هل من حق كل مواطن مصري يعيش على أرض المحروسة أن يتقدم بأوراقه للترشح لانتخابات رئاسة الجمهورية ؟ بالقطع سيجيب رئيس اللجنة العليا لانتخابات الرئاسة أنه من حق كل المصريين الشرفاء الذين يتمتعون بشروط الترشح دون انتفاء لشرط منها أن يتقدموا بأوراقهم إلى اللجنة في المواعيد المحددة لذلك مع التنبيه عليهم بضرورة الالتزام بقواعد انتخابات الرئاسة ، ولأننا لم نلتزم بقواعد انتخابات مجلس الشعب فإننا بالضرورة سنُكمل مسلسل الخروج على شرعية القانون. وبالفعل هناك وجوه باتت مألوفة ومعروفة من كثرة ظهورها الإعلامي دون ضابط أو توقيت يسمح بالتقاط تفاصيل ما يعرضونه ، قامت بالإعلان عن ترشحها للرئاسة منذ وقت طويل ، ومنهم من ذهب سريعاً للجنة صباح عملها الرسمي لتقديم الأوراق ، ومنهم من ينتظر ، وهناك وجوه في الظل لا يعرف عنها أحد من عباد هذا الوطن اللهم سوى معارفهم وجيرانهم وأقاربهم والذين كبَّروا الموضوع في عقولهم . والمرسوم الدستوري الخاص بشأن الترشح لرئاسة الجمهورية ينص على شرعية كل مواطن مصري الترشح ما لم يكن ذا شبهة جنائية أو رهن جرائم تتعلق بالمال العام أو أن يكون قد صدر في حقه حكماً قضائياً يعلن أنه حرامي كبير قوي . ولعل انتفاء هذه الشروط سيجعل المئات من أبناء الشعب المصري يهرعون إلى إعلان الترشح لمنصب رئيس جمهورية مصر العربية ، وهذا حق دستوري كفله الدستور الذي لم يعد أساساً ويكفله القانون بعد عودة الاستقرار إلى المحاكم وعودة العمل نتيجة الاضرابات التي يقيمها الموظفون بالمحاكم . وصدور قانون انتخابات الرئاسة الذي وضع قبل الجلسة الافتتاحية لمجلس الشعب وبدء عمله التشريعي والرقابي يضع المجلس نفسه في ورطة كبيرة حيث إنه لا يجوز للمجلس مناقشة مرسوم الانتخابات في هذا الوقت بعد إعلانه ، كما أن المجلس نفسه قد أصابته عين الحسود ، فلم يعد ذا بريق أو لمعان كما كان له قبل انعقاده أو في جلسته الإجرائية ، بعد أن احترف بعض النواب الشو الإعلامي ، وتعالت الصيحات بضرورة جعل الجلسات سرية مثلها مثل محاكمة مبارك ورموز النظام البائد . لكن الذي يعنينا هو أنه لا يجوز لأي شخص الترشح لرئاسة الجمهورية ، فبدون اللغط حول شخصيات بعينها أرى أن هناك أسماء ظهرت على المشهد الرئاسي لا يعرفها الشارع المصري من الأساس ، بل إن السيرة الذاتية لهم لا تشير من قريب أو من أبعد جهة جغرافية أي عملهم بالحقل السياسي . سوى أن بعضهم يدعي أنه يأمل ويطمح وربما يحاول ومن المحتمل أن يسعى ، وكل هذه العبارات تشير إلى أنه يدخل حلبة المنافسة وهو لا يمتلك أية أدوات تفيد قدرته على العقد والحل . وحقاً أنا أخشى على انتخابات الرئاسة من أن تتحولى إلى سيرك أو مولد شعبي لما تتضمنه من وجوه غير سياسية تصلح للحياة الاجتماعية اليومية ، لكنها ربما لا ترتقي للعمل السياسي الرفيع أعني منصب الرئيس . وربما سينكشف أمرهم السياسي حينما لم يقدروا على استقطاب ثلاثين نائباً برلمانياً لتأييد ترشحهم . وكان لابد من وضع شرائط وضوابط حاسمة لمن ينتوي الترشح لانتخابات رئاسة الجمهورية ، لأن دولة كبيرة بحجم مصر تشترط وجود رئيس قوي له باع طويل وكبير من النشاط والنضال والعمل السياسي ، لا جعله مرتعاً خصباً لهواة الشهرة . لكن قدر الله وما شاء فعل ، فباب الترشيح قد فتح بالفعل ، لكن مصر حقاً بحاجة إلى رئيس جديد ، والجدة لا تعني أننا نستورده من خارج البلاد بل نحتاج إلى رجل سياسي ماتع ورائع له تاريخ سياسي فعلي لا مجرد موقفه المعرض من نظام أو سلطة ، ولا صوته العالي الذي لا يعرف طريقاً للصمت ، ولا صاحب دبلوماسية لا محل لها من الإعراب ، ولا رئيس يقدم فروض الولاء والطاعة لجماعة أو فئة أو حزب أو طائفة بقصد تأييده وقت الانتخابات . مصر بحاجة إلى رئيس فرز أول ، وهذا رأيي ورأي كثيرين بحاجة إلى قوة ناضجة ورجل يتمتع بكاريزما تمنحه حق قيادة هذا الوطن الذي أصبح كل مواطن فيه قائداً بالفعل ، وهذا يجعلنا نتوقف كثيراً عند كل المرشحين المحترمين الذين لهم تاريخ سياسي ونضال وطني بالطبع مشرف ، ولكن السيرة الذاتية ليست وحدها كفيلة برئاسة مصر في مثل هذه الظروف الطارئة على مصر . وعلماء النفس المتخصصين يفسرون طبيعة الكاريزما الشخصية بأنها القدرة على الاستقطاب والاستلاب الجماهيري ، وتمتع الشخصية بمهارات نافذة للتأكيد على فكرته أو القدرة على العقد والحل دون تردد أو مواربة . وهذا الشعب الذي خرج يوم الخامس والعشرين من يناير والذي صُدم في برلمانه الذي هرع لانتخاب أعضائه ففوجئ بنائب يكذب ، وآخر يرفع الآذان ، وثالث يسب ويشتم ، ورابع وخامس وسادس .. ، أصبح في مقدوره أن يميز بين الغث والثمين ، وأصبحت لديه القدرة الفائقة استقراء وجه محدثيه ، بل هذا الشعب أصبح يمتلك الوقت بعد أن كان الوقت يمتلكه وهو عاجز عن إيقاف حركة الساعات والدقائق والثواني . فهل من بين كل المرشحين الذين سيتوافدون على مقر اللجنة العامة لانتخابات رئاسة الجمهورية من هو فرز أول ؟ أم أن الجميع سيعيد تصنيع نفسه من جديد ؟ ...