ينادي المعنيون بالبحث العلمي إلى زيادة تمويل مخصصات المؤسسات والمراكز البحثية في جميع المجالات الحيوية؛ كالزراعة والمياه، والصناعة والطاقة، والإنتاج الحربي... وغيرها من المجالات. كما تشجع الدولة الباحثين المتميزين، والمبدعين والمبتكرين للارتقاء بالبحث العلمي، وذلك بمنح جوائز الدولة التقديرية والتشجيعية...وغيرها من الجوائز. كما تشجع المؤسسات الأكاديمية، والمراكز البحثية والجامعات... وغيرها من مؤسسات الدولة جميع الباحثين المتميزين، والعاملين بها على إنجاز أبحاثهم ونشرها في الدوريات العلمية والمؤتمرات الدولية. وفي حقيقة الأمر، لا يكفي دعم البحث العلمي، وتشجيع الباحثين وتحفيز الدارسين والعاملين لنشر أبحاثهم في الدوريات والمؤتمرات المرموقة وحسب، فالبحث العلمي هو قاطرة التقدم، ومنارة الطريق، وأساس بناء النهضة، ولن تتحقق أهداف البحث العلمي بغير وضع خطط متكاملة، ومشاريع بحثية شاملة، وتشييد مراكز علمية متميزة، وتهيئة المجتمع لتطبيق النظريات والتوصيات العلمية الحديثة بالتزامن والتكامل بين جميع مؤسسات الدولة، والسعي نحو التوافق بين جميع العاملين والباحثين في جميع المجالات، واندماج العاملين بمراكز البحث العلمي وأساتذة الجامعات مع مؤسسات الدولة اندماجا فعالاً - من البدايات حتى النهايات- والتبادل الحقيقي للخبرات بعزائم أخلاقية ودوافع وطنية، وتقديم المصالح العامة على المصالح الخاصة، والتعاون الهادف بعقول مستنيرة وقلوب واعية. ومن أهم أهداف البحث العلمي: خدمة المجتمع وتنمية البيئة، تطوير المناهج البحثية، تحديث المقررات الدراسية، تقنين الظواهر الطبيعية للاستفادة منها أو الوقاية من أضرارها، التحكم في المنظومات العلمية وشيوع استخدامات التكنولوجيا الحديثة... وغيرها، وكذلك تحقيق الأهداف والتوجهات القومية، والمصالح العليا للوطن، بداية بالأولويات نحو مسيرة النهضة الشاملة. ومن أهداف البحث العلمي أيضًا، إثراء التراث العلمي والإنساني، ومواكبة علوم العصر والتكنولوجيا الحديثة البناءة. وتتحدد أولويات دعائم البحث العلمي فيما يلي: أولاً التعرف على مفاهيم ونظريات وأسس التخطيط المتكامل، وتطبيق تلك الأسس والنظريات بما يتلاءم مع إمكانيات مصر، وخبرات أبنائها المتوارثة، وبما يتناسب مع الثروات المتاحة، واحتياجات المجتمع، والأهداف القومية. ثانيًا: تحديد الهوية العلمية والاقتصادية لمصر من خلال الموارد الأساسية والإمكانات المتاحة، والخبرات المتوارثة، والتقييم الحقيقي لقدراتنا وإمكانياتنا بين دول العالم المتقدمة. ثالثًا: اتخاذ جميع التدابير والإجراءات الحاسمة لتوفير المناخ العلمي والاجتماعي المناسب، لاستقطاب علماء مصر المغتربين، والخبراء والفنيين العاملين بالخارج-لأسباب متعددة- للمشاركة الفعالة لبناء مصر العصرية على أسس ديمقراطية. رابعًا: تحقيق التوافق بين الصناعات المتناهية الصغر، والصناعات الصغيرة، والصناعات المتوسطة، والصناعات الكبيرة، والصناعات الثقيلة، واندماج تلك الصناعات اندماجًا وطنيًا فعالاً، تحت المظلة الآمنة لبرامج ومشاريع الأبحاث العلمية المتكاملة، مع تشجيع الصناعات المحلية، واستيراد ما يلزم من الأجهزة العلمية المبتكرة، والأدوات التكنولوجية الحديثة، مصحوبة ببرامج متكاملة للتدريب والتشغيل والصيانة، وبرامج شاملة للتركيب والتحديث والتطوير، ومعرفة كيفية عمل تلك الأجهزة والمعدات... وغيرها. خامسًا: الاهتمام بالتعليم العصري المستقر، فللتعليم دور أساسي لتحقيق النهضة، وترسيخ أسس بناء البحث العلمي، ويتبلور التعليم حول ثلاثة محاور أساسية: التعليم العام، التعليم الفني، والتعليم العالي. ومراحل التعليم العام هي المراحل المؤسسة للتعليم الفني والممهدة للتعليم العالي، كما أن التعليم الفني والتعليم العالي هما المرحلتان المؤهلتان لبرامج الدراسات العليا ومشاريع البحث العلمي. ويرتكز البحث العلمي على عدة أركان أساسية ألا وهي: التخطيط المتطور المتكامل، نهضة التعليم بجميع أنواعه، وكافة مراحله -وعلى وجه الخصوص مراحله الأساسية الأولية-، رعاية المبدعين والموهوبين وتشجيع النابغين والمتفوقين، توثيق التبادل الفعال بين مراكز البحث العلمي والجامعات، وجميع مؤسسات الدولة، العمل على تشييد منظومة بحثية وطنية متكاملة، استقلال جميع مؤسسات البحث العلمي عن الممارسات السياسية والتوجهات الخارجية. وجدير بالذكر أن جميع برامج الأحزاب السياسية – قديمة كانت أم حديثة - والمرشحين لانتخابات رئاسة الجمهورية يضعون في أولويات برامجهم الانتخابية تصحيح مسيرة البحث العلمي، وتدعيم جميع المؤسسات البحثية تدعيمًا كافيًا، وتوفير الإمكانيات الحديثة، وإعداد الآليات المتطورة، وتدريب الكوادر اللازمة لها بشكل منهجي متكامل. وقد عانت مصر منذ عقودٍ طويلةٍ - وما زالت تعاني- من تدهور مناهج البحث العلمي، وإخفاق المنجزات التطبيقية والمشروعات البحثية ، وانحسار إمكانيات جميع المؤسسات والمراكز البحثية، وانخراط أعضاء هيئات التدريس بالجامعات، والعاملين بالمراكز البحثية المصرية في إنتاج آلاف الأوراق البحثية العقيمة للنشر والترقي- وكاتب هذا الرأي واحدٌ منهم- بمعزلٍ عن قضايا المجتمع، والمشكلات الواقعية، وتطبيق نتائج وتوصيات تلك الأبحاث في أضيق الحدود، لحل مشكلات مصر وتطوير المجتمع نحو حياة أفضل، مما تسبب في انعزال السواد الأعظم من الباحثين عن القضايا الواقعية، والمشكلات المجتمعية، واغتراب الكثيرين منهم خارج مصر، بحثًا عن مناخ ملائم، وتحقيقًا لعديد من الإنجازات العلمية والتطبيقية المتميزة. ويرى بعض علمائنا الحاصلين على جوائز علميةٍ عالميةٍ ضرورة تمويل و إنشاء مركزٍ علميٍ ٍعالميٍ متميز لمواكبة علوم العصر، وتوظيف وشيوع أدوات التكنولوجيا الحديثة، واعتباره نواة حقيقية للدراسات المتقدمة، ونقطة تحول للانطلاق. كما يرى البعض الآخر ضرورة تكثيف الجهود والإسراع بدعم وتنفيذ المشاريع القومية الكبرى للتعمير والتنمية، والتطوير والتحديث. وكاتب هذا الرأي يؤيد هذه الآراء التي تتوافق مع أهداف ثورة 25 يناير للتغيير الجذري الشامل، وآراء إيجابية أخرى، مع ضرورة الالتزام بالتوجهات القومية، وتحقيق المصالح العليا لمصر. فهل يتبدل حال البحث العلمي في مصر من واقعٍ هزيلٍ إلى مستقبل واعد بالخير؟ أدعو الله أن يوفقنا لما يحب ويرضى.. الموقع غير مسئول قانونا عن التعليقات المنشورة