حدثان بارزن على الساحة الدولية ما كانا لهما أن يمرا دون وقفة تأمل واستيعاب لما يمكن أن يكون عليه الوضع المستقبلي، الذي يحكم علاقة العالم الأوروبي المتحد تحت مظلة واحدة في كفة والعالمين العربي والإسلامي في كفة أخرى. فلم يكن حدثا عاديا أن يتوجه الرئيس الفرنسي جاك شيراك إلى قاعدة الغواصات العسكرية في جزيرة "لونغ" في 19 يناير الماضي ليلقي خطابا من هناك استعرض خلاله العقيدة العسكرية الفرنسية، حول الردع النووي، وقد سعى من وراء ذلك بلا شك إلى التأكيد على بعض المبادئ وإعلان بعض التوجهات المستقبلية لفرنسا. ومما أعلنه شيراك في ذلك الخطاب أن بلاده تحتفظ بحق الرد بوسائل "غير تقليدية" ومنها نووية، ضد أية دولة ترعى هجوما إرهابيا على الأراضي الفرنسية. وصرح خلال زيارته أن فرنسا كيفت قواتها النووية بشكل يسمح لها بالرد بمرونة، واعتبر أن الإمدادات الإستراتيجية والدفاع عن الحلفاء يشكلان مصالح يمكن اعتبارها "حيوية" وتبرر بالتالي اللجوء إلى قوة الردع النووية. وأكد أن "رؤساء الدول الذين يستخدمون وسائل إرهابية ضدنا، وكذلك أولئك الذين يفكرون، بطريقة أو بأخرى، في استخدام وسائل الدمار الشامل، يجب أن يفهموا أنهم سيعرضون أنفسهم لاستجابة صارمة من جانبنا، وهي استجابة يمكن أن تكون تقليدية كما أنها يمكن أن تكون من نوع آخر". وأشار كذلك في خطابه إلى مسألتي حماية الدول الحليفة وتأمين التموين الاستراتيجي باعتبارهما جزءا من المصالح الحيوية الفرنسية. الحدث الثاني الذي جاء متسقا مع هذا التوجه الفرنسي، ما جرى مناقشته في اللجنة الفرعية للأمن والعدل في البرلمان الأوروبي في 25 فبراير 2006 حول إمكانية وضع قواعد تشريعية تجيز للاتحاد الأوروبي اللجوء إلى القوة بدون الرجوع إلى مجلس الأمن الدولي في إدارة الأزمات الدولية. وكانت اللجنة قد نظمت جلسة استماع شارك فيها برلمانيون وخبراء من جامعات ومراكز دراسات أوروبية مختلفة؛ بهدف "تشريع اللجوء إلى القوة في السياسة الأوروبية الخارجية". وأشار بيان اللجنة إلى "إمكانية توفير الغطاء القانوني للجوء الاتحاد للقوة والقيام بمهمات وقائية عبر العالم دون الرجوع إلى مجلس الأمن القومي". وقد صرح فرانك سيد، ممثل الرئاسة النمساوية للاتحاد إلى أن "الأمم المتحدة وضعت تشريعاتها الحالية قبل 60 عاما في إطار سياسي مختلف تماما عما نعيشه اليوم". ودعا إلى تعديل هذه التشريعات، وقال: "على أوروبا أن تتمكن من القيام بعمل عسكري وقائي دون اللجوء إلى مجلس الأمن الدولي". أما رئيس اللجنة، كارل فون واغو، فقد أكد أن البرلمانيين سيتابعون نقاشهم حول الموضوع خلال جلسة علنية في شهر مارس القادم، مشيرا إلى أهمية "البعد السياسي" لمثل هذا التشريع الذي "لا يشكل أي انتهاك للقيم الأوروبية الأساسية". هذا التوجه الأوروبي، ليس وليد اللحظة الراهنة، وإنما هو رغبة كامنة ضاربة الجذور، فالدول الأعضاء في الاتحاد تناقش منذ أمد إنشاء "قوة عسكرية أوروبية مشتركة" للتدخل السريع عند الضرورة والتي من المتوقع أن تصبح جاهزة للعمليات الحربية المشتركة خلال الفترة 2011 و2012 على أبعد تقدير، وذلك لتدعيم مهمات الاتحاد الأوروبي في مناطق النزاع حول العالم. وفكرة إنشاء "القوة العسكرية الأوروبية المشتركة" جاءت في سياق مبادرة قدمتها كل من ألمانيا وبريطانيا وفرنسا في بداية العام 2004، وهي تعتبر جزءا لا يتجزأ من خطة عسكرية طموحة وطويلة الأجل للاتحاد الأوروبي، بحيث تشكل نواة لخطة "قوة التدخل السريع" أو ما يطلق عليها "القوة الضاربة" على أن يتم رفع عددها إلى 60 ألف جندي في المستقبل. ولا يمكن أن نغفل في هذا المضمار انضواء العديد من الدول الأوروبية تحت اللواء الأمريكي لحرب العراق، والانتشار المزمع لقواتها في أفغانستان، فقد تعهدت الحكومة البريطانية بنشر 3300 جنديا في أفغانستان؛ لتحل محل القوات الأمريكية التي تتولى مهام الأمن في إقليم هلمند بجنوب البلاد، ومن المقرر أيضا نشر أكثر من ألف جندي هولندي، في المناطق الجنوبية خلال الأشهر القليلة القادمة. ولا يمكن بحال فهم تلك التوجهات الاستراتيجية الأوروبية التي قد تشكل، كما سبق وذكرنا، خطا وبعدا رئيسا في العلاقة مع العالمين العربي والإسلامي، إلا في ضوء رزمة من المحددات والمفاهيم، لعل من أهمها ما يأتي: أولا: نمو النزعة المسيحية الأوروبية، وهذا ليس وليد اليوم في حقيقة الحال، ولا يقتصر على رجال الكنيسة بل تعدي إلى رجال السياسية والحكم. فقد سبق وطرحه البابا الراحل يوحنا بولس الثاني عام عندما صرح في إحدى مواعظه بأن "أوروبا بدأت تعي وحدتها الروحية وتستند إلى القيم المسيحية". وظهر ذاك الطرح مرة أخرى مع تولى بندكتس السادس عشر منصب البابوية، حيث يولي موضوع "الجذور المسيحية لأوروبا" اهتماما خاصا في أجندته. ففي محاضرة ألقاها في 27 فبراير الماضي، أثناء لقائه في الفاتيكان بمجموعة من الكهنة الأرثوذكس اليونان صرح بندكتس بقوله"علينا أن نواجه التحديات التي تهدد الإيمان، وننشر السماد الروحاني الذي غذى لقرون أوروبا، بإعادة التأكيد على القيم المسيحية، ودعم السلام والتلاقي حتى في الظروف الأكثر صعوبة، وتعميق العناصر المستمدة من الإيمان والحياة الكنسية التي من شأنها أن تؤدي إلى غاية الاتحاد الكامل في الحقيقة والمحبة". وأشار البابا إلى أن "الحوار اللاهوتي الرسمي بين الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة الأرثوذكسية في مجمله أخذ يستعيد مسيرته بهمة ونشاط"، ودعا إلى العمل المشترك بين مسيحيي الشرق والغرب "حتى تكون شهادتنا أكثر مصداقية وفعالية في عالم اليوم". وكان البابا قد شدد في وقت سابق على "الجذور المسيحية" لأوروبا خلال "صلاة التبشير" التي أقيمت في فالي دوستا شمال ايطاليا، وقال "يبدو من الطبيعي التوقف عند ما قدمته المسيحية وما زالت تقدمه من مساهمات لبناء أوروبا". وصدر ذلك الطرح سياسيا أيضا من قيادة حزب الإتحاد الديمقراطي المسيحي المحافظ في ألمانيا، حيث أعادت التأكيد قبيل تولى أنجيلا ميركيل منصب المستشارية، على أن أولوية سياسته الحكومية الخارجية ستركز على "العلاقة الخاصة" مع الولايات المتحدة الأمريكية وتنشيط آليات التعاون مع الحليف الأطلسي الأكبر، بالإضافة إلى تحديد هوية وماهية الإتحاد الأوروبي التي تقوم على الجذور والإرث المسيحي لأوروبا. كما كرر برنامج الحزب المسيحي المحافظ رفضه القاطع لانضمام تركيا للإتحاد الأوروبي وتقديمه عرضاً بديلا للحكومة التركية أطلق عليه اسم "الشراكة المميزة"، حيث ترفض ميركيل عضويتها الكاملة رفضا قاطعا، مشيرة إلا أن انضمامها إلى الإتحاد الأوروبي سيغير من "هوية أوروبا القائمة على الإرث المسيحي". فأوروبا إذن بدأت تستعيد علاقاتها التصادمية مع الإسلام، وتعيد صياغة نفسها من خلال إبراز هويتها المسيحية في مواجهة العالمين العربي والإسلامي بهويتهما المعروفة. ثانيا: البحث عن عدو مشترك لمواجهة تحديات الوحدة، ثمة حاجة أوروبية ملحة أيضا لإبراز عدو مشترك تتجمع في مجابهته وتلتقي عند عداوته الإرادات الحكومية والشعبية، وذلك بعد تردى المارد الشيوعي وزوال خطره. والنزعة المسيحية وحدها في حقيقة الأمر لا يمكنها حمل أوروبا إلى تحقيق حلمها في الوحدة، ومن هنا برز الإسلام، أو اتخذ بمعنى أدق، كعدو مشترك، وهو ما اصطلح على تسميته بظاهرة (الاسلامفوبيا)، ليزيد من حمية الاتحاد الذي يعاني من صعوبات جمة ليس أقلها النفور الشعبي المتمثل في رفض الدستور الموحد. فالشعوب الأوروبية في حقيقة الأمر ليس لديها نفس قدر حماسة الحكومات بالنسبة للحلم الأوروبي، ومن ثم فهي حتى اللحظة مترددة في قبول الكيان الأوروبي الموحد، الذي تذوب فيه الهويات وتتلاشي إلى حد كبير. فقد جاء الرفض الفرنسي والهولندي للدستور وما تلاه من توقف لمسيرة التصديق على مسودته وتأجيل عدد من الدول لتصديق عليه وفي مقدمتهم بريطانيا، ليشكل هاجسا لقادة الدول الأوروبية وإنذارا بإمكانية تقويض حلم الإمبراطورية. ففي فرنسا على سبيل المثال تجاوزت الخلافات حول الدستور الأوروبي مستوى التنافس التقليدي بين اليمين واليسار، فداخل أحزاب اليسار يعتبر معارضو الدستور أوروبا الليبرالية التي يرسخها الدستور الجديد ويطالبون بأوروبا تعطي أولوية أكثر للمسألة الاجتماعية. وأحزاب أقصى اليمين تعارض هذا الدستور كذلك من زاوية أخرى، حيث ترى فيه ذوبانا للهوية الوطنية الفرنسية، واندثارا لثقافتها، ثم يضيف هذا التيار نقطة مهمة أخرى تتعلق بالانعكاسات الممكنة لتبني هذا الدستور، أي إمكانية دخول تركيا ذات الأغلبية المسلمة للحظيرة الأوروبية. والهولنديون بدورهم يرجع رفضهم للدستور بالدرجة الأولى إلى مبررات وطنية وقومية، فهم يخشون كأمة صغيرة أن يفقدوا هويتهم وخصوصيتهم في اتحاد آخذ في التوسع، وهو ذات الموقف الذي تتخذه بولندا وأسبانيا وغيرهما من الدول قليلة الحجم والنفوذ. أضف إلى ذلك تعارض المصالح والمواقف الأوروبية في كثير من القضايا المفصلية، منها على سبيل المثال، مدى القرب من القطب الأمريكي والبعد عنه، وهو ما ظهر واضحا إبان الحرب على العراق، حيث جاء تصريح وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد بوصف الدول المعارضة للحرب بأنها تشكل أوروبا العجوز، لفصلها عن تلك الفاتنة الشابة التي وقفت بجوار أمريكا في حربها الإجرامية. هذه الفسيفساء السياسية و"الموزاييك" الثقافي، الذي يفتقد إلى لُحمة تجمعه قدر افتقاده إلى ثوابت مرجعية تحده، ربما يجد في الإسلام بغيته ليصبح العدو الظاهر الذي تجتمع القلوب والأبدان لمجابهته قبل أن يغزو الديار ويرفع فوقها رايته. وليس ذلك في حقيقة الأمر تخيلا أو أوهاما ذهنية، بل هي رؤية خالطت مشاعر وتصورات بعض الكتاب والمفكرين، فقد حققت رواية "مسجد نوتردام باريس" للكاتبة الروسية "إيلينا شودينوفا"، أعلى المبيعات في روسيا، حيث تصور الكاتبة في مؤلفها فرنسا في سنة 2040 تحت قبضة الإسلام، وقد أصبح أتباعه أغلبية وأعلنوه دين الدولة، مع تطبيق الشريعة، فانطلقت مجموعة من المسيحيين في المقاومة المسلحة!! ثالثا: الهاجس الديموغرافي، هذا التصور الذي رأته الكاتبة مسهبا في الخيال، ليس كذلك في حقيقته، فالدول الأوروبية على اختلافها تشكل لها الجالية المسلمة هاجسا ديموغرافيا مقلقا. فقد ظلت تعول أوروبا طيلة عقود من الزمن على قوة جاذبيتها وقدرتها على صهر الوافدين الجدد في بوتقتها البراقة، ولكنها تجلت خيبة آمالها، حينما اكتشفت أن جهدها وتصوراتها هباء منثورا، بعد أتضح لها أن المحرك الأساس لهؤلاء الوافدون هويتهم الدينية وثقافتهم المرجعية وليست الثقافة الوافدة التي حاولت أوروبا أن تصبغهم وتطليهم بها. وقد فسر "أوليفيي روي" في كتابه" "الإسلام المعولم" تلك الظاهرة بقوله: "من بين 379 مليون نسمة يعيشون في أوروبا، هناك اثني عشر مليونا قادمون من دول ذات ثقافة إسلامية(...)، ولقد ظنت الدول الأوروبية طيلة عقود أن نماذج كل واحدة منها سوف تسمح لهذه الجاليات الجديدة أن تجد داخلها مكانا مراهِنة في ذلك على القوة الإدماجية لبعض الأقطار التي تنعم بتهدئة وبنظام حياة قار؛ وذلك عن طريق السوق والمبادرة الفردية، أما اليوم فإن أغلب الدول الأوروبية أصبحت تعيد النظر في هذه النظرة التفاؤلية". ويفسر تلك الظاهرة بقوله: "إن الفجوة بين المجتمعات المعلمنة والجاليات التي يبقى الديني بالنسبة لها دليل سلطة وقوة أصبحت مصدر إشكال فالمتدينون الملتزمون يعتبرون القرآن مصدر تشريع يتجاوز الهويات الوطنية". وعبر عن ذلك المغزى بحث أجرته مؤسسة "صوفر" بفرنسا، أظهر أنه "في الوقت الذي كان فيه 71% من الأطفال من أصول مغاربية سنة 1993 يشعرون بأنهم أقرب إلى أسلوب الحياة وإلى الثقافة الفرنسية من أسلوب حياة عائلاتهم، تراجعت النسبة إلى
45% في عام 2003، وأدركت ألمانيا أخيرا أن 21% من المسلمين الذين يعيشون على أرضها يعتبرون الدستور الألماني غير متفق مع القرآن. والمتأمل لمجريات الأحداث أوروبيا خلال الشهور الأخيرة، يخرج بانطباع بأن الإسلام؛ إذا لم يكن عدوا مشتركا، فهو على الأقل إشكالية مشتركة وصداعا مزمنا في قلب القارة الأوروبية. وما نشرته أسبوعية "شارلي ابدو" الفرنسية الساخرة أوضح برهانا على ذلك، فقد نشرت الصحيفة بيانا يحمل توقيع 12 كاتبا بعنوان "معا ضد التوتاليتارية الجديدة: النزعة الإسلامية"، بعد عدة أسابيع من نشر الرسوم الكاريكاتورية للنبي محمد صلى الله عليه وسلم والتي نشرتها صحيفة يلاندس بوستن الدنماركية. وجاء في البيان: "بعد التغلب على الفاشية والنازية والستالينية يواجه العالم تهديدا شاملا جديدا من النوع التوتاليتاري: النزعة الإسلامية. ونحن كتاب وصحافيون ومثقفون ندعو إلى التصدي للتوتاليتارية الدينية والى إعلاء قيم الحرية ومساواة الفرص والعلمانية للجميع". وكتب الموقعون مشيرين إلى قضية الرسوم الكاريكاتورية للنبي محمد "لقد اظهر ذلك ضرورة النضال من اجل هذه القيم العالمية لا بالسلاح وإنما بالأفكار". واعتبروا أن الأمر "ليس صدام حضارات أو عداء بين الغرب والشرق وإنما معركة شاملة يتواجه فيها الديموقراطيون مع الثيوقراطيين". ومن بين الموقعين على البيان ايان هرسي علي النائبة الهولندية الصومالية الأصل وكاتبة سيناريو فيلم "خضوع"، والفيلسوف الفرنسي برتران هنري ليفي وتسليمة نسرين الطبيبة والروائية البنغالية وسلمان رشدي صاحب كتاب الآيات الشيطانية". فالحرب على الإسلام من قبل مؤسسات غربية، مستمرة، وإن اتخذت مظهرا مختلفا وأشكالا متعددة. فمن الدنمارك تأتي الإساءة للنبي الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم، وبلجيكا تُخضع منذ يناير الماضي المرشحين للحصول على الجنسية لثلاثين سؤالا عن المساواة بين الجنسين، وعن حقوق الإنسان وعن جرائم الشرف لكشف "الإرهابيين" مبكرا. وهولندا تستعد لتفرض على الأئمة دروسا لتدريبهم في نفس الوقت على اللغة الهولندية وعلى مزايا الزواج المثلي. وفرنسا طردت في الأيام الأخيرة إمامين مسلمين أعربا عن أراء وصفتها السلطات بأنها مثيرة للعنف، كما حظرت باريس ارتداء الحجاب في المدارس الحكومية. فالحرب على الإسلام ضروس، وهي إن كانت حتى الآن في إطارها الحضاري والثقافي، فإن النزعة العسكرية الأوروبية المشوبة بروح المسيحية قد تنذر بخطر المواجهة المباشرة. المصدر: العصر

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.