هناك أربعة أشياء ضرورية لابد منها : أولا : ابدأ برغبة قوية إن هذه ذو أهمية كبرى أكثر مما تتصور . فإذا استطاع الأستاذ مثلا أن ينظر إلى عقلك وقلبك ويتأكد من عمق رغباتك ، فإن باستطاعته التنبؤ من سرعة التقدم الذي ستحرزه ، فإن كانت رغبتك شاحبة وهزيلة ، فإن إنجازاتك ستأتي على منوالها ، لكن إذا ما تتبعت موضوعك بإصرار وحيوية ، فما من شيء تحت السماء يستطيع أن يهزمك . لذلك وجه اهتمامك باتجاه دراسة الذات ، عدد فوائدها بما ستعينه لك وفكر بالثقة بالنفس والقدرة على الحديث بشكل مقنع أكثر أمام الجمهور ، فكر بما يكن أن يعنيه وما الذي يجب أن يعنيه ماديا . فكر بما يمكن أن يعنيه على الصعيد الاجتماعي . فكر بزيادة النفوذ الشخصي والزعامة التي سيمنحك إياه . قال تشونسي م ديبيو : ليس هناك إنجاز يستطيع أي إنسان أن يحقق من خلاله ذاته ويضمن لنفسه مقاما رفيعا مثل القدرة على الحديث بشكل مقبول . واعترف مرة أحد الخطباء قائلا : قبل دقيقتين من البدء بالخطاب ، أفضل لو أنني جلدت على أن أستهل خطابي ، لكن بعد دقيقتين ، أفضل أن أقتل على أن أتوقف " . لدى بذل أي مجهود ، يصاب بعض الأشخاص بالضعف ويسقطون فى بداية الطريق ، لذا يجب أن تظل تفكر بما ستعينه لك تلك المهارة فى الخطابة حتى تبقي رغبتك قوية صادقة . باختصار، اجعل من إمكانية المضي فى ذلك أمرا جنوده على صخور دوفر الكلسية واجعلهم ينظرون إلى الأمواج المترامية على انخفاض مئتي قدم . ولما رأوا ألسنة النيران تلتهم السفن التي كانوا يركبونها ، ادركوا أنهم أصبحوا فى بلاد العدو ، وفقدوا الروابط الأخيرة بالقارة بعدما أحترقت وسائل التراجع ، ولم يبق سوى شيء واحد أمامهم : التقدم والفتح ، وهذا تماما ما فعلوه . تلك كانت روح القيصر الخالدة لما لا تتخذها فى حرب إبادة ضد الخوف الأحمق من الجمهور . ثانيا : أعرف تماما ما الذي سنتحدث بشأنه لا يستطيع الإنسان أن يشعر بالارتياح حين يواجه مستمعيه إلا بعد أن يفكر مليا ويخطط حديثه ويعرف ما الذي سيقوله ، لانه إن لم يفعل ذلك ، سيكون كالأعمى الذي يقود أعمى فى مثل تلك الظروف ، يجب ان يكون الخطيب واع لنفسه وأن يشعر بالندم والخجل لاهماله . كتب بيدي روزفلت فى مذكراته : " أنتخبت إلى المجلس التشريعي فى خريف سنة 1881 . وقد وجدت نفسي أصغر رجل فى المجلس . ومثل سائر الشبان والأعضاء غير المتمرسين ، وجدت صعوبة بالغة فى تعلم الخطابة . وقد أستفدت كثيرا من نصيحة رجل ريفي عجوز – الذي كان من دون وعي يشرح عن دوق ويلينغتون ، الذي كان نفسه يشرح عن شخص آخر – والنصيحة هي : لا تتكلم حتى تتأكد أن لديك ما تقوله ، واعرف عما ستتحدث ثم قله واجلس " . كان يجب على الرجل الريفي الذكي هذا أن ، يخبر روزفلت بنصيحة آخرى تساعده فى التغلب على العصبية ، كان يجب أن يضيف : " ما يساعدك على طرح الإحراج جانبا هو أن تجد ما تفعله أمام الجمهور ، ان نستعرض شيئا ، أن تكتب كلمة على اللوح أ تشير إلى نقطة على الخريطة أو أن ترفع بعض الكتب والأوراق ، إذ أن أي نشاط جسدي يخفي هدفا وراءه ، ربما يساعدك على الطمأنينة وراحة البال " . حقيقة ، ليس من السهل دائما أن تجد سببا للقيام بمثل تلك الأشياء ، لكن يبقى ذلك اقتراح استخدمه إذا استطعت ، لكن فى المرات الأولى فقط . فالطفل لن يتمسك بالمقاعد حين يتعلم المشي . ثالثا : تصرف بثقة كتب أحد أشهر علماء النفس الذين أنجبتهم الولاياتالمتحدة ، البروفيسور وليم جايمس ما يلي : " يبدو أن الفعل يلي الشعور ، وفى الواقع الفعل والشعور يسيران معا ، ومن خلال تعديل الفعل الذي هو ضمن سيطرة الإرادة أكثر ، نستطيع أن نعدل الشعور بشكل غير مباشر " . وهكذا فإن الطريق إلى الفرح ، إذا ما فقد فرحنا التلقائي ، هو ان نتحدث وكأننا فرحين مسبقا . فإن لم يستطيع هذا التصرف أن يجعلنا نشعر بالفرح ، لن يستطيع أي شيء أن يجعلنا نشعر بالفرح ، لن يستطيع أي شيء أن يجعلنا كذلك . وهكذا ، لكي تشعر بالشجاعة ، تصرف وكأنك شجاع . استخدم إرادتك كلها فى سبيل ذلك ، وهي المحتمل ان تحل الشجاعة محل الخوف . طبق نصيحة البروفيسور جايمس . ولكي تنمي الشجاعة حين تواجه جمهورا ، تصرف وكأن لديك تلك الشجاعة . وطبعا ، إذا لم تكن مهيئا لذلك ، فإن كل التماثيل فى العالم لن يفيدك جدا . لكن حين تعرف عما ستتحدث ، تقدم بشجاعة وخذ نفسا عميقا ... تنفس بعمق لمدة ثلاثين ثانية قبل أن تواجه جمهورك . فإن زيادة استنشاق الأوكسجين ستنعشك وتمنحك الشجاعة فلقد اعتاد المغني العظيم جان دي ريزكي أن يقول : " عندما تلتقط أنفاسك يزول توترك العصبي " . يعجب الناس بالشجاعة فى كل زمان ومكان ،فمهما يغص قلبك على الأعماق ، تقدم بشجاعة ، قف منتصبا وتصرف كأنك خلقت كذلك . قف مستقيما وتطلع فى عيون الناس الذين أمامك ، ابدأ بالكلام بثقة وكأن الجميع يدينون لك بالمال . تخيل أنهم تجمعوا ليتوسلوا إليك لتمديد مدة الدفع . فالتأثير الناتج عن ذلك سيكون مفيدا جدا . لا تعبث بأزرار معطفك بعصبية او تلعب بمسبحتك أو تفريك يديك وإذا اضطررت للقيام بحركات عصبية ، فضع يديك خلف ظهرك وافرد أصابعك هناك حيث لا يستطيع أحد أن يراك وكقاعدة عامة : من السيء أن يختبىء الخطيب وراء الأثاث ، إلا أن ذلك يمنحك القليل من الشجاعة فى المرات الأولى من وقوفك وراء طاولة أو كرسي حيث تمسك بها بشدة أو تمسك بمسبحة بشدة فى يدك . كيف استطاع تيدي روزفلت تطوير ميزة الشجاعة والاعتماد على النفس ؟ هل زودته الطبيعة بروح جريئة تقدم على المخاطر ؟ ليس الأمر كذلك . فهو يعترف فى مذاكرته : " كنت فتى مزعجا جدا ولكنني حين أصبحت شابا صرت عصبيا غير واثق بمقدرتي الخاصة . فكان علي أن أدرب نفسي بقسوة وإصرار ، وذلك ليس لتطويع جسدي فحسب ، بل لتطويع روحي أيضا " . ولحسن الحظ ، اخبرنا كيف حقق هذا التحول ، فكتب يقول : " حين كنت فتى ، اخبرتا كيف حقق هذا التحول ، فكتب يقول : حين كنت فتى قرأت مقطعا فى أحد كتب مارييت التي كانت تؤثر بي دائما ، فى ذلك المقطع ، يشرح قائد جيش بريطاني كي يكسب البطل ميزة اللاخوف " . ثم قال : أن كل إنسان تقريبا يصاب بالخوف لدي إقدامه على أي عمل ، لكن الأمر التالي يبقى على الإنسان أن يحتفظ برباطة جأشه ويتصرف وكأنه غير خائف ، فبعد مضي بعض الوقت ، يتحول الأمر من التظاهر التي اتبعها وإزاء جميع أنواع الأشياء التي كنت أخشاها فى البداية ، من الأسود إلى الجياد إلى المسلحين ، تظاهرت بأنني غير خائف ، وتدريجيا زال الخوف عني . ويستطيع معظم الناس القيام بهذه التجربة إن أراد " . وأنت بإمكانك أيضا ان تقوم بالتجربة ذاتها إن أردت ، وكما قال المارشال فوش : " خلال الحرب ، أفضل أنواع الدفاع هو الهجوم ، وهكذا ابدأ بالهجوم ضد مخاوفك ، اخرج للقائها وتغلب بشجاعتك وتأكد بأنك ستكون سيد الموقف وسيد نفسك ". رابعا : تدرب ! تدرب ! تدرب ! إن آخر نقطة نذكرها هنا هي فى غاية الأهمية فربما نسيت كل ما قرأته حتى الآن ، لكن تذكر هذا : إن أول وآخر طريقة فعالة لتوليد الثقة بالنفس فى فن الخطابة ، هي أن تقف وتخطب ويختصر الأمر بكلمة أساسية هي : تدرب التي من دونها لن تتوصل إلى أي شيء لقد حذر روزفلت قائلا : " إن أي مبتدىء هو عرضة للإصابة بوباء البعوض . ووباء البعوض يعني حالة من الإثارة العصبية تصيب الإنسان فى أول مرة يخطب فيها أمام جمهور كبير ، تماما مثلما يصيبه حين يرى البعوض لاول مرة ، أو حين يخوض معركة . أن ما يحتاجه الإنسان حينئذ ليس الشجاعة ، ولكن السيطرة على الأعصاب " . هذا ما يمكنك الحصول عليه من خلال التدريب العملي . فالأعصاب تهدأ تماما من خلال التمرين الدائم لقوة الإرادة . فإن كان لدى الإنسان خطابا جيدا فإنه سيجيد الكلام أكثر حين يردده ويتدرب عليه باستمرار . هل تريد أن تتخلص من الخوف من الناس ؟ لنرى ما هي أسبابه ؟ يقول البروفيسور روبنسون فى كتابه " صناعة العقل " : " إن الخوف الناتج عن الجهل وعدم التأكد " وبكلمات آخرى : إنه نتيجة لعدم الثقة بالنفس . فما الذي يسبب ذلك ؟ إنه نتيجة لعدم معرفة ما تريده فى الحقيقة وعدم معرفة ما الذي تريده سببه قلة الخبرة . فعندما يكون لديك سجلا حافلا بالتجارب ، تتلاشى مخاوفك وتذوب كما يذوب ضباب الليل تحت وهج الشمس . هناك شيء أكيد : إن الطريقة المقبولة لتعلم السباحة هي الغوص فى الماء . لقد مر وقت على قراءتك الكتاب ، لم لا تضعه جانبا الآن وتمارس شيئا علميا . اختر موضوعا لديك معرفة سابقة به ، وأنشىء خطابا حوله مدته ثلاث دقائق ثم تدرب على الخطاب عدة مرات ثم قم بإلقائه أمام مجموعة من أصدقاءك ، وضع كل جهدك أثناء قيامك بذلك .