لم يكن أكثر الحالمين يتخيل أن يأتى اليوم الذى يثور فيه العرب على حكامهم الذين جثموا على صدورهم لدهور طويلة ، والغريب أن أجهزة المخابرات العالمية فشلت فى أن تتنبأ بقيام ثورات فى العالم العربى وإن توافرت أسبابه، ولهذا كان لأحداث الربيع العربى هذا الأثر المهم على المستوى الإقليمى والعالمى، ومن أهم الدراسات الإقليمية حول الربيع العربى تأتى تلك الدراسة الإسرائيلية المتخصصة التى قام بها معهد الدراسات الأمنية الوطنية بتل أبيب. فى بداية الدراسة يؤكد آموس يلدن أن "الانتفاضات الشعبية" التى ضربت المنطقة أخيرا تشكل حدثا استثنائيا لم تشهده المنطقة من قبل رغم أن شعوب هذه المنطقة ظلَّت تعانى لسنوات تحت نير حكم ديكتاتورى. ويعزى آموس هذا إلى ثلاثة أسباب هي:غياب الديمقراطية والتكنولوجيا وعدم وجود دور فاعل للمرأة. وفيما يخص الشأن الإسرائيلى وهو المحور الرئيسى للدراسة، يؤكد الباحث شلومو بروم أن إسرائيل هى الخاسر الأكبر من الربيع العربى حيث إن النظام السابق بقيادة رؤساء مثل مبارك وابن على والقذافى كانوا يمثلون صمام أمان لإسرائيل إذ كانت معظم الدول العربية لا تمثل خطرا حقيقيا على أمن إسرائيل. ويشير شلومو إلى أن هذه الأنظمة القمعية العربية-يحدد نظام مبارك بالاسم- كانت الأقدر على كبح جماح الجمعاعات الإسلامية ومنعها من الوصول لسدة الحكم ويؤكد أنه بات على الإسرائيلين أن يعيدوا حساباتهم بعد 30 عاما من السلام بين مصر وإسرائيل على عكس ما يصفه شلومو بأنه "فراغ أمنى" فى سيناء وهو أمر يمثل خطورة أمنية على الجانب الإسرائيلى، وبناءً عليه فإنه على إسرائيل أن تغير من استراتيجياتها السابقة تجاه المنطقة. وفى هذا الصدد يؤكد الباحث مارك هيلر على أن رد الفعل الإسرائيلى تجاه الربيع العربى كان دائما يتسم بالعقلانية والتحضر غير أنه لم يخلو من الخوف والقلق. أما عن الجزء الأهم فى الدراسة والذى يتعلق بكيفية تعاطى الجانب الإسرائيلى مع الأنظمة العربية التى ظهرت على الساحة السياسية خلفا لأنظمة كانت تحسب على أنها صديقة لإسرائيل يؤكد هيلر أنه فى ظل الوضع القائم ينبغى على إسرائيل ألا تحاول التدخل من قريب أو من بعيد فى مسار التحول السياسى الحاصل الآن بالمنطقة حتى لا يؤدى ذلك إلى نتائج عكسية، والبديل الذى يقدمه هيلر هو محاولة الحفاظ على علاقات ودية مع ما تبقى من أنظمة عربية لم تصل إليها رياح الربيع العربى مثل الأردن والمغرب وكذا محاولة إعادة مسار العلاقات التركية-الإسرائيلية إلى سابق عهدها لإحداث نوع من التوازن فى العلاقات الإستراتيجية فى المنطقة انتهاءً بمحاولة فتح قنوات اتصال مع الحركات الإسلامية التى ظهرت على الساحة السياسية أخيرا وذلك بهدف تقريب وجهات النظر وإزالة سوء الفهم بين الطرفين. هذا وتنتهى الدراسة بدراسة الآثار المحتملة للربيع العربى على قدرات جيش الدفاع الوطنى الإسرائيلى حيث يرصد الباحث جابى صابونى السيناريوهات الإسرائيلية المتوقعة لمستقبل العلاقات العربية-الإسرائيلية ومدى إمكانية نشوب حرب قريبا بين إسرائيل وأى طرف عربى خاصة سوريا وغرة وطريقة الرد التى يمكن أن ترد بها إسرائيل ويشير صابونى فى هذا المضمار إلى أنه بزوال الأنطمة العربية السابقة فإن اسرائيل قد فقدت ميزة كبرى ألا وهى القدرة على البقاء فى أماكن الصراع لفترات طويلة دون تذمر من أى من الأنظمة العربية أما الآن فمدلولات العلاقات المصرية-الإسرائيلية فى الوقت الحاضر لن تسمح لإسرائيل بأن تمد يدها طولاً وعرضا فى غزة أو الجنوب اللبنانى كما كانت تفعل فى السابق وعلى هذا فإن على الجيش الإسرائيلى أن يتدرب على توجيه ضربات عسكرية سريعة وخاطفة على الأهداف المراد استهدافها، أما عن الوضع فى شبه جزيرة سيناء فإن على إسرائيل إيجاد بدائل وحلول جديدة للتعامل مع هذا الواقع الجديد ومنها تشكيل قوات برية خفيفة يمكن نشرها بسرعة ونقلها من مكان لآخر فى وقت قصير كلما دعت الحاجة لذلك ودون الانتظار لوصول إمدادات من القوات النظامية. * كلية اللغات والترجمة- جامعة الأزهر الموقع غير مسئول قانونا عن التعليقات المنشورة