رئيس "حماية المستهلك": وفرة السلع في الأسواق الضامن لتنظيم الأسعار تلقائيًا    إغلاق مطعم "عز المنوفي" بالمنصورة لمخالفات صحية وعدم وجود ترخيص    أبرز تصريحات الرئيس السيسي خلال اجتماعه لمتابعة خطط تطوير شبكات الاتصالات ودعم قطاع تكنولوجيا المعلومات    «تحالف الراغبين» يعلن استعداده لإرسال قوات ردع متعددة الجنسيات إلى أوكرانيا    بأكثر من 5 درجات ريختر.. زلزال يضرب الجزائر وتونس    بين السَّماء والأرض.. زائر ليلي يُروّع أهل تبسة الجزائرية على التوالي بين 2024 و2025    لاريجاني: إسرائيل طلبت وقف الحرب بعد فشلها أمام الصواريخ الإيرانية    بخطط للتخييم على حدود غزة.. كيف بدت تظاهرات اليوم في إسرائيل؟- صور    إيران تؤكد احترام سيادة لبنان وتعلن دعمها في مواجهة إسرائيل    مصر تؤكد على ضرورة حشد الدعم الدولي لتنفيذ خطة إعادة إعمار غزة    رضا عبد العال: هذا اللاعب يمكنه تعويض زيزو بالزمالك    "لا يصلح"... رضا عبدالعال يوجه انتقادات قوية ليانيك فيريرا    بمشاركة مصطفى محمد.. نانت يصمد وباريس يخطف النقاط الثلاث بهدف وحيد    أتلتيكو مدريد يسقط أمام إسبانيول بثنائية في الدوري الإسباني    التحقيق في مقتل لاعبة جودو برصاص زوجها داخل شقتهما بالإسكندرية    احتفالًا باليونسكو.. الثقافة تكرم رموز السمسمية بالإسماعيلية (صور)    حدث بالفن | عزاء تيمور تيمور وفنان ينجو من الغرق وتطورات خطيرة في حالة أنغام الصحية    "بفستان جريء".. نادين الراسي تخطف الأنظار من أحدث جلسة تصوير    أبرزهم صبري فواز ومروان حامد.. نجوم الفن يتوافدون على عزاء تيمور تيمور    كان يغتسل من الجنابة ولا يعلم اشتراط نية الطهارة.. فما الحكم؟.. المفتي يوضح    متحدث الصحة يكشف حقيقة الادعاءات بخطف الأطفال لسرقة أعضائهم    في غياب الأهلي.. فتح باب حجز تذاكر الجولة الثالثة للدوري    عامل يدعى سرقة ابنه مبلغا ماليا للتوصل لمكان اختفائه بالحوامدية    أمسية دينية بلمسة ياسين التهامى فى حفل مهرجان القلعة    الرمادى: محمد السيد من مصلحته التجديد للزمالك.. وفتوح لا يستحق البيع    أشرف صبحي يجتمع باللجنة الأولمبية لبحث الاستعدادات لأولمبياد لوس أنجلوس    «الأداء والعقود والصفقات».. اجتماع هام بين الخطيب وريبيرو في الأهلي (تفاصيل)    «الأغذية العالمي»: نصف مليون فلسطيني في غزة على حافة المجاعة    انطلاق دورة تدريبية لمديري المدارس بالإسماعيلية    ننشر أقوال السائق في واقعة مطاردة فتيات طريق الواحات    «الصيف يُلملم أوراقه».. بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم: منخفض جوى قادم    4 أبراج «مرهقون في التعامل»: صارمون ينتظرون من الآخرين مقابل ويبحثون عن الكمال    قرار هام بشأن البلوجر «شاكر محظور دلوقتي» في اتهامه بقضية غسل الأموال    اليوم.. أولى جلسات محاكمة المتهمين في واقعة مطاردة طريق الواحات    وزارة الأوقاف تنفي شائعات بدء التقدم لمسابقة العمال والمؤذنين    حماية المستهلك عن البيع الإلكتروني: تعديل قانوني مرتقب يُشارك شركة الشحن مسئولية الغش التجاري    تنسيق الثانوية العامة 2025 المرحلة الثالثة.. كليات التربية ب أنواعها المتاحة علمي علوم ورياضة وأدبي    سعر طن الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الإثنين 18 أغسطس 2025    رغم وفاته منذ 3 سنوات.. أحمد موسى يكشف سبب إدراج القرضاوي بقوائم الإرهاب    قلق بشأن الأوضاع المادية.. توقعات برج الجدي اليوم 18 أغسطس    وائل القباني عن انتقاده ل الزمالك: «ماليش أغراض شخصية»    فاجعة وفاة تيمور تيمور.. 10 إجراءات بسيطة قد تنقذ حياتك من الغرق    عيار 21 الآن في الصاغة.. سعر الذهب اليوم الإثنين 18 أغسطس بعد الانخفاض الأخير (تفاصيل)    هل يجوز ارتداء الملابس على الموضة؟.. أمين الفتوى يوضح    أمينة الفتوى توضح علامات طهر المرأة وأحكام الإفرازات بعد الحيض    وزير قطاع الأعمال يشهد حفل تخرج دفعة جديدة من كلية الدراسات العليا في الإدارة بالأكاديمية العربية    جراحة دقيقة تنقذ أنف طفلة من تشوه دائم ب"قها التخصصي"    4 ملايين خدمة صحية مجانية لأهالى الإسكندرية ضمن حملة 100 يوم صحة    الرئيس.. من «جمهورية الخوف» إلى «وطن الاستقرار»    صور | «العمل» تجري اختبارات للمرشحين لوظائف بالأردن في مجالات الزراعة    قبل بدء الفصل التشريعى الثانى لمجلس الشيوخ، تعرف علي مميزات حصانة النواب    حلاوة المولد، طريقة عمل السمسمية في البيت بمكونات بسيطة    جبران يفتتح ندوة توعوية حول قانون العمل الجديد    رئيس جامعة الوادي الجديد يتابع سير التقديم بكليات الجامعة الأهلية.. صور    مرصد الأزهر: تعليم المرأة فريضة شرعية.. والجماعات المتطرفة تحرمه بتأويلات باطلة    فيديو.. خالد الجندي: عدم الالتزام بقواعد المرور حرام شرعا    رجيم صحي سريع لإنقاص الوزن 10 كيلو في شهر بدون حرمان    موعد إجازة المولد النبوي الشريف 2025 بحسب أجندة رئاسة الجمهورية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الانهيار الأمريكي قد بدأ: اول الغيث بصرة!
نشر في الشعب يوم 01 - 09 - 2007


بقلم: كمال خلف الطويل
ما كان لعيني الناظر ان تخطئ قراءة كتابات الجدار لحظة خروج توني بلير المهين من 10 داوننغ، وقد وشت بكل ما نراه الآن من تداع متسارع للوجود العسكري البريطاني في الجنوب العراقي.
والحق ان الانهيار بدأ قبل تلك اللحظة بأمد ليس بقصير، بل بانت معالمه دون تبهيت، مع الانسحاب من العمارة قبل قرابة العام.. ثم مع تطاول المقاومة العنيد والموجع لقوات الاحتلال البريطاني في البصرة مكبدة اياها ما لا قبل لها بتحمله في البشر فضلا عن المعدات.
ومع دلف غوردون براون الي 10 داوننغ بات جليا ان الانسحاب البريطاني الكامل هو مسألة شهور معدودة فقط، ربما لا تتأخر عن مطلع العام القادم.
ما الذي نستخلصه من هذا الانسحاب المذل ذي المذاق السويسي ؟
1 ان العسكرية البريطانية، وان ماشت ساستها في القذف بقواتها الي جنوب العراق وفاء لرباطهم الانغلوساكسوني مع الولايات المتحدة، وطمعا بحصة معوضة من نفط وغاز العراق، الا ان رجالاتها وصلوا قبل سياسييهم بقرابة العامين الي استنتاج قاطع بعبثية الاحتلال، وبحتمية الانفكاك عن جحيمه... وانفذوا كلمتهم في نهاية المطاف..
ورغم ان يقينها هو ان الحسم بالخروج تأخر، وربما طويلا، الا ان الانسحاب افضل وان تأخر من الا يأتي ابدا.
2 ان جنرالات العسكرية البريطانية ولهم ما لهم من وشائج الوصال مع اقرانهم الامريكيين لا بد وان تشجعوا بما عرفوا من تململ مكتوم وعالي التوتر يسري في اوساط هؤلاء الاقران.
والثابت ان احترابا عمره سنوات ثلاث يستعر اواره في جنبات البنتاغون بين اسلحة العسكرية الامريكية وبعضها البعض، كما بين بعضها وكادر البنتاغون المدني. وغني عن البيان مدي تنائي اسلحة العسكرية الامريكية تاريخيا عن بعضها البعض، رغم اختراع هيئة الاركان المشتركة في الخمسينات بغرض توطيد لحمة التضافر بينها وان بلا جدوي ظاهرة للعلن، وبما يجعلها اقطاعيات قوة تجمع شملها كونفدرالية تعاهدية لا فدرالية تعاقدية.
محورا الاحتراب ولا ثالث لهما هما:
أ ما العمل مع ايران: هنا نجد سلاح الجو غير هياب ولا وجل من عمل جوي صاروخي كبير يستهدفها، فيما سلاح البحرية متردد بغير حسم، واما الجيش والمارينز وبالاخص اولهما فمستعيذان بطوب الارض من شر مهمة كتلك، سيما وهما غارقان لحد السرة في اوحال الفرات ودجلة.
ب قناعة الجيش يلحقه المارينز بان نجاحهما في العراق ميؤوس منه علي المديين المتوسط والطويل، مهما احرزا من نجاحات تكتيكية هنا او هناك.. لا تمكث نتائجها العمليانية دعك عن انعكاساتها السياسية في الارض، ولا تستديم امنا، ولا تستدر رضيً من الجمهور، ولا تضمن حصدا لجائزة الطاقة.
بالمقابل فسلاح الجو راضٍ بدوره المسكوت عنه في استخدام اقصي درجات العنف القاتل، سواء تلقاه مقاوم ام مدني.. لا فرق.
3 ان مشينا مع هذا المنطق في التحليل لمنتهاه، نخلص الي ان ذلك يستبطن اعلانا رئاسيا بان انسحابا جزئيا من العراق سيبدأ غداة اعياد الميلاد، ويستكمل في غضون عام من بدئه.
بذلك يحرم بوش خصومه الديمقراطيين من لذة الوعد بانهاء الحرب، ويكفلها لحزبه، وبالتالي مرشحه الرئاسي، بما قد يساعد في فوز لهما مبين.
4 من الآن ولحين هذا الاعلان ستقوم العسكرية الامريكية برفع وتائر حملتها الميدانية الي اقصي المستطاع، دون التفات لما ستتسبب به من اضرار مهولة تلحق بالبشر والحجر... وبغرض ترهيب القاصي والداني داخل العراق... والضغط عبر القتل المشاع لايصال كل قواه السياسية للقبول ب:
أ 4 قواعد عسكرية كبري في ارجاء العراق الاربع، توفر منصة اقتراب ثمينة من ايران الداخل ومن الشام، فضلا عن اطلالها علي تخوم القوقاز وآسيا الوسطي.
ب اقرار قانون السيطرة الامريكية علي مصادر وقرار الطاقة العراقي.
في هكذا سيناريو، لن يزيد عديد القوات الامريكية العاملة النهائي عن 50 الف جندي في كل العراق.
5 ان علمنا ان عديد المرتزقة الآن هو 200 الف، وان اقل من ثلثهم غربي وقرابة ثلثيهم عراقي، فالقاطع ان الاعتماد علي هذه التشكيلات سيتصاعد ويكبر بما يؤمن طابورا خامسا وعاشرا من القتلة الذين سيتولون خصخصة المهمة دون ضوابط ولا حواجز.
كلما انخفض منسوب القوات النظامية كلما ازداد حجم وثقل قوات المرتزقة.
6 لكن سلامة هكذا تشكيلات لن تكون مكفولة وخطوط تموينها وادامتها تنطلق من الكويت عبر مناطق غير آمنة في جنوب عراقي محرر.
بالتالي فمصير المرتزقة مرتبط ببقاء قواعد للقوات النظامية، يأتي منها المدد فضلا عن الغوث.
بالمقابل، فان هذه القواعد ذاتها تحتاج لمن يؤمن خطوط امدادها بسلاسة ويسر... وامر كهذا غير ميسور، وجنوب العراق خارج المدار.
7 والحاصل ان ما في الطريق الي جيش المهدي سبقه نجاح تكتيكي استراتيجي لا جدال فيه احرزته العسكرية الامريكية قبالة معسكر المقاومة المنبثق من الوسط العربي السني، وبه استطاعت ان تدق اسافين بين اطراف المعسكر الثلاثة: السلفية الجهادية، والاسلامية القومية، والبعثية، مكنها منه رهاب كل هذه الاطراف العصابي من ايران، ومن صعود الشيعية السياسية، وكذا من بعضها البعض، وبالاخص اثناهم الآخران من اولهم.
والاكيد ان جموعا متسعة من المقاومين المنتمين للتيارين البعثي والاسلامي القومي لا تكتفي بالقاء السلاح امام قوات الاحتلال بل وتنضم لها في قليل او كثير في حملتها الباطشة علي السلفية الجهادية. يضاعف الامر دموية وتعقيدا نفاذ الجهد الامريكي الي عقول وقلوب وجيوب عشائر سنية عربية امتشقت السلاح حربا علي السلفية الجهادية ونظيرا مقابلا للميليشيات الشيعية، يدوزنهما المحتل وفق ما يرتأيه أنسب وأمثل لظروفه في الميدان وفي السياسة.. في آن.
والحق ان المحتل تلمس في العامين الاخيرين طريقه بتسارع متصاعد الي الأخذ بأسباب التلاعب بالقوي المحلية، المقاومة منها ام المهادنة.. دعك عن المتماهية، واعانه خير عون في اكتساب المهارات آل سعود وآل هاشم الذين مهدوا السبل واناروا الدروب.
8 ينتصب هنا سؤال مركزي هو: هل ان تململ الجنرالات الامريكيين محصور في استنقاذ قواتهم من الاتون العراقي، فيما هم راضون وماضون في التحضير لحرب من نوع آخر مع ايران؟
قبل المضي في الاجابة، لا بد من وقفة لفحص معطيات الميدان بتأن وروية، واخضاعها لمبضع المشرّح ومجهر المخبري معا.
تتدافع هنا جملة من الاسئلة والاعتبارات:
1 هل يجرؤ ساسة وجنرالات بريطانيا ان يتركوا البصرة لمقاوميها، بما يعنيه ذلك من تهديد لامداد القوات الامريكية المنتشرة من شمال الجنوب الي جنوب الشمال؟
2 الجواب هو نعم، وتحت وطأة الاضطرار الاقصي.
يتوجب تلوا علي القوات الامريكية ان تملأ الفراغ وبسرعة... وهي المشدودة علي الآخر، بقوة 20 لواء مقاتلا، وبالكاد قادرة علي لملمة اطرافها، فضلا عن توسيع انتشارها.
ان هي قبلت بخسران البصرة فتموينها تحت النار، وان انتشرت فيها خسرت من مرابض اخري.... ثم كيف السبيل وشبح ان تسقط جبهة الجنوب، فيما المواجهة مع ايران مفتوحة علي احتمالات تصعيد، ماثل كسكين تقترب من حز الوريد؟
3 والحال ان الشريحة الحاكمة من حزب الحرب الامريكي لن تصل الي قناعة بتخفيض جذري لقوات الميدان العراقي في وقت قريب، توطئة لانسحاب شامل، ولسبب يتيم وهو ان تخفيضا كهذا وصفة طازجة لانهيار يخطف الابصار، ان لم يكن وفق صفقة تسوية شاملة مع ايران وسورية والمقاومة.. معا.
كيف للمرء اذن ان يوفق بين خروج بريطاني، ومكابرة امريكية تتشبث بالبقاء، املا بفرض رغائبها علي ايران وسورية والمقاومة.. معا؟
هل تستطيع واشنطن ان تواصل عض لسانها بينما تئن من آلامه، بابتغاء التجمل امام الخلق بائعة اياهم وهم انها ليست فقط طويلة النفس، بل وفائزة في آخر المطاف؟
لقد اوشكت واشنطن علي تبديد تريليون دولار علي حماقتها العراقية ولا قبل لها بتريليون آخر، علما ان حجم الدين العام كله هو 8 تريليون.
اهناك افضل من ذلك مثلا علي اعدام امبراطورية لنفسها، بنزف مكتسب متوسط الشدة يذهب بعافيتها رويدا رويدا وعلي مرأي من الخليقة؟
4 ان ايران لن تمضي في صفقة تخص العراق دون ان تشمل كل مسائل النزاع مع الولايات المتحدة.
ذلك ببساطة لان انفكاك الاخيرة عن بلوتها قد تيسر لها التعويض عنها بحملة من نوع آخر علي ايران.
الصفقة اذن يجب ان تكون شاملة... تمتد من مواضيع الامن المتبادل بين قزوين والخليج.. الي تسوية تركات الماضي.. الي ملف امتلاك القدرة النووية.. ووصولا الي قضايا الصراع العربي الصهيوني.
صفقة كتلك لا بد وان تشمل بالضرورة انسحابا كاملا من العراق دون قواعد ولا تسهيلات.
ايران تصل بخطي حثيثة الي قرار ان الاحتلال الامريكي للعراق قد استنفد اغراضه من وجهة نظرها وان خطره عليها وعلي حلفائها العراقيين وعلي حليفها الاقليمي سورية بلغ حد الاستفحال، لجملة اسباب منها:
1 تسبب الاحتلال بتحويل الحساسيات السنية الشيعية الي كرات لهيب تحرق الاخضر واليابس... والثابت هنا ان ايران تستشعر خطرا داهما علي مشروعها للقيادة الاسلامية العالمثالثية جراء صراع مذهبي مستعر، وتيقن ان ما يمزق العراق اشطارا جائحة يسهل انتشارها للداخل الايراني، وهو الموزاييك العرقي بنواة فارسية لا تزيد عن نصف قطره، معطوفا علي اقلية سنية تفيض عن سدس امته.
هي تريد عراقا واحدا ومسالما وصديقا، فيه رجحان لشيعته، وتراض مع سنته، ودفع لشر كرده.... هي رعت وترعي انشطة المقاومة المسلحة المتصاعدة التواتر في الجنوب العراقي وبالاخص عبر التيار الصدري ... وتقف وستقف علي الحياد في جولات اصطراع الصدر والحكيم من بغداد الي البصرة، اذ يدها هي العليا ايما كان المنتصر.
2 سبب آخر لنفاد صبر طهران مع المكوث الامريكي في العراق هو تحوله، بهمة وثابة، الي قاعدة تآمر علي الداخل الايراني، وعلي طول خط الحدود، وسواء كان حزب السعادة الكردي، ام مجاهدي خلق هو مخلب القط.
نأتي الآن الي سؤال الحرب والسلام.. مع ايران:
اذا عدنا لنقطة البدء في اعتبار الخروج البريطاني المذل من البصرة موطئاً لاعادة انتشار امريكي اقل شظفا، فأينما قلبت النظر في كيفية رؤيته وجدت فيه حتا وتعرية لسمعة وهيبة المشروع الامبراطوري الامريكي.
تأخذ المسألة شكلا مغايرا البتة لو كان الخروج ناتجا عن صفقة تسوية اقليمية شاملة.
هل لذلك من سبيل الان؟
الجواب هو بلا قاطعة.. اللهم الا قسرا.
انسحاب البصرة هو الطور الاول من عملية انسحاب جزئي من العراق، تسمح للولايات المتحدة بتحويل اهتمامها الي طهران... حتي وان املته اعتبارات بريطانية ضاغطة.
والحاصل ان انسحابا كهذا يستلزم تلقائيا ضرورة ضرب جيش المهدي من بغداد الي البصرة، لمنع تمكنه من محور العمارة البصرة بما يهدد خطوط الامداد المتدفق من الكويت.
تسعير كهذا يفيد ايضا في تمهيد الطريق لانسحاب جزئي تالٍ ان وصل لغايته.
هل يصل؟..... تعسر رؤية ايران وهي تضرب في شبه مقتل في العراق دون ان تحرك ساكنا.
هناك اولا، جماهيرية الصدر الواسعة والتي تستطيع ان تربك بل تقعد قدرة البطش الاحتلالية ان توزعت بمئات الالوف علي كل مدينة جنوبية فضلا عن شرق بغداد عاصية ومقاومة بالسلاح وبدونه.
هناك ثانيا، ضغط قم المتوقع علي النجف لتحسم امرها لصالح الصدر المستهدف، وفي هذا اضافة كمية ونوعية لوزنه ذاته.
هناك ثالثا، سبل امداد وعون عبر حدود طويلة لسلاح وخبرة لها ما لها في حرب غير متوازية.
يكفي ان نري طريق بغداد البصرة وقد قطع هنا وهناك لتصبح قوافل الامداد تحت رحمة المقاومة في قليل او كثير، رغم اهمية العامل الجوي في حراسة الطريق، وهو عامل قد تتكفل مضادات الطيران وبالاخص الهليكوبتر بالحد من فعاليته، مضادات هي بيقين بضاعة ايرانية ميسورة المنال لآل البيت.
في هذا السياق اقرأ ادراج واشنطن للحرس الثوري الايراني علي قائمة ارهابها علي انه محاولة استباقية لردع وتخويف ايران عن استعمال وحداته لنصرة التيار الصدري، بينما هي اي واشنطن منخرطة في محاولة ذبحه.
والقاطع ان ردعا كهذا غير وارد بالمطلق... فالمواجهة صفرية لا تقبل الا نتيجة واضحة.. انها انتم او نحن في العراق.. لن يكون تساكن ولا تعايش ولا تقاسم، ولا كل هذه النوتات التي عزفت لسنوات اربع، وصدّق بعض المستمعين امكان دوامها ودقة عزفها.
ان صداما مباشرا مع ايران، سواء تدرج في ايقاعه ام تفجر رعدا وزلازل، لا يستطيع ان يتأخر عن نهاية شباط (فبراير) 2008، اي حين ينتهي كرنفال ترشيحات الرئاسة الامريكية.... ان كان القرار قد صدر.
في هكذا سياق، فان خريف 2007 سيكون خريفا صدريا بامتياز، ليتلوه شتاء مقادير ترتطم صواعق ولهيبا.
شرطيا قرار كهذا، هما توافق جنرالات البنتاغون علي المضي به، ورفض طهران النهائي للتنازل عن ملفها النووي.
ان اعمل حزب الحرب عقله ونأي عن سبيل الحرب مع ايران، تبقي هناك ضرورة تحجيم جيش المهدي لكفالة تدفق امداد الكويت دون اخلال، ولتخسيس وزنه السياسي في معادلة الحكم في بغداد، وايضا لتمهيد الطريق امام انسحاب جزئي تضطر لقبوله كل اطراف المقاومة تحت وطأة جحيم منفلت تعود معه ذاكرتنا القهقري لاواخر ايام 1972 الفيتنامية.
انسحاب الانكليز من البصرة لذا كله يفسّر في ضوء ما تنتويه واشنطن نحو طهران: ان كان القرار بالاشتباك، فحلول الامريكي محل البريطاني، والقيام بضرب جيش المهدي بلا هوادة.. لا زمان.
وان كان القرار بعدمه، فتأمين البصرة ضروري، حتي وان تزاوج قرار عدم التحرك شرقا مع قرار انكفاء الي بضعة قواعد.... امدادات الكويت هي الفيصل في كلا المشهدين.
ما يحسم المسألة هم جنرالات البنتاغون، وجدلهم لا زال مستعرا.. هم واقرانهم في دولة المخابرات.
والحق ان من يتحدث عن انسحاب شامل للولايات المتحدة من العراق يتحدث عن المستقبل لا الحاضر.
خروجهم الشامل هو الأمثل لمصالح الولايات المتحدة قبل غيرها.. حينها تكون حكاية الامبراطورية المستبدة ذاتها قد طويت صفحتها لتحل مكانها قوة كبري بين قوي عدة تتعلم العيش والنماء بطريقة الاعتماد المتبادل وتوازن المصالح، لا بالبلطجة وقطع الطريق.
هي ولايات متحدة مؤنسنة تتواضع عن تجبرها وغلظتها ومشروع هيمنتها، وتصيخ لصوت العقل، وتتعايش مع قوي عالمية اخري منها قوة الاسلام (والعرب) الجيوستراتيجية.
لسنا هناك بعد... المشوار لا زال طويلا بعض الشيء، وعالي الكلفة لطالب الهيمنة ولمقاومها معا.
والشاهد ان الطريق الذي اختطته المؤسسة الامريكية منذ عام 48، وولغت فيه منذ 67 يتحول، بسرعة ضوئية، الي مسار بلا مخارج.
سوف لن يكون امامها في المدي المتوسط من سبيل الا ان تسلك سواه، ان شاءت ان تحفظ أمنها الداخلي منه والخارجي ومصالحها المعقولة، وما بقي لها من سمعة.
والثابت ان تاريخ الامبراطوريات البائدة يشهد علي ان السبب المركزي لسقوطها هو افتراق النهج عن كلفته، بما يستدعيه ذلك من تداعيات تبدأ ولا تنتهي.... هذا بالضبط ما تتكفل به سياسات السنوات الست الفائتة بما حفلت به من حروب باهظة الاثمان.
لكن جموح القوة يغش الابصار، خصوصا وانه يقود باللاشعور الي الشعور ان الاخفاق لا يداوي الا بالمزيد من التمدد، واللجوء الي القوة العارية، وهلك الحرث والنسل.
متي تنكسر تلك الدائرة المعيبة؟
ظني انها بعد ان تنتهي الحرب المشنة علي ايران بكل السبل سوي السلاح لاعوام ثلاثة، بفتح الستار عن مشهدها الاخير الزاخر بقعقعة السلاح، تلعب فيه واشنطن ورقتها الاخيرة في المنطقة، فإما فائز او فار.. ولا عزاء للضحايا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.