قامت الحرب في الجاهلية بين بكر وتغلب وهما ابنا وائل بن ربيعة بسبب ناقة لامرأة يقال لها البسوس كانت في حمى جساس بن مرة فرعت في أرض كليب فقتلها فقتل جساس كليبا ونشبت الحرب بين حيي وائل واستمرت أربعين عاما حتى قالت العرب أشأم من البسوس. واليوم بعد مرور عام على اغتيال رفيق الحريري، يصدر مجلس الأمن الدولي قرارا بإنشاء محكمة دولية لمحاكمة قتلة الحريري تحت الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة، وبغض النظر عن الإجراءات القانونية التي تستلزم موافقة مجلس النواب اللبناني، مما يعني أن المحكمة ستباشر عملها رضيت لبنان أو كرهت. والغريب في الأمر أن المحكمة التي بدأت عملها اعتبارا من اليوم 10 يونية (حزيران 2007) لن تحاكم أحدا لأنه حتى الآن لم تتوصل التحقيقات لتحديد المتهمين الذين سيقدمون للمحكمة، فالمحكمة إذن قد أنشئت قسريا لمحاكمة مجهولين حتى الآن. ومن الواضح من سير الأحداث منذ اغتيال الحريري أن الموضوع مرتب لوضع لبنان تحت الوصاية فقد اتخذ الاغتيال مبررا لإخراج سورية من لبنان تمهيدا للعدوان عليه في يوليو (تموز) من العام الماضي، فلما انقلب السحر على الساحر وأسفر العدوان عن هزيمة إسرائيل وانهيار مشروع الشرق الأوسط الجديد كما رسمته أمريكا، سعت أمريكا بالتعاون مع حلفائها في المنطقة الذين ساندوا إسرائيل في عدوانها على لبنان سواء بوصف أسر حزب الله لجنديين إسرائيليين من دورية توغلت داخل الأراضي اللبنانية بأنه مغامرة غير محسوبة – وكأن المغامرة المحسوبة هي الاستسلام للعدوان ليس إلا – أو باستصدار الفتاوى بتكفير حزب الله لأنه شيعي أو بمساندة إسرائيل كما صرح بذلك يهود أولمرت وأقر به تقرير فينو غراف دون أن يبين أي منهما كيفية هذه المساعدة واكتفى بالقول بأن ست دول عربية وقفت معنا مع ترك تحديد هذه الدول لفطنة المتلقي. في كل جريمة تحوم الشبهات حول المستفيد، والمستفيد هنا معروف هو المشروع الصهيوني الأمريكي. نعم يمكن أن يتلقى هذا المشروع دعما من أنظمة عربية ومن دول أوروبية أو من الأممالمتحدة التي أصبحت خاضعة للرغبات الأمريكية. من الواضح أن المشروع الصهيوني يسعى إلى وضع لبنان تحت الوصاية الأمريكية أو الدولية لا يهم ما دامت المنظمة الدولية أداة في يدهم، ومن الواضح أيضا أنهم يسعون إلى القضاء على المقاومة سواء أكانت في لبنان أو فلسطين أو العراق أو أي مكان، وما الصراع المستثار بين فتح وحماس إلا جزءا من هذا المخطط، فإذا توقف يوما تقدمت القوات الإسرائيلية للضرب في غزة وفي الضفة لكي تحدث الدمار المطلوب الذي لابد من أن يتم سواء بأيدي الإسرائيليين أو بأيدي الفلسطينيين أنفسهم، وهذا هو الأفضل لديهم وكفى الله اليهود شر القتال. وفي هذا السياق أيضا تأتي أحداث نهر البارد، فقد سعت الولاياتالمتحدة عن طريق عملائها في المنطقة لدعم جماعات سنية متشددة لمواجهة حزب الله في لبنان، فوقع الاختيار على جماعة فتح الإسلام بدعمها عن طريق السعودية وآل الحريري، فلما فطنت فتح الإسلام لهذه اللعبة ورفضت الانخراط فيها انقلبوا عليها لتصفيتها وربما لما هو أكثر من ذلك بإثارة فتنة فلسطينية لبنانية وربما أيضا لإخلاء مخيم نهر البارد المطل على البحر لصالح إنشاء قاعدة أمريكية في عين المكان تكون مركزا للقوات الأمريكية في المنطقة وتكون أقرب ما يكون لفلسطين حيث تستطيع مساندة إسرائيل في أي مواجهة مقبلة أو دعمها في أي عدوان استباقي تقوم به مجددا في المنطقة. لا نستطيع أن نفصل هذا المشهد اللبناني عن الوضع في العراق وفي الخليج وفي أفغانستان وفي الصومال وفي السودان. نعم تتنوع الأساليب من محكمة دولية إلى محاكم جرائم حرب إلى قوات دولية إلى احتلال مباشر إلى احتلال بالوكالة (أثيوبيا مثلا في حالة الصومال) لكن يبقى الهدف واحدا هو القضاء على المقاومة وإخضاع المنطقة لصالح الهيمنة الصهيونية. إن الدور الذي يلعبه سعد الحريري في لبنان بمساندة مشروع الوصاية الأمريكية بزعم الثأر لمقتل أبيه يجعله يرهن لبنان ومصيره بل يقدمه لقمة سائغة لأعداء الأمة المتربصين بها ولن ينفعه ذلك في نهاية المطاف لأنه حالما يحقق المشروع الصهيوني هدفه سيلقي به في مزبلة التاريخ مثل غيره ممن تحالفوا مع أعداء الأمة. لقد سعى امرؤ القيس من قبل للاستعانة بقيصر الروم في القسطنطينية ليدرك ثأر أبيه من بني أسد، ثم في أثناء زياراته المتكررة للقيصر في القسطنطينة غازل ابنته فحنق عليه القيصر وأهداه عباءة مسمومة (ملوثة بمرض الجدري)، ولعلها أول حرب بيولوجية في التاريخ فأصيب بالجدري وتقرح منه جسمه في طريق عودته من القسطنطينية، واشتد به المرض عند سفح جبل يقال له عسيب فدفن في ذلك الموضع بجوار قبر امرأة من بنات الملوك رآه قبل أن يموت وإليها يقول:
أجارتنا إن الخطوب تنوب وإني مقيم ما أقام عسيب أجارتنا إنا غريبان هاهنا وكل غريب للغريب نسيب