ينذرنا و يحذرنا الكثير من السياسيين و الإعلاميين على أن مصر على شفا حربٍ أهلية. هل المصريون يعرفون الحرب الأهلية ؟ و هل لهم تاريخ فى ذلك ؟ و هل الأحداث الحالية تقود إلى حرب أهلية ؟ و هل يمكن أن تشتعل حرب أهلية فى مصر ؟ أم أن الموضوع لا يعدو أن يكون إبتزاز سياسى لتحقيق مكاسب سياسية ؟ المصريون مُحصنون ضد الحروب الأهلية : لم يُسجل التاريخ المعروف أنه كان هناك حرباً أهلية قامت فى مصر منذ قام الملك مينا (نارمر) فى سنة4325 ق.م. بإخضاع مملكة الشمال (الدلتا) إلى مملكته فى الجنوب. وحتى هذه لم تكن حرباً أهلية لأن مصر لم تكن موجودة ككيان قبل هذا التاريخ بل هو غزو وضم مملكة لأخرى فنشأت مايعرف بمصر اليوم. و منذ ذلك الوقت لم تقم أى حرب أهلية بين المصريين أبداً و لكن هناك فترات من الإضطرابات و الصراعات التى لم ترق إلى مستوى حرب أهلية بين فئتين. فأشد هذه الإضطرابات كانت أيام ثورة أخناتون الدينية.و العصر الأول للمسيحية مصر سواء فى صراعها مع الوثنية الفرعونية أو بين الطوائف المسيحية نفسها و لكنها أيضاً ليست حرباً أهلية.
الحرب الأهلية مقوماتها و شروطها : هى حرب داخلية بين جماعات مختلفة من السكان يكون الهدف منها إما السيطرة على مقاليد الحكم أو فى أحيان أخرى الإنفصال (الإستقلال) و أسبابها قد تكون سياسية أو طبقية أو دينية أو عرقية أو إقليمية أو مزيج من هذه العوامل. و يشترط لتفعيل الحرب تباين الصفوف فى إنحياز جغرافى أو إنقسام فى الجيش. فهل هذا متوفر أو يمكن أن يتوفر فى مصر؟ الإجابة بالتأكيد "لا".
فإذا كان ليس من طبيعة و لا فى تاريخ المصريين الحرب الأهلية و لا تتوافر شروطها و لا مقوماتها فيتبين أنها تُستخدم كفزاعة لتحقيق مكاسب سياسية و إصابة الجانب الآخر بالفزع و الصدمة لتقديم تنازلات.
طبيعة الإضطرابات الحالية : تختلف الفعاليات الحالية عن سابقاتها بالرغم من رعاية نفس الطرف لها أن الكثير من مؤيدى المعارضة المثقفين لم يشاركوا فى هذه الفعاليات إما لعدم قناعتهم الكاملة لأهدافها أو بسبب حجم و طبيعة العنف الغير مسبوق فى جميع الفعاليات السابقة. فالهجوم الوحشى و العنيف على قوات الأمن و المحاولات المستميتة للوصول إلى المقرات الأمنية و خصوصاً وزارة الداخلية لم يكن أبداً ديدن الثوار حتى فى أكثر فترات الثورة حلاكاً. و قطع الطرق و الكبارى و مسارات مترو الأنفاق لم يحدث فى أثناء الثورة المجيدة و لا ما تلاها من فعاليات. أما إشتراك جماعات مسلحة مجهولة الأهداف فقد كان منفراً لأقصى درجة. و أخيراً و ليس آخراً الإنتهازية الفجة لقضية قتلى مباراة بورسعيد و تسخين الأجواء ثم الإنتقال ب 180 درجة فى اليوم التالى بالإنحياز بالباطل للمحكوم عليهم بالإعدام. فهذه ليست ثورة و لا تظاهرات عنيفة بل ليست أكثر من إضطرابات عنيفة جداً لنسف الإستقرار و تقويض المؤسسات المنتخبة و منع إنتخاب مجلس النواب.
مستقبل هذه الإضطرابات : لقد أثارت هذه الإضطرابات القطاع الأكبر من الشعب المصرى التى تنشد الإستقرار و إنسحب المعارضون المخلصون من الشارع و من التجمعات و بدأت موجات العنف تقل تدريجياً.
فى تقديرى ستخف حدة العنف تدريجياً إلى أن تدعوا المعارضة إلى مليونية يوم الجمعة تتبعها موجة عنف جديدة لمدة يومين ثلاثة و لكنها ستكون أخف كثيراً من الحالية.
نتائج هامة : لقد ظهر ثبات و إخلاص بعض ضباط الشرطة فى إلتزامهم بالتعليمات و عدم إستخدامهم الأسلحة بالرغم من تعرضهم للرصاص الحى. ووصلوا إلى نتيجة أنهم حصدوا نتائج مؤامرات زملائهم فى تسمين و مهادنة البلطجية و أنهم أول من يدفع ثمن الإمتناع عن العمل. و عانى الضباط و ثبتوا فى بورسعيد و السويس و عند وزارة الداخلية. و نالوا تعاطف و تأييد قطاعات ممن لديهم تحفظات على الشرطة عموماً. و قد نشأ ثأرٌ شخصى (مع تحفظنا عليه) لدى الكثير من الضباط خصوصاً فى مدن القناة تجاه البلطجية و من يدعمهم و تولد إصرار شديد لديهم للذهاب إلى أوكار هؤلاء المجرمين. و قد ظهر ذلك سريعاً فى بورسعيد حيث تم إلقاء القبض على بعض هؤلاء المجرمين المتورطين فى الأحداث مع تقديم الشرطة تسجيلات مرئية لهم. حقيقةً هذا تطور محمود فى أداء الشرطة.
و خسرت بعض فصائل المعارضة كثيراً بدعمها لجماعات العنف السياسى (الإرهاب)و متاجرتها بضحايا حادثة إستاد بورسعيد و المحكوم عليهم بالإعدام على السواء. و ظهر جلياً أنها لاتقيم وزناً للدستور و لا قيمة للتصويت الشعبى و لا إحترام للقضاء بعد مطالبتها الرئيس بإلغاء أو حتى تعديل الدستور و إقالة النائب العام. و أخيراً و ليس آخراً لابد أن نعترف بخسارة الرئيس مرسى و بالتالى حزب الحرية و العدالة لبعض من شعبيتها خصوصاً فى مدن القناة. لكن هذا الثمن مقبول فى سبيل التمسك بالقيم و المبادئ و ستثبت الأيام بعد إنقشاع الدخان و ذهاب السكرة حتمية و فائدة قرارات الرئيس. الموقع غير مسئول قانونا عن التعليقات المنشورة