\r\n وقال مسؤولون في المؤتمر الوطني العراقي ان هدف الغارة كان اعتقال آراز حبيب مسؤول الاستخبارات في هذا التنظيم منذ وقت طويل، وهو يرأس شبكة من المتعاونين كانت تموَّل من قبل الحكومة الأميركية. \r\n كذلك هي الحال مع الجلبي نفسه، فهو الآخر كان هدفا لتحقيق حكومي حول ما اذا كان قد سرب أسرارا استخباراتية أميركية الى دول أجنبية بضمنها ايران، حسب قول مسؤولين استخباراتيين أميركيين، لكن محاميا للجلبي قال ان هذه الاتهامات باطلة. \r\n ويبدو ان هذه المعلومات كانت شديدة السرية وغير معروفة الا لعدد قليل من الأفراد ضمن دائرة ضيقة داخل الحكومة ولعل تسريبها يساعد على تفسير السبب الذي أدى الى فقدان الجلبي الحظوة التي ظل يتمتع بها لفترة طويلة لدى ادارة بوش. \r\n وتأتي هذه الغارة لتنهي ما كان يعتبر أهم علاقة شخصية تربط ادارة بوش بسياسي عراقي. وكانت المعلومات الاستخباراتية التي وفرتها شبكة الجلبي مع دعم أولئك المسؤولين الكبار داخل البنتاغون وراء موافقة ادارة بوش على غزو العراق واسقاط صدام حسين. لكن العلاقة تدهورت بشكل محسوس خلال الأسابيع الأخيرة مع بدء الجلبي بانتقاد الأميركيين لعدم تسليمهم صلاحيات كبيرة للحكومة العراقية بما يخص الملف الأمني وابقاء الرقابة الدولية على كيفية استخدام أموال الدولة حينما تتم استعادة السيادة الوطنية في 30 يونيو (حزيران)، كذلك تصادم الجلبي مع المسؤولين الأميركيين حول قرارهم إعادة البعثيين الى مواقع وظيفية فعالة. \r\n وقبل 4 أيام قال مسؤولو البنتاغون انهم أوقفوا الدفعات التي كانت تعطى شهريا للمؤتمر الوطني العراقي والتي تبلغ 335 ألف دولار مقابل المعلومات الاستخباراتية التي يجمعها أفراده للبنتاغون. وقد وجِّهت الى هذا التنظيم انتقادات حادة لمبالغته في عكس التهديد الذي يمثله نظام صدام حسين. \r\n ويعتبر الكثير من العراقيين الجلبي أداة بيد الأميركيين، لكن يبدو انه بدأ يستطعم أكثر دوره الجديد كضحية للأميركيين. فخلال الأشهر القليلة الأخيرة أعاد الجلبي موقعه وتحرك مبتعدا عن الأميركيين كي يكون أقرب للأحزاب الشيعية. وفي مؤتمر صحافي أجراه داخل مقره الذي كان هدفا للمداهمة، قال الجلبي ان الغرض من ذلك كان العثور على سجلات لها علاقة ببرنامج النفط مقابل الغذاء. فحسب تقرير صدر عن مكتب المحاسبة العام في واشنطن كان صدام حسين قد كسب أكثر من 10 مليارات دولار بطرق غير شرعية من البرنامج الذي كانت الأممالمتحدة تشرف على تنفيذه، وأصبحت هذه القضية موضوعا للتحقيق بالنسبة للأمم المتحدة، لكن الجلبي كان يواصل تحقيقه الخاص في هذا المجال أيضا. \r\n واعترف بول فولكر رئيس لجنة التحقيق حول برنامج النفط مقابل الغذاء بأن هناك صراعا قائما في بغداد حول الوصول الى سجلات هذا البرنامج، لكنه قال انه لا يمتلك أي معلومات حول المداهمة وفيما اذا كانت تستهدف الوصول الى وثائق من هذا النوع. وقال فولكر ان السجلات «موضع اهتمام الكثير من الناس، وهي موضع اهتمامنا أيضا لأننا نريد ان نصل اليها قبل ان تجري عليها عمليات تصفية أو تغيير». وأضاف المسؤول الدولي: «لا أدري أية وثائق تمت مصادرتها من بيت الجلبي. لكن اذا كانت هذه الوثائق لها علاقة بقضية برنامج النفط مقابل الغذاء فنحن بالتأكيد سنكون راغبين في رؤيتها أيضا». \r\n بالمقابل قال مسؤول أميركي في مؤتمر صحافي ان هدف المداهمة كان اعتقال 15 شخصا لكن لم يتم اعتقال جميعهم أول من أمس. وأضاف هذا المسؤول ان اسم الجلبي لم يكن ضمن قائمة المطلوبين. وأشار هذا المسؤول الى قاض عراقي رفض هو الآخر الكشف عن طبيعة التهم التي استوجبت صدور مذكرة الاعتقال. وقال القاضي حسين مؤذن الذي أصدر المذكرة ان التهم لها علاقة بعمليات اختطاف وسرقة سيارات والسيطرة على مرافق حكومية، لكنه رفض الاجابة عن أي سؤال آخر. \r\n لكن زملاء الجلبي في مجلس الحكم الانتقالي سارعوا الى الدفاع عنه واستنكار المداهمة. ويخشى أعضاء المجلس من اختفاء نفوذهم داخل الحكومة التي ستشرف على تشكيلها الأممالمتحدة وتتسلم الحكم يوم 30 يونيو، وهم ما زالوا تحت وطأة الصدمة التي نجمت عن اغتيال رئيس المجلس الدوري عز الدين سليم في هجوم انتحاري الاثنين الماضي في بغداد. \r\n وقال غازي عجيل الياور رئيس المجلس الجديد في لقاء معه أجرته فضائية «العربية»: «هذه اساءة، ويمكن ان تحدث لأي عضو من مجلس الحكم». ودعا الياور الى اجتماع فوق العادة لأعضاء المجلس. \r\n من جانبه، قال دان سينور الناطق الرسمي باسم بول بريمر رئيس ادارة قوات التحالف المؤقتة، ان كل الأسئلة المتعلقة بالمداهمة يجب توجيهها للشرطة العراقية. وأضاف سينور ان بريمر حول القضية الى «المحكمة الجنائية المركزية» لاجراء التحقيق بشأنها منذ عدة أشهر، وأن بريمر لا يعرف شيئا عن الغارة قبل وقوعها. لكن الكثير من العراقيين قالوا انه أمر غير قابل للتصديق ان يقوم ضباط فرض القانون العراقيون، الذين يعملون تحت امرة سلطات الاحتلال الأميركية في غياب أي حكومة ذات سيادة، بتنفيذ ذلك القرار لوحدهم. وقال عدنان الباجه جي عضو مجلس الحكم المؤقت «بالتأكيد هم يعرفون». \r\n أما سمير الصميدعي وزير الداخلية فحاول ان يعكس الغارة التي وقعت على مقر الجلبي بأنها مجرد اجراء روتيني يخص الشرطة العراقية. وقال ان الشرطة نفذت مذكرة تفتيش واعتقال وقعه قاض عراقي وان المسؤولين العراقيين طلبوا المساعدة الأميركية خلال العملية بسبب الخوف من ميليشيا الجلبي. وأضاف الصميدعي «أظن ان الناس يحاولون قراءة أشياء أكثر مما تحمله هذه الحادثة. نحن تسلمنا أوامر من القضاء على أساس التحقيقات ونحن من جانبنا بادرنا بتنفيذ الترخيص». \r\n وحسبما قال مسؤول في المؤتمر الوطني العراقي فان المسؤولين الأميركيين يحاولون ان يربطوا حبيب بتلك الشائعات التي تقول ان فعلا سيئا هو الذي كان السبب وراء صدور مذكرة الاعتقال قبل شهر لاعتقال شخص عامل في المؤتمر الوطني العراقي، وهذا الشخص يعمل أيضا مع وزير المالية العراقي. \r\n ويدعى عضو المؤتمر الوطني صباح نوري وقد تم اعتقاله على أساس تهم تزعم انه قام بجملة من الجرائم من بينها سرقة أكثر من عشرة ملايين دولار من وزارة المالية. وقال مسؤول في المؤتمر الوطني العراقي ان نوري كان قد اتُّهم بالمشاركة في أعمال «سرقة وابتزاز واختطاف وقتل». ووصفه هذا المسؤول بأنه «عضو بسيط» في المؤتمر الوطني العراقي. \r\n وخلال ساعات قليلة من وقوع المداهمة بدأ محامو الجلبي في الولاياتالمتحدة بتوجيه انتقادات حادة ضد روبرت مولر مدير مكتب المباحث الفيدرالي «إف. بي. آي» وجورج تينيت مدير وكالة الاستخبارات المركزية «سي. آي. ايه» متهمين اياهما بتنظيم «اجراء مزوق» تم تنفيذه بواسطة «الشرطة العراقية تحت قيادة الجنود الأميركيين وبعض الأفراد الذين تم التعرف عليهم باعتبارهم من مكتب المباحث الفيدرالي ووكالة الاستخبارات المركزية». \r\n وفي مقر الأممالمتحدة أثيرت أسئلة حول الجلبي في مؤتمر صحافي عقده فولكر وكان ذلك مبرمجا من قبل لكي يتحدث عن آخر معلومات في حوزته بما يخص التحقيق الذي يجري حول برنامج النفط مقابل الغذاء. وشارك فولكر في المؤتمر الصحافي ريتشارد غولدستون القاضي من جنوب أفريقيا ومارك بيث الخبير السويسري في التحقيق بعمليات غسل الأموال. وقال فولكر ان فريقا من المحققين سافر الى بغداد وظل هناك لمدة أربعة أيام سعيا لضمان تأمين الوثائق التي لها علاقة بهذا التحقيق، لكنه تجنب القول ما اذا كانوا قد التقوا بالجلبي أو بينون سيفان الرئيس السابق لبرنامج النفط مقابل الغذاء والمتهم بتسلم كوبونات نفط غير شرعية، لكنه انكر هذه التهمة. \r\n تجدر الاشارة الى ان الجلبي قد تسلم ما يقرب من 40 مليون دولار من الحكومة الأميركية خلال السنوات الأربع الأخيرة وهذا يشمل حوالي 33 مليون دولار من وزارة الخارجية الأميركية من مارس (آذار) 2000 الى سبتمبر (ايلول) 2003، وما لا يقل عن 6 ملايين دولار من وكالة الاستخبارات الدفاعية وذلك عبر أقساط شهرية تبلغ 335 ألف دولار بدأ دفعها من عام 2002. وقال مسؤولون من البنتاغون انهم سيوقفون هذه النفقات الشهرية. وعلق مسؤول من البنتاغون «نحن انهينا العلاقة كجزء من عملية تهدف الى تحويل السيادة الى حكومة عراقية مستقلة في العراق». وسبق للجلبي ان أدين قضائيا في الأردن بعد افلاس بنك البتراء سنة 1989، ووجهت له تهمة سرقة مبلغ 70 مليون دولار من البنك، وصدر ضده حكم بالسجن لمدة 22 سنة، لكن الجلبي ظل يجادل بأن سبب ادانته كان الضغط الذي سلطه صدام حسين على الحكومة الأردنية لاتخاذ قرار كهذا ضده. \r\n وكان الجلبي قد تصادم مع ادارة قوات التحالف المؤقتة حول قرار الأخيرة بالتخفيف من تنفيذ سياسة اجتثاث البعث التي كان الجلبي يشرف على تنفيذها والتي كانت تهدف الى اقصاء البعثيين عن المناصب الحكومية. وقال الجلبي ان السماح بعودة البعثيين السابقين الى الوظائف الحكومية شبيه بالسماح للنازيين الألمان بالعودة الى مناصبهم بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. \r\n لكن اعتراضات الجلبي للاجراءات الأميركية لم تكن مفاجئة. فهو كشخص معين سياسيا لا يمتلك أي شرعية لأغلب العراقيين، وهو في طريقه الى فقدان نفوذه حالما يتم تنفيذ خطة مبعوث الاممالمتحدة الاخضر الابراهيمي. وقال دبلوماسي غربي انه على قناعة كبيرة بأن الادارة الأميركية «أدركت ان الجلبي أصبح جزءا من المشكلة (العراقية) أكثر من ان يكون حلا لها». وأضاف هذا الدبلوماسي «حتى البنتاغون يرى انه أصبح سلعة فاسدة». \r\n \r\n * خدمة «نيويورك تايمز» و«واشنطن بوست» و«كريستيان ساينس مونيتور» خاص ب«الشرق الأوسط»