شمعة نضيئها مع الجمعية التأسيسية للدستور ( 3 ) [email protected] ضمن سلسلة "كتاب الأمة" وتحت عنوان "مقاصد الشريعة .. أساس لحقوق الإنسان" كتب الأستاذ الدكتور محمد الزحيلي: كرّم الله الإنسان، واصطفاه على سائر خلقه، وجعله سيدًا في الأرض وأرسل له الأنبياء والرسل، وشرع له الأحكام لبيان الحقوق والواجبات، وجاء الشرع الإسلامي الحنيف من أجل الإنسان، حتى أن مقاصد الشريعة الإسلامية هي المنطلق الرئيسي لإنسانية الإنسان ومقاصد الشريعة هي تحقيق مصالح الناس، ولكن المصالح ليست على درجة واحدة من حيث الأهمية والخطورة وحاجة الناس إليها، وإنما هي على مستويات مختلفة، ودرجات متعددة. فالمصالح الضرورية تقوم عليها حياة الناس الدينية والدنيوية، وإذا فقدت هذه المصالح الضرورية اختل نظام الحياة، وفسدت مصالح الناس، وعمّت فيهم الفوضى، وتعرض وجودهم للخطر والدمار والضياع والانهيار، وضاع النعيم في الآخرة، وحل العقاب. وتنحصر المصالح الضرورية للناس في نظر الإسلام في خمس أشياء، وهي الدين، والنفس، والعقل، و العرض ( النسل أو النسب) والمال. وجاءت الشريعة الغراء لحفظ هذه المصالح الضرورية، وذلك بتشريع الأحكام التي تحفظ الدين، وتحفظ النفس، وتحفظ العقل، وتحفظ النسل أو العرض أو النسب، وتحفظ المال. ومن هنا فإن دستور مصر الجديد يجب أن يحافظ على مقاصد الشريعة الضرورية الخمسة بتضمينه المواد التي تحفظ الدين والنفس والعقل، والنسل أو العرض والمال. ***** الحقوق والحريات في الدستور الجديد خطوة للأمام أنهت لجنة "الحريات والحقوق والواجبات العامة" في الجمعية التأسيسية عملها بمسودة تتضمن حوالي أربعين مادة في باب "الحريات والحقوق والواجبات العامة" منها 17 مادة جديدة صدرتها بهدف من أهداف ثورة 25 يناير المباركة "حق الكرامة الإنسانية"، وضمنتها حقوق " المأكل - الملبس - المسكن - العلاج - التعليم - حق العمل" وهي حقوق لم يكن أغلبها متضمنا في دستور 1971، إضافة إلى " حقوق التأمين الاجتماعي وبدل البطالة - حقوق ذوي الإعاقة - حق الملكية الخاصة - حقوق الطفل - حقوق المرأة - حقوق الملكية الفكرية - حقوق رعاية النشئ - حق ممارسة الرياضة وتشجيعها ورعاية الموهوبين". وفي مجال حرية الرأي تضمنت "حرية تملك وإصدار الصحف للأشخاص الاعتبارية العامة والخاصة وللأحزاب السياسية بمجرد الإخطار وحق إنشاء محطات البث الإذاعي والتليفزيوني ووسائط الإعلام الرقمي وفقا للقانون" وحماية هذا الحق "لا يجوز توجيه الاتهام في جرائم النشر بغير طريق الادعاء المباشر، ولا توقع عقوبة سالبة للحرية في هذه الجرائم باستثناء ما يتعلق منها بالنيل من سمعة الأشخاص، أو أعراضهم أو سبهم أو قذفهم أو الحض على العنف والتمييز" واستكمالا لحرية الرأي تضمنت المواد "حرية الحصول على المعلومات والبيانات والإحصاءات والوثائق أيا كان مصدرها ومكانها حق مكفول للمواطنين، وتلتزم الدولة بتمكين مواطنيها من التمتع بهذا الحق دون معوقات وبما لا يتعارض مع الأمن القومي للبلاد أو ينتهك حرمة الحياة الخاصة. وينظم القانون إجراءات الحصول على تلك المعلومات بحرية ، وكيفية وجهة التظلم من رفض إعطائها ، والجزاء المناسب لمن يخالف ذلك". ***** تحسينات جديدة وإضافة للمواد الجديدة هناك تحسينات أضيفت على المواد الأصلية في دستور 1971: مادة 2 - "المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة، ولا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو العرق أو اللغة أو الدين أو العقيدة أو الرأي أو الوضع الاجتماعي أو الإعاقة".وعدم التمييز بناء على الرأي أو الوضع الاجتماعي أو الإعاقة إضافة جديدة تحجم فرص التمييز وتضيقها وتعالج قصورا سابقا إزاء التمييز ضد بعض الفئات. وفي المادتين 3،4 الخاصتين بالحرية الشخصية إضافات مهمة تمنع القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأي قيد أو منعه من التنقل إلا بأمر من القاضي المختص فيما عدا حالة التلبس وأحوال الاستعجال والضرورة التي يبينها القانون، ثم تشترط المادة 4 "ويجب في جميع الأحوال إبلاغ المعتقل أو المقبوض عليه كتابة بأسباب القبض خلال اثنتي عشرة ساعة وأن يقدم إلى سلطة التحقيق خلال أربع وعشرين ساعة من وقت القبض عليه ولا يتم التحقيق معه إلا في حضور محاميه وإن لم يكن فيندب محام له. وللمعتقل أو المقبوض عليه ولغيره التظلم أمام القضاء من الإجراء الذي قيد حريته ، وينظم القانون حق التظلم بما يكفل الفصل فيه خلال أسبوع ، وإلا وجب الإفراج حتما. وتكفل الدولة تعويضا عادلا لمن انتهكت حريته الشخصية دون مسوغ من القانون". وتؤكد المادة 6 على حرمة المنازل وتضيق من إمكانية دخولها أو تفتيشها إلا بأمر مسبب من القاضي المختص الذي يحدد مكان التفتيش والغرض منه وتوقيته، وبعد تنبيه من فيها فيما عدا أحوال الخطر و الاستغاثة . وتضيف المادة 8 "تكفل الدولة حرية إقامة دور العبادة" إضافة إلى النص السابق "حرية الاعتقاد مصونة". وتضيف المادة 9 ضمان حرية الفكر إلى حرية الرأي المنصوص عليها سابقا وكانت المادة الأصلية تنظم حرية الرأي في حدود القانون إلا أن المادة المعدلة تتحرر من قيد القانون وتشترط فقط عدم المساس بحرمة الحياة الخاصة أو حقوق الغير. وتؤكد المادة 13 على حرية المواطن في التنقل داخل البلاد وحرية مغادرتها والعودة إليها، وهو يعالج الخلل السابق وما عانيناه من حرية التنقل طوال السنوات الماضية في محاولات الوصول إلى رفح المصرية وكسر الحصار المفروض على غزة. وتؤكد المادة 15 على " للمواطنين حق الهجرة وحق العودة، وينظم القانون الآثار المترتبة على ذلك " في حين أن النص الأصلي بدستور 1971 كان يضيق ذلك بوضع القانون لإجراءات وشروط للهجرة ومغادرة البلاد. وتعطي المادة 17 حق الاجتماع للمواطنين وتضيق الشروط إذ كانت المادة القديمة تشترط أن يتم الاجتماع في هدوء - وهو ما تم حذفه - والذي كان يفتح بابا واسعا لإلغاء هذه الاجتماعات. كما تضيف المادة حق التظاهرات السلمية - وهو ما لم يكن موجودا بنصه - إضافة إلى الاجتماعات العامة والمواكب. وتضيف المادة 18، 19 إضافات مهمة حول حق المواطنين في تكوين الجمعيات والأحزاب بمجرد الإخطار ثم عدم جواز حلها أو حل مجالس إدارتها إلا بحكم قضائي وهو ما عانت منه الأحزاب والجمعيات والنقابات المهنية وإنا كنا نفضل عدم جواز الحل إلا بقرار من جمعياتها العمومية ووفقا لقانونها الأساسي وليس بحكم قضائي. وحماية البيئة نص قديم إلا أن النص الجديد - مادة 23 - يلزم الدولة باتخاذ تدابير تشريعية وتنفيذية وغيرها لحماية البيئة وترشيد الموارد في إطار الحفاظ على حقوق الأجيال القادمة وهو ما لم تراعيه الحكومات السابقة. وتلزم المادة 27 الدولة بإدراج اسم كل مواطن توافرت فيه شروط الناخب بقاعدة بيانات الناخبين دون طلب ثم تلزمها بسلامة الانتخابات وحيدتها. ***** ولا يخلو الأمر من ملاحظات مادة 10 في أصلها القديم بدستور 1971 كانت تنص استثناء في حالة إعلان الطوارئ أو زمن الحرب أن يفرض على الصحف والمطبوعات ووسائل الإعلام رقابة محددة في الأمور التي تتصل بالسلامة العامة أو أغراض الأمن القومي، وذلك كله وفقا للقانون، إلا أن المادة في نصها الجديد تركت الأمر على إطلاقه. مادة 12 تعفي الدولة من مسئوليتها تجاه البحث العلمي والذي أكد عليه دستور 1971. وتؤكد المادة 13 على "حرية المواطن في التنقل داخل البلاد وحرية مغادرتها والعودة إليها، وفى كل الأحوال لا يجوز الحظر لأسباب سياسية" والجملة الأخيرة لا محل لها فهي تضييق بعد الإطلاق ويفضل حذفها. والمادة 16 حمالة أوجه وتحتمل الأخذ والرد إذ تفتح الباب واسعا أمام حق اللجوء لمصر " تمنح الدولة حق الالتجاء لكل أجنبي محروم في بلاده من الحقوق والحريات التي كفلها هذا الدستور. ويحظر تسليم اللاجئين السياسيين" في حين كانت المادة القديمة تقصر هذا الحق على اللجوء السياسي مادة 37 - تحتاج اختصار نظرا لوجود تكرار مع مواد سابقة. مادة 38 تعطي حق الملكية الخاصة على إطلاقها دون أن تتطرق حق المجتمع في منع الاحتكار مادة 39 - الخاصة بحقوق الطفل يوجد تكرار مع مواد سابقة *** تعديلات مقترحة مادة 10 - حرية الصحافة والطباعة والنشر وسائر وسائل الإعلام مكفولة ، والرقابة عليها محظورة. وإنذارها أو وقفها أو إلغاؤها بالطريق الإداري محظور ، ويجوز استثناء في حالة إعلان الحرب أن يفرض على الصحف والمطبوعات ووسائل الإعلام رقابة محددة في الأمور التي تتصل بالسلامة العامة أو أغراض الأمن القومي. مادة 12 (النص القديم) تكفل الدولة للمواطنين حرية البحث العلمي والإبداع الأدبي والفني والثقافي، وتوفر وسائل التشجيع اللازمة لتحقيق ذلك. مادة 13 - لكل مواطن حرية اختيار مكان الإقامة والتنقل داخل البلاد، وله حرية مغادرتها والعودة إليها، ولا يجوز إلزامه بالبقاء في مكان دون آخر. مادة 16 - (النص القديم) تمنح الدولة حق الالتجاء السياسي لكل أجنبي اضطهد بسبب الدفاع عن مصالح الشعوب أو حقوق الإنسان أو السلام أو العدالة.وتسليم اللاجئين السياسيين محظور. مادة 18 " للمواطنين حق تكوين الجمعيات والأحزاب بمجرد الإخطار ما دامت الغايات مشروعة والوسائل سلمية ، على النحو المبين في القانون وبما لا يقيد من حرية تكوينها أو الانتماء إليها أو يحد من نشاطها ، أو ينتقص من استقلالها ، وتكون لها الشخصية الاعتبارية ولا يجوز حلها أو حل مجالس إدارتها إلا بقرار من جمعياتها العمومية ووفقا لقانونها الأساسي". مادة 19 "إنشاء النقابات والتعاونيات والاتحادات حق يكفله القانون وتكون لها الشخصية الاعتبارية ، وينظم القانون قيامها على أسس ديموقراطية لرفع مستوى الكفاية بين أعضائها والدفاع عن حقوقهم المقررة قانونا ومشاركتها فى خدمة المجتمع ؛ ولا يجوز حلها أو حل مجالس إدارتها إلا بقرار من جمعياتها العمومية ووفقا لقانونها الأساسي.. وتلتزم النقابات المهنية بمساءلة أعضائها عن سلوكهم فى ممارسة نشاطهم وفق مواثيق وضوابط خلقية ومهنية. وتنظم الدولة الحرف بما يحقق أفضل مشاركة لها في خدمة المجتمع". مادة 21 "لا يجوز توجيه الاتهام في جرائم النشر بغير طريق الادعاء المباشر ، ولا توقع عقوبة سالبة للحرية في هذه الجرائم باستثناء ما يتعلق منها بالنيل من سمعة الأشخاص أو أعراضهم أو سبهم أو قذفهم أو التحريض على التمييز أو العنف ضد الأشخاص أو الهيئات أو الممتلكات أو الإساءة للذات الإلهية أو الأديان السماوية" والتعديل هنا يجرم التحريض على الممتلكات (المال) كما يجرم الإساءة للذات الإلهية أو الأديان السماوية (الدين) لنستكمل الحفاظ على المقاصد الضرورية الخمسة للشريعة. مادة 30 - لكل مواطن الحق في بيت صحي يؤويه وبتكلفة يقدر عليها مع مراعاة القيم الجمالية والسمات الحضارية دون ترف أو إسراف. ولجميع المواطنين الحق فى الحصول على الماء النظيف والغذاء الصحي والكساء. وتلتزم الدولة بتوفير جميع هذه الحقوق لمواطنيها. ***** إن الحقوق والحريات في الدستور الجديد يجب أن تكفل حياة حرة كريمة وعدالة اجتماعية وكرامة إنسانية غير منقوصة. والحمد لله رب العالمين وهو ولي التوفيق. 2 سبتمبر 2012 الموقع غير مسئول قانونا عن التعليقات المنشورة