يعترف الاتفاق النووي المرحلي الذي وُقع مع إيران بأنه لا مجال لإزالة البرنامج النووي لطهران، وبأنه لا تشديد العقوبات ولا التهديد بالضربات العسكرية من شأنه تغيير هذا المعطى، لتبقى الفرصة الأكبر أمام الولاياتالمتحدة والدول الأوروبية وبلدان الشرق الأوسط الحليفة في منع إيران من تطوير قدرات نووية عسكرية، هو بالضبط ما نص عليه الاتفاق الذي أبرم صبيحة الأحد الماضي في جنيف بضرورة الانتقال من الاتفاق المؤقت إلى «حل شامل ومتوافق عليه وطويل الأمد يحصر البرنامج النووي الإيراني في طابعه السلمي»، لكن دون هذا الطموح العديد من العقبات، حيث يتعين كخطوة أولى التحقق من أن مجموعة الدول الخمس زائد واحد ومعها إيران ستفي بالتزاماتها. لا شك أن هناك بعض النقاط الصعبة العالقة التي يتعين معالجتها، وهو ما دفع القوى المفاوضة إلى تشكيل لجنة للمتابعة تراقب مدى تطبيق الاتفاق، كما ستعمل اللجنة على معالجة الانشغالات التي كانت تبديها الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بما فيها الأنشطة الجارية في موقع «بارشين» الذي يعتقد أنه المكان الذي يضم الأبحاث العسكرية. ومع أن بعض منتقدي الاتفاق ما زال يطمح في وقف كلي للتخصيب الإيراني، إلا أن واقع الأحداث تجاوز هذا المطلب، لا سيما وأن الاتفاق يشير بوضوح إلى أن أي حل طويل الأمد سينطوي على «برنامج للتخصيب متوافق عليه بقيود عملية وإجراءات شفافة لضمان طابعه السلمي». ويجدر التذكير هنا أن بلدان (الخمسة زائد واحد) تتوافر على منشآتها الخاصة بالتخصيب، ما يعني أن الأسئلة الحقيقية تتجاوز مسألة التخصيب التي اعترف بها الاتفاق إلى التفاصيل مثل مستوى التخصيب الذي ستعتمده إيران وقدرتها على الانطلاق نحو الدرجة المفضية إلى السلاح، هذه الأسئلة يجيب على جزء منها اتفاق جنيف بمنع إيران من المضي قدماً في البرنامج النووي خلال الفترة المؤقتة على أن يتم التوصل إلى حل دائم. وفي تفاصيل الاتفاق، تعهدت إيران بعدم تخصيب اليورانيوم فوق 5 في المئة خلال الستة الأشهر المحددة، وعدم رفع قدرتها التخصيبية، أو الزيادة في حجم مخزونها من اليورانيوم المخصب بدرجة 3.5 في المئة، كما ستعمل إيران أيضاً على التخفيف من كثافة مخزونها من اليورانيوم المخصب لدرجة 20 في المئة، وهو المستوى الذي تقول إنها تحتاجه لتصنيع النظائر الطبية، والأكثر من ذلك التزمت طهران بالحد من إنتاج أجهزة الطرد المركزي والاكتفاء باستبدال تلك القديمة والمعطلة بدل تركيب النسخة الجديدة من تلك الأجهزة التي تتوافر عليها بالفعل، كما قالت إيران إنها لن تنشئ مواقع جديدة للتخصيب وستوقف نشاطها في مفاعل «آراك» للماء الثقيل، والجديد أيضاً في الاتفاق هو الدور المهم الذي سيضطلع به مفتشو الوكالة الدولية للطاقة الذرية لفرض احترام البنود المنصوص عليها، وذلك من خلال تكثيف عمليات التفتيش التي ستجري يومياً وستطال المنشآت الأساسية في نطنز وفوردو. وفي مقابل كل ذلك وافقت الدول الخمس زائد واحد بوقف جزئي للعقوبات التي تحد من مبيعات النفط الإيراني، وتعليق ما يطال منها البنية التحتية لإنتاج النفط وخدمات النقل، بالإضافة إلى الإفراج عن 4.2 مليار دولار من مداخيل النفط، كما ستُعلق العقوبات الأخرى التي تطال الذهب والمعادن النفيسة وصادرات إيران من الصناعة البتروكيماوية بمداخيل تصل إلى 1.5 مليار دولار، وبالطبع لن يكون هناك عقوبات جديدة من مجلس الأمن الدولي والاتحاد الأوروبي مرتبطة بالبرنامج النووي الإيراني، ولا بد من التذكير أنه في الوقت الذي كانت فيه العقوبات موجهة للبرنامج النووي الإيراني على أمل إيقافه، فإنها في الحقيقة أثرت على الجمهورية الإسلامية بصفة عامة، كما أن بعض المتشددين في دوائر القرار الأميركي حاولوا من خلال العقوبات تغيير النظام، هذا ناهيك عن أن العقوبات نفسها، ورغم تشديدها على مدى السنوات الماضية، لم توقف النشاط النووي الإيراني، حيث ارتفع عدد أجهزة الطرد المركزي من 12 ألف رُكبت في 2012 إلى 19 خلال العام الجاري، وإذا كانت العقوبات القاسية على الاقتصاد بالتحديد هي ما دفعت إيران للجلوس إلى طاولة المفاوضات، إلا أن ذلك تم فقط بعد نضوج البرنامج النووي، وفي جميع الأحوال ستكون الأشهر الستة المقبلة فرصة جيدة لكي تجري الولاياتالمتحدة نقاشاً جاداً حول الخطر الذي يمثله البرنامج النووي الإيراني. والتر بنكوس كاتب ومحلل سياسي أميركي نوع المقال: سياسة دولية الولاياتالمتحدة الامريكية