من المعلوم لجميع المعنيين بقضايا التعليم والتعلم، تدهور جودة التعليم بجميع مراحله، مما تسبب في ارتفاع معدلات البطالة، وعدم توافق الخريجين مع أسواق العمل ومتطلباتها، والواقع الذي نعايشه خير دليل على ذلك. وأصبح السلوك العام للعاملين والمتعلمين والمعلمين في كثير من المؤسسات التعليمية هو تجميل العملية التعليمية، والتستر على كثير من العيوب الجوهرية، والرضا بالأمر الواقع الهزيل. والسؤال المحير، متى ينتهي هذا الوضع الزائف؟ متى يصبح التعليم من أجل قيم التعليم والتعلم؟ متى يصبح التعليم من أجل رفعة الوطن ونشر الوعي وإثراء الحياة بكل ما هو أصيل ونبيل، وكل ما هو نافع ودافع للتطوير والنهضة. ومتى يصبح التعليم مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بأسواق العمل، والتكنولوجيا الحديثة، والحياة العصرية بشتى صورها وأدواتها؟ ولم ولن تستقيم مسيرة التعليم نحو النهضة بغير النوايا الصادقة، والهمم المخلصة، والوعي الشامل، والأخذ بالخبرات التعليمية والأصول التربوية، والتوصيات العلمية التخصصية دون غيرها من التوجهات والتوجيهات، ويجب تضافر جميع الجهود، دارسين وعاملين ومعلمين وأساتذة وقيادات وسياسات لبناء أسس راسخة، وتشييد كيان متكامل لجميع مراحل التعليم بالتوافق والتناسق مع جميع المؤسسات التعليمية التربوية والمراكز البحثية والجامعات... وغيرها من المؤسسات. وإنني أنادى ملحاً بالفهم العميق والرؤية الشاملة للمشكلات قبل الخوض فى وضع السياسات وطرح الحلول، وقبل وضع الخطط المتكاملة والمناسبة لاستقرار سياسات التعليم، والارتقاء بجودة أداء العملية التعليمية. ومن أهم أسباب إنجاح التعليم وجودة العملية التعليمية، استقلال جميع المؤسسات التعليمية كالمدارس والمعاهد والكليات والجامعات استقلالاً تاماً عن جميع التوجهات والتوجيهات الخارجية، وذلك بتطبيق السياسات اللامركزية، وإنجاز العملية التعليمية بحياد تام وموضوعية، والالتزام بالبرامج التعليمية التربوية العلمية والتدريبية المعتمدة، الهادفة والمؤهلة لمتطلبات مخرجات التعليم، والممهدة لحياة الإنسان المعاصر فى جميع المجالات. ومن أهم مقومات إنجاح العملية التعليمية حسم قضية لغة وأساليب التعليم والتعلم، ووضع برامج متكاملة ومتناسقة للتعليم والتعلم باللغة العربية الميسرة، وضبط وتصحيح وتوحيد المصطلحات بالتوافق مع برامج التعليم باللغات الأجنبية، دون إخلال بالأسس والمفاهيم العلمية، والإجراءات التطبيقية والعملية، والأغراض التعليمية، والأهداف البحثية، والخطط والسياسات القومية. وكذلك السعي بقدر المستطاع نحو تحقيق التناسق والتوافق والتكامل بين جميع مؤسسات التعليم الحكومي والتعليم الخاص، وإعادة النظر في تقصير مؤسسات التعليم الحكومي بدعوى قصور الموارد المالية، وعدم توفر الإمكانيات، وقصر ذات اليد، وكذلك إعادة النظر في تهاون بعض مؤسسات التعليم الخاص الاستثمارية، لضمان الاستمرارية وتحقيق عوائد مرضية. وفى حقيقة الأمر التعليم استثمار وطني بشرى وليس استثمار مالي مادي.