«تقاسم العصمة» بين الزوجين.. مقترح برلماني يثير الجدل    السفيرة الأمريكية: ملتزمون بخلق فرص اقتصادية فى مصر    قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم بلدة بيتا جنوبي نابلس بالضفة الغربية    بينها 7 رادارات، الجيش الأمريكي تعلن تدمير عتاد للحوثيين    الصحة العالمية تحذر من تفاقم الوضع الصحي في الضفة الغربية    تشكيل إسبانيا المتوقع أمام كرواتيا في يورو 2024    عروض خليجية وتركية ل«عواد».. ومُحاولات مُكثفة لتجديد عقده مع الزمالك    فيديو | جبل الرحمة يكسوه البياض في صباح يوم عرفه خلال موسم الحج 2024    خطأ شائع قد يُبطل صيامك في يوم عرفة.. يقع فيه البعض    أفضل الأعمال المستحبة في يوم عرفة 2024.. اغتمنه اليوم    5000 وجبة للوافدين.. «الأزهر» ينظم أكبر مائدة إفطار فى يوم عرفة    «غسلتها بإيدي».. لطيفة تتحدث للمرة الأولى عن وفاة والدتها (فيديو)    وفاة نائب رئيس حي ثان المحلة الكبرى بالغربية حزناً على والدته    نصائح للحجاج في يوم عرفة.. لتجنب مخاطر الطقس الحار    إصابة 3 اشخاص في مشاجرة ثأرية بين عائلتين بقرية كحك بالفيوم    ب التوقيت المحلي.. موعد صلاة عيد الأضحى المبارك 2024 في جميع مدن ومحافظات مصر    وزير النقل السعودي: 46 ألف موظف مهمتهم خدمة حجاج بيت الله الحرام    الجيش الإسرائيلي يستعد لهجوم واسع النطاق على لبنان    ضرب وشتائم وإصابات بين محمود العسيلي ومؤدي المهرجانات مسلم، والسبب صادم (فيديو)    «معلق فاشل».. شوبير يرد على هجوم أحمد الطيب    بورصة الدواجن اليوم.. أسعار الفراخ البيضاء والبيض السبت 15 يونيو 2024 بعد آخر ارتفاع    مصطفى بكري: وزير التموين هيمشي بغض النظر عن أي حديث يتقال    انتخاب سيريل رامافوزا رئيسًا لجنوب إفريقيا لولاية ثانية    أفضل دعاء يوم عرفة    ما هو يوم عرفة؟    تعرف على مساجد وساحات صلاة عيد الأضحى 2024    هبوط اضطراري لطائرة تقل وزير الدفاع الإيطالي بعد عطل طارئ    12 سيارة إطفاء تسيطر على حريق مخزن الطوابق بالجيزة| صور    بسبب جلسة شعرية محبطة.. صلاح عبد الله يروي سر ابتعاده عن كتابة الأغاني للمطربين    أحمد شوبير: فخور بالأهلي.. والزمالك لازم يظبط نفسه    مدرب إسكتلندا بعد الخسارة القاسية: لم يمنحنا الألمان أي فرصة    معهد التغذية يحذر: اللحوم المشوية على الفحم تسبب السرطان    مقرر المحور الاقتصادي بالحوار الوطني: صفقة رأس الحكمة فرصة لإعادة النظر في السياسات الاقتصادية    بطولة عصام عمر وطه الدسوقي.. بدء تصوير فيلم «سيكو سيكو»    «مرحلة ما يعلم بيها إلا ربنا».. لطيفة تكشف سبب اختفائها    أبرزهم «أفشة»| الزمالك يراقب خماسي الأهلي حالٍ رحيلهم عن القلعة الحمراء    إبادة «فراشات غزة» بنيران الاحتلال| إسرائيل على قائمة مرتكبي الانتهاكات ضد الأطفال    لمنع الإصابة بسرطان الجلد.. طبيب يحذر من التعرض لأشعة الشمس    محمد علي السيد يكتب: دروب الحج ..سيدي أبوالحسن الشاذلي 93    «العلاج الطبيعي»: غلق 45 أكاديمية وهمية خلال الفترة الماضية    وزير المالية الأسبق: أؤيد تدخل الدولة لضبط الأسعار وحماية المستهلك من جشع التجار    يورو 2024 - ناجلسمان: من المهم ألا يقتصر التسجيل على لاعب واحد.. ولهذا سعيد ل موسيالا    مصرع طالبين غرقا في نهر النيل بقرية الديسمي في الصف بالجيزة    كرة سلة - سيف سمير يكشف حقيقة عدم مصافحته لمصيلحي    بعد تدخل المحامي السويسري.. فيفا ينصف الإسماعيلي في قضية سعدو    كاف يعتمد دورات تدريبية في مصر لرخص المدربين    موسيالا أفضل لاعب في مباراة ألمانيا ضد اسكتلندا بافتتاح يورو 2024    مقرر المحور الاقتصادي بالحوار الوطني: ميزانية الصحة والتعليم اختيار وليس قلة موارد    أعراض التهاب مفاصل الركبة وطرق علاجها المختلفة    طريقة عمل لحمة الرأس مثل الجاهزة.. اعرف أسرار المطاعم    عيار 21 يعود لسابق عهده في وقفة عرفات.. أسعار الذهب اليوم بالصاغة بعد الارتفاع الكبير    حظك اليوم برج الأسد السبت 15-6-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    «زي النهارده».. وفاة وزير الداخلية الأسبق النبوي إسماعيل 15 يونيو 2009    محافظ الغربية يواصل متابعة الاستعدادات لعيد الأضحى المبارك    مصرع طفلة وشقيقتها الرضيعة سقطتا من شرفة منزلهما بالشرقية    توجيه عاجل من رئيس جامعة الأزهر لعمداء الكليات بشأن نتائج الفرق النهائية    نقيب الإعلاميين يهنئ السيسي بحلول عيد الأضحى    «التنسيقية».. مصنع السياسة الوطنية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بغداد ..التاسع من إبريل بعد أربع سنوات
نشر في أخبار مصر يوم 09 - 04 - 2007

رفع جندي أميركي صبيحة التاسع من نيسان الأسود عام 2003 اصبعين علامة النصر فوق تمثال ساحة الفردوس المتهاوي، اندفع صبية وشيخ وبطل سابق في رفع الاثقال على وقع صراخ الجنود الى مكان التمثال يحطمون ماتبقى منه ويحملونه وزر الهزيمة وسنوات الكبت والجوع والحروب والحصار والتغييب».
كان المشهد في بغداد مثالياً لاختتام فيلم يروِّج لبطل «الحلم الأميركي» الجديد وانتصارات «زعيم المحافظين» ويشرعن لعصر أميركي بامتياز، فالأسابيع الثلاثة للحرب لم تُسقط سوى 56 قتيلا ولم تكلف سوى مئات ألاف الاطنان من المتفجرات تدك بها «طائرات ب 52» العملاقة مراكز الجنود وتجمعات السكان وطرق المواصلات والكهرباء والاتصالات لتكسر النفوس المتعبة من حصار ثلاثة عشر عاماً.
بلدة صغيرة تدعى»ام قصر» في أقصى الجنوب تطلَّب احتلالها اسبوعين فيما سقطت بغداد في يومين فقط، «تبخر» الجيش العرمرم، خلع ضباطه رتبهم، رموا الأسلحة وانسلوا مشيا الى منازلهم، وكذلك فعل جيش آخر من البعثيين ورجال الأمن والاستخبارات والمخابرات كانوا حتى ساعات يهتفون «بالدم نفديك يا صدام». وصدام الذي وجد نفسه وحيداً الا من بضعة مرافقين غادر هو الأخر العاصمة التي حكمها ثلاثين عاماً.
ليس من أحد بعد أربعة اعوام من الاحتلال يتساءل: لماذا سقطت بغداد طيعة سهلة يوم التاسع من نيسان؟ ولم يعد مهماً تداول فرضيات «خيانة العسكر» او «خطط المقاومة وحرب الشوارع» فالدبابات الأميركية صارت امراً واقعاً بل انها اصبحت ضرورة لدى البعض لتجنب الحرب الأهلية!.
أربعة أعوام من الموت والدم في شوارع العراق ومنازله كانت كفيلة بتفجير اسئلة اخرى، فاذا كانت عبوات ناسفة وسيارات مفخخة ومواجهات يقودها مسلحون بإمكانات ذاتية دفعت الدولة الاولى في العالم الى عتبة الاستسلام في العراق بحثا عن «انسحاب مشرف» فبماذا كان يفكر القادة المخضرمون ايام الحرب؟!
وأين كان حينها المتحاربون اليوم على ابواب الاحياء السنية والشيعية يستعرضون مهارات قتل العراقيين والتمثيل بجثثهم وتهجيرهم من منازلهم وفرض القوانين الرجعية على حياتهم؟
مع الاحتلال ، فوق صهوة الدبابة الغازية، او خلفها، او تحت ظلالها، أقبل العشرات من طالبي ثمن «النضال» ضد صدام، تركوا منافيهم خلفهم ولونوا تواريخهم واحتلوا المنابر دفاعاً عن ديموقراطية الغزاة. لم يكن بينهم في ذلك التاريخ وحتى عام مضى من يجرؤ على ان يسمي الاحتلال احتلالاً، طالبوا بعيد وطني يوثِّق اللحظة التاريخية، وبشروا بعدل ورخاء سيجلبه للمرة الاولى منذ فجر الخليقة... محتلون.
أقبل امراء الحرب ايضاً معهم ميليشياتهم مدججة بالكراهية والارتباطات المشبوهة، ولم تترك «القاعدة» الفرصة تفوتها فارسلت الى بلاد الرافدين وفودها بحثاً عن امارة بديلة لطالبان: استخبارات، وقطاع طرق، ومارقون، وادعياء، ومحترفو قتل وتدمير، حضروا هم ايضاً في المشهد المقتطع من عمر التاريخ وحتى التاريخ كان فقد في تلك الايام دلائل وجوده في متحف بغداد العريق.
اعوام اربعة كأنها قرون... «الصبية «امام مشهد التمثال، قتل بعضهم وترك اخرون مدارسهم ومنازلهم وأحياءهم على وقع تهديدات القتل... «الشيخ» مات كمداً على ابناء غيبتهم السجون أو حشرتهم ثلاجات الموتى المجهولين... و»كاظم الجبوري «بطل الاثقال الذي حمل معوله في المشهد الشهير قادته اقدامه الى المنفى ليعلن نادماً ان «الأميركيين أسوأ من الدكتاتورية».
يعترف الحاكم المدني الأميركي بول بريمر في كتاب أصدره بعد تركه العمل السياسي ب «أخطاء» ارتكبت خلال الأشهر الأولى للاحتلال مُهملاً الاشارة الى نظرية «الفوضى الخلاّقة « التي ميّزت الخطوات الأميركية في حينه ومنها قرارات ارتبطت باسم بريمر ك «اجتثاث البعث» وحل المؤسسات الأمنية وتسريح الجيش والغاء وزارات الإعلام والتصنيع العسكري والهيئات السياسية والامنية والاقتصادية المرتبطة بديوان الرئاسة السابق وكلها قرارات وجد جراءها الاف العسكريين والموظفين ورجال الأمن انفسهم بلا عمل.
فتحت القوات الأميركية ابواب المؤسسات الحكومية والمصارف والدوائر الخدمية لعصابات النهب والسلب والحرق التي تكفلت بتحويل الأبنية الناجية من القصف الى ركام في غضون ايام.
لكن التاسيس الحقيقي للفوضى كان مع تشكيل مجلس من قادة سياسيين قدموا من خارج العراق باسم «مجلس الحكم».
ويرى أعضاء في ذلك المجلس اليوم ان نظام توزيع المناصب على اساس طائفي وعرقي كان خياراً أميركياً على اساسه رُكّبت هرميات السلطات الثلاث التي تصدَّت للشأن السياسي بالتعيين او الانتخاب.
توزيع بريمر الطائفي والعرقي للمناصب صار تقليداً سياسيا ثابتاً التزم به الجميع وقاد باعتراف الجميع ايضاً الى ترسيخ الفرز الطائفي ابتداء من رأس السلطة الى المركبات الاجتماعية نفسها التي قاومت حتى عام 2006 تصنيفها على أساس الانتماء الطائفي والعرقي.
وإضافة الى مجلس الحكم الذي تكون من 25 عضواً حكم منهم 9 شخصيات شهراً واحداً لكل منهم ، تصدى لرئاسة الحكومة الأولى بداية عام 2004 اياد علاوي (شيعي علماني) ولرئاسة الجمهورية وغازي الياور (قبلي سني) وتولى فؤاد معصوم (كردي) مهمة رئاسة مجلس مختار من شخصيات حزبية.
شهدت فترة ولاية علاوي بداية اضطرابات اعتُبرت لاحقاً مفصلية في انتاج تحولات سياسية اطاحت بسعي الاتجاه السياسي العلماني الى قيادة البلاد، أبرزها معارك الفلوجة الأولى والثانية ومعركة النجف ضد «جيش المهدي» ولم تخل المرحلة ايضاً من فساد مالي رسمي وصل الى بلايين الدولارات .
الحكومة الثانية التي تشكلت في اعقاب انتخابات قاطعها السنّة افرزت تغييراً في الخريطة لصالح تولي ابراهيم الجعفري (اسلامي شيعي) منصب رئاسة الحكومة وجلال طالباني (كردي) لرئاسة الجمهورية فيما منح منصب رئاسة البرلمان الى (إسلامي سنّي) هو حاجم الحسني.
وتميزت هذه المرحلة التي استمرت طوال عام 2005بكونها كرست فكرة الاستحواذ المذهبي على مقدرات السلطة فظهرت للمرة الأولى على السطح افكار من قبيل «المشروع السياسي الشيعي» و «دمج المليشيات في مؤسسات الدولة».
وبرز ايضاً اسم باقر جبر صولاغ وزير الداخلية في حكومة الجعفري الذي اتهم من اطراف معارضة باختراع «فرق الموت « التي ارتكبت جرائم ذات بُعد طائفي مستخدمة امكانات الأجهزة الأمنية التي تشكلت بدورها من عناصر ميليشيات دمجوا بصورة رسمية في جهازي الشرطة والحرس الوطني ويدينون بالولاء لأحزابهم.
وشهدت مرحلة الجعفري على نحو لافت اقرار مسودة دستور عراقي دائم استمد معظم نصوصه من قانون ادارة الدولة الذي صيغ على يد بريمر.
الدستور الجديد انتج منعطفين سيقودان مصير البلاد الى المجهول في العامين التاليين، فهو من جهة افرز للمرة الاولى تكتلاً سياسياً سنياً على غرار التكتل الشيعي لينهي امال الاحزاب التي تطمح الى عبور الطوائف، وخلق في الجسد العراقي فجوات من الصعب ردمها كالنظام الفيديرالي ومخاوف التقسيم وتوزيع الثروات واضعاف السلطة المركزية وتمييع الهوية الوطنية وشرعنة اسلوب حل قضية كركوك عبر قانون التطبيع المقر عهد المجلس الحكم اضافة الى تكريس شكل الحكم وترسيخ نظام المحاصصة الطائفية.
الفوضى السياسية المدمرة ورثتها حكومة نوري المالكي عن سابقاتها، فاحتفظت بالتقسيم الطائفي لوزاراتها في صيغة «حكومة الوحدة الوطنية» وتقاتل السنة والشيعة والاكراد سياسياً طوال اشهر لضمان حصة في الحكومة والقرار كما تقاتلوا بواسطة المسلحين على الارض للتنفيس عن الاختناقات في اعلى قمة الهرم.
تبادل اطراف الحكومة ومازالوا الاتهامات ونصب المكائد، كما تبادل المسلحون والمليشيات قذائف الهاون والاغتيالات ، وتحولت احياء بغداد الى ساحة صراع طائفي لتكريس تقسيم مذهبي يضمن «رصافة» شيعية و «كرخ « سني وأيضاً «كركوك» كردية.
العنقاء ورماد الإحباط
من تحت رماد اليأس والإحباط ولد مشروع «المقاومة الوطنية « منتصف عام 2003، كانت ولادة طبيعية تعكس واقع الاحتلال حسب المسلحين الذين تصدوا للمشروع ،فيما اعتبره سياسيون وأحزاب في المرحلة الاولى حركة انتقامية لأنصار النظام السابق والبعثيين بهدف العودة الى السلطة.
تفيد الارقام المعلنة لعمليات المجموعات المسلحة التي انبثقت منذ الاشهر الاولى للاحتلال ومنها «الجيش الاسلامي» و «كتائب ثورة العشرين» و «جيش المجاهدين» و «حركة المقاومة» (جامع) و «كتائب الناصر صلاح الدين» اضافة الى «جيش المهدي» بتنفيذ 175 عملية كبيرة ضد القوات الأميركية (عبوات ناسفة سيارات مفخخة مواجهات مسلحة) خلال عام 2003 و 655 عملية عام 2004 حسب تقارير الخارجية الأميركية. لكن العدد ارتفع عامي 2005 و2006 ليصبح ما بين 2000 و3000 عملية وارتفعت بدورها العمليات الانتحارية من 20 عملية شهرياً عام 2003 الى 48 عملية عام 2004 ثم الى 70 عملية خلال عام 2005 و75 عملية شهرياً عام 2006.
وارتفع القتلى في صفوف القوات الأميركية حتى يوم الجمعة 6 نيسان 2007 الى 3260 جندياً فيما بلغ عدد القتلى البريطانيين حتى اليوم نفسه نحو 140 قتيلا و نحو 124 قتيلاً من الجنسيات الأخرى: 18 أوكرانياً و20 بولندياً، و32 إيطالياً، و13 بلغارياً، و11 إسبانياً، و4 دنماركيين، و 5 استراليين و3 سلوفاكيين، وقتيلان لكل من السلفادور وإستونيا وهولندا ورومانيا وتايلند، وقتيل واحد لكل من هنغاريا وكازاخستان ولاتفيا)
ووصل عدد الجرحى الأميركيين حسب الاحصاءات الأميركية حتى نيسان الجاري الى 24476 يعاني 10913 منهم اصابات بالغة الخطورة وكان شهر تشرين الثاني – (نوفمبر) الاكبر في عدد الاصابات التي بلغت نحو 1430 اصابة فيما قتل 112 جندياً أميركياً في شهر كانون الاول (ديسمبر) 2006 .
تجدر الإشارة الى ان الأرقام التي وردت اعلنتها الجهات الأميركية، وفي المقابل تمتلك المجموعات المقاتلة في العراق احصائيات اخرى تتحدث عن 30 الف قتيل أميركي و120 الف جريح وتقول إن الاعلانات الرسمية الأميركية تشمل الجنود الذين يحملون الجنسية الأميركية فيما ان عماد القوات الأميركية في العراق هو من المرتزقة وطالبي الجنسية من دول فقيرة يتم تجنيدهم عبر شركات أمنية.
تكلفة الحرب على العراق هي الأخرى وصلت مطلع عام 2007 الى أكثر من 2.3 تريليون دولار وهي في تصاعد مستمر ما شكل عامل ضغط استخدمه الديموقراطيون في الكونغرس أخيراً ضد الرئيس الأميركي لمساومته على جدولة الانسحاب.
القاعدة تقلب المعادلة
لم يكن دخول تنظيم «القاعدة» العراق مبكراً على عكس الاتهامات التي سيقت أميركياً لتبرير الحرب فالتنظيم حسب مطلعين على واقع العمل المسلح في العراق حضر ميدانياً اوائل عام 2004 مع مجموعات صغيرة انسحبت من «جيش محمد» الذي كان يستوعب المقاتلين العرب حينها.
ونشرت صحيفة «واشنطن بوست» الجمعة تقريراً لوزارة الدفاع الأميركية كان مصنفاً سرياً ذكر ان الاستجواب الذي خضع له صدام حسين والوثائق الرسمية التي عثر عليها في العراق بعد التدخل العسكري الأميركي في 2003، تؤكد ان النظام العراقي لم يتعاون مع «القاعدة». مشيراً الى ان المعلومات الاستخباراتية التي جمعها البنتاغون ووكالة الاستخبارات المركزية (سي اي ايه) قبل اذار (مارس) 2003 خلصت الى ان الحكومة العراقية لم تقم باتصالات مهمة مع «القاعدة».
وتؤكد الوقائع ان عناصر «التوحيد والجهاد» الذين تمركزوا بصحبة زعيمهم أبو مصعب الزرقاوي في قرى كردستان النائية وجدوا ان توفير الانتحاريين وتأمين حركتهم وطرق وصولهم الى المجموعات المسلحة هو المنفذ الوحيد للتواجد في محيط عراقي صعب المراس .
اتبع التنظيم اسلوب تبني العمليات الأشد فتكاً بالأهالي وشرعن لعمليات انتحارية تقتل جندياً أميركياً في مقابل عشرات الأبرياء من الأهالي باستخدام مصطلح «التترس» ثم طور عملياته تباعاً لتشمل عناصر الشرطة والجيش والموظفين الحكوميين والصحافيين وصولاً الى اعلان الحرب الشاملة على شيعة العراق منتصف عام 2005 فكانت الشرارة التي اطلقت العنان للحرب المذهبية.
سلوك «القاعدة» المتشدد ازاء المعارضين لها انسحب الى صراع دفين مع المجموعات المسلحة الأخرى واتخذ طابع عمليات الاستقطاب لاتباعها وقطع خطوط امدادها والاستيلاء على مخازن سلاحها.
ومع مقتل زعيم التنظيم على يد القوات الأميركية منتصف عام 2006 واعلان «ابو حمزة المهاجر» زعيماً جديداً اتبع الاخير تكتيك الزرقاوي الذي شكل مايسمى «مجلس شورى المجاهدين» عام 2005 وطلب من المجموعات الاخرى الانضمام اليه موحيا بعدم تبعية التنظيم الجديد ل «القاعدة» فكراً وتنظيماً.
المهاجر خطا ابعد من ذلك معلنا تأسيس مايسمى «دولة العراق الاسلامية» وسلم زعامتها الى أبو عمر البغدادي الذي لا تعرف على وجه التحديد شخصيته الحقيقية و دوره في التنظيم الجديد وان كانت مجموعات «القاعدة» بايعته «اميراً للمؤمنين» في دولة تستقطع من العراق محافظات الأنبار وبغداد وصلاح الدين وديالى والموصل يندرج عملياً ضمن نظرية تقسيم العراق الى ثلاث دويلات سنية وشيعية وكردية.
صراع «القاعدة» مع المجموعات المسلحة سبقه صراع دام مع العشائر السنية في المدن السنية قاد الى حرب سنية – سنية معلنة شملت قتال جماعات من داخل عشائر البو عيسى والبو نمر وغيرها.
وأورد «الجيش الاسلامي» أخيراً في بيان نادر من نوعه تفاصيل عن ذلك الصراع الذي قال ان «مجموعات المقاومة حاولت تجنبه للتركيز على قتال القوات الأميركية».
وإضافة الى تكفير الشيعة وقتل الشرطة والجيش والموظفين والاسهام في تقسيم العراق والمطالبة بقتال الطوائف العراقية الاخرى كانت الهوة تزداد اتساعاً بين «القاعدة» ومجموعات المقاومة العراقية لتتحول الى مواجهات شبه يومية وعمليات اغتيال متبادلة.
من جهتها دخلت عناصر المليشيات المسلحة الى ساحة المواجهة الطائفية في مواجهة «القاعدة» واتخذت من تفجيرات سامراء في شباط (فبراير) 2006 مسوغاً لاستعراض قوتها واسهم غياب التنظيم والاستقطاب الخارجي في تحول «جيش المهدي» التابع للزعيم الشيعي مقتدى الصدر من جبهة مناهضة الاحتلال الى سلاح مواجهة طائفية بموازاة «القاعدة»، ودخلت المجموعات المسلحة الأخرى مرغمة ساحة الصراع الجديدة التي ضاعفت فوضى العراق وقادت الى واقع مذهبي مرير تعددت أوصافه لتجنب الاشارة الى حرب أهلية.
العراقيون وثمن الاحتلال
تشير الإحصاءات الرسمية العراقية الى سقوط ما يقارب 125 الف قتيل عراقي لاسباب تتعلق بعمليات القوات الأميركية واعمال العنف المتبادلة فيما اشارت دراسة أجرتها جامعة جون هوبكنز الأمريكية دُعمت من قبل 27 خبيراً وعالماً الى سقوط نحو 655 الف قتيل مدني عراقي حتى نهاية عام 2006 وهو ما ترفضه الحكومتان العراقية والأميركية وتؤكدان ان هذه الارقام تشمل موتى لأسباب طبيعية.
عدد القتلى مجهولي الهوية الذين تعثر عليهم الشرطة العراقية بلغ نحو 15 الف جثة دفن منها في مقبرة للمجهولين في كربلاء نحو 6000 جثة فيما اعلنت المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة ، ان 600 لاجئ فلسطيني قتلوا حتى الآن في أعمال العنف المستمرة في العراق.
الصحافة العراقية دفعت هي الأخرى ضريبة الاحتلال بسقوط نحو 220 صحافياً عراقياً حسب مرصد الدفاع عن الحريات الصحافية فيما اسهمت الضغوط الرسمية والحزبية في تقويض النشاط الاعلامي في العراق وتجيير نسبة كبيرة منه لصالح الجهات السياسية المتصارعة.
السنوات الأربع للاحتلال انتجت ايضاً 3.7 مليون لاجيء عراقي 2 مليون منهم خارج العراق و1.7 مليون داخل العراق، وتتوقّع اللجنة العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة وصول عدد النازحين داخلياً الى 2.3 مليون نازحاً بحلول نهاية هذا العام والرقم يتناغم مع تزايد اعداد المختطفين مجهولي المصير الى 10 الاف مختطف وتضاعف المعتقلين في سجون عراقية وأميركية الى نحو 24 الف معتقل.
والفرز المذهبي الذي قاده مسلحون وميليشيات في احياء بغداد قاد بدوره الى تحول احياء مثل الكاظمية والصدر والشعلة والحرية وبغداد الجديدة والشعب والطالبية الى كانتونات شيعية خالصة، وأحياء أخرى مثل الأعظمية والغزالية والعامرية والعدل وابو غريب الى احياء سنية بامتياز بعد ان كانت جميعها مختلطة مذهبياً قبل ايام من الاحتلال.
والفرز قاد الى تحول اساتذة جامعة شيعة للتدريس في الجامعة المستنصرية وانتقال الاساتذة السنة الى جامعة النهرين، بعد خسارة نحو 200 استاذ جامعي حياتهم في عمليات اغتيال مباشرة وهجرة مئات من الكفاءات العلمية والاطباء والعلماء الى الخارج طلباً للأمن.
مافيا تجار الحرب
تحول العراق في غضون اربع سنوات الى اكبر تجمع لمافيا الفساد وانتقل الحديث عن التحرير سريعاً الى حديث عن «اكبر فضيحة فساد في التاريخ «
تبخر في فترة حكم بريمر 37 بليون دولار في عقود إعمار وهمية وتكاليف خيالية للتأمين والنقل والتنفيذ في مشاريع نفذتها على الورق شركات عالمية كبرى حسب تقرير «المفتش الأميركي الخاص حول إعادة إعمار العراق» ستيوارت بوين في عام 2005 ، وأشار تحقيق في كيفية إنفاق عائدات النفط العراقي خلال الأشهر ال 15 الأولى بعد الغزو، إلى انفاق تسعة مليارات دولار من دون تدقيق مناسب.
وأشارت «الهيئة العراقية العليا للتدقيق في الحسابات» التي أسست في عام 2004 إلى فساد واسع النطاق في الوزارات العراقية، خصوصاً في وزارة الدفاع.
وقالت هيئة النزاهة الحكومية ل «الحياة» إنها تحقق في نحو 2600 دعوى فساد تبلغ قيمتها نحو 80 بليون دولار منذ بداية الاحتلال حتى هذه اللحظة تشمل وزراء في الحكومات المتعاقبة ووكلاء وزارة وضباط شرطة وجيش ومتنفذين في احزاب السلطة.
ولاتخفي الهيئة ضغوطاً تواجهها من جهات سياسية وحكومية لايقاف تحقيقاتها فيما تتهم جهات معارضة للحكومة الهيئة بتسييس قضاياها لصالح الأحزاب المتنفذة.
علامات لوحة مشوّهة
- اعتبر عراقيون حمل الجنود الأميركيين قطع حلوى وهدايا للأطفال في الاحياء السكنية خدعة لاستخدام الصبية دروعا تمنع استهدافهم
- تحول السياسيون المطالبون بجدولة الانسحاب الأميركي عام 2006 الى التمسك ببقاء القوات الأميركية حماية من الميليشيات، فيما اصبح السياسيون الذين بشروا بالمشروع الأميركي من اشد المطالبين بجلاء المحتل.
- تضاعفت اعداد المقاتلين العراقيين في صفوف الشرطة والجيش في غضون اربع سنوات الى نحو 150 الف مقاتل فيما تضاعفت اعداد المسلحين والميليشيات الى ضعف هذا العدد.
- تفنن المتطرفون في تشويه جثث المختطفين فاستخدموا المثقاب الكهربائي وتقطيع الأوصال والكي والحرق وقطع الرؤوس وبعضهم شق البطون وحشاها بالحصى.
- هجر آلاف الاطفال مدارسهم تحت مطرقة العنف اليومي وصارت لعبهم اسلحة ودبابات نقاط تفتيش وهمية تماهياً مع عناصر الميليشيات.
- يعاني 60 في المئة من العراقيين من البطالة
- سار الجنود الأميركيون في نيسان 2003 في شوارع بغداد بزهو الجيش المنتصر لكنهم في نيسان 2006 يتجنبون الحضور الى الشوارع «غير الصديقة».
- عام 2007 شهد «مذبحة المروحيات» اذ بعد اربعة اعوام صار لدى المسلحين امكانات عسكرية متطورة لإسقاط نحو 13 مروحية في شهرين
- يأمل العراقيون ان لا تتحول أزمة كركوك الغنية بالنفط شمالاً الى مشكلة العام الخامس.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.