في غضون العقد المقبل، سيصبح ما يربو على خمسة مليارات شخص متصلين بشبكة الإنترنت، لكن مجموعة «فريدوم هاوس» المعنية بحقوق الإنسان تشير إلى أن أكبر الزيادات ستكون في المجتمعات التي تخضع لرقابة شديدة على الشبكة العنكبوتية، حيث يعني الاطلاع على مقال مثير للمعارضة الزجّ بعائلة بأسرها في السجن أو ما هو أسوأ من ذلك. ولا تبدو التفاصيل جيدة، ففي روسيا حظرت الحكومة عشرات الآلاف من مواقع المعارضين، ومن بينها مدونات «ورد برس» و«وكيبيديا الروسية»، وفي فيتنام تم سنّ قانون جديد يطلق عليه اسم «المرسوم رقم 72»، يجرّم توزيع محتويات تعارض الحكومة على الشبكة العنكبوتية أو نشر أخبار عبر شبكات التواصل الاجتماعي. وفي باكستان، تم استبدال المواقع التي كانت متاحة قبل عامين فقط، مثل «تومبلر» و«وكيبيديا» و«يوتيوب»، برسالة «تصفح بأمان». وتتنوع آليات القمع، لتشمل «الفحص الشامل للرسائل»، والتي تمكن السلطات من تعقب أية رسائل غير مشفرة يتم إرسالها عبر البريد الإلكتروني، والمواقع التي تتم زيارتها والمدونات التي يتم نشرها. وعندما يتم اكتشاف أنشطة معارضة، يتم حظر الوصول إلى مواقع أو خدمات محددة أو إعادة التوجيه، وإذا أخفقت جل هذه الجهود، يمكن إبطاء خدمة الإنترنت بأكملها لمستخدمين معينين أو قطاعات مستهدفة. وفي حالات أخرى، مثل أوكرانيا، يتم إغلاق المواقع عن طريق «هجمات قطع الخدمة»، حيث يتم إغراق النظام بطلبات رقمية مفرطة، أو عن طريق فصل الخدمة بإضعاف نظام الإنترنت المحلي، وهو ما يعيق الوصول إلى المواقع بصورة غريبة. ويمكن حظر كافة فئات المحتويات الرقمية أو إفسادها بصورة جماعية في إيران، حيث يتم قطع كافة الاتصالات المشفرة بصورة دورية وإعادة تشغيلها تلقائياً. لكن ما مدى شيوع أساليب الرقابة على الإنترنت؟ الحقيقة أن البيانات الموثوقة بشأن هذا الأمر نادرة، لاسيما أن أنماط قياس الرقابة لها مخاطرها، فإذا حاول شخص التأكد بصورة متكررة من أن محتوى «معارض» تم حظره، فإنه قد يصبح هو نفسه هدفاً. وفي حين أن الوسائل التكنولوجية للرقابة تقدر بمليارات الدولارات، فإن أساليب قياس وتقييم القمع الرقمي لا تحصل سوى على بضعة ملايين من الدولارات كتمويل من القطاعين الحكومي والخاص. ورغم أن بعض المراكز الخاصة والأكاديمية، مثل «سيتيزن لاب» في تورنتو، تدشن أدوات «اكتشاف»، لكن لا يزال من المبكر التمكن من وضع خرائط للوصول إلى الرقابة الرقمية. وبالطبع، يعتبر الاكتشاف مجرد خطوة أولى على طريق الهجمات المضادة للرقابة، لكن الخطوة التالية هي تقديم أدوات لتقويض أجهزة المراقبة والتصفية. وبالفعل، تم وضع أسس العمل، فعلى مدى سنوات، تعاونت مجتمعات المهندسين النشطة من سان فرانسيسكو إلى بكين في تشذيب الوسائل التكنولوجية من أجل حماية المعارضين السياسيين من المراقبة، ومن هذه الأدوات برنامج «تور» الذي يستخدمه معارضون على دراية واسعة بالتكنولوجيا في أنحاء العالم منذ أكثر من عقد. وفي أسفارنا إلى كوريا الشمالية ودول أخرى يهيمن عليها قمع الرقابة على الإنترنت، وعندما قابلنا معارضين وأفراداً في أقليات تتعرض لمضايقات، تفاجأنا بأن أعداداً قليلة تستخدم أنظمة مثل «تور». ولعل «الثقة» هي أكثر القضايا الجوهرية، ففي إيران تبيع المتاجر عبر شبكة الإنترنت برامج وخدمات تعد باستخدام آمن للشبكة العنكبوتية، لكن هناك شائعات منتشرة بأن هذه الخدمات تقدمها الحكومة الإيرانية سراً، ويمكن مراقبتها أو إغلاقها في أي وقت. ومن المشكلات الأخرى «إمكانية التوسع»، حيث تسمح الشبكات الخاصة للمستخدمين في مناطق تعاني من رقابة قمعية، مثل سوريا، ب«إحالة» الاتصالات عبر شبكات وسيطة في أماكن أكثر انفتاحاً مثل النرويج، لكن عندما يتصل آلاف المستخدمين بوسيط واحد، تلاحظ ذلك الحكومة فتغلقها. ويكمن التحدي الأخير في «إمكانية الاستخدام»، إذ يمكن للمهندسين تصميم لوغاريتمات أو بروتوكولات متطورة، لكنها لا تكون مفيدة إلا إذا أمكن لأعضاء المعارضة اكتشاف كيفية تشغيلها على هواتف محدودة الإمكانيات. وبالطبع، هذه التحديات ليست جديدة، بل الجديد هو إمكانية التغلب عليها إذا ما قدمنا الاستثمارات الحكومية والخاصة الملائمة. وقد أصبحت هناك برامج تستخدم لوغاريتمات عبر شبكات غير مركزية تمكن المستخدمين من الاتصال بالإنترنت عبر كمبيوتر آخر وسيط من دون الاضطرار إلى الذهاب عبر «شبكات خاصة افتراضية»، وهو ما يساعد في مواجهة تحديات «الثقة» و«إمكانية التوسع»، وإن لم يكن بصورة كاملة. وبات الآن من الممكن استخدام شبكات مثل «فيس بوك» و«جوجل هانج أوتس» في التأكد من هويات الآخرين. وفي النهاية، هناك تطورات ضخمة في أساليب التصميم الملائمة لخبرات المستخدمين، فبات استخدام شبكة الإنترنت أكثر سهولة، وينطبق ذلك أيضاً على تحجيم تكنولوجيا الرقابة، وهو ما يعني أن النشطاء سيواجهون تحديات أقل في استخدام الشبكة العنكبوتية بأمان. ويقود جزء كبير من المعركة ضد الرقابة نشطاء حركة حرية الإنترنت، ويمكننا الانضمام إلى هذا المجتمع المفتوح، سواء أكنا صناع سياسات أو مؤسسات أو أفراداً، ومن الممكن أن تحدث الأموال ومهارات التشفير والمنح الحكومية اختلافاً كبيراً في هذا الشأن. وفي ضوء الطاقات والفرص السانحة، من الممكن إنهاء قمع الرقابة على شبكة الإنترنت في غضون عقد من الزمن، وإذا كنا نرغب في أن يكون الجيل المقبل من المستخدمين أحراراً، فليس ثمة خيار آخر. نوع المقال: عام