لم تنته اللجنة التى شكلها الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة لدراسة التعديلات الدستورية من عملها، وكان يفترض أن توصي بتعديلات دستورية قبل الانتخابات الرئاسية العام المقبل. ومع تردي الوضع الصحي للرئيس (76 عاما) يتزايد الاهتمام بمن يمكن أن يحتل الوظيفة الأعلى فى البلاد، ومستقبل وضعها السياسي. حيث غيب الموت عددا كبيرا من القيادات الجزائرية التى ارتبطت بفترة النضال من أجل الاستقلال، وتحديدا من قيادات جبهة التحرير الوطني الحزب السياسي الرئيسي فى البلاد. وبالرغم من وجود برلمان ومؤسسات فى الجزائر، إلا أن السلطة تتركز فى يد الرئيس ويعتمد فيها على دعم الجيش وأجهزة الأمن كحال كثير من دول العالم المشابهة. وأثار تفجير التحقيقات فى الفساد فى شركة الطاقة الوطنية، سوناطراك، التى كان يتولاها أحد المقربين من الرئيس بوتفليقة تكهنات بصراع خفي بين الرئاسة وقيادة المخابرات. صراع أجنحة ووصل الصراع بين جناحي السلطة، الرئاسة والمخابرات، إلى قمته الشهر الماضي وزخرت الصحافة الجزائرية للمرة الأولى بقصص عن لوم داخل المؤسسة العسكرية للجنرال محمد مدين (توفيق) رئيس المخابرات المخضرم لأنه من تحمس لخلافة بوتفليقة للرئيس محمد زروال عام 1999. وترددت أنباء عن عزل الرئيس بوتفليقة للجنرال توفيق وتوليه رئيس سابق للمخابرات مقرب منه (الجنرال زرهوني) مسؤولية الجهاز. وتباينت الأسباب عن الخلافات من عدم موافقة الجنرال على ترشيح بوتفليقة للرئاسة لفترة رابعة وهو ما يقال أن تعديلات الدستور يمكن أن تمهد له إلى قضايا الفساد المالي غير المقتصرة على سوناطراك. وقبل أيام نقلت الأنباء من الجزائر أن الرئيس بوتفليقة أعفى أخاه السعيد من منصبه فى القصر كمستشار للرئيس. وذكر أن القرار لا علاقة له بقضايا الفساد إذ تنتشر قصص كثيرة عن النشاطات المالية للسعيد بوتفليقة وإنما بسبب "خلافات شخصية". مشهد غير محسوم فى ظل هذا الخلاف بين الرئاسة والأمن، لم تعد السياحة السياسية الجزائرية كما كانت قبل عقد من الزمان، لخلوها من قادة كبار وعدم بروز قيادات سياسية جديدة تملأ الفراغ. حيث أظهرت الانتخابات الأخيرة أن ائتلاف الحكم، المكون من ثلاثة أحزاب فى مقدمتها جبهة التحرير، هو الذى يحظى بأعلى الأصوات.أما الأحزاب العلمانية والاشتراكية لم تحظ بقدر معقول من التأييد الشعبي ينعكس في دعم دور سياسي لها. وفيما يتعلق بالقوى الاسلامية، فمنذ أن ألغى الجيش الانتخابات التى كادت تفوز بها جبهة الانقاذ عام 1992 وهي تفقد التأييد الشعبي. فالعنف الذى ساد الجزائر بعد انقلاب الجيش السياسي، واعتقال عباسي مدني زعيم جبهة الإنقاذ ونائبه على بلحاج، قللا من نفوذ الجبهة وتعاطف الجزائريين معها. ولم تملأ القوة الإسلامية الأخرى ، القريبة من الإخوان المسلمين ، بزعامة محفوظ نحناح الفراغ، بل انشقت وشارك التيار المنشق عنها بزعامة بوجرة سلطني فى ائتلاف الحكم مع حزب رئيس الوزراء السابق أحمد أويحي. حيث يحاول أويحى جاهدا، مثله مثل سياسيين آخرين، أن يبدو مستقلا عن غطاء الرئاسة أو الجيش والمخابرات. أما الحزب السياسي الرئيسي، وحزب الرئيس، وهو جبهة التحرير فقد فشل الرجل القوي فيه عبد العزيز بلخادم ، وكان سندا سياسيا قويا لبوتفليقة حتى وقت قريب ، فى رئاسته في انتخابات داخلية قبل أشهر. لكن من انتخب للمنصب عبد الرزاق بوحارة (78 عاما) ، توفي وما زال المنصب شاغرا، ولو تولاه بلخادم فيمكن أن يحقق طموحه ويصل إلى أعلى منصب فى البلاد. لكن حسم السلطة فى الجزائر ما زال يتم داخل الغرف المغلقة وبحسابات تدخل فيها عوامل القوة والنفوذ والثروة.