بعد تصديق الرئيس.. تعديلات قانون الإجراءات الجنائية نقلة حقيقية في ملف حقوق الإنسان    أسعار الدواجن والكتاكيت والبيض في السوق المصرية    إدارة الطيران الأمريكية تحذر من مخاطر التحليق فوق فنزويلا    جدول مباريات اليوم حول العالم: مواجهات قوية في أوروبا وإفريقيا    البث المباشر لمباراة ليفربول ونوتنجهام فورست في الدوري الإنجليزي    «يوميات ونيس».. العمل الذي صنع ذاكرة جيل ورسّخ قيم الأسرة في الدراما المصرية    مباراة العار، اشتباكات بين متظاهرين لدعم غزة والشرطة الإيطالية خلال لقاء فيرتوس ومكابي تل أبيب (فيديو)    بيسكوف: مستوى اتصالات التسوية بين موسكو وواشنطن لم يحدد بعد    رئيس المدينة اكتشفه بالصدفة، هبوط أرضي مفاجئ أمام مستشفى ميت سلسيل بالدقهلية (صور)    برنامج «دولة التلاوة» يعيد لمة العيلة المصرية على شاشة واحدة    فلسطين.. جيش الاحتلال يقتحم حي الضاحية في نابلس شمال الضفة الغربية    ماذا حدث في ليلة ختام مهرجان القاهرة السينمائي؟.. التفاصيل الكاملة    المرأة العاملة| اختيارها يحمي الأسرة أم يرهقها؟.. استشاري أسري يوضح    أبرزها وظائف بالمترو براتب 8000 جنيه.. «العمل» توفر 100 فرصة للشباب    محمد التاجي: لولا تدخل السيسي ل"طبل" الجميع للانتخابات وينتهي الأمر دون كشف التجاوزات    حدد الموعد، رئيس الاتحاد الفرنسي يتحدث عن اقتراب زيدان لتدريب منتخب الديوك    اختطاف واحتجاز أكثر من 200 تلميذ و12 معلما في هجوم مسلح على مدرسة كاثوليكية بنيجيريا    صافي الأرباح يقفز 33%| بنك البركة – مصر يثبت قوته المالية    من 18 إلى 54 ألفًا.. زيادة تعجيزية تهدد مصدر رزق مزارعي بهادة بالقليوبية    محمد موسى يهاجم الجولاني: سيطرتك بلا دور.. والسيادة السورية تنهار    تطورات مثيرة في قضية سرقة عصام صاصا للحن أغنية شيرين    التوقعات السامة| خبيرة أسرية توضح كيف تحول الزواج لعبء على المرأة    استشارية: خروج المرأة للعمل لا يعفي الرجل من مسؤولية الإنفاق أبدًا    عضو "الشؤون الإسلامية" يوضح حكم التعامل مع الدجالين والمشعوذين    الصورة الأولى لعروس المنوفية التي لقيت مصرعها داخل سيارة سيارة الزفاف    محلل سياسي عن لقاء السيسي ورئيس كوريا: مصر مركز جذب جديد للاستثمارات    شيكو بانزا يوضح سبب تأخر عودته للزمالك    مداهمة مفاجئة تكشف الإهمال.. جمعية زراعية مغلقة وقرارات حاسمة من وكيل الوزارة    ترامب: نعمل مع لبنان لتحقيق السلام في الشرق الأوسط ونمارس ضغوطًا لنزع سلاح حماس    اتحاد الكرة يعلن حكام مباريات الأحد في الدوري الممتاز    الجيزة: تعريفة ثابتة للسيارة بديلة التوك توك ولون موحد لكل حى ومدينة    مصطفى حجاج يكشف حقيقة الخلاف بينه وبين هاني محروس    تعرف على حالة الطقس اليوم السبت فى سوهاج    آية وأحمد وسليم.. ثلاثة أسماء أشعلت الحزن اليوم على السوشيال ميديا| صور    مارسيليا يتصدر الدوري الفرنسي مؤقتا بفوز ساحق على نيس    بسبب ركن سيارة.. قرار هام في مشاجرة أكتوبر    محلل أداء الأهلى السابق: الفريق استقبل أهدافا كثيرة بسبب طريقة لعب ريبيرو    مسئول إسرائيلى: سنحصل على الشرعية لنزع سلاح حماس إذا لم ينجح الأمريكيون    أهم الأخبار العالمية والعربية حتى منتصف الليل.. ترامب: ممدانى رجل عقلانى جدا ونتفق فى الغاية وهو ليس جهاديا.. طوارئ فى فرنسا استعدادا لحرب محتملة مع روسيا.. وزيلينسكى عن الخطة الأمريكية للسلام: نواجه لحظة حاسمة    أخبار × 24 ساعة.. السياحة: 1.5 مليون سائح ألمانى زاروا مصر منذ بداية 2025    إعدام كميات كبيرة من الأغذية والمشروبات غير الصالحة بالمنوفية    أحمديات: برنامج دولة التلاوة رحلة روحانية مع كلمات الله    محمد أبو سعدة ل العاشرة: تجميل الطريق الدائري يرتقى بجودة حياة السكان    صلاح بيصار ل العاشرة: أحمد مرسي علامة كبرى في الفن والأدب السريالي    أحمد حسن يكشف أسباب عدم ضم حجازى والسعيد للمنتخب الثانى بكأس العرب    اكتشاف عجز 44 طن سكر داخل مضرب بكفر الشيخ.. وضبط أمين المخازن    رمضان صبحي أمام المحكمة في قضية التزوير| اليوم    11727 مستفيدًا في أسبوع سلامة الدواء بالمنوفية    نصر عبده: إعادة الانتخابات تصحح الصورة الدولية.. ومصر تأتي ببرلمان يريده الشعب    رئيس جامعة المنيا يناقش إعداد الخطة الاستراتيجية للجامعة 2026–2030    جعجع: لبنان يعيش لحظة خطيرة والبلاد تقف على مفترق طرق    عالم بالأوقاف: الإمام الحسين هو النور المكتمل بين الإمامة والنبوة    البابا تواضروس الثاني يلتقي مقرري اللجان المجمعية    شوقي علام حول التعاملات البنكية: الفتوى الصحيحة تبدأ بفهم الواقع قبل الحكم    كيف يؤثر تناول السكر على مرضى السكري وما الكمية المسموح بها؟    «الزراعة» تواصل حملاتها لحماية الثروة الداجنة    جامعة بنها ومؤسسة حياة كريمة ينظمان قافلة بيطرية بمنشاة القناطر    الجالية المصرية بالأردن تدلي بأصواتها في المرحلة الثانية لانتخابات النواب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الانهيار الأمريكي قد بدأ: اول الغيث بصرة!
نشر في الشعب يوم 01 - 09 - 2007


بقلم: كمال خلف الطويل
ما كان لعيني الناظر ان تخطئ قراءة كتابات الجدار لحظة خروج توني بلير المهين من 10 داوننغ، وقد وشت بكل ما نراه الآن من تداع متسارع للوجود العسكري البريطاني في الجنوب العراقي.
والحق ان الانهيار بدأ قبل تلك اللحظة بأمد ليس بقصير، بل بانت معالمه دون تبهيت، مع الانسحاب من العمارة قبل قرابة العام.. ثم مع تطاول المقاومة العنيد والموجع لقوات الاحتلال البريطاني في البصرة مكبدة اياها ما لا قبل لها بتحمله في البشر فضلا عن المعدات.
ومع دلف غوردون براون الي 10 داوننغ بات جليا ان الانسحاب البريطاني الكامل هو مسألة شهور معدودة فقط، ربما لا تتأخر عن مطلع العام القادم.
ما الذي نستخلصه من هذا الانسحاب المذل ذي المذاق السويسي ؟
1 ان العسكرية البريطانية، وان ماشت ساستها في القذف بقواتها الي جنوب العراق وفاء لرباطهم الانغلوساكسوني مع الولايات المتحدة، وطمعا بحصة معوضة من نفط وغاز العراق، الا ان رجالاتها وصلوا قبل سياسييهم بقرابة العامين الي استنتاج قاطع بعبثية الاحتلال، وبحتمية الانفكاك عن جحيمه... وانفذوا كلمتهم في نهاية المطاف..
ورغم ان يقينها هو ان الحسم بالخروج تأخر، وربما طويلا، الا ان الانسحاب افضل وان تأخر من الا يأتي ابدا.
2 ان جنرالات العسكرية البريطانية ولهم ما لهم من وشائج الوصال مع اقرانهم الامريكيين لا بد وان تشجعوا بما عرفوا من تململ مكتوم وعالي التوتر يسري في اوساط هؤلاء الاقران.
والثابت ان احترابا عمره سنوات ثلاث يستعر اواره في جنبات البنتاغون بين اسلحة العسكرية الامريكية وبعضها البعض، كما بين بعضها وكادر البنتاغون المدني. وغني عن البيان مدي تنائي اسلحة العسكرية الامريكية تاريخيا عن بعضها البعض، رغم اختراع هيئة الاركان المشتركة في الخمسينات بغرض توطيد لحمة التضافر بينها وان بلا جدوي ظاهرة للعلن، وبما يجعلها اقطاعيات قوة تجمع شملها كونفدرالية تعاهدية لا فدرالية تعاقدية.
محورا الاحتراب ولا ثالث لهما هما:
أ ما العمل مع ايران: هنا نجد سلاح الجو غير هياب ولا وجل من عمل جوي صاروخي كبير يستهدفها، فيما سلاح البحرية متردد بغير حسم، واما الجيش والمارينز وبالاخص اولهما فمستعيذان بطوب الارض من شر مهمة كتلك، سيما وهما غارقان لحد السرة في اوحال الفرات ودجلة.
ب قناعة الجيش يلحقه المارينز بان نجاحهما في العراق ميؤوس منه علي المديين المتوسط والطويل، مهما احرزا من نجاحات تكتيكية هنا او هناك.. لا تمكث نتائجها العمليانية دعك عن انعكاساتها السياسية في الارض، ولا تستديم امنا، ولا تستدر رضيً من الجمهور، ولا تضمن حصدا لجائزة الطاقة.
بالمقابل فسلاح الجو راضٍ بدوره المسكوت عنه في استخدام اقصي درجات العنف القاتل، سواء تلقاه مقاوم ام مدني.. لا فرق.
3 ان مشينا مع هذا المنطق في التحليل لمنتهاه، نخلص الي ان ذلك يستبطن اعلانا رئاسيا بان انسحابا جزئيا من العراق سيبدأ غداة اعياد الميلاد، ويستكمل في غضون عام من بدئه.
بذلك يحرم بوش خصومه الديمقراطيين من لذة الوعد بانهاء الحرب، ويكفلها لحزبه، وبالتالي مرشحه الرئاسي، بما قد يساعد في فوز لهما مبين.
4 من الآن ولحين هذا الاعلان ستقوم العسكرية الامريكية برفع وتائر حملتها الميدانية الي اقصي المستطاع، دون التفات لما ستتسبب به من اضرار مهولة تلحق بالبشر والحجر... وبغرض ترهيب القاصي والداني داخل العراق... والضغط عبر القتل المشاع لايصال كل قواه السياسية للقبول ب:
أ 4 قواعد عسكرية كبري في ارجاء العراق الاربع، توفر منصة اقتراب ثمينة من ايران الداخل ومن الشام، فضلا عن اطلالها علي تخوم القوقاز وآسيا الوسطي.
ب اقرار قانون السيطرة الامريكية علي مصادر وقرار الطاقة العراقي.
في هكذا سيناريو، لن يزيد عديد القوات الامريكية العاملة النهائي عن 50 الف جندي في كل العراق.
5 ان علمنا ان عديد المرتزقة الآن هو 200 الف، وان اقل من ثلثهم غربي وقرابة ثلثيهم عراقي، فالقاطع ان الاعتماد علي هذه التشكيلات سيتصاعد ويكبر بما يؤمن طابورا خامسا وعاشرا من القتلة الذين سيتولون خصخصة المهمة دون ضوابط ولا حواجز.
كلما انخفض منسوب القوات النظامية كلما ازداد حجم وثقل قوات المرتزقة.
6 لكن سلامة هكذا تشكيلات لن تكون مكفولة وخطوط تموينها وادامتها تنطلق من الكويت عبر مناطق غير آمنة في جنوب عراقي محرر.
بالتالي فمصير المرتزقة مرتبط ببقاء قواعد للقوات النظامية، يأتي منها المدد فضلا عن الغوث.
بالمقابل، فان هذه القواعد ذاتها تحتاج لمن يؤمن خطوط امدادها بسلاسة ويسر... وامر كهذا غير ميسور، وجنوب العراق خارج المدار.
7 والحاصل ان ما في الطريق الي جيش المهدي سبقه نجاح تكتيكي استراتيجي لا جدال فيه احرزته العسكرية الامريكية قبالة معسكر المقاومة المنبثق من الوسط العربي السني، وبه استطاعت ان تدق اسافين بين اطراف المعسكر الثلاثة: السلفية الجهادية، والاسلامية القومية، والبعثية، مكنها منه رهاب كل هذه الاطراف العصابي من ايران، ومن صعود الشيعية السياسية، وكذا من بعضها البعض، وبالاخص اثناهم الآخران من اولهم.
والاكيد ان جموعا متسعة من المقاومين المنتمين للتيارين البعثي والاسلامي القومي لا تكتفي بالقاء السلاح امام قوات الاحتلال بل وتنضم لها في قليل او كثير في حملتها الباطشة علي السلفية الجهادية. يضاعف الامر دموية وتعقيدا نفاذ الجهد الامريكي الي عقول وقلوب وجيوب عشائر سنية عربية امتشقت السلاح حربا علي السلفية الجهادية ونظيرا مقابلا للميليشيات الشيعية، يدوزنهما المحتل وفق ما يرتأيه أنسب وأمثل لظروفه في الميدان وفي السياسة.. في آن.
والحق ان المحتل تلمس في العامين الاخيرين طريقه بتسارع متصاعد الي الأخذ بأسباب التلاعب بالقوي المحلية، المقاومة منها ام المهادنة.. دعك عن المتماهية، واعانه خير عون في اكتساب المهارات آل سعود وآل هاشم الذين مهدوا السبل واناروا الدروب.
8 ينتصب هنا سؤال مركزي هو: هل ان تململ الجنرالات الامريكيين محصور في استنقاذ قواتهم من الاتون العراقي، فيما هم راضون وماضون في التحضير لحرب من نوع آخر مع ايران؟
قبل المضي في الاجابة، لا بد من وقفة لفحص معطيات الميدان بتأن وروية، واخضاعها لمبضع المشرّح ومجهر المخبري معا.
تتدافع هنا جملة من الاسئلة والاعتبارات:
1 هل يجرؤ ساسة وجنرالات بريطانيا ان يتركوا البصرة لمقاوميها، بما يعنيه ذلك من تهديد لامداد القوات الامريكية المنتشرة من شمال الجنوب الي جنوب الشمال؟
2 الجواب هو نعم، وتحت وطأة الاضطرار الاقصي.
يتوجب تلوا علي القوات الامريكية ان تملأ الفراغ وبسرعة... وهي المشدودة علي الآخر، بقوة 20 لواء مقاتلا، وبالكاد قادرة علي لملمة اطرافها، فضلا عن توسيع انتشارها.
ان هي قبلت بخسران البصرة فتموينها تحت النار، وان انتشرت فيها خسرت من مرابض اخري.... ثم كيف السبيل وشبح ان تسقط جبهة الجنوب، فيما المواجهة مع ايران مفتوحة علي احتمالات تصعيد، ماثل كسكين تقترب من حز الوريد؟
3 والحال ان الشريحة الحاكمة من حزب الحرب الامريكي لن تصل الي قناعة بتخفيض جذري لقوات الميدان العراقي في وقت قريب، توطئة لانسحاب شامل، ولسبب يتيم وهو ان تخفيضا كهذا وصفة طازجة لانهيار يخطف الابصار، ان لم يكن وفق صفقة تسوية شاملة مع ايران وسورية والمقاومة.. معا.
كيف للمرء اذن ان يوفق بين خروج بريطاني، ومكابرة امريكية تتشبث بالبقاء، املا بفرض رغائبها علي ايران وسورية والمقاومة.. معا؟
هل تستطيع واشنطن ان تواصل عض لسانها بينما تئن من آلامه، بابتغاء التجمل امام الخلق بائعة اياهم وهم انها ليست فقط طويلة النفس، بل وفائزة في آخر المطاف؟
لقد اوشكت واشنطن علي تبديد تريليون دولار علي حماقتها العراقية ولا قبل لها بتريليون آخر، علما ان حجم الدين العام كله هو 8 تريليون.
اهناك افضل من ذلك مثلا علي اعدام امبراطورية لنفسها، بنزف مكتسب متوسط الشدة يذهب بعافيتها رويدا رويدا وعلي مرأي من الخليقة؟
4 ان ايران لن تمضي في صفقة تخص العراق دون ان تشمل كل مسائل النزاع مع الولايات المتحدة.
ذلك ببساطة لان انفكاك الاخيرة عن بلوتها قد تيسر لها التعويض عنها بحملة من نوع آخر علي ايران.
الصفقة اذن يجب ان تكون شاملة... تمتد من مواضيع الامن المتبادل بين قزوين والخليج.. الي تسوية تركات الماضي.. الي ملف امتلاك القدرة النووية.. ووصولا الي قضايا الصراع العربي الصهيوني.
صفقة كتلك لا بد وان تشمل بالضرورة انسحابا كاملا من العراق دون قواعد ولا تسهيلات.
ايران تصل بخطي حثيثة الي قرار ان الاحتلال الامريكي للعراق قد استنفد اغراضه من وجهة نظرها وان خطره عليها وعلي حلفائها العراقيين وعلي حليفها الاقليمي سورية بلغ حد الاستفحال، لجملة اسباب منها:
1 تسبب الاحتلال بتحويل الحساسيات السنية الشيعية الي كرات لهيب تحرق الاخضر واليابس... والثابت هنا ان ايران تستشعر خطرا داهما علي مشروعها للقيادة الاسلامية العالمثالثية جراء صراع مذهبي مستعر، وتيقن ان ما يمزق العراق اشطارا جائحة يسهل انتشارها للداخل الايراني، وهو الموزاييك العرقي بنواة فارسية لا تزيد عن نصف قطره، معطوفا علي اقلية سنية تفيض عن سدس امته.
هي تريد عراقا واحدا ومسالما وصديقا، فيه رجحان لشيعته، وتراض مع سنته، ودفع لشر كرده.... هي رعت وترعي انشطة المقاومة المسلحة المتصاعدة التواتر في الجنوب العراقي وبالاخص عبر التيار الصدري ... وتقف وستقف علي الحياد في جولات اصطراع الصدر والحكيم من بغداد الي البصرة، اذ يدها هي العليا ايما كان المنتصر.
2 سبب آخر لنفاد صبر طهران مع المكوث الامريكي في العراق هو تحوله، بهمة وثابة، الي قاعدة تآمر علي الداخل الايراني، وعلي طول خط الحدود، وسواء كان حزب السعادة الكردي، ام مجاهدي خلق هو مخلب القط.
نأتي الآن الي سؤال الحرب والسلام.. مع ايران:
اذا عدنا لنقطة البدء في اعتبار الخروج البريطاني المذل من البصرة موطئاً لاعادة انتشار امريكي اقل شظفا، فأينما قلبت النظر في كيفية رؤيته وجدت فيه حتا وتعرية لسمعة وهيبة المشروع الامبراطوري الامريكي.
تأخذ المسألة شكلا مغايرا البتة لو كان الخروج ناتجا عن صفقة تسوية اقليمية شاملة.
هل لذلك من سبيل الان؟
الجواب هو بلا قاطعة.. اللهم الا قسرا.
انسحاب البصرة هو الطور الاول من عملية انسحاب جزئي من العراق، تسمح للولايات المتحدة بتحويل اهتمامها الي طهران... حتي وان املته اعتبارات بريطانية ضاغطة.
والحاصل ان انسحابا كهذا يستلزم تلقائيا ضرورة ضرب جيش المهدي من بغداد الي البصرة، لمنع تمكنه من محور العمارة البصرة بما يهدد خطوط الامداد المتدفق من الكويت.
تسعير كهذا يفيد ايضا في تمهيد الطريق لانسحاب جزئي تالٍ ان وصل لغايته.
هل يصل؟..... تعسر رؤية ايران وهي تضرب في شبه مقتل في العراق دون ان تحرك ساكنا.
هناك اولا، جماهيرية الصدر الواسعة والتي تستطيع ان تربك بل تقعد قدرة البطش الاحتلالية ان توزعت بمئات الالوف علي كل مدينة جنوبية فضلا عن شرق بغداد عاصية ومقاومة بالسلاح وبدونه.
هناك ثانيا، ضغط قم المتوقع علي النجف لتحسم امرها لصالح الصدر المستهدف، وفي هذا اضافة كمية ونوعية لوزنه ذاته.
هناك ثالثا، سبل امداد وعون عبر حدود طويلة لسلاح وخبرة لها ما لها في حرب غير متوازية.
يكفي ان نري طريق بغداد البصرة وقد قطع هنا وهناك لتصبح قوافل الامداد تحت رحمة المقاومة في قليل او كثير، رغم اهمية العامل الجوي في حراسة الطريق، وهو عامل قد تتكفل مضادات الطيران وبالاخص الهليكوبتر بالحد من فعاليته، مضادات هي بيقين بضاعة ايرانية ميسورة المنال لآل البيت.
في هذا السياق اقرأ ادراج واشنطن للحرس الثوري الايراني علي قائمة ارهابها علي انه محاولة استباقية لردع وتخويف ايران عن استعمال وحداته لنصرة التيار الصدري، بينما هي اي واشنطن منخرطة في محاولة ذبحه.
والقاطع ان ردعا كهذا غير وارد بالمطلق... فالمواجهة صفرية لا تقبل الا نتيجة واضحة.. انها انتم او نحن في العراق.. لن يكون تساكن ولا تعايش ولا تقاسم، ولا كل هذه النوتات التي عزفت لسنوات اربع، وصدّق بعض المستمعين امكان دوامها ودقة عزفها.
ان صداما مباشرا مع ايران، سواء تدرج في ايقاعه ام تفجر رعدا وزلازل، لا يستطيع ان يتأخر عن نهاية شباط (فبراير) 2008، اي حين ينتهي كرنفال ترشيحات الرئاسة الامريكية.... ان كان القرار قد صدر.
في هكذا سياق، فان خريف 2007 سيكون خريفا صدريا بامتياز، ليتلوه شتاء مقادير ترتطم صواعق ولهيبا.
شرطيا قرار كهذا، هما توافق جنرالات البنتاغون علي المضي به، ورفض طهران النهائي للتنازل عن ملفها النووي.
ان اعمل حزب الحرب عقله ونأي عن سبيل الحرب مع ايران، تبقي هناك ضرورة تحجيم جيش المهدي لكفالة تدفق امداد الكويت دون اخلال، ولتخسيس وزنه السياسي في معادلة الحكم في بغداد، وايضا لتمهيد الطريق امام انسحاب جزئي تضطر لقبوله كل اطراف المقاومة تحت وطأة جحيم منفلت تعود معه ذاكرتنا القهقري لاواخر ايام 1972 الفيتنامية.
انسحاب الانكليز من البصرة لذا كله يفسّر في ضوء ما تنتويه واشنطن نحو طهران: ان كان القرار بالاشتباك، فحلول الامريكي محل البريطاني، والقيام بضرب جيش المهدي بلا هوادة.. لا زمان.
وان كان القرار بعدمه، فتأمين البصرة ضروري، حتي وان تزاوج قرار عدم التحرك شرقا مع قرار انكفاء الي بضعة قواعد.... امدادات الكويت هي الفيصل في كلا المشهدين.
ما يحسم المسألة هم جنرالات البنتاغون، وجدلهم لا زال مستعرا.. هم واقرانهم في دولة المخابرات.
والحق ان من يتحدث عن انسحاب شامل للولايات المتحدة من العراق يتحدث عن المستقبل لا الحاضر.
خروجهم الشامل هو الأمثل لمصالح الولايات المتحدة قبل غيرها.. حينها تكون حكاية الامبراطورية المستبدة ذاتها قد طويت صفحتها لتحل مكانها قوة كبري بين قوي عدة تتعلم العيش والنماء بطريقة الاعتماد المتبادل وتوازن المصالح، لا بالبلطجة وقطع الطريق.
هي ولايات متحدة مؤنسنة تتواضع عن تجبرها وغلظتها ومشروع هيمنتها، وتصيخ لصوت العقل، وتتعايش مع قوي عالمية اخري منها قوة الاسلام (والعرب) الجيوستراتيجية.
لسنا هناك بعد... المشوار لا زال طويلا بعض الشيء، وعالي الكلفة لطالب الهيمنة ولمقاومها معا.
والشاهد ان الطريق الذي اختطته المؤسسة الامريكية منذ عام 48، وولغت فيه منذ 67 يتحول، بسرعة ضوئية، الي مسار بلا مخارج.
سوف لن يكون امامها في المدي المتوسط من سبيل الا ان تسلك سواه، ان شاءت ان تحفظ أمنها الداخلي منه والخارجي ومصالحها المعقولة، وما بقي لها من سمعة.
والثابت ان تاريخ الامبراطوريات البائدة يشهد علي ان السبب المركزي لسقوطها هو افتراق النهج عن كلفته، بما يستدعيه ذلك من تداعيات تبدأ ولا تنتهي.... هذا بالضبط ما تتكفل به سياسات السنوات الست الفائتة بما حفلت به من حروب باهظة الاثمان.
لكن جموح القوة يغش الابصار، خصوصا وانه يقود باللاشعور الي الشعور ان الاخفاق لا يداوي الا بالمزيد من التمدد، واللجوء الي القوة العارية، وهلك الحرث والنسل.
متي تنكسر تلك الدائرة المعيبة؟
ظني انها بعد ان تنتهي الحرب المشنة علي ايران بكل السبل سوي السلاح لاعوام ثلاثة، بفتح الستار عن مشهدها الاخير الزاخر بقعقعة السلاح، تلعب فيه واشنطن ورقتها الاخيرة في المنطقة، فإما فائز او فار.. ولا عزاء للضحايا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.