روى أن المتلمس الشاعر «عبد المسيح بن جرير» قد وفد هو وابن أخته «طرفة بن العبد» على «عمرو بن هند» أحد ملوك الحيرة، فنزلا منه فى حاجة حتى نادماه. فبينما طرفة يشرب معه وفى يده جام من ذهب فيه شراب، أشرفت أخت عمرو بن هند، فرآها طرفة فقال فيها: ألا باء بى الظبى الذى يشرق شنفاه ولولا الملك القاعد قد ألثمنى فاه فسمعها عمرو بن هند وأمسكها فى نفسه، ثم بلغه أنه هجاه، فهّم بقتله فخاف من هجاء المتلمس وأن تجتمع عليه بكر بن وائل إذا قتلهما ظاهرا، فقال لهما يوما: «لعلكما قد اشتقتما إلى الأهل؟»، قالا: «نعم»، فكتب لهما كتابين، وقال: «إنى قد كتبت لكما بصلة ومال فاقبضاها من عامل البحرين متى ما وصلتما إليه». فخرجا من عنده والكتابان فى أيديهما، فمرا بشيخ جالس على ظهر الطريق متكشِّفا يقضى حاجته، وهو مع ذلك يأكل ويتفلّى!، فقال أحدهما لصاحبه: «هل رأيت أعجب من هذا الشيخ؟»، فسمع الشيخ مقاله فقال: «ما ترى من عجبى؟! أُخرِج خبيثا وأُدخِل طيبا وأقتل عدوا. وإن أعجب منى لمن يحمل حتفه بيده وهو لا يدرى»، فأوجس المتلمس فى نفسه خيفة وارتاب بكتابه، ولقيه غلام من أهل الحيرة فقال له: «أتقرأ يا غلام؟» فقال: «نعم»، ففض كتابه فقرأه فإذا فيه: «إذا أتاك المتلمس فاقطع يديه ورجليه واصلبه حيا». فأقبل على طرفة فقال: «والله، لقد كتب لك بمثل هذا، فادفع كتابك إلى الغلام يقرؤه». فقال: «كلا، ما كان يجسر على قومى بمثل هذا». فألقى المتلمس كتابه فى نهر الحيرة، ثم مضى طرفة بكتابه إلى صاحب البحرين، فقتله، ولحق المتلمس بالشام آمنا!. قفزت تلك الرواية إلى ذهنى وأنا أتأمل حال المصريين الآن.. شعب يصرّ على التخريب، وأشد إصرارا على استمرار انهيار الاقتصاد فى بلده. لقد بلغت الوقفات الاحتجاجية والفئوية فى شهر فبراير الماضى نحو 364 وقفة، تكبدت الدولة خلال هذه الفترة مئات الملايين من الدولارات نحن فى حاجة ماسة إليها؛ الأمر الذى أوصل الدين المحلى إلى نحو تريليون و129 مليار جنيه خلال عام 2012، مقابل 932 مليار جنيه خلال عام 2011 بنسبة زيادة تقدر ب21.1%؛ وذلك حسب الكتاب الإحصائى السنوى الذى أعلنه الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء. ترى، هل يصرّ المصريون على هدم دولتهم بأيديهم، ومن ثم حتفهم كما فعل طرفة فمات؟ أم يستيقظون ويستوعبون الدرس فتكون نجاتهم ونجاة أوطانهم كما فعل المتلمس؟ هذا ما تجيب عليه الأيام القادمة.