فرنسا تعاقدت مع أبو ظبى لعمل نموذج لمتحف اللوفر وتأجير جزء من الآثار المعروضة به معرض توت عنخ آمون ظل فى أمريكا أكثر من 8 سنوات.. فهل يختلف ذلك عن الإيجار سوى فى اللفظ؟! لماذا لا نحصّل إيجارًا من المتاحف العالمية ما دام أنه لا أمل فى عودة آثارنا منها؟! أثار خبر طلب مواطن مصرى بدولة خليجية، تأجير آثار مصر لدولة خليجية وعرض المالية الاقتراح على وزارة الآثار؛ ردود فعل وانتقادات عديدة وصلت إلى وصف الاقتراح بأنه ضمن حالة الفوضى الأخلاقية التى تسود المجتمع. وطالب عدد من علماء الآثار بعقد مؤتمر عاجل للرد على هذا الاقتراح. يحدث هذا وفى مجال تأجير آثار مصر فضائح حقيقية أشد «وكسة»؛ منها تعاقد فرنسا مع أبو ظبى لعمل نموذج لمتحف «اللوفر». ويتضمن المشروع تأجير آثار مصرية من آثارنا المعروضة ب«اللوفر» لمدة عشر سنوات مقابل مليارات الدولارات، فيما يدافع عدد من المسئولين والمثقفين لدينا عن بقاء آثارنا فى «اللوفر» وغيره بحجة أن الآثار ملك الإنسانية، وأنها خير دعاية لمصر، وأن استمرار وجودها هناك أفضل للحفاظ عليها. وبالطبع، يرى الفرنسيون قائلى مثل هذا الكلام مثل الهنود الحمر. نوع آخر من تأجير آثارنا لا يختلف سوى فى اللفظ؛ هو وجود معارض آثار مصرية فى الخارج ينتقيها الأجانب وتظل هناك سنوات، مثل بقاء آثار توت عنخ آمون فى أمريكا أكثر من 8 سنوات متواصلة؛ فهل يختلف هذا عن الإيجار سوى فى اللفظ؟! وفى موضوع تأجير آثار مصر أيضا، اقترح مواطن مصرى فشل فى إعادة آثار مصرية من أحد متاحف إنجلترا بسبب تقاعس المسئولين؛ بأن يُحسب إيجار للآثار المصرية الموجودة فى المتاحف العالمية؛ فهذا أحسن حالا من أن نتشدق بالكلام فى وقت يتكسب فيه الغرب المليارات من مشاهدة آثارنا بمتاحفهم؛ فماذا عن هذه القضية؟! أبو ظبى تؤجر آثارنا يقول د. أحمد راشد رئيس قسم الهندسة بالجامعة البريطانية والباحث والخبير بحقوق الملكية الفكرية: «إن فرنسا عقدت اتفاقية مع أبو ظبى تتضمن بناء فرع لمتحف (اللوفر) فى أبو ظبى، على أن يكون مجرد اسم فقط، لكن بعمارة مختلفة، مقابل أن تدفع أبو ظبى مبالغ سنوية نظير استغلال الاسم لمدة عشر سنوات». وتضمنت الاتفاقية وضع آثار من مقتنيات «اللوفر». وهذه المقتنيات متغيرة، لكن معظمها من الآثار المصرية، كما تضمنت الاتفاقية عمل إدارة «اللوفر» نماذج طبق الأصل من الآثار. وهذه الصفقة الأثرية (إيجار وتقليد) التى تأتى على حساب الآثار المصرية؛ تحصل فرنسا منها على 150 مليون دولار سنويا؛ أى مليار ونصف المليار دولار خلال مدة العقد، ثم يعاد النظر فى العقد بعد عشر سنوات. وبجانب هذه الصفقة التى تدر المليارات من عائد الآثار المصرية ومصر لا تستفيد شيئا، يوجد استنساخ لكل ما يتعلق بآثار مصر، إذ أنشئت مدينة «لاس فيجاس» بأمريكا تشبه تماما مدينة الأقصر، كما أنشئت مدن باسم «أرض الفراعنة» فى عدد من الدول، تعتمد على استنساخ المدن الأثرية فى مصر أو نماذج من الآثار المصرية الشهيرة، لتدر لتلك البلاد ملايين الدولارات ونحن نتفرج. (ناهيك عن الطرز المعمارية والفنية التى تستعين بالفن المصرى القديم، مثل طراز الآرت ديكو؛ حيث تجد التماثيل المصرية وأشهرها أبو الهول فى مدخل أفخم القصور والفنادق، وتجد أشكالا لآثار توت عنخ آمون على أفخم علب المجوهرات والهدايا.. إلخ). لو حصلنا على 5% فقط من قيمة تذاكر زيارة «لاس فيجاس» أو غيرها من المدن التى تعتمد على استنساخ آثار مصر، لتمكنا على الأقل من إيقاف «مهزلة» سفر الآثار المصرية إلى الخارج وما تتعرض له من تلف وكسر وتقليد وتزوير!. وكان يجب أن يتضمن قانون الآثار مطالبة الدول والشركات والمتاحف التى تعرض آثارنا أو تستنسخ نماذج أو مدنا، بسداد مقابل حقوقنا فى الملكية الفكرية؛ فكثير من الدولة الأوروبية -ومنها فرنسا- تعامل آثارنا على أنها سلع تجارية!. فرغم أن هذه الدول موقعة على اتفاقية ال«يونسكو» فإنها غير موقعة مع مصر على اتفاقية ثنائية بإعادة الآثار المسروقة بحجج؛ منها عدم تعريف الممتلكات الثقافية بما يتماشى مع قوانين وأعراف هذه الدول، وعدم توافق بعض الأحكام فى اتفاقيات أخرى وقعتها هذه الدول، مثل اتفاق دول الرابطة الاقتصادية الأوروبية المشتركة بشأن حرية تداول السلع بين دول الرابطة، وتسهيل حركة الاتجار والسفر بينها؛ أى أنها تتعامل مع آثارنا كأنها سلعة تجارية مثل أى سلعة، ومن ثم إذا عادت إلينا آثار مهربة يكون من باب الحرص على العلاقات الودية لا بحكم أنها حق أصيل لنا. ويقول مؤمن الدسوقى (مصرى يعمل بإنجلترا بذل جهودا لاستعادة الآثار المصرية المسروقة والمعروضة بمتحف «شيفلد») إنه «على الرغم من خيبة أملى و(دهشتى) من عدم الاستجابة لى فى قضية استرداد متحف شيفلد، بدأت فى التفكير فى حل آخر؛ فإذا كانت هذه الآثار مهمة للحكومة البريطانية فلماذا لا نطالب بإيجار سنوى عنها؟! وهو ما سيعود بنفع أكيدٍ على البلد؛ حتى يمكننا تكوين الكوادر التى تكون قادرة على العمل فى مجال التنقيب عن الآثار، وتمصيره بالكامل ليكون قاصرا على المصريين. إن فكرة الإيجار السنوى مشابهة لأمر الملكية الفكرية؛ فهذه أشياء وتحف صنعها أجدادنا ونحن نتوارثها. أم أن الملكية الفكرية حلالٌ لهم وحرامٌ علينا؟!». وذكر عالم الآثار المصرية د. نشأت حسن الزهرى عن إنشاء مدينة أو فندق الأقصر فى لاس فيجاس بأمريكا: «هذا الأمر خطير جدا؛ لأن معظم مواقع النت تضع (أقصر أمريكا) بدلا عن الأقصر المصرية، فيستفيدون منها ماديا ويحققون أرباحا طائلة. ويجب على المسئولين فى مصر اتخاذ موقف جاد تجاه إهانة الآثار المصرية؛ إذ تزين برسوماتها أماكن اللهو وشرب الخمور والأعمال المنافية للآداب، بل وصل الأمر بهم إلى التطاول على المقدسات، كما أن التنبيه للتصدى لاستغلال الدول المختلفة الآثار (شعارات ولوجوهات) على منتجاتها التجارية، واجب قومى يحتاج إلى رد فعل سريع من المسئولين. وكفانا ترك المقابر الأثرية للاستنساخ ليقيم الغرب مدنا أثرية كاملة مثل الأقصر ويجذب السياح إليها بدلا من زياراتهم مصر». صكوك الآثار جانب آخر كشف عنه الأثرى نور الدين عبد الصمد المدير العام بوزارة الآثار بقوله إن مسألة إثارة تأجير بعض المناطق الأثرية الهامة لدولة قطر، ما هى إلا مجرد جس نبض لرد فعل الرأى العام على تلك الفكرة، وتوقع أن يعاد طرحها مرة أخرى رسميا مع بعض التعديلات وبصياغة جديدة، مثلما حدث فى مشروع قانون الصكوك الإسلامية الذى رُفض من البداية، إلا أن مجلس الشورى قاب قوسين أو أدنى من الموافقة عليه بعد صياغته والموافقة عليه فى مجلس الوزراء. ويشير عبد الصمد إلى أن مواد الدستور الحالى تجرم إيجار الآثار باعتبارها ملكية عامة، ولا يجوز إخراج الآثار من إطار المنفعة العامة إلى إطار المنفعة الخاصة طبقا لنص المادة 558 من القانون المدنى. وقد حصل كثير من الوطنيين على أحكام قضائية تؤكد ذلك، خاصة فى أمر تأجير نفائس مصر بمعارض للآثار خارج البلاد؛ إذ تظل سنوات تجوب بعض الدول، وتضم قطعا أثرية لتوت عنخ آمون؛ إذ تعتبر هذه المعارض تهريبا لآثار مصر بالقانون؛ فسلطان الدولة معدوم تماما عند عرض الآثار خارج مصر، وتكون مهمة حراستها فى يد شركات أجنبية مع تقدم طرق التزييف للآثار على مستوى العالم؛ فلم تعد البصمة الوراثية للأثر ذات جدوى. وطالب عبد الصمد بتشكيل جبهة لإنقاذ آثار مصر يضم كل المهتمين بشئون الآثار لحمايتها مما تتعرض له من هجمة شرسة غير مسبوقة. أما د. حجاجى إبراهيم رئيس قسم الآثار بكلية الآداب، فيقول: «إن الأمور تسير بطرق مريبة؛ فقد أنكر مجلس الوزراء فى البداية موضوع التأجير، كما أنكر الوقعة وزير المالية، إلا أنه مع عرض الدكتور عادل عبد الستار خطاب المالية المقدم إلى وزارة الآثار تكشف الموضوع. والسؤال: ما مصلحة المواطن المصرى صاحب الاقتراح فى التأجير؟! ويبدو أنه بحكم أنه صاحب رياض أطفال، يعامل الآثار كأنها أشياء صغيرة. أما عن دول الخليج فللأسف هناك آثار مصرية بالفعل تمثل متاحف كاملة، وتوجد آثار تهرب من مصر إلى هناك، بل ضُبطت سفينة كاملة بالعين السخنة كانت فى طريقها لتهريب الآثار؛ فهل من وقفة مع دول الخليج بعد أن تبين أن الغرب ليس وحده الذى يطمع فى آثارنا؟!».