قامت الدنيا ولم تقعد عندما تم تحويل مجرى نهر النيل الأزرق في أثيوبيا استعدادا لإنشاء سد النهضة المثير للجدل والذي قد يتسبب في تشريد آلاف الفلاحين المصريين وتبوير ملايين الأفدنة من الأراضي الزراعية، واتهمت المعارضة -وعلى رأسها جبهة "الإنقاذ"- حينها الدكتور محمد مرسي رئيس الجمهورية بالتقصير في التعامل مع هذا الملف بالرغم من قيام الرجل بتكثيف الزيارات المتبادلة على مستوى وزراء الخارجية والوفود الشعبية بين مصر وأثيوبيا متوعدهم مرة بالتهديد وممددا لهم يديه بالتعاون والاستثمارات المتبادلة بين البلدين مرة أخرى. واليوم وبعد انقلاب 3 يوليو خرجت علينا أثيوبيا لتعلن اكتمال بناء 24 % من سد النهضة إلا أن من ملأ الدنيا ضجيجا بالأمس لم نسمع له اليوم صوتا؛ وكأن الأمر لا يعنيهم في شيء .. هل هي المصلحة أم المبدأ ؟ .. الواضح أنها المصلحة وليس المبدأ. وقد قال اللواء حامد باشات، وكيل جهاز المخابرات السابق، إن الأخطار الناجمة عن إنشاء سد النهضة لا يمكن تداركها إذا ما تم إنشاؤه، لافتا أن تقرير اللجنة الثلاثية أورد عددا من الآثار السلبية الناجمة عن بناء السد على الأمن القومي المصري والسوداني، موضحا أن إثيوبيا تسعى إلى إنهاء الإنشاءات في السد في عام 2015 أي بعد عامين فقط. وأكد باشات في الندوة التي عقدها نادي روتاري مدينة الشروق أمس بحضور سفير جنوب السودان بالقاهرة، حول «قضية حوض النيل والأمن القومي المصري»، أنه في حالة وجود أي مشاكل فنية إنشائية في بناء السد سيكون بمثابة «تسونامي» للخرطوم، محذرا من فترة ملء خزان السد والتي تهدد مصر ببوار 5 ملايين فدان من أراضيها الزراعية وتشريد الآلاف من الفلاحين، لافتا إلى الاتفاق من خلال اللجنة الثلاثية على مد فترة ملء الخزان ل15 سنة. وكانت إثيوبيا قد أعلنت عن بناء سد النهضة على بعد 40 كيلو مترا من حدودها مع السودان، على النيل الأزرق الذي يمد مصر ب85% من حصتها من مياه النيل، والمقدرة سنويا ب55.5 مليار متر مكعب، طبقا لاتفاقية 1959 والموقعة مع السودان، إلا أن تقارير فنية حذرت من آثار سلبية للسد على مصر والذي لم توافق عليه حتى الآن رغم انتهاء إثيوبيا من بناء 25% منه. وقال باشات عن سد النهضة، إن فكرة إنشاء السد أمريكية، ويعمل به 4300 عامل، 31% منهم عمالة أجنبية من المهندسين والفنيين في مجال إنشاء السدود. وتحدث وكيل المخابرات السابق عن الدور الإسرائيلي في إثيوبيا ودول النيل، قائلا «إسرائيل يمكن أن تحل مشاكلها ب1% من مياه النيل، فهي بحاجة إلى 3 مليارات متر مكعب من مياه النيل، فضلا عن أن حلمها هو تكوين دولة من النيل إلى الفرات». وأكد باشات أن قضية تسعير المياه أو قيام بورصة عالمية للمياه، كان فكرة حركها اللوبي الإسرائيلي واليهودي في منطقة حوض النيل، وأضاف أن إسرائيل استغلت فترة انشغال مصر في الثورة منذ 25 يناير 2011 وتمكنت من الاقتراب من دول حوض النيل. وحول مشكلة اتفاق عنتيبي، قال باشات إن هذه الاتفاقية الآن أصبحت تأخذ شكلا حادا مع الموقف المصري الرافض للتوقيع على اتفاقية عنتيبي، مؤكدا أن الإدارة السياسية في مصر تنحاز إلى الخيار التعاوني ولسنا ضد تحقيق مصالح أي دولة بشرط ألا تؤثر على حصتنا من المياه. وطالب وكيل جهاز المخابرات السابق، بأهمية مراجعة التمثيل الدبلوماسي المصري في دول حوض النيل، والذي يجب أن يكون على مستوى عالٍ ويتطلب انخراط السفراء في الحياة الاجتماعية للمجتمع الأفريقي والتحدث بلغتهم. "كنت أعتقد أن المصريين فقدوا الأمل في الحديث عن مياه النيل" هكذا تحدث سفير جنوب السودان في القاهرة، أنتوني كون، عن مصر واهتمامها بملف مياه النيل في العامين الأخيرين عقب ثورة يناير، ساردا بعض التفاصيل من مؤتمرات التفاوض الأخيرة قبل التوقيع على اتفاق عنتيبي، مؤكدا أنه كان هناك عدد من الحلول وضعها الوفد التنزاني بترحيل المواد الخلافية إلى ملحقات بالاتفاقية إلا أن مصر لم توافق. وأوضح أنتوني أن هناك العديد من المداخل الأمنية والسياسية والقانونية لحل أزمة مياه النيل، إلا أنه لم ينجح إلا المدخل الإنساني التعاوني والاقتصادي، والذي يستطيع أن يجمع مصر ودول حوض النيل مرة أخرى. وأكد كون أن الحل الأمثل لمشكلة مياه النيل هو الدعوة إلى قمة لرؤساء دول حوض النيل، لأنها ستتسم بالمرونة والجدية في الحوار والتفاوض. وأضاف كون أن بلاده يمكن أن تتدخل كوسيط في حل الأزمة حول اتفاق عنتيبي، باعتبارها الرئيس الحالي لمبادرة حوض النيل، وذلك في حالة تقدم مصر والسودان بطلب رسمي. وحول استكمال مشروع قناة جونجلي أكد كون أن رفض بلاده للمشروع حاليا ليس مؤامرة ضد مصر ولكن لأسباب طبيعية ومنطقية، موضحا أن وقت إنشاء هذا المشروع لم تكن جنوب السودان على خارطة العالم ولم يؤخذ رأيها في المشروع وفي حالة العودة إلى المشروع مرة أخرى يجب أن يعاد دراسته لتقديم فوائد لشعب جنوب السودان منه.